الثلاثاء، 30 أبريل 2024

أولويات اليابان ودبلوماسيتها الجديدة


بقلم: د. عبدالله المدني*


تعد اليابان هي من أكبر حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، ومن أهم الدول التي تتقاسم مع الأخيرة التوجهات الليبرالية والرأسمالية، وهي من جهة أخرى تملك تاريخا طويلا من النزاعات حول الأراضي والمياه مع كل من الصين الشيوعية وروسيا الإتحادية تعود إلى قرون مضت. غير أن اليابان تواجه اليوم معضلة كبيرة في تحديد أولوياتها وأسلوب دبلوماسيتها التقليدية المبنية على السلام والتعاون مع العالم الحر، نتيجة لما يمر به العالم من أزمات وتطورات وتغيرات جيوسياسية.

ومما لا شك فيه أن عوامل مثل: 

ــ اختلال ميزان القوى في محيطها الجغرافي بصعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية طامحة للعب دور مهيمن في المحيطين الهندي والباسفيكي. 

ــ بروز كوريا الشمالية كقوة نووية وباليستية مشاغبة. 

ــ احتقان علاقاتها مع جارتها الكورية الجنوبية على خلفية قضايا تاريخية معقدة، على رأسها قضية التشغيل الإجباري للمواطنين الكوريين في المصانع اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية، وقضية "نساء المتعة" الكوريات إبان نفس الفترة.

ــ ظهور بوادر حرب باردة بين حلفيتها الأمريكية والصين الشيوعية محورها الإقتصاد والتجارة والتكنولوجيا ومضيق تايوان.

ــ التحالف الناشيء بين الصين وروسيا الاتحادية على خلفية الأزمة الأوكرانية.

هذه العوامل مجتمعة أدت إلى قرع أجراس الإنذار في الدوائر السياسية والحزبية اليابانية بخصوص ما ينتظر هذا البلد الآسيوي من مشاكل لم تكن في الحسبان أو لم تكن متوقعة بهذه الصورة الجلية.

لقد استيقظت طوكيو على وضع خطير، خصوصا مع تزايد التنافس الجيوسياسي، وانتشار الأوبئة المهددة للبشرية، والانقسامات المريرة في مجلس الأمن الدولي، والتغيرات المناخية، وتفاقم الأنشطة الإرهابية وعمليات القرصنة البحرية، لتجد نفسها مضطرة إلى تغيير أدواتها الدبلوماسية بهدف المحافظة على نظام إقليمي ينشد التنمية والسلام والمبادلات التجارية الحرة والأمن والإستقرار والاحتكام إلى القانون الدولي ومباديء عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحق الأمم في التنوع الثقافي والفكري.

والمعروف أن اليابان اختطت لنفسها، منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية، سياسة خارجية محورها النأي بنفسها عن الحروب والمغامرات العسكرية وسياسات التوسع، معطوفة على سياسات داخلية تنشد التنمية والإزدهار في ظل نظام ديمقراطي قائم على التعددية السياسية والإقتصاد الرأسمالي، فكانت أن حققت صعودا وبروزا في العالم وفي محيطها الإقليمي بحيث باتت نموذجا للآخرين ومرشحة لممارسة دور دولي من خلال مجلس الأمن متى ما تم الإتفاق على إحداث تغيير في هياكل الأمم المتحدة. وهي لئن تراجعت إقتصاديا إلى المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين في العقود الأخيرة، إلا أنها حافظت على وهجها الإقتصادي والتكنولوجي والصناعي، ناهيك عن محافظتها على موقعها كأحد الأقطار الأكثر مساهمة بالقروض والمعونات والهبات لصالح الأقطار النامية.

وإذا ما تتبعنا خطوط السياسات الخارجية لليابان في السنتين الأخيرتين نجد أن بعضها تكرار لما إلتزمت وعملت من أجله طويلا، والبعض الآخر استدعته التطورات والمتغيرات الجديدة في عالم اليوم. إذ نجد في طياتها مثلا: 

ــ الدفاع عن نظام عالمي حر وتعزيزه بالتأكيد على الانصياع لمباديء القانون الدول، ترسيخ مباديء التجارة الحرة والإقتصاد الرأسمالي، تعزيز دور الأمم المتحدة في حل الأزمات العالمية والإقليمية بطرق وأدوات سلمية، 

ــ رفض كل أشكال العنف والتدخل في شؤون الدول الأخرى وتغيير الأوضاع القائمة بالقوة أو التهديد باستخدامها، حق الدول النامية في انتهاج السياسات المؤدية إلى رفاه ونماء شعوبها دون تدخل خارجي.

ومن تلك المنطلقات والمباديء راحت الحكومة اليابانية تؤكد في العام المنصرم (2023) على: 

ــ إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا على اعتبار أنه عمل من أعمال الإعتداء على مباديء القانون الدولي والنظام العالمي (خصوصا وأن آثاره امتدت إلى منطقة المحيطين الهندي والهاديء والشرق الأوسط وأفريقيا في صورة ارتفاعات في أسعار الوقود والغذاء وتزايد الأكلاف والأعباء على الدول الفقيرة النامية). 

ــ رفض سياسات التوسع والهيمنة التي تنتهجها دول كبرى، لاسيما مساعي وخطط الصين للهيمنة على ممرات مائية دولية وجزر صغيرة متنازع عليها في المحيطين الهاديء والهندي (خصوصا وأن تلك الممرات المائية تشكل قناة حيوية لتجارة اليابان مع الشرق الأوسط وأفريقيا وطرق مواصلات وإمدادات معهما).

ــ مساندة أي خطوات ومشروعات دولية أو إقليمية ذات صلة بالأمن والإستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط، والانخراط فيها من منطلق ما تشكله المنطقة من أهمية قصوى لليابان لجهة التجارة والواردات النفطية (تستورد اليابان نحو 90 بالمائة من احتياجاتها النفطية من دول شرق أوسطية)، خصوصا وأن اليابان تأثرت كثيرا بما شهدته المنطقة من حروب وصراعات وأزمات في العقود الماضية. 

ــ بناء ونسج علاقات شراكة اقتصادية واستراتيجية أمتن مع الهند باعتبارها تمثل نموذجا ديمقراطيا مشابها في الكثير من الخطوط مع النموذج السياسي الياباني، ناهيك عن ثقلها في موازين القوى الاستراتيجية، وكونها اقتصادا صاعدا وشريكة موثوق بها في مسائل الأمن والسلام وضمان إستقرار المحيطين الهندي والهاديء ومحاربة القرصنة البحرية والإرهاب. 

