الأربعاء، 29 مارس 2023

إنفراج مهم في العلاقات بين سيئول وطوكيو


 بقلم: د. عبدالله المدني*

حينما انتخب الكوريون الجنوبيون قبل عام، وتحديد في العاشر من مارس 2022، "يون سوك يول" رئيسا جديدا لهم، تركزت تساؤلات المراقبين حول ما سيتخذه من خطوات وسياسات تجاه اليابان التي كانت علاقاتها آنذاك مع جارتها الكورية تمر بأزمة صامتة، فيما كانت الإدارة الأمريكية قلقة من تكورردي تلك العلاقات بين أكبر حليفتين لها في شمال شرق آسيا، وانعكاساته السلبية على سياساتها الخاصة بمحاصرة العملاق الصيني ومواجهة حماقات النظام الكوري الشمالي.

وقتها، لم يتطرق الرئيس المنتخب كثيرا إلي القضايا الخارجية، وركز بدلا من ذلك على قضايا الداخل التي كانت سببا في فوزه أمام منافسه، لكنه صرح لاحقا أنه سيتخذ موقفا حازما تجاه بيونغيانغ وتهديداتها، أي على العكس من سياسات سلفه المهادنة التي ساهمت في تسهيل الحوار بين بيونغيانغ وواشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كما وعد باتخاذ سياسات حازمة مشابه تجاه الصين وأخرى تقود إلى تصفير المشاكل العالقة مع طوكيو، سعيا إلى تعزيز التعاون الأمني والاستراتيجي الثلاثي مع واشنطن وطوكيو.

والمعروف أن بوادر تأزم العلاقات بين سيئول وطوكيو، بدأت في صيف عام 2019 على خلفية حكم للمحكمة العليا في سيئول قضي بأن تدفع بعض الشركات اليابانية تعويضات مجزية لعدد من ضحايا العمل القسري من مواطني كوريا الجنوبية ممن تعرضوا للقسوة خلال سنوات الإحتلال (1910 ــ 1945)، وهو ما أحيا خلافات تاريخية مع رفض ياباني للحكم بدعوى أن نزاعات الحقبة الإستعمارية قد تمت تسويتها عام 1965 (وقت تطبيع العلاقات بين البلدين)، من خلال قروض ومساعدات يابانية بقيمة 800 مليون دولار أمريكي. ومع تبادل الاتهامات وامتعاض طوكيو من الحكم القضائي، قامت الحكومة اليابانية بفرض عقوبات اقتصادية على سيئول، حرمت بموجبها الأخيرة من الحصول على المواد الكيميائية اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات ذات الأهمية القصوى للصناعة الكورية، كما شطبت اليابان كوريا الجنوبية من قائمة الدول التجارية المفضلة، لترد سيئول بفرض قيود تجارية وتجميد التعاون الثنائي. 

لقد انتظر الرئيس "يون سوك يول" عاما كاملا ليقدم على تنفيذ وعوده بإصلاح العلاقات مع اليابان، من خلال زيارة رسمية قام بها إلى طوكيو مؤخرا هي الأولى لزعيم كوري جنوبي إلى اليابان منذ عام 2011. ويبدو أن إلحاح واشنطن من جهة لإتمام الزيارة التصالحية، وتهور النظام الكوري الشمالي في مواصلة استفزازاته العسكرية من جهة أخرى، واضطراب سلاسل التوريد العالمية من جهة ثالثة،  لعب دورا ليس في تواصل الطرفين على أعلى مستوى، وانما أيضا في نجاح لقاء القمة بين الرئيس يون سوك يول ونظيره الياباني فوميو كيشيدا الذي تميز بود لافت للنظر وتصريحات ايجابية من الطرفين.

فقد قال الضيف لوسائل الإعلام: "إن الحكومة اليابانية ستنضم إلينا في فتح فصل جديد في العلاقات الكورية اليابانية، وأتمنى أن يمضي شعبا بلدينا قدما معا نحو المستقبل، بدلا من الإختلاف حول الماضي". أما المضيف فقد أعرب عن تفاؤله بنتائج المحادثات وشدد على أن ما يجمع البلدين أكثر مما يفرقهما، مشيرا إلى تهديدات بيونغيانغ الباليسية والتي تزامنت مع بدء زيارة الزعيم الكوري، من خلال قيام جيش كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ عابر للقارات من محيط منطقة "سونان" المرتفعة داخل بيونغيانغ.

وفي بادرة حسن نية تجاه سيئول، أعلنت وزارة التجارة اليابانية أنها قررت رفع القيود التجارية المفروضة ضد كوريا الجنوبية.

وعلى الرغم من أن كل هذه الخطوات والتصريحات المبشرة، لقي ترحيبا كبيرا من الأوسلط الدولية ومن قبل الدول الآسيوية المعنية بأمن واستقرار آسيا والمحيطين الهندي والهاديء، ولاسيما الولايات المتحدة التي ساءها تباعد أقرب حليفين آسيويين لها، إلا أن بعض المراقبين حذر من أن البلدين ما زالا يواجهان تحديات كبيرة، مشيرين إلى وجود معارضة شعبية في كوريا الجنوبية لخطوات رئيس البلاد، من منطلق أن كل ما قدمته اليابان من تعويضات مالية وكل ما صدر عنها منذ التسعينات من اعتذارات حول الحقبة الاستعمارية غير كاف. والجدير بالذكر أن طوكيو قدمت سلسلة اعتذارات للكوريين عن الماضي الإستعماري. فمثلا توصلت مع سيئول إلى تسوية في عام 2015 اعتذرت بموجبها للضحايا من النساء الكوريات وقدمت تسعة ملايين دولار لصندوق دعم لهن، لكن بعضهن رفضن استلام المال. وقبل ذلك في أغسطس 2010  قدمت اعتذارا على لسان رئيس وزرائها الأسبق "ناوتو كان" الذي أقر يأن شعب كوريا حرم خلال الإحتلال الياباني "من وطنه وثقافته وتعرض اعتزازه العرقي لأذى عميق"، ووعد بإعادة مقتنيات ثقافية إلى كوريا الجنوبية قريبا ومن بينها سجلات تعود لأسرة ملكية كورية قديمة. لكن هذا الاعتذار قوبل بالرفض أيضا مع تصعيد تمثل في المطالبة باعتذار الإمبراطور أكيهيتو شخصيا، وهو ما فجر غضب المسؤولين اليابانيين الذين رأووا في هذا المطلب أمرا مؤسفا يجب سحبه فورا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2023م


الاثنين، 20 مارس 2023

أستراليا النووية ونهاية المساكنة مع الصين

 


كتب عباس علي مراد ـ

صفقة أوكس "أسوأ صفقة في التاريح"

بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي الأسترالي ألأسبق

مؤخرا بدأت تظهر الى العلن تصريحات للمسؤولين استراليين عن التغييرات في الوضع الجيوستراتيجي في العالم وخصوصا في منطقة الباسيفيك، وما كان يهمس به أصبح لازمة وكأن أستراليا ذاهبة الى الحرب اليوم قبل الغد او غدا قبل الذي يليه.

يلعب الإعلام دوراً محورياً في عملية التعبئة وفي تأجيج نيران العلاقات المضطربة بين الصين وأستراليا وقرع طبول الحرب ضد الصين.

 فمنذ اسبوعين نشرت صحيفتي ذي سدني مورننغ هيرالد والايج وفي وقت واحد عنوان ملفت (ذي ريد آلرت) الانذار الأحمر في سلسلة من ثلاث حلقات وتوقعت الصحفيتين عن إمكان دخول أستراليا الحرب في العام 2025 في حال قامت الصين بغزو تايوان.

اقامت الصحيفتين ندوة عن الوضع في المنطقة وكان محور الندوة هل أستراليا جاهزة في حال وقعت الحرب وماالتهديدات التي تواجه أستراليا ، وما هي الثغرات في استعداداتنا ، وما يجب أن نفكر في القيام به ردًا على ذلك؟

 تحدث في الندوة التي نظمتها الصحيفتين 5 من الخبراء العسكريين في كافة المجالات وكلهم من الذين يملكون وجهات نظر معادية للصين كما قال بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي ألأسبق والخبراء هم ليزلي سيبيك، ميك ريان، آلن تنكل، ليفانا لي وبيتر جيننغز، وكان لكل منهم وجهة نظر في مجال إختصاصه.

 التقت وجهات نظر المجموعة على انه على أستراليا الاستعداد لما قد تحمله الايام والسنوات القادمة من تحديات وفي بيانهم المشترك قالوا: "لم تكن العقود الأخيرة من الهدوء هي القاعدة السائدة في الشؤون الإنسانية ، بل كانت انحرافًا". "عطلة أستراليا من التاريخ قد ولت".

إذنن لماذ  تعزيز القدرات العسكرية ألأسترالية؟ 


أستراليا تنفق حاليآ 2% من الدخل القومي على النفقات العسكرية ما يوازي 40 مليار دورة ومن أجل سد الفجوة هناك دعوات لمضاعفة الإنفاق العسكري الى 4% اي 80 مليار دولار مع ان الحكومة تقول أن الإنفاق لن يتجاوز 2.5%.

ما كان يدور خلف الابواب المغلقة أصبح على كل شفة ولسان  سواء كان من مؤيدي 

او معارضي الحرب  والتي قد تقع مع الصين في حال قررت الصين غزو تايون لإعادتها الى الوطن الأم، مع العلم أن سياسية الحكومات الأسترالية المتعاقبة(عمال واحرار) هي الإعتراف بالصين كدولة واحدة وهو ما يطلق عليه البعض (الغموض الأستراتيجي)، والجدير ذكره أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون (أحرار) كان قد قال عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة موريسن أن استراليا ستدخل الحرب الى جانب الولايات المتحدة في حال نشوب الحرب مع الصين.

