الثلاثاء، 27 يونيو 2023

تحالف الضعفاء لمواجهة العملاق الصيني


بقلم: د. عبدالله المدني*

يبدو أن الرئيس الفلبيني الحالي بونغ بونغ ماركوس يبتعد يوما بعد يوم عن سياسات سلفه رودريغو دوتيرتي المهادنة للعملاق الصيني. ونجد تجليات ذلك، ليس فقط في قيامه بتنشيط علاقات مانيلا الدفاعية مع الحلفاء الغربيين التقليديين، وإنما أيضا في مضاعفته لحجم التعاون الاستراتيجي مع الدول الاقليمية ذات السياسات المشابهة حيال تعاظم النفوذ الصيني في المياه المجاورة. 

وعلى هذا الصعيد تبرز فيتنام كلاعب محوري في استراتيجية مانيلا الاقليمية وكحليف إقليمي موثوق، خصوصا وأن لهانوي علاقات تاريخية متوترة مع بكين، ناهيك عن حقيقة أن الفلبين وفيتنام يجمعهما نزاع مشترك مع الصين حول السيادة على بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي. أضف إلى ذلك أن البلدين يتبنيان نفس المواقف المتشدة إزاء الصين في منظمة آسيان، خلافا لمواقف بقية الدول الأعضاء التي تهادن العملاق الصيني وتخشى مواجهته. والجدير بالذكر أن هانوي كانت من أكثر الدول تأييدا ودعما لمانيلا للفوز بقرار التحكيم التاريخي ضد الصين في لاهاي سنة 2016م.

في نهاية شهر مايو المنصرم عقد ماركوس اجتماعه الثالث، منذ وصوله إلى السلطة العام الماضي، مع رئيس وزراء فيتنام "فام مينه شينه"، وذلك على هامش القمة 42 لقادة آسيان في أندونيسيا، حيث تعهد الزعيمان بتعزيز التعاون الاستراتيجي بين بلديهما في بحر الصين الجنوبي بهدف منع أي احتكاكات بين سفن الصيد الفلبينية والفيتنامية من جهة، والعمل معا من جهة أخرى لحماية حقوقهما ومصالحهما في مواجهة الصين بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS).

وسرعان ما بدأ الجانبان العمل من خلال مجموعة مشتركة دائمة مكونة من مسؤولين عن خفر السواحل والأمن القومي والدفاع الوطني والثروة السمكية والموارد المائية، الذين أنجزوا مدونة سلوك ثنائية جوهرية بشأن الأنشطة التعاونية في بحر الصين الجنوبي، شاملة حماية البيئة والبحث والانقاذ والتعاون العلمي والتصدي للتسربات النفطية.

وهكذا نجد أن هانوي ومانيلا تحاولان مجددا بناء محور داخل وخارج منظمة آسيان ضد ما يسمى بالهيمنة الزاحفة للصين وعسكرتها للمياه المجاورة، من بعد أن تجمد تعاونهما الاستراتيجي عدة سنوات إبان وجود دوتيرتي المؤيد لبكين في السلطة في مانيلا، والذي كثيرا ما قلل من أهمية النزاعات البحرية مع الصين، وقام بإزدراء نظرائه الفيتناميين، بل رفض استضافة أي منهم طوال فترة رئاسته.

وبطبيعة الحال فإن أجواء التحالف والتفاهم والتعاون هذه بين البلدين نقيضة تماما لما كان بينهما زمن الحرب الباردة حينما كانت مانيلا إحدى أقوى حلفاء واشنطن الآسيويين في الحرب الفيتنامية، بينما كانت هانوي تصف مانيلا بالعمالة للولايات المتحدة والتآمر مع قوى الغرب الرأسمالية ضد حركات التحرر والاستقلال الوطني. وهو ما يؤكد أن سياسات الدول تتغير بتغير الأوضاع الدولية وأن التحالفات قد تنشأ وتتعزز بين أعداء الأمس إذا اقتضت المصالح المشتركة ذلك. وبعبارة أخرى، فإن عداوتهما لبعضهما البعض في الماضي والتي كانت تغذيها الأيديولوجيا، انقلبت اليوم إلى تعاون وثيق أملته سياسات العملاق الصيني واستعراضه لقوته العسكرية المهابة في المحيطين الهاديء والهندي.

فتحت إدارة الرئيس الفلبيني الأسبق فيدل راموس ما بين عامي 1992 و 1998م قامت مانيلا بنشاط مشهود لصالح حصول هانوي على عضوية آسيان، مبررة حماسها بضرورة التكامل الاقتصادي والاستراتيجي السريع في المنطقة من أجل الاستقرار. وحينما استولت الصين في عام 1994 على مجموعة من الشعب المرجانية في بحر الصين الجنوبي كانت تطالب بها الفلبين، انضمت هانوي إلى مانيلا في المطالبة برد اقليمي قوي ضد بكين قبل أن تنجح الجهود الدبلوماسية في الإعلان سنة 2002 عن مدونة سلوك للأطراف المتنازعة في بحر الصين الجنوبي.

وبعد عقد، في عهد الرئيسة الفلبينية غلوريا أرويو (2001 ــ 2010)، وقعت مانيلا وهانوي على اتفاقية مشتركة لمكافحة الزلازل البحرية كجزء من جهود أوسع لإدارة الموارد بشكل مشترك في المنطقة البحرية المتنازع عليها مع الصين. وفي عام 2010 تبنت فيتنام، بدعم فلبيني زمن رئيسها نوي نوي أكينو، الدفاع عن وجود استراتيجي أمريكي أكثر قوة لمواجهة تعاظم النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي لضمان حرية الملاحة في المياه المتنازع عليها. ثم جاءت أزمة "سكاربورو شول" سنة 2012 حينما حاولت البحرية الفلبينية القبض على صيادين صينيين دخلوا هذه المياه الضحلة التابعة للفلبين، لتعطي دفعة للعلاقات الاستراتيجية بين هانوي ومانيلا، كان من آياتها قيام القوات البحرية للدولتين بإجراء تمارين ومناورات عسكرية ومباريات رياضية فوق إحدى الجزر المتنازع عليها مع الصين، واشتراك هانوي في التنسيق مع مانيلا حينما قررت الأخيرة إحالة نزاعات بحر الصين الجنوبي إلى محكمة لاهاي الدولية، وإغراء مانيلا لهانوي بالمساعدة والدعم كي ترفع الأخيرة قضية موازية ضد العملاق الصيني. 



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2023م


الجمعة، 16 يونيو 2023

حول المشاركة المقدسية في الإنتخابات لبلدية " القدس" مجدداً

 


بقلم :- راسم عبيدات

مع الإقتراب لموعد الإنتخابات لبلدية  "القدس" في 31/ تشرين أول من هذا العام تجدد الجدل والنقاش والتجاذبات حول المشاركة من عدمها من قبل سكان مدينة القدس العرب والفلسطينيين،من حملة الهوية الإسرائيلية " الزرقاء،او ممن يحملون  الجنسية الإسرائيلية من سكان القدس وعرب الداخل الفلسطيني- 48 - ويسكنون مدينة القدس ...ورغم ان المشاركة المقدسية في تلك الإنتخابات ترشيحاً وانتخاباُ لم تتجاوز  في أحسن حالاتها   على مدار 56 عاماً من إحتلال المدينة 2%، التزاماً بالموقف الوطني والديني والشعبي الفلسطيني، الذي يجرم ويدعو ويطالب سكان المدينة بعدم المشاركة في تلك الإنتخابات ،من منطلقات مبدئية وطنية سياسية،لكون تلك المشاركة من شأنها شرعنة إحتلال الكيان لتلك المدينة،واعترافاً بسيادته عليها ،وتسويقاً وتماهياً مع الموقف الأمريكي الذي أقدم على نقل سفارة  بلاده في أيار /2017 من تل ابيب الى مدينة القدس،وبما يعني الإعتراف بضم المدينة لدولة الكيان،وتجاوزاً لكل الأعراف والقوانين والإتفاقيات  والقرارات للشرعية الدولية ،التي تعتبر مدينة القدس مدينة دولة،وبأن كل الإجراءات وما يقوم به الكيان فيها  من استيطان وتهويد وأسرلة،وسن للقوانين والتشريعات  باطل ولا قيمة له.

وكذلك لا بد من القول بأن بلدية الكيان في القدس،هي احد اهم أذرع دولة الكيان في تنفيذ سياسات وإجراءات وقرارات  ومشاريع عنصرية تطهيرية،تهدف الى إقتلاع سكان المدينة من أرضهم وطردهم وتهجيرهم وممارسة كل اشكال التطهير العرقي بحقهم،ناهيك عن  هدم منازلهم وأسرلة تعليمهم،ونفي وجودهم وهويتهم.

الموقف التقليدي الفلسطيني الوطني والديني والشعبي ثابت على ما هو عليه،ولم يطرأ عليه أي تبديل أو تغيير، رغم ان البعض ممن يسعى لخوض انتخابات بلدية الكيان  من سكان مدينة القدس العرب او من ابناء شعبنا في الداخل الفلسطيني  - 48 -  من حملة الجنسية الإٍسرائيلية،والذين البعض منهم عقد عدة لقاءات واجتماعات مع شخصيات مقدسية، لإستطلاع رأيهم ووجهة نظرهم،حول إمكانية المشاركة في هذه الانتخابات، تحت حجج وذريعة بأن هناك حقوق مدنية اقتصادية واجتماعية وخدماتية،يدفع المقدسيون مقابلها الضرائب بأشكالها المختلفة ومن أهمها ضريبة المسقفات " الأرنونا"،ولا يتلقون الخدمات الكافية مقابلها،فهم على سبيل المثال يدفعون ما بين 28 – 30% من الضرائب التي تجبيها بلدية الكيان من سكان المدينة ولا يتلقون سوى 6 – 8 % مقابلها.

الحقوق المدنية خدماتية واقتصادية واجتماعية، يمكن العمل على خوض نضال شعبي ومؤسساتي من أجل الحصول عليها،عبر تشكيل أجسام ولجان لهذه الغايات والأهداف،ولكن محظور القفز عن  الأسباب والمواقف الوطنية السياسية، للأسباب التي جرى ذكرها سابقاً،وكذلك على الذين يختلقون الحجج والذرائع لتبرير مشاركتهم في تلك الانتخابات، ان يدركوا جيداً، بأن القضايا ذات البعد الإستراتيجي  من امن واستيطان وملكية الأراضي  والتخطيط الهيكلي والتعليم وغيرها، لا يقرر فيها المجلس البلدي،بل صاحب القرار هنا في هذه القضايا التي تعتبر أمن قومي، هي الدولة العميقة  المؤسستين الأمنية والعسكرية والمتحكمين في الاقتصاد من رجال مال وأعمال ،ولذلك المشاركة في تلك الانتخابات من بوابة المطلبي وتغليبه على السياسي الوطني ضار ومؤذي ،ولعله من الهام جداً التذكير بتجربة أهلنا والعديد من الأحزاب العربية  هناك في المشاركة في الانتخابات للبرلمان " الكنيست" الصهيوني، فهذه المشاركة والتمثيل العربي في الكنيست،وبغض النظر من الموقف منها، لم ولن تمنع عمليات الإستيطان والتهويد التي تجري على قدم وساق بحق أرض شعبنا هناك،والتي ترصد لها ميزانيات ضخمة من حكومة اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،التي تسعى لتهويد الجليل والنقب وطرد وتهجير شعبنا هناك،كذلك ،وأيضاً هل هذه المشاركة، أثرت أو غيرت في موقف دولة الكيان وأجهزتها الأمنية التي تغذي الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا هناك ،حيث تتصاعد الجريمة هناك ،ليس بفعل عصابات الإجرام والمافيات ،بل  أن أجهزة أمن الكيان،وخاصة جهاز " الشاباك" بصماتها وأيديها ليست بعيد عما يحدث، فهي تحتضن ،مثل هؤلاء القتلة  وتمنع الوصول اليهم واعتقالهم ومحاسبتهم،وهذا ليس اجتهاد أو تقدير شخصي ،فشرطة الكيان هي من صرحت بذلك .


وضمن هذه الرؤيا  فأنا أقول بأنه لم يطرأ ،أي تطورات او تغييرات تستدعي تغيير الموقف الوطني والسياسي من المشاركة في انتخابات بلدية الكيان في القدس ترشيحاً وإنتخاباً،بل بالعكس في ظل اشتداد الهجمة والحرب على القدس في كافة المجالات والميادين،من قبل الحكومة الفاشية، فإن التمسك بالموقف السياسي الوطني، يجب ان يتصلب ويتقوى برفض الإنخراط في الانتخابات لبلدية الكيان.

وأنا اعتقد بأن طرح البعض لبدائل لمجابهة مشاريع ومخططات بلدية الكيان، في المدينة،مثل العمل على إحياء ما يعرف بأمانة القدس،والتي كانت موجودة قبل استكمال إحتلال القسم الشرقي من المدينة، هو نوع من الهروب الى الأمام،وتعبير عن عجز و" فنتازيا" كلامية ،وتمرين عقلي .

البديل يجب ان يكون له حوامل صلبة،ويجب أن تلتف حوله الجماهير،وأن يكون هناك قدرة وإرادة على ترجمته الى فعل في أرض الواقع،ترصد له الميزانيات والإمكانيات ،ونحن لسنا بحاجة لبدائل شكلية أو أجسام صورية،فهذا من شأنه ان يعمق حالة الإحباط واليأس بين المقدسيين، الذين بالأساس جزء كبير منهم فاقد الثقة بالسلطة ،ولا يرى فيها  معبرة عن تطلعاتهم وهمومهم وحقوقهم، أو أنها عنوان حقيقي لهم.

الظروف والأوضاع  في مدينة القدس،والحرب الشاملة التي يشنها الكيان عليها،توجب على الجميع الإبتعاد عن المماحكات والتجاذبات والصراعات الداخلية ،والمنظرين او المتحمسين للمشاركة في إنتخابات بلدية الكيان،من بوابة الحقوق المطلبية للمقدسيين، عليهم ان يراجعوا موقفهم وخيارهم في هذا الإتجاه، فالبعد السياسي والوطني أهم من البعد الحقوقي المطلبي المدني،وعليهم ان  لا يسمحوا بأن  يستغلهم الكيان في القول بأن المقدسيين وصلوا الى قناعة بضرورة تغيير موقفهم من قضية القدس،وهم  يتجهون نحو الإندماج في الاقتصاد  والمجتمع الإسرائيلي كمواطنين في هذه الدولة.

الثلاثاء، 13 يونيو 2023

ماذا بعد الزلزال السياسي في تايلاند؟

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

في منتصف مايو المنصرم كانت تايلاند على موعد مع انتخابات عامة طال انتظارها للتخلص من حكم العسكر بقيادة الجنرال "برايوت تشان أوتشا" الذي وصل الى السلطة عبر انقلاب عسكري سنة 2014. لكن خلافا لكل استطلاعات الرأي وتنبؤات المراقبين التي رجحت بقوة فوز حزب "بيوتاي" (تلفظ فيوتاي) المعارض ومرشحته لقيادة البلاد السيدة الكاريزمية "بايتونغتارن شيناواترا" إبنة رئيس الوزراء الأسبق المخلوع "تاكسين شيناواترا"، فإن الناخب التايلاندي، الذي خرج للتصويت بنسبة تجاوزت 75 بالمائة، وجه لطمة قوية لهذا الحزب المعارض وأيضا لحزب "بالانغ براتشارات" وحزب "الأمة التايلاندية" اللذين يعتبران واجهة سياسية للسلطة العسكرية وانصارها، وذلك من خلال التصويت لحزب "إلى الأمام" الليبرالي الصغير بقيادة رجل الأعمال وخريج جامعة هارفارد العريقة "بيتا ليمجارونرات" (42 عاما) المعروف بدعواته إلى احداث إصلاحات سياسية جذرية في البلاد، بما في ذلك إلغاء قانون العيب في الذات الملكية المثير للجدل، وتقييد سلطات الملك وخصوصا لجهة منعه من تأييد انقلابات المؤسسة العسكرية.

والمعروف أن تايلاند من الأنظمة الملكية الدستورية القليلة المتبقية في عالم اليوم، ناهيك عن ان ديمقراطيتها الدستورية شهدت منذ تدشينها عام 1932 تحديات كثيرة، إذ تعرضت مرارا وتكرارا خلال العقود الماضية  لإنقلابات من المؤسسة العسكرية وأنصارها من القوى المحافظة، بل شاركت المؤسسة الملكية نفسها في أكثر من مرة في الترتيب لهذه الانقلابات أو دعمها.

