الأربعاء، 19 أبريل 2023

الرد الياباني على التفوق الجوي الصيني


 

بقلم: د. عبدالله المدني

مما لا جدال فيه أن الطائرات المسيرة صارت اليوم من أنجع الوسائل وأرخصها لإعتراض المناورات الجوية للعدو وتحرشاته وغاراته. فهي بالمقارنة مع استخدام مقاتلات الإعتراض التقليدية المأهولة ليست أسهل لجهة اقتنائها، وليس أرخص لجهة الثمن فقط، وإنما هي فوق ذلك دون تكلفة بشرية، ولا تحتاج لسنوات طويلة من تدريب الطيارين على استخداماتها العسكرية.

لا أدعي أني متخصص في الشؤون العسكرية، لكني إطلعت مؤخرا على العديد من التقارير والدراسات التي تجمع على أن اليابان قد عقدت العزم على الاستعانة بالطائرات المسيرة للتصدي لعمليات انتهاك مجالها الجوي من قبل المقاتلات الصينية، وهي عمليات زادت وتيرتها مؤخرا وتشهد تصاعدا ملحوظا على خلفية تأزم علاقات الصين بالولايات المتحدة التي تعد اليابان حليفة رئيسية لها في منطقة شمال شرق آسيا. 

من هذه التقارير تقرير صحيفة نيكي اليابانية واسعة الانتشار التي قالت أن قوات الدفاع الذاتي اليابانية تفكر جديا في استخدام طائرات بدون طيار بدلا من المقاتلات المأهولة لاعتراض المقاتلات الاجنبية التي تتسلل إلى المجال الجوي للبلاد وتهدد أمنها وسيادتها، مضيفة أن اليابان ستبدأ العام الجاري اختبارات لإستخدام المسيرات في مطاردة السفن الحربية المعادية، وفي حال نجاحها فإنها ستستخدمها لإعتراض المقاتلات المتسللة، خصوصا وأنها أرخص أربعين مرة من استخدام الطائرات الحربية المأهولة. ولم ينس التقرير أن يستدرك ويقول أن اللجوء إلى المقاتلات المأهولة سيكون خيارا لا بد منه في حالات قيام العدو بهجوم جوي كبير.

ومن التقارير الأخرى ذات الصلة تقرير كوسوكي   Kodukeالذي أشار إلى أن اليابان مضطرة إلى الاعتماد المكثف على المسيرات لأن عملية الإرتقاء بمقاتلاتها الأمريكية الصنع من نوع F-15J (عددها 98 طائرة) تحتاج إلى انفاق أموال طائلة في وقت يبلغ فيه الدين الحكومي نحو 266 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. 

أما مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) فكان قد نشر سابقا ما يفيد أن لجوء طوكيو إلى خيار المسيرات أمر فرضه قرب تقاعد أسطول اليابان من طائرات (F- 2) والبالغ عددها 94 طائرة، وفرضه أيضا تحديات وصعوبات فيما يتعلق بإستخدام 147 طائرة من طراز (F- 35)  حصلت عليها من الولايات المتحدة كونها ليست مقاتلة تفوق جوي وانما طائرة قتالية للأغراض العامة. هذا ناهيك عن أمر آخر هو امتناع واشنطون عن تزويد اليابان أو أي دولة أخرى بمقاتلات من طراز (F- 22)  الأكثر قدرة على مواجهة المقاتلات الصينية مثل: (J- 20)، (J- 11)، و(Su- 35). والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، طبقا لصحيفة آسيا تايمز الصادرة في هونغ كونغ، لم تصدر مطلقا مقاتلات من هذا النوع خشية وقوع تكنولوجياتها الحساسة ذات الصلة بالتخفي في أيدي أعدائها، بل توقفت عن انتاجها منذ عام 2011 بعد أن صنعت 187 منها بسبب تكلفتها العالية.

ويبدو أن الحظر الأمريكي على تصدير (F- 22) قد شجع اليابان على تطوير مقاتلات محلية الصنع بفضل ما تمتلكه من تكنولوجيا وعلماء، بدليل أنها انتجت عام 2005 ما يعرف بطائرة الشبح اليابانية (Mitsubishi F-3) ، ثم طورت المقاتلة (Mitsubishi X-2) التي تتميز بتقنيات متقدمة لجهة التوجيه والدفع ثلاثي الأبعاد للإنعطاف السريع والمزودة برادار مسح إلكتروني متطور. كما أن الحظر ــ طبقا لما ذكرته أكثر من صحيفة يابانية وآسيوية ــ شجع اليابان على الدخول في شراكة مع كل من بريطانيا وإيطاليا لبناء مقاتلات من الجيل السادس قادرة على التصدي بنجاح لمقاتلات الجيل الخامس في الترسانتين العسكريتين الصينية والروسية. لكن هناك ثمة مشكلة في الجدول الزمني، حيث لا يتوقع البدء بانتاج مقاتلات الجيل السادس إلا في عام 2031، ولا يتوقع دخولها الخدمة قبل عام 2035، وحينذاك قد تكون البيئة الاستراتيجية في المنطقة قد تغيرت، وقد تكون القدرات العسكرية الصينية قد تجاوزت كل الفرضيات.

وبالعودة إلى موضوع خطط اليابان لإستخدام المسيرات، تطرقت مجلة (Breaking Defense) الإلكترونية المتخصصة في الاستراتيجيات والسياسات والتكنولوجيات الدفاعية إلى عائق هام قد يحد من تلك الخطط وهو أن المسيرات تحتاج إلى الكثير من الأشخاص للعمل (مثلا طائرة هليوكبتر من طراز أباشي تحتاج إلى 30 فردا، بينما طائرة بلا طيار من نوع (Grey Eagle)  يتطلب تشغيلها 135 فردا). وهذا، بطبيعة الحال، لا يناسب جيش الدفاع الياباني الذي يواجه مشاكل في ترغيب اليابانيين للإلتحاق به، خصوصا في ظل تركيبة سكانية تقل فيها نسبة الشباب وترتفع بها نسبة المسنين، ناهيك عن تجذر التقاليد السلمية الكارهة للحروب منذ هزيمة البلاد في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي عدم حماس المواطنين للإنخراط في الجيش أو في الوظائف العسكرية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2023م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق