الثلاثاء، 31 ديسمبر 2024

فوضى سياسية وتطهير حزبي في كوريا الجنوبية


 بقلم: د. عبدالله المدني*

للمرة الثالثة استخدم المشرعيون في كوريا الجنوبية صلاحياتهم وصوتوا مؤخرا لصالح عزل رئيس البلاد المنتخب. حدث ذلك من قبل في عام 2004 حينما قرروا عزل الرئيس الأسبق "روه مو هيون" (انتحر عام 2009) لإنتهاكه قانون الانتخاب، لكن المحكمة الدستورية قررت بعد 63 يوما رفض طلب العزل، ثم تكرر للمرة الثانية مع الرئيسة السابقة "بارك جيون هاي" في عام 2016 حينما وافقت المحكمة على عزلها بعد 93 يوما من تقديم المشرعين طلبا بذلك لتورطها في فضيحة فساد سياسي.


تواجه كوريا الجنوبية اليوم ما يمكن وصفه بأكبر تحد لنظامها الديمقراطي منذ عقود، فرئيس البلاد موقوف عن العمل وتنتظره محاكمة، والبلاد تدار بالإنابة من قبل رئيس وزراء تحوم حوله اتهامات لدوره في مرسوم اعلان الأحكام العرفية، و"حزب قوة الشعب" الحاكم منقسم على نفسه وتجري في اروقته عمليات تطهير، والمعارضة منتشية لكن زعيمها متورط في أكثر من قضية فساد، والسلطة القضائية المنوط بها الحسم غير مكتملة العدد.

هذا مختصر المشهد السياسي الفوضوي في كوريا الجنوبية وهي على أعتاب عام جديد، الأمر الذي لم يكن متوقعا لولا قيام رئيس البلاد "يون سوك يول" باعلان الأحكام العربية فجأة في 14 ديسمبر 2024، في عملية تحد للبرلمان المعرقل لخططه بسبب هيمنة المعارضة ذات التوجهات اليسارية على أغلبية المقاعد.

تكافح كوريا الجنوبية اليوم من اجل لملمة مشاكلها السياسية والدستورية والحزبية، لكن الأمور تبدو صعبة ومتشابكة وقد تطول عملية حلها. فإذا قررت المحكمة الدستورية المصادقة على قرار البرلمان بعزل يون، فإنه يجب الدعوة إلى اجراء انتخابات رئاسية مبكرة خلال 60 يوما. وترجح استطلاعات الرأي أنه في حالة إجراء تلك الانتخابات وترشح زعيم المعارضة "لي جاي ميونغ"، فإن الأخير سوف يصبح الرئيس القادم. غير أن ترشح الأخير تقف دونه عقبات كثيرة منها سلسلة قضايا فساد منظورة ضده حاليا أمام المحاكم المحلية، (في نوفمبر الماضي مثلا، أدين بانتهاك قوانين الانتخابات، كما أنه يواجه اتهاما بأنه طلب، حينما كان حاكما لمقاطعة "جيونغ جي"، من شركة ملابس كورية جنوبية تحويل 8 ملايين دولار إلى كوريا الشمالية لتسهيل زيارته للشطر الشمالي). هذا علما بأن ميونغ حاول طويلا التهرب من الإدانة عن طريق الطعن في الاحكام الصادرة ضدة أو تغيير عنوانه أو ايجاد تغرات قانونية، وقد يستمر في هذه الحيل إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية. لكن إذا أدين بتهمة الرشوة المذكورة فإن من شأن ذلك أن يوجه ضربة قوية لسمعته السياسية ويقوض فرص فوزه بالرئاسة، خصوصا وأنه لا يزال متهما بالتورط في ثلاث قضايا جنائية أخرى. 

ومن الأمور التي تزيد المشهد الكوري تعقيدا وتشابكا هو ما خص المحكمة الدستورية المنوط بها النظر في عزل الرئيس يون من عدمه. فالمحكمة المكونة من تسعة قضاة لم يعد بها سوى ستة قضاة (ثلاثة ليبراليون، وثلاثة يمينيون) بعد أن شغرت مقاعد ثلاثة منهم بالتقاعد، وعليه فإذا رفض قاض واحد موضوع عزل الرئيس فسيتم إعادة يون إلى منصبه المعلق مؤقتا. وتتخوف المعارضة من طريقة تصويت رئيس المحكمة الدستورية القاضي اليميني " تشيونغ هيونغسيك" الذي يدين بفضل تعيينه للرئيس يون. ولهذا تسابق المعارضة الزمن في سبيل ملء مقاعد القضاة الثلاثة الشاغرة وسط مزايدات ومساومات برلمانية ساخنة.