ــ مواصلة ما بدأته منذ عام 1993 من اهتمام ودعم تنموي للقارة الأفريقية، التي يتوقع لها أن تحتضن ربع سكان العالم بحلول عام 2050، حيث أن طوكيو كانت السباقة إلى عقد "مؤتمر طوكيو للتنمية الأفريقية" (تيكادTICAD). والجدير بالذكر أنه في الدورة الثامنة لهذا المؤتمر في أغسطس 2023 أطلقت اليابان رسالة قوية مفادها أنها سوف تعمل على  إطلاق مبادرات لصالح أفريقيا وشعوبها  بأساليب يابانية جوهرية، وستواصل المساهمة في تحقيق أفريقيا المرنة، وفي تعميق العلاقات اليابانية الأفريقية.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2024م

الثلاثاء، 23 أبريل 2024

انتخابات كوريا الجنوبية تحول رئيسها إلى بطة عرجاء


     

بقلم: د. عبدالله المدني

في آخر انتخابات رئاسية جرت في كوريا الجنوبية قبل نحو عامين فاز الرئيس الحالي "يون سوك يول"، الذي خاض الانتخابات مرشحا لحزبه اليميني المحافظ (حزب قوة الشعب)، على منافسه زعيم الحزب الديمقراطي "لي جاي ميونغ" بفارق ضئيل جدا بلغ 0.7 بالمائة، وهذه النسبة هي أضيق نسبة من الأصوات بين مرشحين في تاريخ البلاد منذ تبنيها الديمقراطية والتعددية الحزبية. ومذاك لم ترتفع شعبية الرئيس "يون"، بل ظلت تعاني من الانخفاض. وقد قيل في أسباب نفور الكوريين منه، ابتعاده عن التصرف كسياسي مرن، يفاوض ويقدم تنازلات، وانتهاجه، بدلا من ذلك لأسلوب المواجهة والاستبداد في الرأي الذي ربما تشربه من عمله السابق كمدع عام. ومن الواضح اليوم أن شعبيته تدهورت كثيرا وأن الرياح تعاند سفنه ولن تسمح له بعد اليوم بمواصلة تنفيذ أجنداته وطموحاته. 

نقول هذا على ضوء نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا والتي عدت بمثابة استفتاء على عهده. إذ اسفرت نتائجها عن فوز كبير لحزب المعارضة الرئيسي (الحزب الديمقراطي) الذي يمثل يسار الوسط وشركائه من الأحزاب الصغيره (حصدوا معا 192 مقعدا في البرلمان المكون من 300 مقعد)، ورغم أن هذه النتيجة أقل قليلا من الأغلبية العظمى، إلا أنها تحقق سيطرة المعارضة على البرلمان بصورة أكبر من ذي قبل، وتكفي لمواجهة حق النقض الذي يتمع به رئيس الجمهورية. وهذا، بطبيعة الحال، يجعل الأخير بطة عرجاء غير قادرة على تنفيذ سياساته خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته، بل يجعله أول زعيم لبلاده يحكم طوال مدة ولايته في ظل برلمان تقوده المعارضة.


ولسنا بحاجة هنا للإشارة إلى حاجة الرئيس "يون" إلى دعم برلماني (بات مفقودا) لمواصلة سياسته المتشددة مع النظام الكوري الشمالي، خصوصا في هذا الوقت الذي تدق فيه كوريا الشمالية طبول الحرب وتتوعد على لسان زعيمها الديكتاتور "كيم جونع أون" قائلة "إن الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة المحيطة بكوريا الديمقراطية (الشمالية) تعني أن الوقت قد حان للإستعداد للحرب أكثر من أي وقت مضى"، طبقا لما نقلته وكالة أنباء كوريا الشمالية عن كيم خلال تفقده جامعة "كيم جونغ إيل" العسكرية والسياسية في بيونغيانغ في وقت سابق من الشهر الجاري.

لقد شكلت نتائج الانتخابات التشريعية هذه صدمة كبيرة للرئيس "يون" وحزبه الحاكم بدليل أن زعيم الحزب الحاكم "هان دونغ هون" استقال من منصبه فورا، فيما عرض رئيس الحكومة "هان داك سو" ومجموعة من كبار المسؤولين التنحي عن مناصبهم. أما الرئيس فلم يجد مفرا من احترام إرادة الناخبين مع وعد منه بالتحرك سريعا لإجراء اصلاحات اقتصادية.

ومما لا شك فيه أن ما حدث يعكس استياء شعبيا من الطريقة التي أدار بها "يون" كوريا الجنوبية خلال العامين الماضيين. حيث أنه أولى جل اهتمامه بالقضايا الخارجية، رغبة منه في تعظيم دور ومكانة بلاده على الساحة الدولية. فكان ذلك على حساب التعامل مع الشأن الداخلي، ولاسيما القضايا المعيشية والاقتصادية وبعض الملفات السياسية. 


وبعبارة أخرى، يمكن القول أن الكوريين الجنوبيين عاقبوا رئيس البلاد وحزبه الحاكم على قضايا مثل تزايد تكلفة السكن وارتفاع أسعار السلع الغذائية وتراجع فرص العمل، ناهيك عن فشله في تخفيف عدوانية نظام كوريا الشمالية، وإهمال حكومته  للشيخوخة السكانية السريعة وعدم معالجتها اضراب الأطباء المستمر، واخفاقها في منع حادثة التدافع البشري في العاصمة خلال احتفالات عيد الهالوين عام 2022، وممارسة سياسة التقرب مع اليابان التي ينظر إليها غالبية الكوريين الجنوبيين كقوة استعمارية بغيظة سابقا. ويمكن أن ندرج في هذا السياق ايضا ما تردد عن قيام الحكومة بمحاولات وضغوط لإسكات  زعيم المعارضة "لي ميونغ" عبر ملاحقته بتهم فساد ملفقة. هذا علما بأن الأخير يمكنه الآن أن يطالب برد الإعتبار وبياض صفحته من تهم الفساد بعد أن التف حوله الشعب ومنحه صوته، بل يمكنه خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027 والفوز بها.

ولعل متاعب الرئيس يون وحزبه الحاكم ستتضاعف في حال انضمام حزب "إعادة بناء كوريا" إلى حزب المعارضة الرئيسي وحلفائه، حيث أن هذا الحزب الذي تأسس حديثا على يد وزير العدل السابق "تشو كوك" والذي حصل على 12 مقعدا برلمانيا، قد يقرر ذلك في حال استمرار ملاحقة زعيمه بتهمة الفساد التي استأنف الأخير ضدها حكما صدر بحقه بالسجن لمدة عامين. وإذا ما فعل، ستصبح للمعارضة اليد الطولى في صياغة وتمرير القوانين والتشريعات التي تلائم أجنداتها دون معوقات.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2024م