وهكذا، لا نبالغ لو وصفنا نتيجة انتخابات مايو 2023 بأنها زلزال سياسي. كونها منحت التخويل الشعبي لحزب "إلى الأمام" الذي فاز بالمركز الأول بحصوله على 151 مقعدا من اصل مقاعد مجلس النواب الخمسمائة، مقابل 141 مقعدا لحزب فيوتاي، ناهيك عن كونها خذلت العسكر وأنصارهم فلم تمنح حزب "الأمة التايلاندية المدعوم من الجيش والقوى التقليدية المحافظة سوى 36 مقعدا.

لكن هل تؤهل هذه النتيجة الفائز الأكبر لحكم البلاد والشروع في الإصلاحات المطلوبة؟

الإجابة الأولية "كلا". والسبب هو التعديلات الدستورية التي أحدثها العسكر في عام 2016، أي بعد وصولهم إلى الحكم بعامين، حيث نصت هذه التعديلات على أن المشاركين في الانتخابات العامة يسمح لهم بانتخاب 500 عضو لمجلس نواب مدته أربع سنوات (على أساس أن يصوتوا مرتين: مرة لإختيار ممثليهم المحليين المفضلين والأخرى لإختيار حزبهم السياسي المفضل). كما نصت التعديلات على ان تكون 400 مقعد من مقاعد مجلس النواب محجوزة للفائزين من الدوائر الانتخابية، ومائة مقعد حزبي توزع عن طريق التمثيل النسبي. علاوة على ذلك أنشأ العسكر مجلسا للشيوخ من 250 مقعدا تعين المؤسسة العسكرية أعضاءه، وتكون لهم كلمة إلى جانب أعضاء مجلس النواب في اختيار رئيس الحكومة الجديد.

ومعنى هذا أن الأحزاب التي تفوز بأكثر من 25 مقعدا يمكنها أن تقدم مرشحها لرئاسة الحكومة للتصويت على منحه الثقة في اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ بعد شهرين من ظهور النتائج. وعند تطبيق ما سبق على نتائج انتخابات الشهر الماضي، نجد أن حزب "إلى الأمام" يواجه وضعا صعبا ومعقدا قد يبدد أحلام زعيمه في استلام السلطة، بل قد يستغل الجيش هذا الوضع للإستمرار في الحكم. وبعبارة أخرى يحتاج حزب "إلى الأمام" لكي يحكم إلى ضمان تأييد أكثر من نصف أصوات مجلسي النواب والشيوخ في جلستهم المشتركة المقررة في الأسبوع الثاني من أغسطس القادم (أي 375 صوتا). وهذا، بطبيعة الحال، صعب المنال حتى لو شكل "إلى الأمام" ائتلافا مع أحزاب أخرى ممثلة في مجلس النواب مثل "فيو تاي"، الذي أبدى استعداده، هو وأربعة أحزاب أخرى صغيرة، لذلك بالفعل. فمثل هذا الإئتلاف يمكن أن يمنحه تأييد نحو 60 بالمائة من أصوات مجلس النواب، وهذا غير كاف لأنه بحاجة ايضا للفوز بالكتلة التصويتية لمجلس الشيوخ المعين التي ستنضم إلى عملية التصويت في أغسطس القادم.

وبالرغم من وجود هذه العقبة الكأداء في طريق أحلامه، فإن"بيتا ليمجارونرات" يبدو متفائلا بالزخم الشعبي الذي برز حوله وبيأس التايلانديين من حكم الجيش الذي لم يقمعهم في أكثر من مناسبة فحسب وإنما تسبب ايضا في معاناتهم اقتصاديا ومعيشيا، بحسب أقولهم. ولعل أكثر ما يحبط الرجل هو فرضية أن يخذله شريكه الأقوى في الإئتلاف ممثلا في حزب "فيوتاي" لاحقا، إذا ما استلم رئاسة الحكومة المقبلة، خصوصا في ظل وجود علاقات مضطربة سابقة وتباينات سياسية معروفة في الرؤى بين "فيوتاي" و"إلى الأمام. كما أنه يخشى من احتمال أن يدبر له جنرالات الجيش مكيدة قضائية، بمعنى أن يطعنوا في أهليته للحكم بقرار قضائي على خلفية مواقفه المعروفة من القوانين التي تحمي المؤسسة الملكية، خصوصا وأن شيئا من هذا القبيل حدث في عام 2020 لسلفه حزب "المستقبل إلى الأمام" الذي ولد حزب "إلى الأمام" من رحمه.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو 2023م