يردد مراقبو الشؤون الكورية عادة مقولة أنه من الصعب التنبوء باتجاهات الميول السياسية في كوريا الجنوبية، لكنهم يزعمون أنه كلما سقط رئيس يميني حل مكانه رئيس ذو توجهات يسارية، مشيرين إلى ما حدث في انتخابات مايو 2017 حينما حقق المرشح اليساري "مون جاي إن" فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أجريت آنذاك بعد عزل الرئيسة اليمينية "بارك جيون هاي" بتهمة سوء استغلال منصبها.

وهناك من يتبنى فكرة "أن اليمين عادة يسقط بسبب الفساد، بينما يسقط اليسار بسبب الانقسام" في كوريا الجنوبية، غير أن ما يجري اليوم هو العكس تماما، فاليسار هو الذي يعاني من الفساد بدليل أن زعيم المعارضة اليساري "لي جاي ميونغ" يواجه نحو خمس محاكمات منفصلة بتهم تتراوح بين الرشوة وخيانة الأمانة وانتهاك قانون الانتخابات كما ذكرنا آنفا، دعك من فقدان زعيم يساري بارز آخر هو "تشو كوك" لمقعده البرلماني مؤخرا على خلفية حكم ضده بالفساد. إلى ذلك تمت إدانة زوجتي ميونغ و كوك وهما يساريتان بتهمة اساءة استخدام بطاقات الائتمان المصرفية والاحتيال الكاديمي. 

في مقابل هذا نجد أن اليمين، ممثلا بحزب قوة الشعب الحاكم، هو الذي يعاني من الانقسام بدليل انحراف 23 مشرعا من الحزب الحاكم اليميني المحافظ عن الموقف الرسمي للحزب بخصوص الوقوف مع الرئيس يون ضد المعارضة، وقيام كبار رموز الحزب بالضغط على رئيسهم "هان دونغ هون" لتقديم استقالته بسبب انتقاده لرئيس البلاد، واستبداله بوجه مألوف هو "كوون سيونغ دونغ"، ناهيك عن حملة تجري على قدم وساق لتطهير صفوف الحزب من الأعضاء والرموز غير المخلصة او المترددة في مواقفها السياسية. وبطبيعة الحال فإن هكذا وضع يجعله عاجزا عن لملمة صفوفه بسرعة لتقديم مرشح رئاسي جدير بالثقة وقادر على استقطاب الأصوات والفوز.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2024م



الأربعاء، 25 ديسمبر 2024

هل من دور للهند في وقف الحرب الأوكرانية؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية للفوز بالبيت الأبيض الذي سيدخله رسميا في العشرين من يناير 2025، أنه سوف يعطي الأولوية لإنهاء الحرب الأوكرانية ــ الروسية، بل أكد أنه قادر على ذلك فور توليه مسؤولياته كرئيس للولايات المتحدة. وليس من الواضح حتى الآن كيف سيخطط ترامب لذلك وما هي الأدوات التي سيستعين بها.

بعض المراقبين أشار مؤخرا إلى أن احتمال أن يعتمد ترامب على الهند في تحقيق ذلك، زاعما بأن ترامب لن يخاطر فجأة باعادة قنوات الإتصال المقطوعة مع موسكو، او عقد لقاء قمة عاجل مع نظيره الروسي دون مقدمات وضمانات بنجاح مسعاه. وينطلق هؤلاء من حقيقة أن الهند صديقة للولايات المتحدة ولروسيا في الوقت نفسه، وأبدت مرارا استعدادها للتوسط، وزعيمها رانيندرا مودي تربطه علاقات جيدة مع ترامب ونظيره فلاديمير بوتين، الأمر الذي يجعله وسيطا مقبولا ومثاليا في أي عملية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا الجريحة.

والمعروف أن نيودلهي التزمت مبدأ الحياد منذ تفجر الأزمة الأوكرانية، فامتنعت عن التصويت على القرارات المناهضة لروسيا، سواء في مجلس الأمن الدولي أو في المحافل الأخرى متعددة الأطراف. كما رفضت الإمتثال للعقوبات التي فرضها الغرب على موسكو، لكنها في الوقت نفسه دعت إلى إنهاء الحرب واحترام مباديء القانون الدولي، ورفضت فكرة قيام دولة باحتلال أراضي دولة أخرى. 