الخميس، 18 أبريل 2024

اسرائيل ومأزق الرد وعدم الرد على إيران



بقلم :- راسم عبيدات

 يبدو بأن طهران ودعت الى غير رجعة سياسة الإحتواء ..وتخلت عن مقولة " الصبر الإستراتيجي"،وناسج السجاد العجمي قطبة قطبة بتأني وصبر لكي يخرجها تحفة فنية،تخلي عن نَفسه الطويل في النسج،وهذا أتى بعد أن أنجزت ايران بناء قدرات عسكرية وتسليحية وتكنولوجية وسيبرانية وجيوفضائية كبيرة جداً،فيها الشيء الكثير من التطور التقني والعسكري والتكنولوجي والعلمي،وبالذات المسيرات الحديثة من طراز" شاهد 149" والتي اختبرها الروس في تدمير الدبابات والأليات والقطع العسكرية الأوكرانية،وكذلك الصواريخ فرط صوتية ذات المدايات الطويلة والإصابة الدقيقة والرؤوس التفجيرية والتدميرية الكبيرة جداً ،ومنظومة كاملة من  منظومات الدفاع والحماية الصاروخية والإعتراض الجوي  ذات الكفاءة العالية،والتي اختبرت في إسقاط أحدث طائرات التجسس الأمريكية  غلوبال هوك " في حزيران 2019  في مضيق هرمز فوق المجال الجوي الدولي ....ايران بعد قصف قنصليتها في دمشق،ورفض امريكا ودول الغرب الإستعماري، في مجلس الأمن الدولي إدانة هذه العملية التي خرقت القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بشكل سافر،لم يكن أمامها من خيارات،إلآ ان ترد على ذلك،فهذا الرد يتعدى الرد على إستهداف القنصلية الى رد يتصل بفرض معادلات اشتباك وقواعد ردع جديدة،وهو كذلك يتصل بالكرامة الوطنية والسيادة والردع بالنسبة لإيران وعدم القيام به،يضر بالمصداقية والثقة والهيبة الإيرانية،أولاً أمام الداخل الإيراني،الذي ‘طالب برد قاس ومؤلم،وكذلك سينعكس ذلك سلباً على حلفائها ومحورها في المنطقة والإقليم...وأيضاً عدم الرد يعني السماح ل"اسرائيل" بفرض قواعد اشتباك ومعادلات ردع جديدة،ويجعلها في المستقبل تتمادي أكثر وأكثر،ليس بقصف اهداف ومواقع عسكرية وأمنية ودبلوماسية  ايرانية في سوريا والعراق،بل قصف اهداف ومنشأت واغتيال قادة عسكريين وسياسيين وعلماء في قلب طهران،ومن هنا جاء الرد ممهوراً بتوقيع المرشد الأعلى والقائد العام لقوات المسلحة الإمام علي خامينيئ، وأحيل الرد توقيتاً ومكاناً وحجماً الى الجهاز التنفيذي،وبقرار المرشد هذا الذي لم تتوقعه لا أمريكا ولا " اسرائيل"،بات القرار ملزماً،وإن كانت ايران كجزء من المحور الداعم والمشارك في الدفاع عن قطاع غزة  ومقاومتها ،كانت مستعدة للتخلي عن الرد في سبيل وقف إطلاق نار دائم وإنسحاب " اسرائيلي شامل من القطاع  وعودة نازحي الشمال وإنجاز صفقة تبادل تستجيب لمعظم مطالب المقاومة الفلسطينية ...ولكن عدم تحقيق ذلك ورفض " اسرائيل" الإستجابة له،جاء الرد الإيراني، الذي في إطار الإستعداد والتحضيرات له، عاشت " اسرائيل حكومة وقيادة عسكرية وامنية وسياسية،حالة من الإرباك والقلق والتخبط  والهوس والإستنفار ،ووضع المجتمع "الإٍسرائيلي" وجبهته الداخلية في حالة نفسية غير مسبوقة ..اضطرت الناطق العسكري باسم الجيش " الإٍسرائيلي" لمخاطبة الجمهور،بعدم التهافت على تخزين المواد الغذائية  وعبوات المياه،وأيضاً عدم التسابق على سحب النقود من ماكنات الصرف الألي البنكية،لأن من شأن ذلك خلق حالة  هستيريا بين الجمهور  ووضعه في ضغط نفسي كبير.

أمريكا و"اسرائيل" لم تتوقعا تخلي ايران عن سياستها التقليدية بالإحتواء،وموقف المرشد الأعلى ،والذي شكل تطور في الموقف الإيراني وجرعة كبيرة من التحدي والتغير في الموقف.


حالة من الإرباك والتخبط سادت المقاربات الأمريكية و" الإسرائيلية " حول الرد على الهجوم الإيراني، هذه المقاربات ادت الى تغير المواقف بزمن قياسي، فمن نصيحة بعدم الرد ،والإكتفاء بهجوم دبلوماسي وفرض عقوبات على ايران والحرس الثوري ،الى قرار بالرد واجماع عليه من قبل مجلس الحرب " الإسرائيلي" ،وفشل في تحديد موعده وحجمه، فالبداية أمريكا ومعها حلفائها من التوابع الغربية الأوروبية،نصحوا " اسرائيل"، بأن تحتفل بالنصر الإستراتيجي،بإسقاط 99% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية،ولكن بعد إنكشاف الحقيقة،وبان الصواريخ الإيرانية إستطاعت الوصول الى القاعدة الإستخبارية "نيفاطيم" التي اتخذ فيها قرار القصف للقنصلية الإيرانية،ومطار رامون الذي انطلقت منه طائرات " اف 35"  لقصف القنصلية الإيرانية،وبأن هذا الهجوم الإيراني غير المسبوق الذي تتعرض له " اسرائيل" يستوجب الرد،لأنه يمس بقدر كبير بقوة الردع " الإسرائيلية" وبالأمن القومي "الإسرائيلي،ولذلك تلاشت الفوارق بين الموقف "الإٍسرائيلي" والموقف الأمريكية والأوروبية الغربية،وباتت ضرورة الرد،ولكن رد مضبوط ومحدود، لا يؤدي الى " تهور" ايران وإشعالها للمنطقة ،ووصل الأمر بالرئيس الأمريكي بايدن، المفتخر بصهيونيته ،للقول بأن الحرب اذا ما توسعت، فإن أمريكا ستشارك فيها الى جانب " اسرائيل" ،لأنه حسب زعمه بأن ايران تريد ان تمحو الدولة اليهودية في العالم بشكل نهائي عن الوجود.

ايران اعلنت جهوزيتها للرد سواء كان بإستهدف اراضيها ومنشأتها النووية وبرامج صواريخها الباليستية ومصانع المسيرات والأسلحة،او تنفيذ عمليات اغتيال وتخريب داخل ايران،او المس بمؤسسات ايران وبعثاتها الدبلوماسية ووجودها العسكري والأمني في المنطقة.

ايران قالت بأن ردها على أي هجوم " إسرائيلي " داخل ايران أو خارجها،ولو كان محدودا،سيجري الردع عليه بشكل مؤلم وقاسي،وسيكون عشرات أضعاف الرد السابق،وأبلغت أمريكا بان قواعدها العسكرية في المنطقة ستكون عرضه للقصف‘إذا ما شاركت في الرد "إسرائيلي" على ايران،وكذلك دول حلف " الناتو" العربي المصغر، التي تتواجد في اغلبها،أن لم يكن جميعها قواعد أمريكية، تبلغت رسالة ايران،بان تقديمها أي تسهيلات لإمريكا أو إسرائيل، بفتح اجوائها وأراضيها للهجوم على ايران،سيضعها في حالة من العداء مع طهران.

دخل الأميركيون والإسرائيليون في مرحلة الحسابات الدقيقة لمخاطر ومكاسب الرد وعدم الرد على عملية الردع الإيرانية ليل 14 نيسان، ردًّا على الغارة الاسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث كل من الخيارين محفوف بمخاطر أقلّها التسليم بموازين جديدة تكون لإيران اليد العليا فيها على مستوى المنطقة، وما لذلك من انعكاسات على مكانة «إسرائيل» الإقليمية وهي في قلب حربها الخاسرة على جبهات غزّة ولبنان، واستطرادًا على النفوذ الأميركي في المنطقة التي تمثل «إسرائيل» القويّة المهيمنة قاعدته الرئيسية. وبالمقابل فإن الرد يفتح الباب لمواجهة تبدو إيران جاهزة لخوضها وقد أعدت لها عدتها، رغم تأكيدها أنها لا تسعى إليها لكنها لا تخشاها، وحتى منتصف ليل أمس، كانت المعادلة المعلنة تقوم على أن القرار يعود لـ «اسرائيل» وأن واشنطن تحترم ما سوف تقرره تل أبيب وأنها تلتزم بحماية «اسرائيل»، مهما كان قرارها، بينما تحت الطاولة يستمر التشاور الأميركي الإسرائيلي على مستوى الخبراء لبلورة جواب يتيح ردًّا لا يؤدي الى المواجهة المفتوحة او الى رد إيرانيّ أشد قسوة، وهذا ما ظهر في تردّد مجلس الحرب في "إسرائيل" تجاه بلورة قرار واضح.