حكومة العمال والتي جاءت الى الحكم في أيار الماضي تحاول جاهدة ترميم العلاقات مع الصين، والتي كانت تدهورت في عهد حكومتي مالكوم تيرنبول وسكوت موريسن بسبب مطالبة أستراليا التحقيق في مصدر كوفيد 19، بالاضافة الى منع شركة هواوي من بناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات وغيرها من القضايا والتي ادت الى رد فعل عنيف من الصين التي فرضت عقويات اقتصادية على أستراليا بقيمة 20 مليار دولار بعد ان أوقفت استيراد الأخشاب والشعير والفحم والمأكولات البحرية وغيرها من المواد الأولية والزراعية.

نفسها الحكومة والتي ورثت من حكومة موريسن إتفاقية أوكس لا تزال ماضية في تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكان آخرها الإعلان عن  صفقة الغواصات التي ستشتريها أستراليا وبكلفة 368  مليار دولار خلال الثلاثين عاماً القادمة.

بالإضافة الى اوكس تعمل حكومة العمال على تعزيز تحالف الكواد مع الولايات المتحدة واليابان والهند التي زارها رئيس الوزراء أنطوني البانيزي ألأسبوع الماضي لتوقيع إتفاقيات تجارية، وقد أعلن البانيزي من الهند أن أستراليا ستستضيف عمليات عسكرية مع الهند واليابان والولايات المتحدة في مناورات (مالابار) قبالة سواحل مدينة بيرث ألأسترالية في أغسطس آب القادم.

كيف كانت ردود الفعل على صفقة الغواصات النووية والكلفة الباهضة؟ وكيف سيتم تأمين هذا المبلغ الضخم؟ وأين ستتخلص أستراليا من النفايات النووية؟ وهل توجد طواقم أسترالية لتشغيل تلك الغواصات وهل توجد بنى تحتيه لإستقبالها؟ وهل يعني شراء تلك الغواصات تخلي أستراليا عن إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية؟ وغيرها من الأسئلة وما ذا عن الشفافية الحكومية بشكل عام ؟

أولاً نشير إلى أن الصفقة تحظى بدعم الحزبين الكبيرين العمال الحاكم والمعارضة المؤلفة من تحالف حزبي (الاحرار- الوطني). 

رئيس الوزراء انطوني البانيزي قال أن الصفقة سوف تؤمن قرابة 20 ألف وظيفة، وقال أن استراليا سوف تشغل تلك الغواصات وبطواقم أسترالية، واضاف أن أستراليا لن تتنازل عن سيادتها بهذا الخصوص، وهذا ما أكده وزير الدفاع ريتشرد مارلز مدافعاً عن الصفقة، وقال إنها لا تعني أننا ذاهبون الى الحرب ولكنها لتعزيز الردع والسلام. ورفض وزير الدفاع الإفصاح عن كلفة صفقة الغواصات وتهرب من الإجابة عدة مرات في برنامج انسيدرز على اي بي سي 19/3/2023 لانه لا يملك الإجابة الشافية والتي قد تتجاوز مبلغ 368 مليار دولار. 

بيتر داتون زعيم المعارضة الفيدرالية قال إن تامين هذه الصفقة مهم لحاجات أستراليا الدفاعية، ولكنه تحفظ على قيمة وكلفة الصفقة وأضاف انها ستكون على حساب النفقات العسكربة الاخرى، وقال إنه سيعطي رأية بهذه الكلفة بعد إجتماع مجلس الحزب وكان هذا الموقف أول خروج عن تأييد الحزبين غير المشروط للصفقة كما تقدم. 

حزب الخضر حذر من ان تامين هذا المبلغ الكبير سيكون على حساب إقتطاع نفقات الصحة والتعليم وهدد بأنه لن يدعم عمليات الإقتطاع في البرلمان.

الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية هيو وايت رأى أن إنشاء أسطول أكبر من الغواصات التقليدية  أفضل من الغواصات النووية الثمانية.

الرد الأعنف على الصفقة كان من جانب رئيس الوزراء العمالي الأسبق بول كيتنغ الذي إستضافه نادي الصحافة الوطني الأسبوع الماضي، فشن هجوماً غير مسبوق وعرى حزب العمال وسياسته اتجاه الصين والتحالف مع أميركا وبريطانيا، وسمى بالأسماء كل من وزير الدفاع ووزيرة الخارجية واتهمها بانعدام الرؤية ولم يوفر رئيس الوزراء على عقد تلك الصفقة، واعتبر هذه السياسة الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى والتي تم فيها تجنيد الشباب اجباريا للذهاب إلى الحرب، وقال اننا سوف ندفع وحدنا تكاليف الصفقة والتي تقدر ب368 مليار دولار لدعم الصناعات العسكرية الاميركية والبريطانية ووصف اوكس بأنها أسوأ صفقة بالتاريخ.

واعتبر كيتنغ بأنه من غير المنطقي إعتبار ان الصين تستطيع احتلال أستراليا هذا اذا كانت هذه النية موجودة. 

وقال بأنه لا ينبغي أن تنجر أستراليا إلى صراع حول مستقبل تايوان.

وهاجم الصحافة الفارغة والمضللة ولم يوفر حتى أجهزة المخابرات.


