الجمعة، 27 يناير 2023

ما بين تحقيق الذات والواقع: المرأة الفلسطينية وقبضة المجتمع والسلطة الفلسطينية واسرائيل


كتبت ميساء ابو غنام ـ

ما زالت المرأة الفلسطينية تصارع من اجل البقاء .....من اجل تحقيق الذات والانا العليا ومن اجل ايجاد مكان مرموق يليق بتضحياتها ونضالها الذاتي والمجتمعي والسياسي،الا انه وبرغم كل ذلك ما زالت المعوقات والعقبات تحيط بها من جميع الجوانب،عوائق اجتماعية وسياسية وقانونية واقتصادية اثرت بشكل مباشر وغير مباشر على تطورها ولكن رغم ذلك هي تسير بخطوات واثقة لتحقيق مرادها بالتحدي والارادة احيانا وبالنضال المؤسساتي احيانا اخرى وبالتمرد ايضا على جميع القوانين الاجتماعية والسياسية التي تسعى لتجريدها من حقها في ان تكون شريكا قويا في سوق العمل الفلسطيني وايضا الاستقلالية الاقتصادية التي تحررها من قبضة الرجل والمجتمع والفساد السياسي والكساد الاقتصادي لتصبح رائدة في مجتمعها تقرر مساره ونمائه وتقدمه ...

تلعب القوانين الاجتماعية دورا كبيرا في تمكين المرأة الفلسطينية وزيادة قدرتها على تحقيق ذاتها بدأ من العادات والتقاليد التي تحد من انطلاقها نحو اخذ مكانتها التي تستحقها وذلك من خلال تحديد نوع العمل الذي تقوم به ونوع التخصص الذي تتعلمه وحرمانها احيانا من حق العمل لاسباب ذكورية اساسها تخوف الرجل الفلسطيني من استقلاليتها الاقتصادية والتي نؤثر بشكل مباشر على سيطرته عليها وتحكمه بقراراتها ومصيرها وجعلها رهينة معتقداته واداة يتحكم بها تحت بند انه قوام عليها .

فالاستقلالية الاقتصادية تلعب دورا اساسيا في تحرر المرأة من العادات والتقاليد البالية ومن هيمنة الرجل عليها وبالتالي تصبح قدرتها على مواجهة تحديات قمعها اكبر وتصبح قادرة على اخذ قرارات حياتها ومستقبلها بشكل اسهل وهذا ما يخيف المجتمع ويجعله اكثر تطرفا في منعها من العمل ومن حقها في هذه الاستقلالية.

الا اننا هنا لا نستطيع ان نستثني بعض التحولات في المجتمع الفلسطيني وفي تغيير واضح في نظرة هذا المجتممع لعمل المرأة،وهذا التحول ليس منبعه تغيير في العادات والتقاليد عند البعض ولكن الوضع الاقتصادي الفلسطيني اجبر الرجل احيانا على التنازل عن حقه المطلق في العمل واستعباد المرأة والسماح لها بالعمل نتيجة عدم قدرته على تلبية احتياجاته واحتياجات اسرته ان كان معيلا وبالتالي لا مفر من ترك الباب مفتوحا والسماح لها بالعمل ولكن ضمن شروطه وفوانينه.

الوضع الاقتصادي السيئ الناتج عن العجز السياسي وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على التقدم في مسار المفاوضات مع اسرائيل وتغيير الواقع السياسي وغياب افق وحلم الدولة الفلسطينية واغلاق الضفة الغربية واعادة هيمنة اسرائيل على حكم الضفة الغربية وتحويل السلطة الفلسطينية الى مؤسسة خدماتية لوجستية فقط للشعب الفلسطيني الامر الذي اثر بشكل مباشر على نماء وتطور الاقتصاد الفلسطيني والذي بالاساس مسيطر عليه من قبل اسرائيل الامر الذي اثر على فرص عمل المرأة الفلسطينية لغياب الافق السياسي والخطط الاستراتيجية للتطوير سوق الغمل الخاص بقطاع النساء و هيمنة اسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني وكافة قطاعاته عوضا عن الفساد السياسي الذي يرافق كل ذلك من نهب وسرقة اموال الشعب الفلسطيني من قبل رموز السلطة وقيادتها خصوصا عوائد الضرائب والمساعدات الدولية والعربية وايضا سرقة اسرائيل احيانا من عوائد الضرائب الفلسطينية التي لديها (مقاصات)والحجز عليها واقتطاع ديون السلطة الفلسطينية .


اما المعيقات الاقتصادية هي محور الصراع والتي تلعب دورا كبيرا في تحجيم قدرة المرأة الفلسطينية على الانطلاق نحو سوق العمل،فعدم توفر الشواغر الوظيفية للخريجات نتيجة عوامل عدة،اساسها المحسوبية في التعيين والفساد الاداري من قبل رؤساء العمل واعتماد سياسة الواسطة في الاختيار لابناء وعائلات واصدقاء القائمين على المؤسسات الفلسطينية الحكومية والخاصة تجعل الفرص شحيحة لمن هم لا يمتلكون هذه الخاصة،بالاضافة الى كثرة الخريجات من الجامعات الفلسطينية بحيث تصبح المنافسة عالية مع قلة احتياج السوق لهذا الكم الهائل من المتعلمات الامر الذي ادخلهن في سوق البطالة.

وايضا هيمنة اسرائيل على السوق الفلسطيني نتيجة اتفاق اوسلو واتفاق باريس الاقتصادي عام 1994 والذي جعل الاقتصاد الفلسطيني الخاص في قبضتها قد حد من استقلالية السوق والاقتصاد الفلسطيني الامر الذ اغلق الباب نحو تغيير واضح لفتح هذا السوق وفتح سوق العمل للمرأة ....

والادهى من ذلك هو نزوح العامل والعاملة في الضفة الغربية عن العمل في مناطق السلطة نتيجة تحديد الحد الادنى من الاجور ب 400 دولار وبالمقابل تفتح اسرائيل ابوابها لهم،واصبحت الانثى الفلسطينية كما الرجل تحاول العمل في اسرائيل حيث الحد الادنى من الاجور ب 1500 واستطاع الفلسطينينون ذكورا واناثا اخذ تصاريح عمل بشكل ذاتي من خلال موقع المنسق التابع للادارة المدنية الاسرائيلية والتي تدير الضفة الغربية حاليا وبذلك استحوذت اسرائيل على قوة العمل الفلسطيني واصبحت بعض النساء تعمل في مجال رعاية المسنين والزراعة وقطاع التنظيف والمحلات التجارية والمطاعم والمصانع وغيرها،وليس هذا فحسب بل ابضا بدأت اسرائيل باستدراج الاكاديميين الفلسطينين خصوصا في قطاع الطب والهندسة والتكنولوجيا للعمل لديها .

ومن المعوقات ايضا قانون العمل الفلسطيني،على الرغم من ان القانون الفلسطيني اعطى امتيازات متساوية بين الذكر والانثى في حقوق العمل الا ان الواقع على الارض مختلفا،فهناك تمييز بين في الاجر بين الجنسيين،وضع الرجل في المناصب الهامة واستثناء النساء منها على الرغم من درجاتها العلمية العالية وامكانياتها التي تتفوق على الرجل.

فنسبة تعليم الانثى في فلسطين وحصولها على درجات عليا في تصاعد مستمروبالمقابل تزداد البطالة لديهن فحسب احصائيات مركز الاحصاء الفلسطيني هناك ارتفاع في معدل بطالة النساء الفلسطينيات و التي زادت في الأعوام ما بين 2000 – 2020 لتصل الى 52 %، فقد بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 40% مقابل 23% بين الرجال للعام 2020، في حين كان هذا المعدل 54% بين الشباب من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 69% للإناث مقابل 39% للذكور، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر، لا سيما أن هناك 11% من الأسر في الضفة والقطاع تترأسها نساء بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهذه الأسر هي الأكثر عرضة للفقر حيث قفزت معدلات الفقر من 40% في عام 2005 الى 56 % في عام 2020 ونصيب الأسرة التي ترأسها امرأة من الفقر 19% في الضفة و54 %في غزة .


اما نسبة مشاركة الاناث في القوى العاملة صنف على النحو التالي 

حسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في 7 آذار 2022، بلغ عدد الإناث في فلسطين 2.63 مليون أنثى من مجموع السكان المقدر في منتصف عام 2022، وبنسبة بلغت 49%، فيما وصلت نسبة الجنس 103.3، أي أن هناك 103 ذكور لكل 100 أنثى، وجاء في البيان أن هنك ارتفاع في نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة للعام 2021 مقارنة مع عام 2020، فقد بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 17% من مجمل النساء في سن العمل في العام 2021 بعد أن كانت النسبة 16% في العام 2020، مع العلم أن نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة بلغت 69% مع 65% لنفس الفترة..

معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة: بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 43% مقابل 22% بين الرجال للعام 2021. في حين بلغ معدل البطالة 53% بين الشباب (19-29 سنة) من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 66% للإناث مقابل 39% للذكور.

المستخدمات بأجر في القطاع الخاص: 29% من العاملين المستخدمين بأجر في القطاع الخاص يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحد الأدنى للأجر والبالغ (1,450 شيقلاً)، حيث بلغت النسبة 29% للرجال، مقابل 30% للنساء. و25% من المستخدمات بأجر في القطاع الخاص يعملن دون عقد عمل، و56% يحصلن على مساهمة في تمويل التقاعد/ مكافأة نهاية الخدمة، بالمقابل أكثر من نصف المستخدمات بأجر في القطاع الخاص (52%) يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر وذلك للعام 2021

مساهمة النساء في القطاع المدني: وحسب بيانات ديوان الموظفين العام حتى شهر شباط 2022 فقد بلغت مساهمة النساء في القطاع المدني 47% من مجموع الموظفين، وتبرز الفجوة في نسبة الحاصلات على درجة مدير عام فأعلى التي بلغت 14% للنساء مقابل 86% للرجال.

مشاركة النساء في صنع القرار والحياة العامة والمواقع القيادية يعد جانباً أساسياً من جوانب المساواة بين الجنسين: بلغت نسبة النساء الفائزات في الانتخابات المحلية 2021 (المرحلة الأولى) 22% مقابل 78% للرجال الفائزين، حيث كانت نسبة النساء المرشحات 26% من مجموع المرشحين، وكان هناك 9 قوائم أي ما نسبته 1% من إجمالي القوائم الانتخابية ترأسها نساء.

لا تزال مشاركة النساء في مواقع صنع القرار محدودة ومتواضعة مقارنة مع الرجال، حيث أظهرت البيانات لعام 2022 أن النساء تشكل حوالي 25% من أعضاء المجلس المركزي، وأشارت بيانات 2020 إلى أن النساء تشكل 11% من أعضاء المجلس الوطني، و12.5% من أعضاء مجلس الوزراء هن نساء، و11% نسبة السفيرات في السلك الدبلوماسي، كما أن هناك إمراة واحدة تشغل منصب محافظ من أصل 16 محافظ، 2% من رؤساء الهيئات المحلية في فلسطين هنَ من النساء، أما عن ادارة مجلس الغرف التجارية والصناعية والزراعية فقد بلغت النسبة 99% من الرجال، مقابل 1% فقط من النساء، وحوالي 19% نسبة القاضيات، ونسبة وكيلات النيابة تبلغ %20

الخميس، 26 يناير 2023

هل يقدم نتنياهو على هدم الخان الأحمر؟

 


بقلم :- راسم عبيدات

يبدو بان قضايا الطرد والتهجير والإقتلاع والتطهير العرقي،تلاحق العديد من التجمعات والأحياء والقرى والبلدات الفلسطينية في النقب، قرية العراقيب تهدم للمرة ال212، وفي مسافر يطا يتعرض اكثر من  12تجمعاً فلسطينيا للهدم،وبما يعرض ثلاثة ألآلاف  مواطن فلسطيني لخطر الطرد والتهجير، وفي منطقة الأغوار العديد من التجمعات السكانية تتعرض لتطهير عرقي، اما في القدس فهناك أحياء سلوان الستة التي يتهددها خطر التطهير العرقي،احياء بطن الهوى وعين اللوزة والبستان ووادي حلوة وواد ياصول ووادي الربابة،في حين يتهدد خطر التطهير العرقي احياء الشيخ جراح الغربية" جورة النقاع" وحي الشيخ جراح الشرقي ...ومن بعد تشكل  حكومة اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،عادت قضية طرد وتهجير سكان التجمع البدوي في الخان الأحمر،عرب الجهالين، لتطفو على السطح مجدداً ،وتتصدر المشهد،حيث طالب زعيم ما يسمى ب " القوة اليهودية"  ايتمار بن غفير،بهدم قرية الخان الأحمر وطرد وتهجير سكانها مجدداً،وكذلك هدم منازل الفلسطينيين في خمس مناطق من الضفة الغربية،بالإضافة الى قرية الخان الأحمر.

 قرية الخان الأحمر ،طُرد وهُجر سكانها من النقب عام 1951،حيث استولت دولة الكيان على مئات ألالاف الدونمات من أرض النقب العربية الفلسطينية، وتجمع بدو الجهالين في الخان الأحمر،جزء من 46 تجمع بدوي في الضفة الغربية، هذه العملية تشترك فيها حكومة الكيان بكل مكوناتها ومركباتها وفي توزيع للأدوار بينها، فالقرية التي سيجري ابعاد سكانها عن ارضهم وهدم مساكنهم وقطع أرزاقهم،يعيش فيها 200 شخص منهم ما لا يقل عن 100 طفل،وقد اقيمت على أرض القرية عام 1977،مستوطنة "معاليه ادوميم" ثاني أكبر المستوطنات في الضفة الغربية،والمضايقات على سكان القرية والحد من حركتهم، تصاعدت في عام 2000 ،حيث منع أي شخص لا يسكن الخان الأحمر،حتى لو كان من نفس العائلة  او  العشيرة من دخولها،وفي عام آذار /2010،أصدرت الإدارة المدنية قراراً بهدم قرية الخان الأحمر وكافة المنشئات عليها،ولكن رفض الأهالي للقرار وتمسكهم بأرضهم وصمودهم،وكذلك الضغوط الدولية والدبلوماسية والحراك الوطني والشعبي والرسمي، وقرار الجنائية الدولية بإعتبار عملية طرد وتهجير سكان قرية الخان الأحمر جريمة حرب منع طردهم وترحيلهم،واستمرت حكومة الكيان كل ستة شهور تؤجل عملية طرد واقتلاع سكان الخان الأحمر ،والتي كانت  دائماً تستخدم في المزايدات الانتخابية بين المكونات والمركبات الحزبية الإسرائيلية،ولكن الظرف السياسي والضغوط الدولية وحساسية المنطقة كانت تحول دون تنفيذ القرار، حتى أيار /2018،حيث صدّقت المحكمة العليا الإسرائيلية على أمر الإدارة المدنية والسلطة العسكرية الإسرائيلية بتهجير سكانه وهدم التجمعات البدوية مقابل توفير بديل ملائم لهم.