وبهذه المواقف صارت نيودلهي بمثابة صمام تنفيس لموسكو من الضغوط الغربية. وقد تجلى ذلك عمليا في شراء الهند للنفط الروسي بأسعار رخيصة بالروبية الهندية، بل صارت ثاني أكبر مشتر له بعد الصين، ما أدى إلى ارتفاع قيمة التجارة الهندية الروسية الثنائية من 12 مليار دولار عام 2021 إلى 65 مليار دولار عام 2023. ومما لاشك فيه ان انخفاض فواتير النفط المستورد لعب دورا في تعزيز النمو الاقتصادي القوي في الهند والذي بلغ نسبته 8.2% في العام الماضي.  كما تجلى ذلك أيضا في بروز قطاع الدواء الهندي كمصدر رئيسي لكل احتياجات الأسواق الروسية من الأدوية والأمصال والمعدات الطبية التي توقف استيراد من الغرب بفعل العقوبات.

ويمكن القول أن الغرب، الحانق على بكين وسياساتها الإقليمية التوسعية، بدا ممتنا وسعيدا بهكذا دور هندي لأنه أعاق زيادة اعتماد روسيا الكبير على الصين، بدليل أن الغرب تجاهل خرق الهند للعقوبات التجارية والاقتصادية والمالية المفروضة على روسيا، ولم تعاقبها كما عاقبت غيرها. ويتفق هذا مع سياسة ترامب التي اعلن عنها قبل الانتخابات الرئاسية والقاضية بالعمل على منع وتحجيم اي تقارب روسي ـ صيني والحيلولة دون توحيد جهودهما. 

والمكافأة الأخرى التي حصلت عليها الهند، التي لا غنى عنها في إدارة توازن القوى الأوراسي في مواجهة الصين، تمثلت في السماح لها من قبل واشنطن باستخدام ميناء "تشاهبهار" الإيراني للإتجار مع أفغانستان، لكن استمرار هذا مرهون بنوعية ومدى الضغوط التي سيقررها ترامب ضد النظام الإيراني

من جهة أخرى، فأن احتمال قيام الهند بلعب دور مساعد في خطط ترامب لوضع نهاية للأزمة الأوكرانية، تعززه التعيينات الجديدة في الإدارة الأمريكية المقبلة ومنها ثلاث شخصيات ترتبط بعلاقات وثيقة مع الهند وزعيمها مودي وهم: المرشحة لمنصب مدير المخابرات الوطنية تولسي غابارد (كانت أول نائب هندوسي في الكونغرس الأمريكي)، والمرشح لمنصب مستشار الأمن القومي مايك والتز (له مواقف متشددة ضد الصين ويتولى حاليا منصب الرئيس المشارك للتجمع الهندي وطالب بادخار الأموال المنفقة على حرب أوكرانيا لانفاقها ضد الصين)، والمرشح لمنصب وزير الخارجية السيناتور مركو روبيو (معد ومقدم قانون التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة والهند في يوليو الماضي).

قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام القادم سيقوم بوتين بزيارة إلى الهند. وطبقا لبعض المحللين الهنود فإن هذه الزيارة قد تكون فرصة مناسبة لكي يبحث مودي مع بوتين اقتراحات عملية حول أفضل طريقة للتوصل إلى تسوية في أواكرانيا تكون مقبولة لدى روسيا وبقية الأطراف، ومناقشة المعايير العسكرية والاقتصادية المحتملة لصفقة ما بين موسكو وكييف، على أن يقوم مودي بنقل النتائج والأفكار والمقترحات التي أثيرت لنظيره الأمريكي، ربما مع التشديد على فكرة أن أي رفض أو ابطاء أمريكي للتسوية بغية الحصول على مكاسب أكبر سوف تدفع موسكو أكثر فأكثر إلى أحضان الصين وكوريا الشمالية، وأن سرعة انجاز التسوية سيجعل الإدارة الأمريكية الجديدة في وضع أفضل للتفرغ لمواجهة الصين. وبطبيعة الحال، ليس من المتوقع الإعلان عن تفاصيل أي صفقة قبل نضوجها تماما.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2024م



الاثنين، 16 ديسمبر 2024

بيان صحفي هام للسانتور شوكت مسلماني


عندما كنت شابًا في حزب العمال الأسترالي (ALP)، كان لدي حلم، حلم بأن أصبح عضوًا في البرلمان الوطني الفيدرالي. وللأسف، لم يتحقق هذا الحلم. 

في عام 1982، انتسبت إلى حزب العمال لأنني كنت مؤمنًا بقيمه ومبادئه. أحببت قادة الحزب مثل غوف ويتلام، وبوب هوك، وبول كيتنغ وغيرهم. كنت أؤمن بهم وأؤمن بديمقراطيتنا. كنت أؤمن أن حزب العمال هو حزب الطبقة العاملة، هو الحزب الذي يخدم الشعب الأسترالي و يوفر لهم التعليم والرعاية الصحية اللائقة، ويضمن لهم الكرامة في العمل والاحترام كمواطنين أستراليين.

لهذا، لا يسعني رإلا أن أعبر عن امتناني لأولئك الذين خدموا بصدق. لقد عملت إلى جانب العديد من أعضاء وزملاء حزب العمال الطيبين والكرماء لتحقيق ما يمكن تحقيقه على المستويين المحلي والولاية. فعلت كل ما بوسعي لمساعدة شعبنا، جميع الناس، وخصوصًا الجاليات المتعددة الثقافات، من الصينيين والأستراليين الآسيويين، والأستراليين من أصول عربية، وسكان شبه القارة الهندية، وجميع شعوب منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكل المؤمنين، والمهاجرين واللاجئين الذين يبحثون عن حياة أفضل في أستراليا. لقد أحببت صداقاتهم وآمل أن أحافظ عليها في المستقبل.

نعم، أشعر بخيبة أمل، بل بالحزن لأن أعضاء دائرة بارتون حُرموا من حقهم في اختيار من يمثلهم في البرلمان. وأشعر بخيبة أمل كبيرة لأنني لم أُمنح الفرصة للترشح عن دائرة بارتون. هذا هو ثمن الالتزام بالمبادئ والقضايا العادلة التي أؤمن بها. الحقيقة هي أن الحزب لم يعد حزب أعضائه العاملين، بل أصبح حزبًا لخدمة المتنفذين.

أبقى ممتنًا للعديد من الأشخاص النبلاء في حزب العمال، وللأصدقاء الكثيرين الذين واكبتهم على مدار أربعة عقود. واليوم، أوقع استقالتي من رئاسة المجلس الفيدرالي الانتخابي لدائرة بارتون، وذلك اعتبارًا من تاريخ اليوم.

لقد حان الوقت للبحث عن عمل لسداد أقساط الرهن العقاري ورعاية عائلتي.

الأحد، 15 ديسمبر 2024

الدويلة الدرزيّة والقول الفصل في بيان الهيئة الروحيّة في بلدة حظر المحتلّة


 الحركة التقدّميّة للتواصل – درب المعلّم

(بيان)

الدويلة الدرزيّة والقول الفصل في بيان الهيئة الروحيّة في بلدة حظر المحتلّة

تعلو أصوات "درزيّة" في إسرائيل في غالبيّتها "لا في العير ولا في النفير"؛ تحذّر وتنذر وتتوعّد الحكم الجديد في سورية من المساس بالدروز، وتذهب أبعد من ذلك مطالبة بضم السويداء- جبل العرب وقرى إقليم البلّان – جبل الشيخ إلى حكم إسرائيل متلقّفة أحيانًا أقوال بائسة تصدر من دروز سوريّين، ويأخذ هذه الأصوات الشطط مطالبة بدولة درزيّة صديقة لإسرائيل!  

القول الفصل جاء في بيان الهيئة الدينيّة في حظر المحتلة، والمعبّر عن موقف كافّة العرب الدروز في سورية، وممّا جاء فيه: "نؤكّد بأنّ بلدة حظر جزءًا لا يتجزّأ من سورية الموحّدة، وهذا الموقف ثابت ومبدئي لا يتغيّر وهو منسجم مع الموقف العام للشعب السوري... أيّ موقف مخالف لما ورد يعتبر غير شرعي...".

إسرائيل إن قرّرت أن تقيم دولة طائفيّة أو منطقة عازلة تحت احتلالها في حوران والجولان، ليست بحاجة ل"نصائح" من هذه الأصوات، وكلّ الدروز في البلاد، ليس مثل هكذا أصوات فقط، لا يشكّلون "بُرغيّا" صدئا في سياستها، لا داخليّا ولك في "قانون القوميّة" الدليل، وكم بالحري خارجيّا إقليميّا. 

الحركة التقدميّة للتواصل- درب المعلّم ترى في هذه الأصوات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقاعات تصدر عن جهلة، وإن كانت تدفعهم الغيرة يسيئون لدروز سورية إساءة كبرى، أو تصدر عن مغرضين مدسوسين من دروز وغيرهم لإيقاع الفتن، والفتنة كما جاء في تراثنا أشدّ فتكًا من القتل ولعن الله من يوقظها. الحركة واثقة من أنّ العقلاء بين العرب الدروز في البلاد سيلجمون هذه الأصوات، وعلى ثقة أنّ أبناء شعبنا وأمتنّا في سورية بالذات لن يأخذوا بها.

بغضّ النظر عن النظام الجديد ومرجعيّاته العقائديّة والسياسيّة، فالمؤشّرات تشير إلى أنّا بصدد دولة إسلامويّة – أردوغانيّة في أحسن الأحوال، وامتحانه هو الشراكة مع القوى المعارضة الأخرى؛ الوطنيّة والتقدّمية، ومع الشعب السوري بكلّ أبنائه على اختلاف انتماءاتهم الثانويّة مذهبيّا وعرقيّا وفكريّا، وإلّا ضاعت دماء السوريّين في خلع النظام السابق هباءً. 

اللجنة التنفيذيّة.

للتواصل 

عماد دغش – سكرتير الحركة 4030879-050

سعيد نفّاع – الناطق الرسمي 7208450-050 


الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

خلفيات ما جرى في كوريا الجنوبية

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الثالث من ديسمبر الجاري، فاجأ الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" العالم عبر خطاب متلفز بفرض الأحكام العرفية في كافة أنحاء البلاد، وتعطيل الدستور، وحظر التجمعات، ونشر قوات الجيش والأمن. هذا القرار المفاجيء، حبس أنفاس العالم، بل أرعبه من احتمال وجود صلة للقرار بهجوم وشيك من كوريا الشمالية المسلحة بأسنان نووية وباليستية، وبالتالي غرق الشرق الأقصى في وحول مشابهة لوحول الشرق الأوسط ووحول روسيا وأوكرانيا، خصوصا وأن الرئيس برر قراره بالقول بأنه "من أجل حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تمثّلها القوات الشيوعية، والقضاء على العناصر المناهضة للدولة".

توالت الأحداث سريعا بعد ذلك وسط مخاوف من سقوط هذه الدولة الصناعية المزدهرة في براثن الفوضى والاقتتال الداخلي التي قد تستغلها بيونغيانغ للقيام بغزو مسلح. حيث نزل آلاف المواطنين إلى الشوارع للتنديد بقرار رئيسهم، على الرغم من تأخر الوقت وبرودة الطقس، وبقوا في الشوارع إلى ساعات فجر اليوم التالي مرددين شعارات تدعو إلى عزل الرئيس، فيما كان الأكبر سنا منهم يستعيد وقائع سابقة ممائلة خضعت فيها بلادهم للأحكام العرفية زمن الزعيمين الديكتاتوريين "تشون دو هوان" و"روه تاي وو" في الثمانينيات والتسعينيات، والذي شهد قتل المئات واعتقال الآلاف وحظر الأنشطة السياسية وإغلاق الجامعات، والامعان في الفساد واختلاس المال العام.

وبينما كان الجيش الكوري الجنوبي ينفذ أوامر قائده الأعلى بفرض الأحكام العرفية، نجح عدد من النواب (190 من أصل 300 نائب) في تجاوز الإجراءات المشددة المحيطة بمنى البرلمان، والوصول إلى داخله لعقد جلسة طارئة انتهت بالتصويت على قرار يطالب رئيس البلاد بوقف فرض الأحكام العرفية فورا.

لمعرفة أسباب ماحدث، لا بد من العودة إلى الوراء إلى مارس 2022 وهو التاريخ الذي جرت فيه انتخابات رئاسية لاختيار خليفة للرئيس المنتهية ولايته آنذاك "مون جاي إن"، حيث فاز يون كمرشح لحزب "سلطة الشعب" المحافظ على منافسه مرشح "الحزب الديمقراطي" جاي ميونغ بنسبة بسيطة بلغت 48.6% مقابل 47.8% للأخير. وقتها علق الكثيرون، مشيرين إلى تواضع قدرات الرئيس الفائز، بل وُصف بالرئيس المبتديء كناية عن افتقاره إلى أي خبرة برلمانية وسياسية سابقة أو أي سجل إداري حافل بالانجازات، عدا عن شهرة استمدها من عمله بالمحاماة وقيامه بتوجيه الاتهامات بالفساد للرئيسين المحافظين السابقين السيدة "بارك غين هي" و"لي ميونغ باك"، ثم شهرته كمدع عام متمرد في عام 2013 حينما كشف عن ضغوط تعرض لها لوقف التحقيق في دور المخابرات الوطنية لجهة التلاعب في نتائج انتخابات عام 2012، وهو التمرد الذي أدى إلى ابعاده لسنوات عن المناصب الرفيعة إلى أن أعاد سلفه الرئيس  "مون جاي إن" تعيينه في عام 2017 مدعيا عاما.

ويمكن القول أن فوزه بنسبة ضئيلة جدا على مرشح الحزب الديمقراطي، ثم فوز وسيطرة الحزب الديمقراطي على الجمعية الوطنية بعد اجراء انتخابات تشريعية اتسمت بالاستقطاب السياسي الحاد في ابريل 2022، جعلت الرئيس يون بطة عرجاء لا تستطيع السير قدما بسرعة لتحقيق أجنداته وأجندات حزبه المحافظ. إذ كلما سعت حكومته لتنفيذ بعض البرامج والأفكار، قام البرلمان المسيطر عليه من المعارضة بتعطيلها بدليل تعثر اتفاق الحكومة والبرلمان حول ميزانية العام المقبل، بل قيام نواب المعارضة باستقطاع نحو 2.8 مليار دولار من الميزانية المقترحة من قبل حكومة يون، وهو الأمر الذي اعتبره الرئيس محاولة متعمدة من خصومه لتعطيل الانفاق على وكالات حكومية وأنشطة خاصة بمكتبه الرئاسي وصندوق الاحتياط وأجهزة الأمن والشرطة والإدعاء والتحقيق ومكافحة المخدرات والسلامة الوطنية، إضافة إلى الانفاق على مشتريات الأسلحة الأمريكية لتعزيز قوة البلاد في مواجهة كوريا الشمالية المتنمرة. 

ومن هنا قيل أن الرجل المستاء من هكذا وضع قد يكون نما إلى سمعه خبرا عن خطط برلمانية لإضعافه ثم عزله، فسارع إلى ممارسة صلاحيته الرئاسية بإعلان الأحكام العرفية، مطبقا مقولة "تغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به"، ومستخدما تهمة الشيوعية ضدهم، وهي تهمة ليست ببعيدة تماما عنهم. فالمعارضة بقيادة الحزب الديمقراطي لئن كانت تمثل يسار الوسط، إلا أن بين رموزها من هو أقرب إلى أقصى اليسار ولا تتبنى خطابا حادا ضد نظام بيونغيانغ الشيوعي، بل تطالب بالتفاهم معه.

وكما هو معروف، تراجع يون عن فرض الأحكام العرفية بعد يوم واحد، نزولا عند طلب البرلمان كما قال، فنزع بذلك فتيل أزمة هو وبلاده في غنى عن تداعياتها. وهو حسنا فعل بذلك، وإنْ قيل أنه لم يتراجع إلا بضغوط مارسها الحليف الأمريكي الذي يحتفظ فوق اراضي كوريا الجنوبية بقواعد عسكرية والآلاف من الجنود. 

وجملة القول أن الضرر قد وقع، فالرئيس بقراره المفاجيء ثم تراجعه السريع أضر بسمعته وما تبقى له من رصيد شعبي، ولا نستبعد أن يتم عزله لاحقا بضغط شعبي وبرلماني معا، خصوصا وأن غالبية الكوريين الجنوبيين يعتزون بديمقراطيتهم وحرياتهم التي صنعوها بالدم والدموع ويتحسسون من محاولات التعدي عليها أو تقزيمها.



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2024م

 


الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

المجلس العالمي لثورة الأرز يوجه رسالة الى الأمم المتحدة



 المجلس العالمي لثورة الأرز

الأمانة العامة – واشنطن


"يأتي وقت يصبح فيه الصمت خيانة"

(دكتور مارتن لوثر كينغ)


 حذر المجلس العالمي لثورة الأرز منذ سنوات عديدة كافة الأطراف المعنية، وبخاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والحكومات اللاحقة في لبنان، من أن حزب الله هو جزء من محور الشر الذي تقوده إيران نحو تدمير إسرائيل ومن ثم تدمير لبنان.

إن الغالبية العظمى من الشعب اللبناني يكرهون مجرد ذكر حزب الله. فهم يدركون أن هذا الحزب عبارة عن ميليشيا إرهابية تعمل على تدمير كل جانب من جوانب الحياة اللبنانية، وهم يدركون أن وجوده في لبنان هو فقط لتنفيذ أوامر النظام الإيراني. وسوف يكون الشعب اللبناني ممتناً لانسحاب حزب الله الكامل من الأراضي اللبنانية.

يعيش الشعب اللبناني مرة أخرى أفظع الظروف التي تصاحب حرباً ضد إسرائيل، جارة لبنان الجنوبية، لم يكن للحكومة أو الشعب أو الجيش اللبناني أي دور أو رأي فيها بأي شكل من الأشكال. والواقع أن الشعب اللبناني سوف يرحب بالتعايش السلمي مع جارته إسرائيل.

إن هذه الحرب هي من عمل منظمة إرهابية متحجرة وخبيثة، أجبرت الشعب اللبناني على مدى السنوات الأربعين الماضية على القبول بها تحت التهديد بالاغتيالات ومن ثم قامت بتفكيك مؤسسات الدولة اللبنانية لتصبح مجرد قشرة.

لقد كانت هذه الحرب بأمر من حزب الله، الذي يعتبره العالم الغربي المنظمة الإرهابية الأكثر وحشية وتدميراً، والتي هاجمت شمال إسرائيل بشكل متواصل لمدة اثني عشر شهراً تحت ستار دعم حماس في غزة. وهي حرب لا علاقة لها على الإطلاق بالشعب اللبناني البريء.

كان لابد وأن يدرك حتى أقل القادة العسكريين خبرة أن الانتقام سوف يأتي عاجلاً أم آجلاً، وسوف يدافع الاسرائيليون عن أنفسهم بشراسة. ولقد نجح حزب الله، ولا يزال، في تدمير معقله القوي في جنوب بيروت. إنه لأمر مؤسف ومؤلم، وسوف يعيد لبنان خمسين عاماً إلى الوراء، ولكن من يستطيع أن يلوم أي دولة على دفاعها عن نفسها ضد المهاجمين الإرهابيين.

إن الفرصة سانحة الآن، وقد حان الوقت لكل اللبنانيين الشرفاء أن يقفوا بجرأة ويقولوا الحقيقة. إننا نريد للبنان أن يكون دولة محايدة بين كل جيرانها في منطقة يسودها السلام والاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال والحياة الديمقراطية.

وفي الختام، أرجو أن تفكروا في ما يلي بعناية. لن يتم تطبيق القرار 1701 أبداً دون التنفيذ الكامل للقرار 1559. وهذا يعني أن حزب الله لن يسلم سلاحه سلمياً من أجل السلام في لبنان.


عن المجلس العالمي لثورة الأرز

جو بعيني


 


 

كيف سيتصرف ترامب مع آسيا في ولايته الثانية؟

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

في حملاته الانتخابية للفوز برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، لم يتحدث الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب بالتفصيل عن السياسات الخارجية التي ستتبعها إدارته مع الدول الآسيوية الحليفة وغير الحليفة، فيما عدا مواقفه النارية المناوئة للصين والتي دشنها في فترة رئاسته الأولى ما بين عامي 2017 و 2021 واستمرت معه إلى اليوم.

لقد هدد ترامب مرارا وتكرارا باشعال حرب تجارية بين بلاده والصين من خلال فرص تعريفات جمركية تصل إلى 60 بالمائة على السلع المصنعة في الصين، كما أطلق وعودا بتبني سياسات أكثر تشددا حيال المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة للعمل والاستقرار، وهذا لئن قصد بها تحديدا المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، إلا أنها تشمل أيضا أولئك القادمين من آسيا. ومن هنا يمكن القول أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025 تحمل أخبارا طيبة لبعض الدول الآسيوية وأخبارا سيئة لبعضها الآخر.

ومما لاشك فيه أن بعض دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية مثلا مبتهجة بهذه العودة الترامبية المظفرة على حساب المرشحة الخاسرة كامالا هاريس وأركان حزبها الديمقراطي الذي لطالما عرف عنه تمسكه بشعارات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير ومناهضة الأنظمة العسكرية الديكتاتورية. ذلك ان إدارة ترامب السابقة وضعت مثل هذه القضايا على الرف ولم تولها اهتماما كبيرا أو لم تضغط كثيرا بشأنها، وهو ما يتوقع استمراراه. ولهذا نجد أن حكومات كمبوديا ولاوس وميانمار المتهمة بخروقات حقوق الإنسان تشعر بالتفاؤل، ليس لهذا السبب وحده وإنما أيضا لسبب آخر هو وجود فرصة مواتية لها لتصبح أماكن بديلة للمستثمرين والمصنعين الأمريكيين الذين يتوقع أن يهربوا من الصين وينتجوا سلعهم خارجها من باب تلافي الرسوم الجمركية العالية المتوقع فرضها على كل منتج يصنع في الصين. وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى فيتنام التي تحولت اليوم إلى اقتصاد صاعد بفضل اختيارها من قبل العديد من الشركات الأمريكية مكانا بديلا للصين لجهة الإستثمار والتصنيع. وبعبارة أخرى، استفادت فيتنام كثيرا من هجرة الشركات الأمريكية إليها إبان فترة ولاية ترامب الأولى، وهو ما يمكن أن يتكرر في فترة ولايته الثانية فتستفيد دول آخرى. 

اما الدول الآسيوية المتحالفة تاريخيا مع الولايات المتحدة، فبعضها متخوفة من تبعات وتداعيات الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية على اقتصادها وتجارتها، وتخشى أن تتطور الأمور إلى حد معاقبتها على تعاملاتها الضخمة مع التنين الصيني، وهذه المجموعة تشمل اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وأندونيسيا والفلبين. لكنها في الوقت نفسه تبدو سعيدة، اعتقادا منها أن سياسات ومواقف ترامب القوية من سياسات بكين التوسعية ومساعيها للهيمنة على مياه وجزر في المحيطين الهادي والهندي كفيلة بوقف التنمر الصيني ضدها. وفي هذه الجزئية الأخيرة تبرز كل من الفلبين وأندونيسيا كمثالين واضحين، كونهما من الدول التي تتنازع السيادة مع الصين حول بعض الجزر الصغيرة الواقعة بالقرب منهما داخل مياه بحر الصين الجنوبي. فمانيلا، التي تتخبط  حكومتها بقيادة الرئيس بونغ بونغ ماركوس في مواقفها من الصين، ما بين مناهضة سياسات بكين التوسعية والخوف من جبروتها والحاجة لإستثماراتها، قد تجد فرصة في عودة ترامب، للظهور بمواقف أكثر صلابة. أما جاكرتا، فحالها لا يختلف عن مانيلا كثيرا، فساستها لا يملكون اتخاذ موقف واضح من الصينيين خوفا من سطوتهم، ولا تزال حادثة وقوف الصين الماوية خلف انقلاب شيوعي فاشل في الستينات لمركسة (من الماركسية) نظامهم يؤرقهم، وفي الوقت نفسه يسيل لعابهم للمساعدات والاستثمارات الضخمة التي تغريهم بها الصين من خلال استراتيجية "الحزام والطريق". وهي استراتيجية كان لها تاثير كبير في دول جنوب شرق آسيا سواء بشكل قانوني او غير قانوني، وذلك لسببين: موقع هذه الدول الجيوسياسي القريب من الصين من جهة، وانتماء نسبة كبيرة من سكانها إلى العرق الصيني والثقافة الصينية. 

وتمثل تايلاند حالة خاصة، بسبب تأرجح نظامها ما بين الديمقراطي والعسكري، وموقعها كحليف مخلص للولايات المتحدة، واعتمادها مشترياتها من الأسلحة بشكل كبير على المصانع الأمريكية، وشعورها بالغبن جراء منافسة الصين لصادراتها، واعتماد سياحتها على مئات الآلاف من الصينيين سنويا، ولهذا خرجت معظم الصحف التايلاندية وهي تدعو حكومتها إلى اتباع سياسية حذرة لا تغضب إدارة ترامب الجمهورية منها لأي سبب، ولا تؤلب الصين ضدها في الوقت نفسه. وهو ما اختصرته صحيفة "بانكوك بوست" بقولها: "نريد أن نكون محبوبين من قبل الصين، ونريد أن نكون محبوبين من أمريكا".



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2024م