تصريحات كيتنغ فتحت النقاش على مصرعيه حول الصفقة، رئيس الوزراء دافع عن سياسة حكومته واتهم كيتنغ بأنه لا يزال يعيش في تسعينات القرن الماضي وكذلك فعلت وزيرة الخارجية بيني وونغ.

ودعم تصريحات كيتنغ بيتر غارث الذي كان وزيراً للبيئة في حكومة كيفن راد العمالية ووضف أوكس بالصفقة (النتنة) وكان موقف مؤيد لتلك المواقف من بعض نقابات العمال المهمة والتي ترفض أن يشارك أعضاءها في العمل في موانئ تستقبل غواصات تعمل بالطاقة النووية.

النائبة المستقلة عن مقعد فولر في سدني أيدت تصريحات كيتنغ بقوة معتبرة أنه ليس من الحكمة إنفاق مبلغ 368 مليار دولار غلى أصول لن تؤثر عللى الأستراليين العاديين.

سكان منطقة بورت كمبلا والتي يعتقد أنها ستكون المرفأ الذي سيكون مركز الغواصات اعربوا عن سخطهم وغضبهم من تلك الخطوة والتي تشكل خطراً صحياً وانهم لا يرغبون بأن تكون القاعدة هناك.

الملفت في ألأمر أنه لم يصدر موقف معارض للصفقة أو مؤيد لتصريحات كيتنغ من أي من الوزراء والنواب العمال الحاليين رغم وجود حزبيين مؤيدين وبقوة لتصريحات كيتنغ.

مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء السابق (أحرار) أصرعلى أنه كان من الأفضل الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية من فرنسا لأنها ستكون أرخص ، وتكون في بالخدمة  في وقت مبكر من الغواصات الاميركية والبريطانية ولا تستخدم إلا اليورانيوم المنخفض التخصيب.

 وتساءل تيرنبول عما إذا كانت المملكة المتحدة على مستوى أن تكون شريكًا طويل الأجل في المشروع نظرًا لأن اقتصادها "المريض" غارق في "مشاكل وجودية أساسية.

نشير هنا الى أن حكومة تيرنبول كانت قد وقعت عقد شراء الغواصات من فرنسا والتي الغاها خلفه سكوت موريسن (أحرار) بضغط من الولايات المتحدة لصالح أوكس والتي أدت أي عملية الإلغاء الى توتر العلاقات الفرنسية الأسترالية واتهام الرئيس الفرنسي ماكرون لموريسن بأن كاذب. 

 الرد الخارجي الأعنف جاء من الصين التي اعتبرت ألإتفاقية  طريق خطر وخاطئ وازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي واعتبرت الصين أن هذه ألاعيب لا تؤدي إلى نتيجة.

واتهم أليكس لو المحرر في صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصحف الأسترالية "بصب المزيد من الوقود على النار" في وقت مضطرب للعلاقات بين أستراليا والصين وأضاف لو: "إن شريحة كبيرة من مؤسستها السياسية تهلل الآن بسعادة للحرب  مع الصين" مع ان النهاية "لن تكون خيراً لأي شخص".

من جهتها روسيا أدانت الاتفاق وركز وزير الجارجية الروسي سيرغي لافروف على الطبيعة «الأنغلوساكسونية» للبلدان الثلاثة.

ويبقى السؤال الذي لا بد من طرحه أين هي الشفافية الحكومية ولماذا لم تعرض الحكومة خطتها على البرلمان بمجلسيه ( النواب والشيوخ) في جلسة مغلقة وسرية وإطلاعهما على نوياها قبل ان تلزم البلاد بهكذا صفقة بتكلفة 368 مليار دولار! والتي حتى المعارضة الفيدرالية المؤيدة بقوة للصفقة تتروى لإعلان موقفها من تكلفة الصفقة كما قال زعيمها بيتر داتون؟

أخيراً، هل تكون صفقة الغواصات المسمار الأخير الذي دق في نعش العلافات الأسترالية الصينية وتنهي علاقة المساكنة بين البلدين؟!

الأربعاء، 15 مارس 2023

إقتصاد دولة آسيوية أخرى في خطر: بنغلاديش

 


 بقلم: د. عبدالله المدني*

من بعد سريلانكا وباكستان وأفغانستان وبورما، وجميعها دول تعاني المشاكل الأقتصادية بدرجات مختلفة، نجد أن دولة آسيوية أخرى في النطاق الجغرافي ذاته تقريبا، وهي بنغلاديش، باتت تعاني مخاطر اقتصادية مشابهة قد يؤدي تفاقمها إلى حدوث فوضى واضطرابات مالم تسارع حكومتها إلى اتخاذ قرارات عاجلة لإصلاح الخلل.

صحيح أن الإقتصاد العالمي برمته تعرض خلال السنوات القليلة الماضية إلى صدمات وهزات جراء جائحة كورونا وتداعياتها والتقلبات المناخية الشديدة والتوترات الجيوسياسية وتداعيات الحرب الأوكرانية ــ الروسية، ما أثر سلبا على أحوال معظم بلدان العالم، غير أن تلك التأثيرات السلبية كانت ــ بطبيعة الحال ــ ذو وقع أشد على دول الجنوب ذات الاقتصاديات الفقيرة أو الهشة.

وعلى الرغم من أن بنغلاديش لا تزال كيانا متماسكا وبلدا مستقرا من الناحية الأمنية، وبها مشاريع تنموية إقتصادية واجتماعية جيدة، وعلى الرغم من تصنيفها لسنوات عدة على أنها من الدول الأسرع نموا في جنوب آسيا (سجلت في السنة المالية 2021/2022 معدل نمو بلغ 7.2 بالمائة)، وعلى الرغم من نجاح حكومتها في التصدي بنجاح مذهل لتبعات وباء كورونا في أوساط سكانها البالغ تعدادهم نحو 170 مليون نسمة (احصائيات 2021)، إلا أن العيوب الهيكلية لإقتصادها باتت تهدد استقرارها وتقرع أجراس الإذار من تأزم أوضاعها ودخولها مرحلة الركود.


والمعروف أن بنغلاديش من الدول التي يعتمد إيراداتها على الصادرات، حيث تشكل صناعة الملابس الجاهزة وحدها نحو 80 بالمائة من هذه الإيرادات. والمعروف أيضا أن هذه الصناعة تأثرت بشدة جراء عدم استقرار أسواق الطلب العالمية، ناهيك عن أن اعتمادها المكثف على مدخلات مستودرة وعلى عمالة بشرية غير الماهرة وبنية تحتية ضعيفة، يقف عقبة أمام استمرار الصناعة بنفس الزخم أونموها على المدى الطويل. 

ومن ناحية أخرى نجد أن الضرائب التي تشكل المصدر الرئيسي لدخل الحكومة غير مستقرة أو منتظمة التحصيل بسبب انتشار الفساد وظاهرة التهرب الضريبي المتفشية، بدليل أن البيانات والأرقام الحكومية تفيد بأن الإيرادات الضريبية لا تتجاوز 7.7 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وأنها كانت على مدى الأعوام الثمانية عشر الماضية أقل من 80 بالمائة من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهذا الإخفاق يعزى تحديدا إلى افتقار البلاد إلى الأدوات الضريبية المناسبة والسياسات الصارمة لجبي الضرائب، ومحاباة بعض المتنفذين لدواع انتخابية. ومما لا شك فيه أن هذا يحرم الدولة من ايرادات معتبرة يمكن استخدامها في مشاريع تعود بالنفع على الوضع الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة بصفة عامة.

إلى ما سبق، تعاني بنغلاديش من نظام مواصلات ونقل سيء، وشبكة كهرباء محدودة وضعيفة، ونسب تضخم مرتفعة في الأسعار، وهذا لا يتسبب في تذمر الجماهير وحنقها على الحكومة فقط، وإنما يتسبب أيضا في احجام رأس المال الأجنبي من القدوم للإستثمار في البلاد.


كما وأن تضاؤل صادرات البلاد من الملابس الجاهزة من جهة، وارتفاع تكاليف المدخلات المستوردة الضرورية لهذه الصناعة من جهة أخرى، معطوفا على ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والطاقة، وتراجع قيمة العملة المحلية (تكا) أمام العملات الصعبة أدى كله إلى خلل في الميزان التجاري لغير صالح بنغلاديش، وحدوث عجوزات مالية.

ولعل ما فاقم الأمور أكثر أن الأوضاع العالمية الأخيرة كان لها دور في انخفاض أو توقف التحويلات المالية لعدة ملايين من مواطني البلاد العاملين في الخارج أو المهاجرين منهم، خصوصا في ظل تذبذب أسعار العملة المحلية بشدة، وهو ما تسبب بدوره في نضوب خزينة البلاد من العملات الصعبة. وتأتي هذه المعضلة في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استيراد المزيد من الطاقة الآخذة أسعارها في الصعود، لتلبية الطلبات المتزايدة للسكان والأعمال.

ولكأنما بنغلاديش لا تكفيها كل هذه التحديات لتواجهها مشكلة أخرى خطيرة تنذر بالأسوأ وهو التغير المناخي. حيث أوردت تقارير أمريكية ودولية ما مفاده أن مسار النمو في بنغلاديش سيتعرض للخطر قريبا بسبب التغير المناخي السريع، خصوصا وأن بنغلاديش تعد سابع أكثر الدول تضررا في العالم من أحداث الطقس الشديدة بسبب تضاريسها المنخفضة، وهو ما قد يجبر نحو 30 مليون بنغلاديشي على مغادرة منازلهم الساحلية، لتواجه حكومة دكا عبئا إضافيا.

ومن هنا قام بعض الجهات المهتمة بأوضاع هذا البلد بتقديم النصح إلى حكومة الشيخة حسينة واجد لتفادي حدوث الأسوأ، مطالبين إياها بتنويع سلة الصادارات، ومواجهة التهرب الضريبي، والتوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز برامج الضمان الإجتماعي لحماية الشرائح الأضعف والأقل دخلا في المجتمع، وتحسين القدرات المحلية من خلال بناء شراكات دولية أوسع، وتطوير الاستراتيجيات الخاصة بترويج الصادرات، والتشجيع على الإدخار والاستثمار في البنية التحتية، وغير ذلك.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2023م


عبارة الهامش:

ولكأنما بنغلاديش لا تكفيها كل هذه التحديات لتواجهها مشكلة أخرى تنذر بالأسوأ وهو التغير المناخي.


الاثنين، 13 مارس 2023

حكومة نتنياهو حصار وازمات داخلية وصفعات خارجية

 


بقلم :- راسم عبيدات ـ

حكومة نتنياهو لا يكفيها الأزمات التي تحيط بها منذ ولادتها وتشكيلها،والتي تعمقت مع دخول المؤسستين العسكرية والأمنية على خط الأزمة، في اوسع احتجاجات شعبية وتمرد ورفض اوامر لم تعرفها دولة الكيان منذ عام 1973،احتجاجا على سياسة نتنياهو وخطة وزير قضائه ياريف ليفين للسيطرة على منظومة القضاء والأمن والتعليم،واضعاف سلطة ما يعرف بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية،بما يمكن نتنياهو عبر ذلك من اعادة تشكيل تركيبة تلك المحكمة بما يعزز من سيطرة الحكومة والكنيست عليها،ويحول أعضائها الى موظفين عموميين،ويصادر دورها في تعطيل قوانين اساسية حتى لو كانت مخالفة للدستور،وعدم التدخل في تعيين وزراء يوافق عليهم رئيس الوزراء والكنيست بأغلبية بسيطة عادية.

والهدف من ذلك تمكين نتنياهو من اسقاط التهم المنظورة ضده امام القضاء الإسرائيلي من رشوة وسوء ائتمان وخيانة الأمانة،وهي التي تهدد مستقبليه السياسي والشخصي،وكذلك هو يريد اعادة شريكه في الفساد زعيم حركة شاس درعي الى الحكومة كوزير،بعد ان اجبرت ما يعرف بالمحكمة العليا نتنياهو والمستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا على اقالته كوزير للمالية والداخلية على خلفية الحكم عليه بعدم النفاذ" وقف التنفيذ" بسبب الفساد والتهرب الضريبي،شريطة استقالته من منصبه.


أزمة دولة الكيان الداخلية المتفاقمة سياسياً ومجتمعياً،والتي تتجاوز البعد السياسي الدستوري الى أزمة بنيوية متعلقة بتركيبة دولة الكيان والإختلافات الطبقية والقومية العميقة لمستوطنيه،بات تهدد بقاء واستقرار حكومة اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،وتنذر بإنفجار الأوضاع الداخلية،وفي ظل كل هذا الأزمات الداخلية التي يعيشها نتنياهو وتعيشها حكومته،كان يعتقد بأن مد جسور التطبيع مع الدول العربية والإسلامية،وبالذات اختراق جدران المملكة السعودية،كأهم دولة في الخليج لها وزن سياسي واقتصادي عربي واقليمي ودولي،رغم ان العلاقات التطبيعية بين السعودية ودولة الكيان في جوانبها السرية وبعض الجوانب العلنية قائمة ،والتي كان آخرها السماح لطيران دولة الكيان المدني بالتحليق في اجوائها للعبور الى دول امريكا اللاتينية والشرق الأقصى...ولكن احلام نتنياهو تبددت وسقطت على جدران السعودية،حيث كانت الصفعة الرئيسية بتوقيع الإتفاق بين طهران والرياض بشراكة صينية في بكين من 6 -10 /آذار الحالي،بعد لقاءات عقدت في بغداد ومسقط وبكين، تعيد العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات ين البلدين،حيث كان الرهان أن تبقى السعودية مصطفة الى جانب دولة الكيان في العداء لطهران،وشريكة لها في أي عدوان قد تنفذه بشكل منفرد أو بالشراكة مع امريكا وقوى الغرب الإستعماري على منشأت طهران النووية،هذه الصفعة والتي قد تشكل نقلة نوعية في العلاقات الدولية،وضربة صينية تحت الحزام لأمريكا ودولة الكيان،م يستفق نتنياهو منها حتى جاءت الصفعة الثانية من دولة الإمارات التي رعت حلف "ابرهام" التطبيعي ودشنته مع دولة الكيان، بشكل علني في أيلول /2021بإقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات بين البلدين والتعاون في الكثير من المجالات الاقتصادية والزراعية والصناعية والتكنولوجيا والذكاء الصناعي والجوانب الأمنية والعسكرية والتسلح وغيرها،حيث في إطار الإحتجاج الإماراتي على عدم قدرة نتنياهو بالسيطرة على أعضاء حكومته من الفاشية اليهودية بن غفير وسموتريتش،وتصريحاتهم المغرقة في العنصرية والتطرف،بالإشادة بحرق المستوطنين لبلدة حوارة – نابلس ،والإبتهاج لرؤيتها ممحيه عن الوجود.