الحجيج الأوروبي الى " إسرائيل" ممثلاً بوزراء خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك"،للوقوف الى جانب " إسرائيل وخلف خياراتها وقرارتها، يذكر بالحجيج الأمريكي والأوروبي الغربية قادة وجنرالات ،بعد معركة 7 أكتوبر،حيث حضروا من أجل المصادقة على الخطط " الإسرائيلية" ومشاركتها في شن حربها على قطاع غزة ومقاومتها و" اجتثاث" حركة حماس،ولكن هذه المرة الحجيج،يأتي من أجل إقناع " إسرائيل" بعد الرد أو رد مضبوط ورمزي، لا يستثير حفيظة ايران وما يسمونه بتهورها،برد يقود الى خروج الأمور عن السيطرة ،والذهاب الى حرب إقليمية شاملة مدمرة،وقالوا بأنه سينفذون سلسلة عقوبات بحق ايران وحرسها الثوري واعتباره منظمة " إرهابية.

"إسرائيل" أرادت من عدونها على القنصلية الإيرانية في دمشق ، ان تكون مصدر تظهير لإستعادة قوة ردعها،ولكنها جاءت كمصدر لتظهير الردع الإستراتيجي الإيراني.

لم يعد هناك تباين أمريكي  -"إسرائيلي" من بعد مرحلة الرد الإيراني،فهناك حالة من التبخط والإرباك،وهذا ما نشهده من التاجيلات المستمرة للرد " الإٍسرائيلي"،والتنسيق المتواصل والمستمر أمريكياً و"إسرائيلياً" واوروبياً ،لبلورة مخرج لهذا المأزق لا يذهب الى التحدي ولا يسلم بخسارة قوة الردع،ولكن يبدو ذلك وهماً ودرباً من الخيال حتى اللحظة،فتارة يتحدثون عن رد دبلوماسي  وسيبراني،واخرى رد مؤلم وصادم،ومن ثم عدم القدرة على إتخاذ القرار.

كل المعطيات تقول بأن هناك تحولات كبرى واستراتجية  تحدث في المنطقة،ومن شأنها ان تقود لوقوع المواجهة الكبرى.

الثلاثاء، 16 أبريل 2024

هونغ كونغ تقر قانونا أمنيا جديدا مثيرا للجدل

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

المعروف أن بريطانيا أعادت هونغ كونغ إلى السيادة الصينية في عام 1997 بعد استعمار دام نحو 156 عاما، وقد سبق ذلك صدور إعلان صيني بريطاني مشترك في ديسمبر 1984 حول تطبيق مبدأ "بلد واحد ونظامان سياسيان مختلفان"، بحيث تكون هونغ كونغ منطقة إدارية صينية متمتعة بوضع خاص، لاسيما لجهة النظام القضائي والتشريعي والحريات الأساسية، وذلك بهدف الإبقاء على هونغ كونغ كمركز مالي عالمي وتعزيز صورتها الزاهية الجاذبة للإستثمارات. لكن المعروف أيضا أن بكين راحت مذاك تقلص هذه الوضعية الخاصة بوسائل شتى، الأمر الذي ولد احتجاجات شعبية من قبل سكان الجزيرة، كان أضخمها تلك المظاهرة المليونية التي شهدتها هونغ كونغ في عام 2019، احتجاجا على قانون للأمن القومي اقترحت بكين دخوله حيز التنفيذ بدءا من عام 2020.

وبسبب تلك المعارضة الجماهيرية الكاسحة، ومن امتصاص غضبها مؤقتا، تم تأجيل تطبيق القانون المقترح للمزيد من الدراسة من قبل السلطة التشريعية في الجزيرة. وفي الثلث الأخير من شهر مارس المنصرم أعلنت حكومة هونغ كونغ بدء العمل بقانون جديد للأمن القومي، بعد أن أخضعت نصوص قانون الأمن الصيني المقترح في عام 2020 للدراسة والاستكمال.

وهذا القانون الجديد، الذي أقره المجلس التشريعي للجزيرة بالإجماع، ولقي اعتراضات كثيرة من الداخل والخارج، تضمن عقوبات صارمة لطائفة من الأعمال مثل الخيانة والتمرد والتجسس والتخريب وسرقة اسرار الدولة والفتنة والعمل لصالح جهات أجنبية وتعريض الأمن القومي للخطر. فقد نص مثلا على عقوبة السجن مدى الحياة لجرائم التخريب، وعقوبة السجن لمدة 20 عاما لجرائم التجسس ولمدة 14 عاما لجرائم التخابر مع الخارج، ولمدة 10 سنوات لجريمة التحريض على الكراهية ضد قادة الدولة والحزب الشيوعي الحاكم في بكين، علاوة على عقوبة السجن لمدة 7 سنوات لجرائم أخرى بإمكان رئيس السلطة التنفيذية في الجزيرة استنباطها. ألى ذلك وسع القانون صلاحيات وزير الأمن الذي بات الآن قادرا على فرض عقوبات على النشطاء الهونغكونغيين في الخارج (مثل إلغاء جوازات سفرهم)، وابقاء الموقوفين 16 يوما في الحجز الاحتياطي بدلا من 48 ساعة كما كان مطبقا سابقا.

وقد سبق دخول هذا القانون الأمني الجديد حيز التنفيذ، مشاورات واستلام الحكومة لمذكرات من جهات محلية عدة حول مرئياتها على مدى 30 يوما، انتهت ببيان حكومي تضمن ما مفاده أن نسبة 98.6 بالمائة من المشاركات أظهرت الدعم للقانون وعلقت عليه تعليقات إيجابية، بينما عارضته نسبة 0.71 بالمائة، جميعها من المنظمات المناهضة لجمهورية الصين أو الأفراد الهاربين والمعادين (على حد زعم البيان). 

غير أن جمعية الصحفيين في هونغ كونغ دحضت نسبة المعارضة الضئيلة تلك، قائلة أن جميع أعضائها الذين شاركوا في مشاورات القانون الجديد يرون وجود تأثير سلبي له على حرية الصحافة في الجزيرة، مضيفة أن تعريف "أسرار الدولة" تعريف فضفاض للغاية، ما يجعل من الصعب على الصحفيين تحديد ما إذا كانت مصادرهم الحكومية تكشف معلومات يجرم القانون نشرها باعتبارها من أسرار الدولة. كما أن الجمعية أكدت قلقها من احتمالات أن يجد الصحفيون أنفسهم عالقين في مشاكل قانونية بسبب عملهم في نقل الأخبار وكتابة التقارير والتعليقات.

ولئن كانت اعتراضات الدوائر الغربية، ولاسيما البريطانية، لهذا القانون معروفة الدوافع، ومنطلقة من عدائها الأيديولوجي للصين، ومتناغمة مع حالة التنافس الأمريكي ــ الصيني المتفاقمة، وإنْ جاءت تحت ستار الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن الجديد هو صدور اعتراضات ومخاوف من قبل عدد من غرف التجارة الأجنبية، ولاسيما بشأن خلو القانون الأمني الجديد من تعريف دقيق لجريمة "سرقة أسرار الدولة". فمثلا أعرب رؤساء غرف التجارة الألمانية والأروروبية واليابانية عن قلقهم من تراجع مكانة وميزة هونغ كونغ كبيئة جذابة للتجارة ولرجال الأعمال، بعد صدور قانون الأمن الجديد الذي قد تفضي نصوصه الغامضة إلى توجيه التهم الكيدية للمستثمرين الأجانب ومعاقبتهم، مشيرين إلى أن "التكاليف الإضافية للإمتثال للتعريف الواسع لأسرار الدولة قد تدفع المستثمرين الأجانب إلى نقل أعمالهم إلى أماكن أخرى". وفي السياق نفسه قال "يوهانس هاك" رئيس غرفة التجارة الألمانية ما مفاده أن القانون الأمني الجديد قد نسف تماما كل ما تبقى من ميزة لهونغ كونغ.

ومثل هذا الشعور الذي انتاب قادة الغرف التجارية المذكورة، كان قد ظهر جليا في استطلاع أجرته منظمة التجارة الخارجية اليابانية (JETRO) في أوائل فبراير. حيث جاءت نتائجه أن ثلث المشاركين فيه أكدوا على أن مناخ الأعمال العام في هونغ كونغ تدهور عما كان عليه قبل عام. وهو ما دفع رئيس المنظمة "شينيا أمانو" إلى القول إن التطورات السياسية والتشريعية القادمة ستكون لها تأثيرات سلبية قاتمة على الشركات.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2024م

الجمعة، 12 أبريل 2024

ريمون ابي عراج رئيسًا للتجمع الماروني (AMCN)




 بيان صحفي 


عقد التجمع الماروني الاسترالي اجتماعه العام السنوي مساء يوم الاثنين 8 نيسان   2024 وكان اللقاء فرصة لعرض ومناقشة أمور تهم التجمع و جاليتنا المارونية الأسترالية...... 

فمع دخول التجمع عامه التاسع منذ تسجيله رسميًا في Fair Trading nsw، كان من المناسب مراجعة وتقييم الأداء الممتاز والإنجازات الجيدة لهذه المؤسسة في عهدي الرئيسين السابقين غسان عويط وفهد جعيتاني في القيام بأنشطة اجتماعية  شملت جمع وتقريب الناس من بعضهم البعض وأيضًا تقديم المساعدات المالية في كل من أستراليا ولبنان. 

هذه المنظمة الصغيرة والشابة نسبيًا، قد تمكنت في غضون سنوات قليلة، من مساعدة مجموعة متنوعة من الأشخاص والمؤسسات المحتاجة على النحو التالي: 

1. دار النجاة للسرطان  5000Lifehouse دولار   

2. معهد Garvin لأبحاث السرطان: 5000 دولار

3. المحتاجين في لبنان عن طريق الأبرشية المارونية في سيدني: 2000 دولار

4.  Maronite On Mission: 5000 دولار

5. دار القديس شربل لرعاية المسنين: 17000 دولار

6. قرى لبنانية - دفعة اولى : 12000 دولار

7. قرى لبنانية -دفعة ثانية : 8000 دولار

8-المحتاجين في لبنان عبر قناة mtv لبنان:4600 دولار

9. مشروع الأخت روز في لبنان: 8000 دولار

10. الرابطة المارونية الاسترالية: 1000 دولار

11. سيسوبيل: 500 دولار

12. جمعية منسيين في لبنان: 450 دولار 

13. صوت المحبة- عبر الأب مارون موسى 2000 دولار

14. الأب بطرس إسحق- مشروع بناء كنيسة في علما لبنان : 1000 دولار

15. مستشفى زغرتا عبر المونسنيور اسطفان فرنجية 5000 دولار 

الإجمالي: 76,550.00 دولار

وفي جو خالٍ من التنافس وتماشياً مع الممارسة المعتادة المتمثلة في التفاهم والانسجام، تم اختيار مجلس إدارة التجمع الماروني لسنة 2024 على النحو التالي: 

الرئيس: ريمون أبي عراج

نائب الرئيس: فهد جعيتاني

الأمين العام : غسان عويط

نائب الأمين العام: جاندارك عراج

امين الصندوق: طوني مارون

نائب امين الصندوق : بيتر واكيم

مستشار: كلوفيس بطي

مستشار: جورج حنا

مستشار: طوني ب سليمان 

صادرعن الأمين العام  للتجمع

غسان عويط 

سيدني، أستراليا

البريد الإلكتروني: amcn1600469@gmail.com


الثلاثاء، 9 أبريل 2024

تطور لافت .. سيئول تبتعد عن بكين جيوإقتصاديا


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

من الأمور التي لفتت أنظار مراقبي الشأن الآسيوي في الأشهر الأخيرة، أن كوريا الجنوبية باتت تبتعد بمسافات عن المدار الجيوإقتصادي للصين الشيوعية، دون أن تملك الأخيرة ردا مناسبا سوى التشديد على ضرورة "تعاون ودي على اساس الثقة والاحترام المتبادل" بين البلدين ودعوة سيئول إلى تبني سياسة عدم الانحياز إزاء الخلاف الأمريكي ــ الصيني. 

ولعل من أوضح آيات هذا التطور الناشيء والآخذ في التزايد هو انخفاض اعتماد كوريا الجنوبية على الصين، مقابل زيادة اعتمادها على الولايات المتحدة تجاريا واستثماريا.

فعلى سبيل المثال لم تعد الصين، للمرة الأولى منذ عام 2004، الوجهة الأولى للصادرات الكورية الجنوبية، بينما صارت الولايات المتحدة هي وجهتها الأولى منذ أواخر العام الماضي. وما يؤكد هذا التطور هو أن كوريا سجلت عجزا تجاريا بقيمة 18 مليار دولار أمريكي مع الصين لأول مرة منذ 31 عاما. وتفيد الإحصائيات المتوفرة ذات الصلة أن مرد العجز المذكور هو انخفاض صادرات كوريا الجنوبية إلى الصين في عام 2023 إلى 124.8 مليار دولار، وانخفاض واردات كوريا من الصين بنسبة 8 بالمائة على أساس سنوي إلى 142.8 مليار دولار.

في المقابل، لوحظ  تدفقا قويا للإستثمارات إلى الولايات المتحدة من قبل الشركات الكورية العملاقة، وهو ما أتاح زيادة صادرات كوريا من السيارات وقطع غيارها وبطارياتها وإطاراتها إلى الأسواق الأمريكية. وفي رأي المراقبين أن هذه التوجهات، إذا ما استمرت (المرجح أن تستمر مع بقاء الرئيس "يون سوك يول" في سدة الرئاسة الكورية حتى عام 2027)، سوف تجعل من كوريا الجنوبية الدولة الوحيدة المتاخمة للصين دون أن تكون شريكتها الاقتصادية الأولى.

ويبدو أن كل هذا يسير وفق "مبادرة 3050" وهي مبادرة استراتيجية كورية جنوبية طويلة المدى أطلقتها وزارة التجارة والصناعة والطاقة في سيئول في ديسمبر 2023 من أجل تحقيق الإستقرار في سلاسل التوريد في البلاد، وتقليل الاعتماد على الصين إلى أقل من النصف بحلول عام 2030. أما خلفيات إطلاق المبادرة فتكمن في مخاوف سيئول من أن اعتمادها تجاريا واستثماريا بصورة كبيرة على الأسواق الصينية قد يعرضها لإنتقام صيني محتمل في حال حدوث أزمة سياسية عميقة أو نشوب حرب واسعة في منطقة شمال شرق آسيا المتميزة بالتنافس الجيوسياسي الشديد.

وبعبارة أخرى، فإن هذا التنافس الجيوسياسي المتعاظم في ظل ضعف كوريا الجنوبية عسكريا قياسا بالآلة الحربية الصينية، فرض على حكومة الرئيس الكوري "يون سوك يول"، إعادة تشكيل العلاقات السياسية والاقتصادية من خلال تقليل الاعتماد الاقتصادي والتجاري والاستثماري على الصين مع زيادة التنسيق والتفاعل مع واشنطن وطوكيو على نحو ما اتفق عليه في قمة كامب ديفيد الأمريكية اليابانية الكورية في أغسطس 2023.

والمعروف أن محاولات وجهودا بذلت من خلال التجمعات المتعددة الأطراف (مثل مجموعة آسيان ومجموعة العشرين) أو من خلال حوارات ثنائية على المستويات الوزارية بين بكين وسيئول او عن طريق الحوارات الثلاثية بين الصين وكوريا الجنوبية واليابان، بهدف بحث قضايا مثل استقرار سلسلة التوريد ، وضوابط التصدير، وتسهيل التجارة البينية، لكنها لم تولد الزخم اللازم لعقد قمة كورية ــ صينية ــ يابانية، أو حتى تحديد موعد لزيارة الزعيم الصيني "شي جينبينغ" لسيئول التي لم يزرها منذ عام 2014. 

وفي هذا السياق، ألقى معلقون صينيون في صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الناطقة بالإنجليزية باللائمة على ما وصلت إليه الأمور بين بكين وسيئول على نهج الرئيس الكوري "يون" المؤيد للسياسة الأمريكية، مشيرين تحديدا إلى تنصله من تفاهم تم التوصل إليه في عهد سلفه بعنوان "اللاءات الثلاثة والقيود الواحدة" حول نظام الدفاع الصاروخي (ثاد)، وتجاهله للخطوط الحمراء الصينية في ما خص تايوان وبحر الصين الجنوبي وإقليم شينجيانغ (تركستان الشرقية). هذا ناهيك عن الجهد المشترك بين واشنطن وسيئول لمواجهة المعلومات المضللة، وهو جهد تجسد في التوقيع على مذكرة تفاهم وتعاون بين البلدين الحليفين في أعقاب تقارير أفادت بأن وزارة أمن الدولة في الصين حاولت اختراق وزارة الخارجية الكورية الجنوبية وتسللت إلى شبكة الحاسوب الخاصة بمكتب رئيس الجمهورية إبان عهد الرئيس الكوري السابق "مون جاي إنْ" الذي حكم البلاد من 2017 إلى 2022.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ابريل 2024م


الجمعة، 5 أبريل 2024

حين كذّبت غزة شعار "معا سننتصر" واحترقت وحدها

 


كتب جواد بولس:

شهدت شوارع المدن الاسرائيلية، بعد الاعلان عن تشكيل حكومة نتنياهو الاخيرة، موجات من المظاهرات التي بدأت بحضور شعبي متواضع مدفوع بتوجس بعض شرائح المجتمع الاسرائيلي  من هدف الحكومة في تنفيذ مشروع "الاصلاح القضائي"، كما اعلنت عنه حكومة نتنياهو، وقناعة المتظاهرين بأن مخطط احزاب الحكومة اكبر من ذلك، وسيفضي عمليا، في حالة انجازه، الى هدم مؤسسات الدولة السيادية والاجهاز على سلطة القانون واستقلالية المنظومة القضائية، بجميع فروعها، وتحييد دور هيئات الرقابة "الدستوريه" في تأمين التوازنات الضرورية بين سلطات الحكم الثلاثة: الشرعية والتنفيذية والقضائية؛ وحماية حقوق المواطنين الاساسية. 

ركزت شعارات المتظاهرين الاوائل على ضرورة حماية الديمقراطية الاسرائيلية، وحصرت اهدافها، في البدايات، بالتصدي لمخططات التيارات السياسية القومية العنصرية والدينية المتزمتة، لا سيما بعد ان حظيت احزابها باكثرية مطلقة داخل الكنيست/ السلطة التشريعية، وباشر قادتها بتنفيذ مخططهم بالاستيلاء على جميع مفاصل الحكم استعدادًا لتشييد الدولة اليهودية الجديدة او بالحري مملكتهم وفق المفاهيم التوراتية التي تربوا عليها وآمنوا بها ونالوا من ناخبيهم الثقة والتكليف لتحقيقها.

ومع مرور الوقت بدأت بعض النخب القيادية اليهودية الجديدة تنتبه الى ان المطالبة بحماية الديمقراطية الاسرائيلية والدفاع عن المنظومة القضائية لن يتحققا الا اذا تم التعاطي مع المسببات التي اعطبت ديمقراطيتهم عبر العقود الماضية، وافضت الى ولادة التيارت السياسية والدينية المتعصبة والفاشية وتعاظم قوتها كما حصل؛ فكيف يمكن لديمقراطية حقيقية ان تثبت في عرى احتلال شعب آخر وقمعه ؟ وكذلك كيف لها ان تكون حقيقية اذا لم تضمن المساواة لاكثر من خمس مواطني الدولة العرب؟ 

اذكّر اليوم بهذه التفاصيل لعلاقتها  بما يجري داخل اسرائيل في هذه الايام، وربما لان البعض قد نسي تداعيات المشهد الاسرائيلي الذي كان، ونسينا كيف تحوّلت مظاهرات الاحتجاج الصغيرة الى مظاهرات ضخمة تضم مئات الالاف من المواطنين وتغزو شوارع المدن الاسرائيلية وميادينها حتى اصبحت حركة تتمتع بقوة شعبية مؤثرة نجحت بفرض موقفها على حكومة نتنياهو واجبرته على الاعلان عن تجميد مخطط "الاصلاح القضائي"،  تحت شعار رأب الصدع داخل المجتمع اليهودي والتفتيش عن قواسم مشتركة بينهم حيال شكل الدولة اليهودية ونظام الحكم فيها.


وقبل مناورة حكومة نتنياهو المذكورة واعلانها عن تجميد خطتها في الاصلاح، من الجدير ان نتذكر كيف بعد ان كان شعار المحافظة على الديمقراطية يرفع في المظاهرات "عاريا" من اي مضمون حقيقي،  أو وهو مقرون بضرورة حماية المنظومتين القضائية والرقابية وحسب، صرنا نسمعه من بعض الخطباء وهو مقرون بتأكيدهم على ضرورة التخلص من الاحتلال الاسرائيلي للفلسطينيين، وتأكيدهم، في نفس الوقت، على ان لا ديمقراطية بدون تأمين مساواة كاملة لمواطني الدولة العرب. لقد بدأ الشعار ثلاثي الاضلاع يبرعم وينطلق وان كان في حقول من شوك. 

لن أدّعي اليوم اننا كنا قاب قوس من اقناع المجتمع الاسرائيلي بأن لا ديمقراطية في دولة تشرعن فوقية الجنس اليهودي على سائر مواطنيها غير اليهود؛ او أن لا ديمقراطية مع احتلال ومع سياسات قمع واضطهاد وعنصرية؛ لكننا، رغم ذلك، كنا نشهد مخاضات تتداعى في سيرورة سياسية اجتماعية متدافعة وجديدة، لو قيض لها ان تستمر لنقلتنا، ربما، الى فضاءات هي آمن لنا، بالتأكيد، من التي فاضت علينا بعد السابع من اكتوبر .

 ففي ذلك اليوم "السابع" لم تسترح السماء، كما علمتنا الكتب، بل صبت جام غضبها وحممها على العباد؛ فكان ليل وكان نهار، وزال عصر وحل طوفان، وشنت اسرائيل حربًا فسال دم وساد دمار .

ستة شهور مرت، تغيرت فيها  قواميس اللغة وادوات بديعها وبيانها؛ فكتبَ الرصاص احرف الديمقراطية طلقة طلقة ، وصار الاحتلال كنايات مغروسة في الاجساد، والمساواة تحولت الى  استعارة عن خنجر يتربص بفريسته القادمة؛ اما اسرائيل فلم تعد "دولتنا" التي "تحترمنا وتشك فينا" بل سجاننا المتأهب بسوطه وبحافلاته. كل ما كان عندنا ولنا قبل السابع من اكتوبر صار اصداء لأحلام وأنات " لبنات جبال" بعيدة. في السابع من اكتوبر رفعت صهيون شعار ربها واعلنت : "معًا سننتصر" على اعدائنا؛ فكلنا بعد اليوم ابناء صهيون واحد ولا فرق بين نتنياهو وجولان، ولا بين لابيد وابن جبير، وجئولا هي اخت لمايا. 

 ونمنا كالفَراش حول القناديل وسكتنا نعدّ خاءات خيباتنا وننظر نحو غزة وقد كانت فتاة لا تعرف النوم، تطير "وتغطي صدرها العاري باغنية الوداع وتعد كفيها وتخطىء حين لا تجد الذراع "، ولا تبكي؛ فكيف يبكي من يعيش بين موتين وبحر ؟

مرت شهور الذبح حتى سمع المدى صهيل الذباب، وطفح الدم وصار ريقا في حلوق الناس. بعد ستة "دهور" تفوق فيها الوجع على هرم الينابيع فبدأت قلة من الناس  تستعير ضمائرها وتعيد تفاصيل المشهد قطرة قطرة، وبدأت تعي ان غزة هي الضحية ويجب على حكومة نتنياهو ان توقف حربها عليها وتتوقف عن قتل نسائها واطفالها وابريائها  "فثلثا الاشخاص الذين قتلوا ،( أكثر من ٤٢ الف شخص  قتلوا في غزة ) هم من النساء والاطفال، وهذا امر لا يغتفر" ، هكذا صرح  قبل ايام السينتاور الامريكي برني ساندرز، وهو صوت من الاف مؤلفة من الناس بدأوا يتهمون حكومة اسرائيل ويطالبونها بوقف الحرب فورا.

 لم تقتصر موجة التحولات في الرأي العام على الساحات الدولية وحسب، بل بدأنا نشعر بها ايضا داخل اسرائيل، حيث لم يكتف المعارضون باطلاق التصريحات وبانتقاد حكومتهم. في الاسابيع  الاخيرة بدأت تنتظم موجة جديدة من مظاهرات الاحتجاج التي يشارك فيها الاف المواطنين، يطالبون بالعمل من اجل ارجاع المخطوفين وبضرورة اجراء انتخابات جديدة للكنيست. قد تكون  تداعيات المظاهرة التي جرت يوم الثلاثاء الماضي امام بيت نتنياهو في شارع غزة في القدس، مؤشرًا على احتدام الوضع بين نتنياهو وحكومته من جهة وبين جميع القوى الاجتماعية والسياسية التي وقفت ضده بعد تشكيل حكومته من جهة اخرى. وقد يكون الصدام  بين المتظاهرين ورجال الشرطة،  الذي جرى على مقربة من منزل رئيس الحكومة ، واستدعى حضور رئيس جهاز المخابرات العامة بنفسه الى الموقع،  دليلا على ما سيحصل في القريب العاجل سواء على مستقبل اواصر الوحدة اليهودية اليهودية التي فرضتها بشكل مصطنع وديماغوغي أحداث السابع من أكتوبر، او على طريقة تعامل الشرطة مع من سيعارضون حكومتهم.  

 ان ما يحدث في الايام الاخيرة داخل اسرائيل، لا سيما عودة ظاهرة الاحتجاجات الى الشوارع، هو تطور هام ولافت؛ وقد يتحول في ظروف مواتية الى حركة شعبية معارضة شبيهة لتلك التي تراجعت تحت وطأة طوفان السابع من اكتوبر.

اعي ان ما يحرك المتظاهرين في الاحتجاجات الاخيرة هي مسألة المخطوفين الاسرائيليين والمطالبة باعادتهم، واتهام حكومة نتنياهو بهدر ارواحهم على مذبح مصلحته الشخصية وغريزته للبقاء في الحكم،  واعرف ان دوافع بعض القوى المبادرة والمشاركة في تلك الاحتجاجات سياسية، ورغبتهم في اجراء انتخابات جديدة للكنيست هي اسقاط حكومة نتنياهو، ومع ذلك علينا، نحن المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل والفلسطينيين بشكل عام،  ان نتابع هذه التطورات لا كمتفرجين لنا مصلحة بتوسيع الشقاق الذي نجح نتنياهو بطمره تحت شعار "معا سننتصر" فحسب؛ بل كاصحاب مصلحة مباشرة في اعادة الشارع الاسرائيلي الى مواجهة الاسئلة المصيرية الصحيحة والتوصل الى الاجوبة الصحيحة المصيرية، من اجلهم ومن اجلنا.  

لقد كان السابع من اكتوبر يوم اتحد كل افراد الشعب اليهودي داخل إسرائيل واتفقوا ان يقضوا بسببه على اهل غزة .. لكن غزة بقيت وستبقى لاهلها النازحين النازحين النازحين ولجثث ابنائها وحجارتها المشبعة بالدم وبالدموع وباحلام البائسين الباقين.

فهل كما كانت غزة "الفريسة" سببا للوفاق التام داخل اسرائيل ستكون غزة الحياة سببا في صحوة الاسرائيلي من خرافاته؟ 

الأربعاء، 3 أبريل 2024

دعما لقرى واهالي الجنوب الذين يقفوا بوجه حزب الله: المجلس العالمي سيرفع مذكرة الى الامم المتحدة لتطبيق القرار 1559

            


واشنطن في  3 نيسان 2024

ما يتعرض له لبنان من دمار سببه انخراط جماعة الاحتلال الإيراني أو ما يسمى بحزب الله في حرب لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، وهي تهدد المواطنين اللبنانيين في القرى الحدودية وتعرضهم لخطر الحرب والتهجير وتدمير منازلهم وشقى عمرهم. وقد حاول البعض من أبناء هذه القرى ابعاد خطر القصف الاسرائيلي عنها بعدم السماح لجماعة التخريب من استخدام محيطها لاطلاق صواريخهم، وهي عملية كان يجب أن يقوم بها الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المرابطة في المنطقة بحسب القرار 1701، ولكن الحكم في لبنان يعارض ذلك، ولذا قرر السكان المحليون أخذ المبادرة والدفاع عن أنفسهم بمنع استعمال محيط بيوتهم للقيام بأعمال التعدي والتي تجر الردود العنيفة والغير محمولة. من هنا يرى المجلس العالمي لثورة الأرز، ضرورة التحرك الدولي لمساندة حق المواطنين اللبنانيين بابعاد خطر الحرب عنهم ومنع تهجيرهم وتدمير بيوتهم، ويشدد على الأمور التالية:


- إن قيام البلديات والعناصر التابعة لها من موظفين ومتطوعين بمنع التعدي على محيط بلداتهم هو حقهم المشروع والذي يكفله الدستور ويجب أن يدعمه القانون الدولي وقوات الأمم المتحدة. من هنا نشجع البلديات في كل القرى على اتخاذ تدابير لمنع التعدي عبر الحدود من أراضيها ومنع المغامرين الذين لا يجلبون سوى الشرور والضرر من استعمال محيط منازلهم لخلق جو من التوتر والفوضى لا يجلب سوى الدمار والخراب.