والسؤال المركزي هو ،ما الذي يدفع  حكومة اليمين المتطرف والكهانية اليهودية للدفع بقضية الخان الأحمر الى واجهة الأحداث،فنحن ندرك بأن نتنياهو يريد الهروب الى الأمام، وتصدير أزمته الناتجة عن الإحتجاجات الواسعة والضخمة للجمهور الإسرائيلي ضد سياسة  حكومته وخطة وزير قضائه ياريف ليفين،للسيطرة على منظومة القضاء،واحداث تغييرات جوهرية في تلك المنظومة،بحيث تجعل تلك التغييرات  منظومة القضاء تحت سيطرة الحكومة والكنيست،والقضاة مجرد موظفين عموميين،ولذلك سيسعى الى تنفيس  حالة الغضب والإحتقان الداخلي،وصرف الأنظار عن مشاريعه ومخططاته، الهادفة للسيطرة على منظومة القضاء  ،بما يضمن شطب التهم الثلاثة المنظورة ضده امام القضاء لدولة الكيان،وكذلك اعاده صديقه زعيم حركة " شاس " درعي الى الحكومة،والذي اضطر الى إقالته من وزارتي الداخلية والصحة،بناء على قرار قضائي من المحكمة العليا، ومن هنا  تأتي قضية إعادة قضية الخان الأحمر الى الواجهة،لكي يجري " تسكين" الخلافات الداخلية،ومنع تطور وزيادة احجام واعداد المحتجين،وانضمام مؤسسات اخرى اليهم مجتمع مدني وشركات،أي منع انتصار حزب المال والشركات على حزب المستوطنات،وبنجاحه في السيطرة على منظومة القضاء،سيفكك ما يسمى المؤسسات العميقة لما يعرف باليسار الصهيوني.وليس هذا العامل الوحيد الذي جعل نتنياهو والفاشية اليهودية تدفع بقضية الخان الأحمر  للواجهة،وهي مقاربة لها علاقة بالبعد الأمني والتقديرات الإستخبارية والعسكرية والأمنية، بان تصاعد اعمال ا ل م ق ا و م ة في الضفة الغربية،وعدم السيطرة عليها،وقدوم شهر رمضان الذي سيتقاطع فيه ما يعرف بعيد الفصح اليهودي في اسبوعه الثالث  من 6/4 ولغاية 14/4 /2023 مع الشهر الفضيل،حيث ستعمد الجماعات التلمودية والتوراتية،وفي المقدمة منها المتطرف بن غفير،للقيام باوسع اقتحامات للأقصى،وعدم تبريد جبهة الضفة،يعني بأن الأوضاع قد تنفجر على نحو يشبه  معركة "سيف القدس" في ايار عام 2021،وربما هذا الإنفجار يكون على نحو اوسع وأشمل ،ولذلك نشهد الحرب المسعورة التي تشن على شعبنا و م ق ا و م ت ه في الشمال الفلسطيني،والتي سقط فيها  اليوم في جنين ومخيمها تسعة ش ه د اء،وفي الرام بالقدس ش ه ي د،وأمس ش ه ي د ي ن في قلقيلية ومخيم شعفاط،ولترتفع حصة جنين ومخيمها من الشهداء في هذا الشهر ل  19 ش ه ي د اً،ولذلك  هذه الحرب ضرورية لضمان الهدوء في شهر رمضان ومروره بدون تصعيد،كرد على الإقتحامات الواسعة التي ستنفذها الجماعات التلمودية والتوراتية فيما يعرف بعيد الفصح اليهودي،والتي طقوسها قد تشمل إدخال قرابين الفصح الحيوانية وذبحها في ساحات المسجد الأقصى.

اذا  رغبة نتنياهو في التفرغ للملف النووي الإيراني الذي يعتبره اقصى أولوياته، وكذلك الإنشغال العالمي بما يحدث في اوكرانيا، والدوافع الشخصية لنتنياهو، والعوامل  الداخلية الإسرائيلية،والمركبات المؤثرة في الإئتلاف الحاكم، والتقدير الأمني والعسكري للوضع في الضفة الغربية،كلها قد تدفع بنتنياهو الى التعجيل وحسم قضية هدم الخان الأحمر، فهو يرضي شركائه في الحكم من الفاشية اليهودية ويمنع سقوط حكومته،ويتمكن من السيطرة على منظومة القضاء، وشطب القضايا المنظورة ضده امام قضاء دولة الكيان،من رشوه وسوء إئتمان وخيانة أمانه،والعمل على إعادة حليفه درعي  زعيم حركة " شاس " الدينية كوزير في الحكومة .

الثلاثاء، 24 يناير 2023

وقوع انقلاب في مانيلا غير مستبعد .. لماذا؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

سادت الفلبين مؤخرا شائعات بقرب وقوع انقلاب عسكري ضد حكومة الرئيس فرديناند ماركوس الإبن (بونغ بونغ ماركوس) الذي وصل إلى السلطة في انتخابات العام الماضي الرئاسية في أعقاب تحقيقه فوزا كاسحا على منافسته بحصوله على نحو 30 مليون صوت، فما هي أسباب هذه الشائعات؟ وما مدى جديتها؟

بداية فإن تحرك الجيش ضد السلطة المدنية المنتخبة ليس بالأمر الجديد في هذه البلاد. فوالد الرئيس الحالي (الديكتاتور فرديناند ماركوس) زرع بذور الانقلابات العسكرية بتحوله من رئيس منتخب في عام 1965 إلى ديكتاتور يحكم بالأحكام العرفية. وخلال فترة حكمه الديكتاتوري من 1972 إلى 1986 تعرض لمحاولة انقلاب فاشلة سنة 1976 قادتها جماعة "لابيانغ مالايا" شبه العسكرية المتطرفة.

خرج ماركوس الأب من السلطة في فبراير 1986 تحت ضغط ثورة شعبية مدعومة من الكنيسة والجيش وقوات الشرطة، فعاد المدنيون إلى الحكم من خلال السيدة كورازون أكينو التي قادت الفلبين من فبراير 1986 حتى يونيو 1992، والتي شهد عهدها أكثر عدد من محاولات الإنقلاب الفاشلة بقيادة ضباط كبار من الجيش والشرطة أو محاولات التمرد من قبل الجنود وأعوان الرئيس المخلوع ماركوس. فما بين يوليو 1986 و أكتوبر 1990 وقعت تسع محاولات انقلاب وتمرد بذرائع مختلفة، بل أن العقيد "جريجوريو هوناسان" وحده قام بمحاولتيين متعاقبتين فاشلتين في عامي 1987 و 1989.  وحتى بعد انتهاء فترة رئاسة أكينو، لم يسلم خلفاؤها من محاولات الإطاحة بهم، فكانت هناك ثلاث محاولات تمرد أو إنقلاب في الأعوام 2003 و2006 و2007 قام بها جنود متذمرون.

بالعودة إلى قضية الشائعات التي انتشرت مؤخرا، نجد أن أسبابها تكمن أساسا في ضعف الرئيس الحالي وقلقه من انفلات الأمور من بين يديه، بدليل عدم ثباته في قراراته واقدامه على تعيينات وتنقلات مفاجئة في صفوف قيادات الجيش والشرطة ووزاء الحكومة ورؤساء الأجهزة العامة، وهو ما أثار مخاوف واسعة من احتمالات أن يقدم المتضررون على الرد من خلال التآمر للإطاحة بالسلطة المدنية الحالية، وبالتالي دخول الفلبين مجددا في حالة من الفوضى وعدم الإستقرار.

في التفاصيل، نرى أن الرئيس ماركوس الإبن بدأ العام الجديد بتغييرات واسعة ومفاجئة في القوات المسلحة، من أهمها إعادة تعيين الجنرال المتقاعد " أندريس سينتينو" كرئيس لأركان الجيش، بدلا من الجنرال "بارتولومي باكارو" الذي كان قد  تمت ترقيته بسرعة ليحل مكان سينتينو العام الماضي. ردة الفعل الأولى على هذا القرار تمثلت في استقالة الجنرال "خوزيه فوستينو" من مسؤولياته في وزارة الدفاع احتجاجا بقوله أنه لا يقبل بتشويه أو إهانة أو تسييس الجيش.

اتخذ المراقبون من ردة الفعل هذه من جانب جنرال كبير مثل فوستينو كمؤشر للقول بوجود انقسامات داخلية في مؤسسة الجيش، خصوصا بعد توجيه الجنرال سينتينو كلمة إلى ضباطه دعاهم فيها لنبذ الفرقة والانقسام، الأمر الذي فجر شائعات الانقلاب العسكري. أما ما عزز هذه الشائعات فهو وقوع هزة في أجهزة الأمن والشرطة الفلبينية بالتزامن تمثلت في دعوة وزير الداخلية والحكم المحلي "بنيامين أبالوس" لنحو ألف من جنرالاته وضباطه لتقديم استقالالتهم بسبب انتشار الفساد في أجهزة انفاذ القانون، مشيرا بذلك إلى تورط محتمل لهؤلاء في أنشطة متعلقة بالمخدرات. 

والحقيقة أن الهزات والانقسامات ليست مقتصرة على مؤسستي الجيش والشرطة فحسب وإنما تعاني منها أيضا إدارة وحكومة الرئيس بونغ بونغ ماركوس نفسها. ففي الأشهر الستة الأولى من توليه سلطاته وتشكيله لحكومته الأولى ترك العديد من أعضاء مجلس الوزراء مناصبهم، بمن فيهم صديقه المقرب وذراعه الأيمن وقائد حملاته الانتخابية السابق المحامي "فيكتور رودريغيز" الذي شغل منصب الوزير التنفيذي الأول من يونيو إلى سبتمبر 2022، والذي يعتقد أنه شارك في إحداث خلخلة في إدارة رئيسه في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بعد أن رفض ماركوس منحه المزيد من الصلاحيات بناء على نصيحة كبير مستشاريه القانونيين العجوز الجنرال السابق "خوان بونسيه أنريلي" (98 عاما) الذي شغل حقائب الدفاع والعدل والمالية زمن والده الديكتاتور.

في وسط هذه الأجواء القلقة، حدث ما صب الزيت على نار الشائعات، بإغلاق مطار مانيلا الدولي والتسبب في تعطيل مئات الرحلات الجوية وتكدس المسافرين. وبطبيعة الحال، فإن اغلاق مرفق حيوي كالمطار دون مبرر جعل الفلبينيين، ولاسيما رواد مواقع التواصل الإجتماعي، يعتقدون بوجود تحرك عسكري للإطاحة برئيسهم المنتخب. والأدهى من ذلك أن هذا الحدث تزامن مع صدور مذكرة تحمل شعار الشرطة الوطنية حول اعلان التأهب الكامل لكافة منتسبي الأمن لمواجهة أي اضطرابات محتملة في معسكر أغوينالدوالعسكري القريب من المقر الرئيسي للشرطة، قبل أن يعلن المتحدث الرسمي باسم الشرطة العقيد جان فاجاردو أن وضع قواته في حالة التأهب القصوى لم يكن بسبب قلق من حدوث انقلاب او تمرد، وإنما لتأمين تجمع ديني سنوي في العاصمة يشارك فيه عادة نحو مليوني مصلي.

جملة القول أن إعادة تعيين سينتينو رئيسا لأركان الجيش تثير القلق والعديد من الأسئلة  مثل هل كانت إعادته تصحيح لخطأ قام به ذراع الرئيس الأيمن المستقيل "فيكتور رود ريغيز" حينما أقصى سينتينو ليأتي بصديقه الجنرال "بارتولومي باكارو"؟، وهل سيتعاون رودريغير مع باكارو فيستخدمان نفوذهما ويستغلان ضعف الرئيس للإطاحة به؟.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2023م


الاثنين، 23 يناير 2023

مؤسسة سيدة الأرض الفلسطينية في مجابهة التطبيع، كسر الحصار ومواجهة التطهير العرقي



بقلم: د. كمال الحسيني

الرئيس التنفيذي لمؤسسة سيدة الأرض

 على مدار ستة عشر عاماً، ظلت مؤسسة سيدة الأرض وفية لرسالتها ورؤيتها الوطنية والثقافية والانسانية، وحفرت عميقاً اسم ومكانة فلسطين في الوجدان العربي والدولي، وحافظت على الاتصال والتواصل مع كبار الشخصيات الوطنية والقومية والدولية من السياسيين والفنانين والإعلاميين والكتّاب العرب، ورسخت معهم بناء الجبهة العربية لمواجهة التطبيع،  حيث توجت الجبهة الثقافية مكانتها المتقدمة في مسيرة نضال شعبنا نحو الحرية والاستقلال.

ان دور المثقف دور حيوي في التعبير عن الهموم القومية والوطنية والتصدي لمواجهة التحديات والمؤامرات التي تستهدف تصفية القضية المركزية دون أن ينال شعب فلسطين حقوقه العادلة والمشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ومن هنا فان دور ومكانة المثقفين والفنانين العرب، وما يعبرون عنه من مواقف عبر كتاباتهم المختلفة وأعمالهم الفنية والمسرحية والدرامية من شأنها التأثير في الرأي العام وإحراج الحكومات والأنظمة العربية التي وضعت على أجنداتها موضوع التطبيع ليتم التنفيذ في اللحظة التي تقرر فيها الادارة الأمريكية لأن هذه الأنظمة العفنة فاقدة لشرعيتها وفاقدة لقرارها المستقل .

وعلى المثقفين العرب أن يستمروا في نضالهم عبر الكلمة الحرة والموقف الشجاع المنتظر منهم في هذه اللحظة التاريخية الصعبة التي يمر بها الشعب العربي، في ظل هجمة امبريالية شرسة تستهدف اعادة بناء المنظومة العربية على أسس جديدة بإفراغها من مضمونها العربي وإنهاء أي شكل من أشكال التضامن العربي المشترك وجعل كل دولة من الدول تبحث عن ذاتها في ظل تكالب المطبعين والمهرولين الذين صمتوا دهراً ونطقوا كفراً بعد سنوات من الصمت العربي المخادع .

إن أبسط معنى وأكثره مباشرة ووضحاً للتطبيع هو قبول هذا الآخر- النقيض - المحتل ضمن شروط هيمنته وإكراهاتها العسكرية المفروضة بالتفوق الذي أتاحته له راعيته الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية، والتعامل بصورة طبيعية مع مؤسساته المختلفة التي هي جزء لا ينفصل عن هذا الاحتلال، وعليه، فإن أي تعاط معها يعني القبول بشرعية هذا الكيان الاستعماري البشع. 


وهو أمر لا يمكن تحقيقه فعلياً إلا بإلغاء الرواية العربية البديهية حتى الآن، وإحلال رواية استعمارية غالبة يتوجب قبولها على أنها الصيغة الوحيدة المقبولة حتى الآن ، حتى لو لزم الأمر الاستشهاد بآيات قرآنية عن بني اسرائيل الذين قيل لهم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتبت لكم، من  دون التفريق اللازم بين إسرائيل المعاصرة بصفتها مشروعاً استعمارياً غربياً، أوروبياً بالدرجة الأولى في البداية على الأقل، وبني إسرائيل القدامى  بصفتهم "شعباً" منقرضاً بالمفهوم التاريخي، شأنهم في ذلك شأن جميع الشعوب القديمة التي أعادت إنتاج ذاتها في سلسلة لا نهائية من التحولات الثقافية واللغوية والحضارية ضمن شروط الاستمرار في المكان، وكل ذلك على أي حال يظل جدالاً  لا ضرورة له نتورط فيه بين حين وآخر، بعيداً عن المعطيات التاريخية السياسية المعاصرة التي لا تنظر إلى الكتب المقدسة بوصفها وثائق دولية يُستند إليها في اتخاذ القرارات السياسية والعسكرية.

معركتنا لم تتوقف وهي مستمرة مع العدو الصهيوني، المعركة طويلة وصعبة، ولا يكفي أن نعرف معسكر الأعداء ونحدده، بل علينا فهمه أيضًا، فإن هذا الفهم يضعنا أمام حقيقة أن هذا الصراع مع المستعمِر الصهيوني هو صراع مُركّب؛ أي أن له مناحٍ عدة؛ فهو صراع عسكري وحضاري وثقافي، الخ، ولا يمكننا الاكتفاء بمواجهة العدو بالمقاومة المسلحة، بل علينا مواجهته ثقافيًا وفنيًا، الخ.

 ذلك كلّه لمواجهة ماكينة كيّ الوعي الصهيونية، ولعزل العدو في كافة الساحات التي يحاول إثبات نفسه فيها، فمعركتنا مع العدوّ الإسرائيليّ معركةٌ على كلّ الجبهات، وفي طليعتها : جبهاتُ الثقافة، والفنّ، والإعلام، والرياضة.

علينا أن نعي أنّ السبيلَ الأهمّ لمواجهة هذا التطبيع يصيب البيئةَ غيرَ المطبِّعة؛ فلولا هذه البيئة، بيئتُنا نحن، لما استسهل المطبِّعون التطبيعَ، وأهمُّ ما نفعله في هذا الصدد هو "مواجهةُ ثقافة الاستهتار أو الاستهانة بالمقاطعة، وذلك يتمّ بسردِ ما حقّقته المقاطعةُ في العالم والوطن العربيّ من إنجازات على صعيد الفنّانين والأكاديميين والطلّاب وأعضاءِ الكنائس والجمعيّات العلميّة والفِرق الرياضيّة والبلديّات وصناديقِ التقاعد وغير ذلك.

كما نواجه ثقافة الاستهتار بسرد إجراءات العدوّ ضدّ المقاطعة، ومنها: أنّ الكنيست الإسرائيليّ سنّ قانونًا لمحاربة المقاطعة؛ وأنّ وزيرَ الأمن والشؤون الاستراتيجية عُيّن مسؤولًا عن تطبيقه.

نعم، نقولها بصوت مرتفع، علينا نقدُ "ثقافة الحوار" الليبراليّة السمجة، ومن أهمّ مداميكها: التسامحُ مع (الآخر) والسلامُ معه، وكأنّ المحتلّ محضُ (آخر) وتفهّم وجهات النظر المتعددة وتفهُّم السرديّات الأخرى، وفي رأينا، أنّ قضيّة فلسطين، بشكلٍ خاصّ، لا تحتمل إلّا سرديّةً واحدة، اسمُها: حريّة كامل فلسطين وكامل الأراضي المحتلة، وهذه هي الرواية التي تعتنقها مؤسسة سيدة الأرض وهذه هي سرديتها التاريخية الفلسطينية التي لا يمكن أن تسقط في اللحظة.

بالإضافة إلى الزعم أنّ "معرفة العدوّ تستلزم الحوارَ معه"، نقول بما لا يدع مجالاً للشك بأن معرفةُ العدو ضرورةٌ من ضرورات هزيمته، لكنّ ذلك لا يستلزم الحوارَ معه، ولا "تنفيعَه" بشراء كتبه وحضورِ أفلامه مثلًا، فمعرفتُه ممكنة من دون التواصل المباشر معه ومن دون تحقيق منفعة له.

وأرى أنّ على كافة الفنانين والمثقفين العرب وكافة مؤسستنا الثقافية، أن تضطلع بمهمّة تثقيف الناس في سياسة العدوّ واقتصاده وإنتاجه الفنّيّ والثقافيّ والأدبيّ والسينمائيّ، ضمن أطرٍ موجّهة، وبنُسخٍ مقرصنة، كما أنّ على جامعاتنا أن تخصّصَ مساقاتٍ عليا لتدريس إنتاج عدوّنا على كلّ المستويات.

واذا ما تأملنا المشهد العربي بشكل منهجي وفي اطار قراءة جدية ومعمقة، نجد أن مشاريع التطبيع والهرولة والخاصرة الرخوة ما زالت حاضرة في ظل مستنقع التبعية والتتبيع التي تستهدف زج كافة الأنظمة في علاقاتها الطبيعية مع الكيان الغاصب المقام على أرض فلسطين، وعلينا أن نعي تماماً ان المثقفين هم الجبهة الشامخة وصمام الأمان في مواجهة هذا الانحطاط القائم، وعليه علينا أن نعيد الاعتبار لأولنا بالاتكاء على أنفسنا وكسر الحصار الواقع على الشعب الفلسطيني وهذه مسؤولية عربية، وهي نقطة قد نتقف وقد نختلف عليها، ألا وهي زيارة الأشقاء العرب الى فلسطين المحتلة.

ان زيارة فلسطين المحتلة تتطلب شجاعة كبيرة ممن يقوم بها من الفنانين والكتّاب والشعراء والاعلاميين العرب، وهي زيارة تنسجم مع تلك المقولة الفلسطينية الوافية : (زيارة السجين لا تعني زيارة السجان) ، بل انها زيارة تضامن ووفاء للشعب الفلسطيني المقاوم الذي ظل دائماً الجدار المجابهة للتطبيع.

 ومن هنا فإننا في حواراتنا مع الفنانين العرب، وآخرها حديثي مع الفنان الكبير علي حجار الذي يعتبر زيارة فلسطين تطبيعاً في ظل وجود الاحتلال، فغالباً ما يكون الحديث في هذا الأمر ذو شجون، ومن هناك قمنا في مؤسسة سيدة الأرض بكسر التابوهات والمواقف الجامدة والجاهزة واستقبلنا على أرض الحلم – أرض فلسطين – قامات وهامات كبيرة من الفنانين العرب، وكان آخرهم الفنان النجم أحمد بدير الذي التف حوله الالاف من ابناء شعبنا وهو يكسر الحصار عن نابلس ويمشي في أحياءها القديمة وبين عرين أسودها في حي الياسمين، وفي جنين حيث التقى بالناس الطيبين في رسالة واضحة للقاصي والداني، وكانت زيارته للحرم الإبراهيمي في الخليل كاسراً الحصار الجائر المفرض على الحرم الذي طفح البلاد موسم وصبا، الى تلك الزيارة الراسخة الحضور والهوية صلاة وحضوراً في المسجد الأقصى المبارك في عاصمتنا المحتلة لتكون هذه الزيارة بمثابة التحدي الأكبر لهذا المحتل الغاصب المدجج بالجريمة.

علينا أن نعيد الاعتبار لفلسطين ومكانتها على خارطة الفعل والتأثير بالعمل على تحدي اجراءات وسياسات الاحتلال التي تعمل على عزلنا عن محيطنا العربي، ومن هنا ورغم كل ما يقال عن زيارة فنانينا ومثقفينا العرب الى فلسطين، وجب علينا التدقيق والتمحيص وعدم التسرع في إطلاق وصمة التطبيع لأن هذه الشخصيات بزيارتها لفلسطين والتعرف على الواقع المعاش وملامسته انما هي الرسالة الأبرز التي علينا تكريسها في خطابنا المقاوم المجابه للاحتلال والعنصرية والفاشية والتطهير العرقي.

خلال الستة عشر عاماً الماضية، عملنا في مؤسسة سيدة الأرض على ترسيخ التضامن العربي والدولي مع القضية الفلسطينية، وبينينا مع المؤسسات العربية بفنانيها ومثقفيها جسوراً للتواصل وبناء الموقف الشعبي على قاعدة تثمين الجهود، حيث تجلى المواقف الشامخة في مؤتمرنا الأخير الذي حمل عنوان : (القدس في عيون الأحرار) والزيارات التي قمنا بها مع الوفود المشاركة والتي حملت رسائل مباشرة في مواجهة الاحتلال ونقلت صورة واضحة عن معاناة وصمود شعبنا وهو يدافع عن مقدساته العربية الاسلامية والمسيحية، حيث كانت لتلك الزيارة التاريخية للحرم الإبراهيمي في الخليل معانيها الكبيرة حيث يحرم العرب والمسلمون من الوصول الى أحد مقدساتهم التاريخية، ولكن وصلت الرسالة بالزخم الاعلامي وبالحضور اللافت للفنانين العرب الذين عاشوا تلك اللحظات المؤلمة والحالمة والمفتوحة على كافة الاحتمالات.

الجمعة، 20 يناير 2023

قرار محكمة العدل الاسرائيلية العليا سيجبر نتنياهو على إقالة درعي


بقلم :- راسم عبيدات

واضح بان صداع هذه الحكومة التي قامت على أساسها الائتلافات والإتفاقيات بين نتنياهو والقوى الدينية والصهيونية الدينية (شاس ،ديغل هتوراة،القوة اليهودية والصهيونية الدينية)،والتي قدم من خلالها تنازلات كبيرة لتلك القوى ،داخلية وخارجية،حيث ادار تلك الحوارات والإتفاقيات مع تلك القوى من منطلق ذاتي متعلق بالملفات الجنائية المنظورة ضده أمام قضاء دولة الكيان،رشوة وسوء ائتمان وخيانة امانه،وكان هاجسه الأساس أن ينجح تشكيل الإئتلاف،وولادة الحكومة بما يمكنه من الغاء التهم المنظورة ضده،من خلال السيطرة على جهاز القضاء،عبر اجراء تغييرات جذرية في عملية تعيين القضاة والغاء منصب المستشار القضائي للحكومة،وتعيين انصاره في وزارة ولجان القضاء،ولذلك عين صديقه المقرب منه ياريف ليفين وزيرا للقضاء،وطلب منه الشروع في إجراء تغييرات جذرية في القضاء،وبما يسمح بتقليص دور محكمة " العدل" العليا،عبر تغيير قانون أساس القضاء،بما يمنع محكمة العدل العليا من الغاء قرارات او قوانين تسنها الكنيست،حتى لو كانت غير دستورية ومتعارضة مع قانون أساس الحكومة،وعلى هذا الأساس جرى إقرار قانون درعي،ومن ثم تعينه وزيراً في الحكومة،وزير للداخلية والصحة والتناوب على وزارة المالية مع سموتريتش،ولكن اعتبرت القاضية غالي بهاراف،بان تعيين درعي المدان امام محكمة الصلح بتهم فساد،والتي على اساسها اضطر لعقد صفقة مع المحكمة يتنازل فيها عن منصبه كوزير ودفع غرامة مالية قدرها 180 ألف شيكل واعتزال الحياة السياسية،مقابل عدم الصاق تهمة العار فيه والحكم عليه بوقف التنفيذ ،ورفعت عدة احزاب من المعارضة، قضية للمحكمة العليا تطالب بإقالة درعي لأن ذلك مس بالقانون والديمقراطية وإنحراف كبير عن حدود المعقولية ،وجاء القرار عبر عشرة قضاة بضرورة إقالة درعي وبان تعينه غير قانوني وتجاوز لحدود المعقولية ،وان عدم اقدام نتنياهو على إقالته يعني تحقير نتنياهو لمحكمة العدل العليا،وقال رئيس ائتلاف المعارضة لبيد،اذا لم يحترم نتنياهو القانون،فهذه دولة غير قانونية ولا يحق لها دعوة المواطنين لإحترام القانون،وكذلك عدم احترام قرار محكمة العدل العليا،سيدخله في أزمة مع امريكا.