الإمارات أوقفت حسب الصحف العبرية شراء تكنولوجيا دفاعية،والتي كان نتنياهو يطمح لولوجها من باب الاقتصاد والإستثمار،ولم تقف الأمور عند هذا الحد فالإمارات " عراب" التطبيع مع دولة الكيان،رفضت استقبال نتنياهو في عاصمتها أكثر من مرة على خلفية المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني،ومن بعد صفعة توقيع اتفاق عودة العلاقات بين طهران والرياض وإعادة فتح السفارات بين البلدين،جاء الموقف السعودي برفض منح تأشيرة دخول الى وزير الخارجية لدولة الكيان ايلي كوهين ووفد إسرائيلي من بلدة كفر كنا الشركسية، بعدما تم اختيارها كقرية "نموذجية" سياحيا، لحضور فعالية بإشراف الأمم المتحدة في بلدة "العلا" بالعربية السعودية.


هذه الصفعات " الناعمة" لحكومة نتنياهو ،من قبل السعودية والإمارات،صحيح أنها لا ترتقي الى حجم المجازر التي يرتكبها الكيان بحق شعبنا،حيث المطلوب اغلاق ملف ومسار التطبيع بشكل كامل،والذي كان يراهن عليه نتنياهو بتجريد العامل الفلسطينية من حاضنته العربية،وكم كان يتفاخر نتنياهو بانه يمكن التطبيع مع العرب،دون حل للقضية الفلسطينية،وبدون تقديم أي تنازلات في قضايا الأرض والإستيطان ووقف الإرهاب والمجاز بحق البشر والحجر الفلسطيني والسعي لتكريس وقائع جديدة في الأقصى تكرس التقسيمين الزماني والمكاني وإقامة قدسية وحياة يهودية فيه،تصبح فيه دولة الكيان شريكة في المكان،بحيث يتم نزع الهوية والطابع العربي الإسلامي عنه،وإنشاء حق مزعوم لليهود بالشراكة فيه كمان مقدس لهم،ما يسمونه بالهيكل الثالث المزعوم.

هي خطوات تحفيزية عربية بالذات من منطقة الخليج،التي كانت دولة الكيان،تسعى للوصول اليها،تلجها اقتصادياً واستثمرياً،وتعزز من حضورها ووجودها الأمني والعسكري فيها،في إطار تعاون استراتيجي يمكنها من مراقبة ما يجري في طهران،وان يكون الخليج شريك لها في العدوان على طهران في أي ضربة عسكرية قادمة.

المواقف الخليجية وبالذات السعودية والإماراتية يبنى عليها، في محاصرة دولة الكيان،ومنع تمددها عربياً،ولكن هذا يحتاج الى قيادة فلسطينية، قادرة على ان تستثمر وتدعم مثل هذه الخطوات، قيادة تغادر خانة الهبوط والإرتجاف السياسي،والخوف على مصالحها وامتيازاتها وسلطتها،وتغليب تلك المصالح على المصالح العليا للشعب الفلسطيين، وقف مسار التطبيع العربي- الإسرائيلي ، يتطلب ان لا تكون السلطة وأجهزتها جسر هذا التطبيع،ولذلك يجب الشروع في حل ما يعرف بلجنة الحوار والتواصل مع المجتمع الإسرائيلي،والتي هي ليست أكثر من مشروع استثماري لعدة اشخاص، يهدرون ملايين الدولارات لخدمة مشاريع خاصة، لا تعود على شعبنا الفلسطيني بخير وفائدة، سوى استثمارها من قبل بعض العربان الرسميين،لكي يبرروا تطبيعهم مع دولة الكيان .

الأربعاء، 8 مارس 2023

قراءة في خطة السلام الصينية حول أوكرانيا


بقلم: د. عبدالله المدني*

يتساءل المراقبون لماذا انتظرت بكين عاما كاملا قبل أن تطرح مؤخرا خطتها لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟ هل مثلا كانت تنتظر أن يحسم حلفاؤها الروس الأمر سريعا؟ أم أنها انتظرت حتى باتت الحرب تؤثر عليها اقتصاديا وتجاريا؟ ام إنها انتظرت إلى حين تأزم الوضع تماما كي تضطر الأطراف المتورطة في الحرب لقبول مساعيها فلا تفشل، وبالتالي يدين لها العالم بانقاذ البشرية من حرب عالمية ثالثة؟ لا أحد يعلم الإجابة إلا القيادة الصينية نفسها.

فعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي ماكرون وزعماء أوروبيين آخرين شجعوا الصين العام الماضي على التوسط في النزاع باعتبارها دولة كبرى تحظى بعلاقات وثيقة مع طرفي الحرب، إلا أن ذلك لم يقابل وقتها بحماس من قبل العملاق الصيني الذي انتظر حتى الأسبوع قبل الماضي ليطرح وزير خارجيته "وانغ يي" خلال زيارته لأوروبا خطة سلام من 12 نقطة.

لكن يبدو أن هذه الخطة، التي حاولت أن تمنح طرفي النزاع بعض المكاسب كيلا يتم رفضها، في طريقها إلى الفشل لأسباب كثيرة. أولها اصرار أوكرانيا على مواصلة الحرب حتى استرداد آخر بوصة من أراضيها المحتلة، ناهيك عن أنها ترى في الصين دولة غير محايدة، ولعل ما زاد الأمر سوءا أن وزير الخارجية الصيني حمل خطة السلام إلى موسكو ولم يكلف نفسه بزيارة كييف لعرضها على قادتها. وثانيها مواصلة واشنطن تقديم دعمها العسكري لأوكرانيا دون تردد واستحالة أن تسمح الإدارة الأمريكية للصين تحقيق نصر دبلوماسي يبرزها كقوة سلام عالمية، خصوصا مع اتهام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للصين بالقيام بدور مزدوج يتمثل في طرح مبادة سلام من جهة والإستعداد لتزويد الروس بالسلاح من جهة أخرى. وثالثها تأكيدات موسكو بأنها لا تقاتل الأوكرانيين وإنما تقاتل الغرب بأكمله حماية لحدودها ووجودها.


والحقيقة أن الصين نفسها لم تكن واثقة من نجاح خطتها بدليل ما قالته صحيفتها الناطقة بالإنجليزية والمملوكة للحزب الحاكم (غلوبال تايمز) من أن انهاء الحرب يعتمد أولا وأخيرا على مدى استعداد طرفيها الأوكراني والروسي للجنوح إلى السلم، وأن أجواء الإستعداد لتفاوضهما على حل سلمي غير ناضجة ولا تزال بعيدة، ملقية السبب على تدخلات واشنطن ودول حلف الناتو.

والحقيقة الأخرى هي أن الخطة الصينية من وجهة نظر العديد من المراقبين تنقصها الوضوح ويكتنفها التناقض، الأمر الذي سمح لكل طرف من أطراف النزاع أن يأخذ منها ما يناسبه فقط. فقد طابت للأوكرانيين مثلا الفقرة التي تتحدث عن وجوب حماية سيادة واستقلال وسلامة أراضي جميع الدول وفقا للقوانين الدولية ومباديء الأمم المتحدة. لكن المفارقة هنا أن بكين وهي تقر هذا المبدأ قامت في وقت متزامن مع طرح خطتها السلمية العودة إلى استخدام الأسماء الصينية لمدن ومناطق خسرتها لصالح روسيا خلال القرن 19 وأوائل القرن 20، وكأنها تشكك في سيادة روسيا على كامل ترابها. وحول هذا كتب أحد معلقيها في 20 فبراير ما مفاده أن الشعب الصيني فقد نحو مليوني كلم مربع من الأراضي تقع الآن في الشرق الروسي وبعض دول آسيا الوسطى لصالح الأمبراطورية الروسية والإتحاد السوفيتي بموجب معاهدات غير متكافئة. 


أما الروس فقد سعدوا بعدم تطرق الخطة الصينية صراحة إلى ضرورة انسحابهم من شبه جزيرة القرم او من منطقة دونباس وغيرها من تلك التي يطالب الرئيس الأوكراني زيلينسكي روسيا بالجلاء عنها كشرط لدخوله في مفاوضات سلام معها، وسعدوا بتشيدها على أخذ المخاوف الأمنية لكل الدول على محمل الجد ووقف العقوبات الأحادية. ولعل ما أسعد الروس أكثر أن الخطة الصينية ألقت، في فقرات عديدة، باللائمة لكل ما جرى ويجري في أوكرانيا على الولايات المتحدة وحلف الناتو مع انتقاد لاذع لتسببهما في الصراعات وتصعيد الموقف وفرض العقوبات الاقتصادية وتوسعة الكتل العسكرية بحجة ضمان الأمن الإقليمي. والمعروف أن شيئا من هذا القبيل ورد ايضا في كلمة السفير الصيني لدى الأمم المتحدة في 23 فبراير والتي قال فيها أن على الدول المعنية (يقصد الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي) أن تتوقف عن إساءة استخدام العقوبات الأحادية و"الولاية القضائية طويلة المدى"، وأن تفعل شيئا مفيدا لتخفيف التوترات بدلا من تصعيدها.

والجدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت مؤخرا قرارا غير ملزم يدعو روسيا لسحب قواتها من أوكرانيا، وقد حصل القرار على موافقة 143 دولة، بينما صوتت ضده روسيا وبيلا روسيا ونيكاراغوا وسوريا وكوريا الشمالية وأريتريا ومالي. أما الصين، ومعها الهند وفنزويلا وإيران فقد امتنعت عن التصويت. وقد فسر البعض هذا الموقف الصيني آنذاك بأنه موقف محايد تتطلبه خطة صينية متوقعة لانهاء الحرب، وأنه أيضا بمثابة تفيند لمزاعم الأمريكيين بأنها تؤجج الصراع من خلال إرسال الأسلحة إلى روسيا. هذه المزاعم التي سخر منها البعض بقوله أن بكين أذكى من أن تورط نفسها في حرب مجهولة النتائج لا علاقة لها بها، فيقوم الغرب بفرض عقوبات مشددة عليها تحرمها من تجارتها مع أوروبا والولايات المتحدة التي تبلغ قيمتها ترليون دولار.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2023م