- إن المطلوب من قوات الجيش اللبناني العاملة تحت قيادة القوات الدولية في الجنوب القيام بدورها في بسط الأمن ومنع التعدي عبر الحدود وأقله مساندة المواطنين في القرى التي لا ترغب بالحرب ولا تريد أن تكون مسرحا للانتقام بمنع المسلحين بالاقتراب منها واستعمال قذائفهم لجلب الضرر على أبنائها. كما يطلب إلى قوات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مساندة أبناء القرى وأهاليها في ثباتهم بأرضهم ودفاعهم عن حق الوجود ومساعدتهم ماديا ومعنويا للصمود وعدم ترك بيوتهم وأرزاقهم عرضة للتعديات من كافة الأطراف. 

- إن ما يجري في الجنوب يجب أن يكون مثالا يحتذى لكل بلديات القرى والمدن في سائر أنحاء لبنان لتنظيم رفضها للحرب ومنع دخول وتحرك قوات التخريب هذه التي لا تجلب سوى الدمار والخراب وتؤدي إلى وصول النار إليها مهما بعدت عن الحدود فإذا لم يكن هناك حكم قادر على مواجهة تخريب لبنان وزجه بحروب تجر الويل على أهله فلا بد للمواطنين من حماية أنفسهم ومنع أسباب الحرب وابعاد نتائجها عنهم.


الثلاثاء، 2 أبريل 2024

آسيا الأولى عالميا في استيراد السلاح .. لماذا؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

تنبأ البعض، بمجرد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في اعقاب انهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية، أن السلام سوف يسود العالم، وبالتالي ستبور أسواق السلاح العالمية ويحل بها الكساد لعدم الحاجة إلى بضائعها. ولم يدر بخلد هذا البعض أن النزاعات التي خلقتها الحرب الباردة على مدى نصف قرن في أكثر من مكان لن تنتهي بهذه السهولة، بل ستستعر وتقود إلى صور جديدة أكثر شراسة من الحروب والنزاعات المسلحة. وبعبارة أخرى كانت النبوءة في غير محلها، إذ سرعان ما شهد العالم موجة من الحروب والصراعات الاقليمية لأسباب متنوعة بعد انهيار نظام توازن الرعب السابق وقيام نظام عالمي أحادي القطب عاجز عن كبح جماح الأنظمة السياسية الشريرة الساعية إلى توتير الأجواء  والتحرش بجاراتها تحقيقا لطموحات وأهداف توسعية. بل أن هذا النظام العالمي أثبت أيضا عجزه لجهة ايقاف توالد وتنامي قوة الميليشيات المسلحة العابرة للدول، وهو ما أدى إلى انتعاش أعمال مصانع أدوات الحرب والقتل والدمار، بل وظهور سوق سوداء للسلاح يتبضع منها المتمردون والأقطار الخاضعة للحصار على حد سواء.

ويشير تقرير صدر مؤخرا عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، حول مبيعات السلاح في العالم، إلى ان واردات بعض الدول في سنوات الألفية، وتحديدا من عامي 2019  و 2018 إلى عامي 2022 و2023 قد تضاعفت، وأن الانفاق العالمي الإجمالي على السلاح ارتفع بنسبة 3.7% سنة 2022 ليصل إلى 2240 مليار دولار، محققا أكبر زيادة سنوية منذ 30 عاما.

ولئن احتلت أوكرانيا المركز الرابع في قائمة أكبر مستوردي السلاح على مستوى العالم بسبب تلقيها أسلحة رئيسية من أكثر من 30 دولة للدفاع عن نفسها ضد الغزو الروسي منذ عام 2022، فإن قارة آسيا باتت تحتل المرتبة الأولى على رأس قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم، بدليل أن عشرة من أكبر مستوردي السلاح كانت دولا في آسيا وأوقيانوسيا (بما في ذلك دول الشرق الأوسط)، مع احتلال الهند وباكستان للمركزين الأول والخامس عالميا على التوالي. 

في التفاصيل، نجد أن مشتريات اليابان وحدها ارتفعت خلال العقد الماضي فقط بنسبة 155%، بينما زادت كوريا الجنوبية مشترياتها بنسبة 6.5% في الفترة ذاتها، علما بأن مصدر وارداتهما هو الولايات المتحدة. وغني عن البيان أن هذا الانفاق على التسلح من قبل الدولتين الجارين يرجع أساسا إلى مخاوفهما من القوة العسكرية المتعاظمة للعملاق الصيني من جهة ومخاوفهما من تحرشات وتهديدات النظام الكوري الشمالي الطائش من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك عامل آخر هو شكوكهما في سرعة تدخل واشنطن لحمايتهما في حال تعرضهمها لأي اعتداء صيبني أو غزو كوري شمالي، بموجب المعاهدات الدفاعية والأمنية المبرمة مع الحليف الأمريكي.

في المقابل انخفضت واردات تايوان من السلاح بنسبة 69%، على الرغم من التوترات المتزايدة بينها وبين الصين التي تهدد بغزوها إنْ أعلنت استقلالها، ويرجع السبب إلى نمو صناعاتها العسكرية المحلية بدعم أمريكي. غير أن هذا الانخفاض قد لا يطول في ظل خطط للتزود بطائرات مقاتلة حديثة ودبابات متطورة وصواريخ فعالة مضادة للسفن من الصناعة الأمريكية خلال السنوات الخمس القادمة.

وبالمثل فإن واردات دول جنوب شرق آسيا انخفضت بنسبة 43% بين عامي 2014 و2023، إلا أن التوترات المستمرة بينها وبين الصين دفعتها إلى شراء المزيد من الأسلحة الغربية، بدليل أنه في الفترة 2019 ــ 2023 اقدمت الفلبين على زيادة وارداتها بنسبة 105%، وسنفافورة بنسبة 17%، وكذا الحال مع ماليزيا وأندونيسيا اللتين قدمتا طلبات كبيرة للحصول على طائرات وسفن مقاتلة. أما ميانمار، التي تشهد حروبا وصراعات داخلية، والتي يمثل حجم انفاقها العسكري نسبة 10% من اجمالي واردات دول جنوب شرق آسيا من السلاح، فقد استوردت كميات ضخمة من الأسلحة في الفترة ذاتها من روسيا (بنسبة 38%) والصين (بنسبة 26%) والهند (بنسبة 18%).

وإذا ما أتينا إلى الصين، التي مثلت وارداتها من السلاح في الفترة 2019 ــ 2023 نسبة 2.9% من الإجمالي العالمي، نجد أن وارداتها العسكرية التي يأتي 77% منها من روسيا قد انخفضت بنسبة 44% لأسباب تعود إلى تنامي قدرتها على تصميم وانتاج السلاح ذاتيا.

وطبقا للتقرير السويدي فإن الولايات المتحدة تحتل المركز العالمي الأول في تصدير السلاح، تليها فرنسا التي احتلت مكان روسيا بعد أن انخفضت صادرات الأخيرة بنسبة 53% في الأعوام الأخيرة. وتأتي الصين كخامس أكبر مصدر للسلاح في العالم بنسبة 7.8%.



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: مارس 2024م


عبارة الهامش:

نجد أن مشتريات اليابان وحدها ارتفعت خلال العقد الماضي فقط بنسبة 155%،