الخيارات أمام نتنياهو صعبة ،وستواجه حكومته ازمات قانونية وسياسية،فإقالة درعي من الحكومة دون حل لقضيته،تعني إنفراط عقد الحكومة،فحركة "شاس" لن تقبل بأن يتم اقصاءها من الحكومة،وخروج "ساش" من الإئتلاف الحاكم،يعني سقوط الحكومة،وعدم تنفيذ نتنياهو لقرار محكمة العدل العليا،يعني دعوة صريحة لعدم إحترام القانون،وتحقير لمحكمة العدل العليا،وكما تقول المعارضة مس بأسس الديمقراطية، وحتى تعيين درعي في منصب رئيس وزراء بديل،مشكلة،فالمنصب يجب ان يكون من نصيب نفس حزب رئيس الوزراء ...وخوض هذا المسار يعني مسار قانوني طويل،وقد لا ينجح وتسقطه محكمة العدل العليا ثانية.

في "ساش" يقولون بأن القرار مسيس ،وانه لا يحق للمحكمة ان تلغي بقرارها أو تضع في الزبالة 400 ألف ناخب صوتوا لصالح درعي،تحت ذريعة ما يعرف ب"تجاوز حدود المعقولية،وابنه يانكي احد المرشحين لتولي حقيبة الداخلية بدل والده، قال بشكل واضح بأنه لن يجلس على كرسي والده غريب،ووالده قال بانهم لن ينجحوا في إقصاءنا،فإذا اغلقوا علينا الباب ،فسندخل من النافذة،واذا اغلقوا النافذة ،سندخل ونقتحم من السقف.

نتنياهو لا يستطيع حل المشكلة بدون إقالة درعي،فهو لا يستطيع تولي حقيبتي الداخلية والصحة للقيود القانونية المفروضة عليه،بالإشارة الى التهم الجنائية الثلاثة المنظورة ضده أمام القضاء لدولة الكيان،وإقالة درعي ستثير مشكلة بين الليكود و"ساش"،ف"ساش" تقول أن المسؤولية عن بقاء درعي في الحكومة تقع على الليكود. وقال درعي في محادثات مغلقة في الأيام الأخيرة إن المسؤولية تقع على نتنياهو وأن عليه حل هذه المشكلة. وحتة لو أخذ نتنياهو برأي موقف الأقلية في قرار المحكمة العليا، للقاضي يوسف ألرون، بالإبقاء على تعيين درعي لكن عليه التوجه إلى رئيس لجنة الانتخابات من أجل أن يقرر إذا ما كان الحكم على درعي بالسجن مع وقف التنفيذ ينطوي على وصمة عار أم لا، قد يعقد الوضع أكثر، وإذا تقرر أن ذلك ينطوي على وصمة عار فإن درعي لن يتمكن أن يبقى عضو كنيست. المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، إنه بعد إبعاد درعي عن طاولة الحكومة، لن يكون بإمكان أي "بهلوانية" تشريعية، ومهما كانت مبتكرة، من إعادته إليها ، وفقا لقانون أساس الكنيست.


للخروج من هذا المأزق ،اعتقد بان رد الإئتلاف الحاكم على قرار محكمة العدل العليا بشان درعي سيُحدد من خلال الجدول الزمني للجنة القانون والدستور في الكنيست، والمصادقة على تعديل قانون أساس القضاء، الذي سيلغي ذريعة عدم المعقولية، كي لا تتدخل المحكمة في قرارات الحكومة والتعيينات. ويبدو أن قرار المحكمة العليا جلب الأزمة الدستورية إلى ذروة جديدة، وهي إلغاء ذريعة عدم المعقولية". وإلغاؤها هو أحد البنود المركزية في خطة إضعاف جهاز القضاء التي يقودها وزير القضاء، ياريف ليفين. اللجنة البرلمانية ستبدأ يوم الأحد المقبل بمناقشة تعديل قانون أساس: القضاء، الذي يرمي إلى منع المحكمة العليا من إلغاء قرارات حكومية لأنها تنطوي على عدم معقولية، وأن يكون بإمكان المحكمة إلغاء قوانين أو بنود فيها فقط من خلال تأييد جميع أعضاء الهيئة القضائية، وأنه ليس بالإمكان إلغاء قانون أساس تم سنّه بأغلبية 61 عضو كنيست لدى التصويت عليه بالقراءات الثلاث. ويصف الائتلاف هذا التعديل بأنه "تعزيز الفصل بين السلطات.

في النهاية اعتقد بأن نتنياهو سيعمد إلى إقالة درعي من منصبه، لأنه إذا لم يفعل ذلك فإنه سيتهم بتحقير المحكمة العليا، الأمر الذي سيعرضه لتنديد عالمي، خاصة من جانب الإدارة الأميركية. وسيكون لأداء نتنياهو في قضية درعي تبعات على زيارته للبيت الأبيض، الشهر المقبل أو الذي يليه.

الثلاثاء، 17 يناير 2023

هل ثمة حل لعذابات الافغان مع طالبان؟

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

قبل اشهر طويلة من الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، حينما كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تتفاوض في الدوحة مع قادة حركة طالبان على إحلال السلام في هذه البلاد المنهكة من الحروب والاقتتال الداخلي والفقر والمجاعة والتطرف والتدخلات الخارجية، كتبنا في هذا المكان أن أسوأ عمل تقوم به واشنطن هو الجلوس مع طالبان وجها لوجه على طاولة المفاوضات لأن في ذلك إضفاء للشرعية على عصابات متشددة أجرمت في حق الإنسان الأفغاني وانتهكت كافة حقوقه الإنسانية بطريقة غير مسبوقة، بل فيه أيضا تراجع خطير عن كل ما تم انجازه من تنمية واصلاحات محدودة خلال السنوات التي أعقبت طرد طالبان من السلطة بالقوة الأمريكية سنة 2001. وقتها كان الشعار السائد في الاعلامين الأمريكي والغربي هو أن "طالبان اليوم ليست كطالبان الأمس، بمعنى أن الحركة قد تغيرت واستفادت من دروس هزيمتها، وبالتالي فهي لن تعود إلى حماقاتها لو تسلمت السلطة مجددا.

ما حدث بعد ذلك هو انسحاب القوات الأمريكية والأجنبية بالشكل الفوضوي المعروف، والذي سمح لطالبان بأن تجرف كل ما في طريقها بسهولة نحو السلطة في اغسطس 2021، وسط مشاعر الخوف والذعر واليأس لدى شريحة كبيرة من الأفغان الذين عملوا كل ما في وسعهم لمغادرة بلادهم مع الأجانب الراحلين ورموز حكومتهم الشرعية المنهارة، خوفا من مستقبل قاتم أوهلعا مما قد تصيبهم من أعمال انتقام على أيدي الحكام الجدد وميليشياتهم المتشددة.


ولفترة قصيرة بعد استلامها للسلطة تظاهرت طالبان أمام المجتمع الدولي بأنها فعلا قد تغيرت، وأنها لا تنشد سوى السلام والتنمية ومشاركة العالم توجهاته وقيمه الحضارية. وقتها تركزت الأعين والأسماع على اول مؤتمر صحفي للمتحدث الرسمي باسم الحركة "الملا ذبيح الله مجاهد" الذي لم يتردد في القول علنا بأن طالبان تحترم حقوق النساء وتسمح لهم بالعمل والتعليم، وتعترف بالنظام الدولي وقوانينه وأعرافه، وتفسح المجال لوسائل الاعلام الأجنبية بالعمل والتحرك داخل البلاد بحرية. إلى ذلك قدم بلاده كبلد منفتح على الاستثمار الأجنبي وشريك راغب في التنمية الاقتصادية والتطوير والإصلاح.

ما ورد في ذلك المؤتمر الصحفي طمأن الكثيرين من صناع القرار في الشرق والغرب لجهة نوايا طالبان، بل أن قائد الجيش البريطاني الجنرال "تيك كارتر" خرج ليؤكد ان متشددي طالبان لم يعودوا كما كانوا في التسعينات وأنهم اليوم أقل قمعية وتشدد من الماضي.


ومع مرور الأيام، واستمرار رفض المجتمع الدولي الاعتراف بحكومة طالبان وبقاء أموال البلاد مجمدة، تبخرت وعود ذبيح الله سريعا لتعود "حليمة إلى عادتها القديمة"، وآية ذلك إقدام السلطة الطالبانية في العام المنصرم على منع ظهور النساء على شاشات التلفزة الرسمية، لتتوالى فرماناتها بعد ذلك بمنع النساء من دخول الحدائق والصالات الرياضية ومنعهن من السفر والعمل في المنظمات غير الحكومية الدولية وارتداء الملابس الملونة، بل الإعتداء على المخالفات بالضرب وصولا إلى القرار الأخير بحرمان الأفغانيات من حق التعليم الجامعي. وكانت الأمم المتحدة قد أعدت تقريرا عن الوضع الأفغاني في نوفمبر الماضي جاء فيه أن ما تفعله طالبان يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. أما رئيس البعثة الأمريكية في كابول فقد صرح في أواخر ديسمبر المنصرم قائلا أن بلاده تدرس مجموعة من الإجراءات لمعاقبة طالبان وعزلها!

لكن هل معاقبة وعزل طالبان كفيل بتخليها عن نهجها القاتم وانقاذ الأفغان المضطهدين؟ بل كيف تستطيع واشنطن أن تعاقب الحركة كحل لمعاناة الأفغان؟ في وقت تتحرك فيه بعض القوى المنافسة للولايات المتحدة كالصين وروسيا إلى بناء جسور التعاون مع طالبان للإستفادة من الموقع الإستراتيجي لأفغانستان المحشورة بين وسط وجنوب آسيا، ناهيك عن محاولات مماثلة من قبل الهند للدخول على خط غريمتها الصينية من خلال إبداء استعدادها لإستئناف مشاريعها التنموية في أفغانستان.  

 صحيح أن دعوات عزل ومعاقبة طالبان تزايدت في الفترة الأخيرة على خلفية حماقاتها المتكررة، لكن الصحيح أيضا هو وجود دعوات مضادة تشدد على الإبقاء على قنوات اتصال معها من أجل إيصال المساعدات الإنسانية  للشعب الأفغاني المضطهد أو تمكينه من مغادرة البلاد لتوطينه في بلد آخر يحترم آدميته وحقوقه في التعليم والعمل والحياة الكريمة كبقية شعوب العالم، خصوصا مع تعثر الإقتصاد الأفغاني واحتمالات حدوث مجاعة جماعية.

والحقيقة الأولى التي يجب أن تقال هي أن واشنطن تدفع اليوم ثمن خروجها المتعجل من أفغانستان وتضحيتها بالحكومة السابقة التي مهما نعتت بالفساد والضعف والترهل، فإنها على الأقل لم تكن متوحشة أوقمعية أو تحكم بمفرمانات القرون الوسطى. والحقيقة الثانية هي أن واشنطن اليوم في ورطة، لأنها إذا عزلت طالبان أو نفضت يدها تماما من الشأن الأفغاني فإن خصومها سيحلون مكانها، وإن فعلت العكس فليس هناك ما يضمن لها تراجع طالبان عن ايديولوجيتها المتزمتة. أما إذا قررت مثلا أن تدعم القوى المعارضة للطالبانيين بهدف إسقاطهم، فإن ذلك يعني غوصها في الوحل الأفغاني مجددا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2023م



الأربعاء، 11 يناير 2023

علامات استفهام حول حكومة ماليزيا الجديدة


 بقلم: د. عبدالله المدني*

استفاق الماليزيون مؤخرا على خبر تشكيل حكومتهم الجديدة برئاسة السياسي المخضرم أنور إبراهيم، ليجدوا أنفسهم أمام مفاجآت جديدة بعد مفاجأة نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أسفرت عن برلمان معلق ومفاجأة تكليف إبراهيم بتشكيل الحكومة الجديدة. فما هي هذه المفآجات الجديدة؟ 

لقد توقع الكثيرون أن ينفذ ابراهيم وعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية وخلال مؤتمراته الصحفية، كي يظهر أمام الأمة بمنظر القائد المختلف عن كل أسلافه، فإذا به يخالف كل التوقعات. وآية ذلك أن إبراهيم، الذي وعد بوضع حد للفساد واساءة استخدام السلطة وكرر معارضته لفكرة أن يتولى رئيس الحكومة حقيبة المالية (لأن في ذلك مفسدة ــ بحسب قوله ــ في إشارة ضمنية إلى قضية رئيس الحكومة الأسبق نجيب رزاق المحكوم عليه بالسجن والذي استغل الجمع بين المنصبين في السرقة والإثراء غير المشروع) لم يلتزم بكلامه فاحتفظ بحقيبة المال المهمة لنفسه. والمعروف أن إبراهيم سبق أن تولى حقيبة المال في حكومة مهاتير محمد الأولى، وتحديدا في الفترة من 1991 إلى 1998، أي حينما كانت ماليزيا نمرا آسيويا يتمتع بنمو سريع ملفت للنظر، قبل أن يفقد الحقيبة على خلفية نزاعه مع مهاتير حول كيفية التعامل مع الأزمة المالية الآسيوية في 1997/1998. وهنا قد نجد للرجل مبررا مقنعا لجهة اصراره على استعادة حقيبة المال بعد 25 سنة من خسارته لها واتهامه بالفشل في إدارتها. وهذا المبرر ليس سوى رغبته في أن يتولى شخصيا عملية معالجة التضخم والركود الاقتصادي وتباطيء النمو وإعادة توجيه المال العام نحو الفئات الأقل دخلا من خلال التحكم في الدعم الرسمي للسلع والخدمات.

ولئن كانت هذه هي المفاجأة الأولى في التشكيلة الوزارية الجديدة، فإن المفاجأة الأخرى أثارت استغراب قطاع عريض من أنصاره بصورة أوضح، بل شكلت صدمة للذين صوتوا لأجندته الداعية للحكم الرشيد ومكافحة الفساد. ونعني بذلك اختياره لأحمد زاهد حميدي زعيم "المنظمة الوطنية المتحدة للملايوUMNO" كنائب لرئيس الوزراء. ومبعث الإستغراب هنا هو أن هذا الأخير تطارده جملة من قضايا الفساد ذات الصلة بفضيحة نجيب رزاق، حيث أنه شغل منصب نائب رئيس الحكومة من 2005 إلى 2018 في ظل إدارة رزاق المليئة بالفضائح، الأمر الذي أثار تساؤلات حول جدية إبراهيم في التصدي للفساد والساسة الفاسدين. فما الذي دفع إبراهيم، يا ترى، لهذا الاختيار السيء وهو في بداية مشوار قيادته لماليزيا؟

يمكن القول أن إبراهيم اضطر إلى توزير حميدي لأكثر من سبب، على الرغم من معرفته بفساده وبحقيقة ضعف تمثيله البرلماني (جاء حزبه ثالثا في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 30 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغ عددها 222 مقعدا). أول هذه الأسباب أن الأمر الملكي بتكليفه قيادة ماليزيا كان على أساس أن يشكل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف أحزاب البلاد وأطيافها السياسية، وبالتالي لم يكن بالإمكان تجاهله كونه زعيم الحزب الأقدم والذي قاد ماليزيا منذ استقلالها وحتى عام 2018 دون انقطاع. والسبب الآخر أن الإئتلاف الذي يقوده إبراهيم تحت اسم " باكاتان هارابان PH"  لا يستحوذ إلا على 82 مقعدا برلمانيا، أي أقل من العدد الذي يضمن له الأغلبية والحكم دون صداع بـ 30 مقعدا، وهو ما دفعه لعقد صفقة مع حميدي الذي لم يتردد في دعمه دون شروط كسبا لصداقته وأملا في رد الجميل حينما تضيق عليه الدوائر. أما السبب الثالث فيمكن وضعه في إطار تبادل الدعم السياسي بين الرجلين. إذ لا يخفى أن ابراهيم استند على دعم حميدي القوي له اثناء المشاورات التي أجراها العاهل الماليزي الملك عبدالله احمد شاه لتشكيل الحكومة الجديدة بعيد ظهور انتخابات الشهر الماضي. فقد زكاه لدى الملك ليس حبا فيه، وإنما من أجل أن يرد له ابراهيم الجميل لاحقا فيتدخل لانقاذه من تهم الفساد.

الأمر الآخر التي ارتفعت معه حواجب الماليزيين دهشة واستغرابا هو أن إبراهيم لم يكتف بتعيين حميدي نائبا له، وإنما منحه فوق ذلك حقيبة التنمية الريفية، وهي لئن بدت حقيبة ثانوية، إلا أنها تعد حقيبة هامة في ماليزيا لأن الممسك بها يستطيع من خلال ميزانيتها كسب ود الماليزيين الريفيين من ذوي العرقية الملايوية الذين يشكلون القاعدة الرئيسية لحزب حميدي (UMNO)، خصوصا  وأن الحزب على موعد مع انتخابات صعبة لتجديد قيادته الداخلية في شهر مايو المقبل.

إلى ذلك، أصيب قطاع كبير من الماليزيين بالدهشة جراء قيام ابراهيم بمنح معظم الحقائب الهامة في حكومته إلى شخصيات تنتمي إلى (UMNO)، بل مقربة من رئيس الحكومة المعتقل نجيب رزاق مثل وزير الداخلية الجديد "سيف الدين ناسوتيون اسماعيل"، ناهيك عن شخصيات مقربة من حميدي مثل وزير الشؤون الاقتصادية الجديد "محمد رافيزي رملي"، ووزير الخارجية الجديد "زامبري عبدالقادر" علاوة على "محمد حسن" نائب حميدي في رئاسة UMNO الذي تولى وزارة الدفاع، ونائب حميدي الآخر "محمد خالد نور الدين" الذي حصل على حقيبة التعليم العالي، ووزير المالية السابق "تنكو ظفر العبدالعزيز" الذي منح حقيبة التجارة والصناعة الدولية.

يتفهم بعض الماليزيين أن زعيمهم الجديد قد دفع ثمنا سياسيا كبيرا لضمان أن يكون لدى ائتلافه الحاكم الأغلبية البرلمانية اللازمة للإستقرار السياسي، لكن البعض الآخر يرى في خطوته مجازفة باهضة الثمن قد تطيح به عاجلا أو آجلا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2023م


الثلاثاء، 3 يناير 2023

الهند: هل يجدي تغيير الزعيم للفوز في الانتخابات؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في أكتوبر الماضي جرت انتخابات داخلية في حزب المؤتمر الهندي(INC)، أقدم أحزاب الهند السياسية (تأسس سنة 1885 )، وقائدها نحو الإستقلال عن التاج البريطاني، لاختيار زعيم جديد، خلفا لزعيمه السابق "راهول غاندي" الذي استقال عام 2019 على خلفية الهزيمة النكراء التي لحقت بحزبه أمام خصمه حزب بهاراتيا جاناتا القومي المتشدد، وأعاد دفة القيادة لوالدته سونيا (الإيطالية المولد) والتي كانت قد تولت المنصب عام 1998، فاعتبر المنصب شاغرا واعتبرت الأخيرة مجرد زعيمة مؤقتة لحين انتخاب شخصية أخرى.

ما ميز هذه الانتخابات عن سابقاتها هو تخلي عائلة غاندي/نهرو السياسية العتيدة المهيمنة على الحزب منذ عام 1947 عن الدخول في المعركة لأول مرة منذ التسعينات، وهو ما جعل التنافس حاميا بين المترشحين، خصوصا في ظل قرار من العائلة بنأي نفسها عن تأييد مترشح معين. وهكذا تنافس المتنافسون وفي مقدمتهم السياسي الثمانيني العجوز "ماليكارجون خارجي"، النائب في البرلمان الاتحادي عن ولاية كارنتاكا الجنوبية، والدبلوماسي المعروف "شاشي تارور" المنحدر من ولاية كيرالا والذي أمضى نحو 30 عاما موظفا في الأمم المتحدة، قبل أن ينضم إلى حزب المؤتمر عام 2009، ليفوز الأول بالمنصب ويدعو في أول مؤتمر صحافي له كزعيم جديد لـ INC إلى رص الصفوف والاتحاد لحماية الدستور في مواجهة "القوى التي تحاول القضاء على ديمقراطيتنا وتتبنى أجندة مثيرة للإنقسام" في إشارة إلى حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)   بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الممسك بقوة بالسلطة منذ 2014.

ما سبق كان مقدمة للحديث عن سؤال مطروح في الساحة الهندية هو "هل يستطيع حزب المؤتمر أن يعود إلى أمجاده الغابرة، فيسحق BJP ويفوز في انتخابات 2024 النيابية، ويعود إلى السلطة مظفرا بمجرد تغيير زعيمه أو احضار وجه قيادي من خارج دائرة السلالة النهروغاندية؟

المؤكد بحسب استطلاعات الرأي أن INC لم يعد يتمتع بجماهيرية وشعبية كاسحة كما كان حاله في الماضي، حينما كان صوتا لا يُعلى عليه وقوة تكتسح غيرها بسهولة في أي انتخابات. لقد تغير الزمن وتغيرت معه أوضاع الهنود المعيشية والاقتصادية وطموحاتهم وتوجهاتهم، وظهرت على الساحة قوى سياسية جديدة حققت لهم ما عجز حزب المؤتمر عن تحقيقه. ومن ناحية أخرى شاخ INC وغابت قيادته التاريخية ونخر الفساد والمحسوبية دوائره فبات لا يستقطب سوى الناخبين المخضرمين والنوستالوجيين، تماما مثل بعض العرب من ذوي التوجهات القومية واليسارية الذين يختصرون الهند في حزب المؤتمر ودوره في تأسيس حركة عدم الانحياز ودعمه للقضية الفلسطينية وعلاقة زعيمه التاريخي (نهرو) بعبدالناصر.

كثرت الانتقادات الموجهة لحزب المؤتمر من قواعد ومناصريه خلال السنوات الماضية، لاسيما بعد أن حصل على نسبة 19% فقط من الأصوات في انتخابات 2014 و2019، وكان من بين أكثر المآخذ عليه انصياعه التام لرؤى السلالة النهروغاندية، وتحكم بعض عواجيز الماضي في شؤونه وعدم افساح المجال أمام الطاقات الشابة الخلاقة من خاج السلالة لإدارة دفته برؤى جديدة. وهو لئن اختار اليوم قيادة جديدة من خارج السلالة، إلا أن خياره وقع على سياسي عجوز من الماضي محسوب على السلالة ولا يملك أدنى كاريزما جماهيرية ولا يمثل جاذبية للناخبين الشباب، ناهيك عن مؤشرات تفيد بأن قادة الحزب الكبار تدخلوا في العملية الانتخابية لتفويز العجوز "خارجي" على حساب "تارور" الذي اشتكى من ذلك علنا، والذي ربما كان حلا أفضل بسبب شخصيته الكاريزمية وعلاقاته الدولية ومهاراته الخطابية الجيدة للتواصل مع الشباب وجماهير الطبقة الوسطى.

ومن هنا قيل، أنه على الرغم من بعض الجاذبية التي يمثلها INC للناخبين الهنود المتضررين من سياسات BJP القومية، ولاسيما فيما يتعلق بدفاعه عن الأركان الثلاثة التي قامت عليها هند ما بعد التقسيم وهي الديمقراطية والعلمانية والفيدرالية، إلا أن فوزه في المستقبل بالسلطة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى قدرته على صياغة رؤية إيجابية وطموحة لمستقبل البلاد تتناغم مع تحديات الحاضر والمستقبل السياسية والاقتصادية، من جهة وعلى اصلاح أوجه القصور والخلل والترهل التي تعتري هياكله الداخلية وحملاته الانتخابية من جهة أخرى. وهذه لعمري مهمة شاقة ليس بمقدور زعيمه الجديد التصدي لها بفعالية، خصوصا مع استغلال قادة BJP لعملية انتخاب "خارجي" للقول بأن هذا الأخير مجرد زعيم تحركة السلالة النهروغاندية من بعد، ناهيك عن عقدهم مقارنة بين حزبهم الذي يحيل قادته إلى التقاعد بمجرد بلوغهم سن الخامسة والسبعين وحزب المؤتمر الذي اختار قائدا جديدا في الثمانين.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2023م