رام الله ـ أحمد رمضان ووكالات
قبل الانتخابات الإسرائيلية أول من أمس، كانت جميع التوقعات ونتائج استطلاعات الرأي التي اجرتها وسائل اعلام ومراكز إسرائيلية متخصصة ومرموقة، تجزم من دون تردد بأن حزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو سيسقطان لا محالة في هاوية الخسارة، وسيتجرع الاخير كأس الهزيمة المرة، وقد يغادر الحياة السياسية بلا رجعة، حتى ان بعض الصحف الإسرائيلية صدرت صبيحة يوم الانتخابات تحمل عناوين تبشر بـ«نهاية حقبة نتنياهو«.
لكن نتنياهو لم يخسر نتيجة الانتخابات التي اظهرت تفوقاً صريحاً وفوزاً غير ملتبس لحزب الليكود وزعيمه نتنياهو بواقع 30 مقعداً مقابل 24 لمنافسه «المعسكر الصهيوني» بزعامة اسحاق هرتسوغ وتسيبي لفني، ليس لعيب في كفاءة مراكز استطلاع الرأي في إسرائيل، بل لبراعة نتنياهو في ادارة الحملة الدعائية لنفسه ولحزبه، وحملة التخويف والترهيب للإسرائيليين على مصيرهم في حال فوز «معسكر اليسار» واللعب حتى اللحظة الاخيرة على حساسيات وهواجس المجتمع الإسرائيلي الامنية والعنصرية واستنفارها الى الحد الاقصى، سواء ما يتصل منها بالملف النووي الإيراني وتبجحه في انه صمد في مواجهة ضغوط العالم وظل ثابتاً على موقفه، في اشارة الى تحدي الادارة الأميركية، او اعلانه بلسان فصيح انه لن ينسحب من مليمتر واحد من الاراضي الفلسطينية المحتلة منعاً لقيام «حماستان» في الضفة الغربية والحيلولة دون ان يصبح مطار بن غوريون في مرمى الصواريخ الفلسطينية، وأن القدس ستبقى عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل وسيواصل الاستيطان فيها، وأخيراً لا آخراً وبوقاحة عنصرية سافرة حث اليهود على التوجه الى صناديق الاقتراع لمنع عرب إسرائيل من التحكم بمصير الحكومة القادمة.
بالمقابل، وبمقارنة سريعة بين خطابي نتنياهو وزعيم اليسار الوسط اسحق هرتسوغ في ختام الحملة الانتخابية يوم الاحد الماضي، فإن خطاب الثاني بدا متلعثماً وغامضاً، ويتكئ على شعارات عامة وغائمة أشبه بمحاضرة اكاديمية منها الى خطاب زعيم سياسي. ثم ان محاولة التمويه التي لجأ اليها هرتسوغ وشريكته تسيبي لفني في ما يتصل بالملفات الرئيسية وبخاصة عملية السلام ومنافسة نتنياهو على شعاراته حيال القدس والاستيطان وغيرها تحيل الناخب الإسرائيلي الى الاصل أي نتنياهو، ناهيك عن نجاح الاخير في تقديم «المعسكر الصهيوني» بصورة المفرط في ثوابت إسرائيل وامنها.
الى هذا، يضاف ان نتائج انتخابات الكنيست العشرين اعادت تأكيد المؤكد، لجهة ميل المجتمع الإسرائيلي منذ انتخابات عام 1977 التي جاءت بحزب الليكود بزعامة مناحيم بيغن للمرة الاولى منذ قيام إسرائيل الى رئاسة الحكومة، للانحراف من اليمين الى الاكثر يمينية، باستثناء وحيد هو انتخاب اسحق رابين عام 1992. ثم ان إسرائيل ومجتمعها الذي يحدق بالاضطرابات المندلعة والحرائق المشتعلة بجواره العربي، فضل الثبات وعدم التغيير لصالح «الشيطان الذي يعرفه» خشية وصول تداعياتها ونيرانها الى عقر داره.
انتصار الليكود بزعامة نتنياهو سيكون له ما بعده، فقد مثل استفتاء ومصادقة على سياساته ومواقفه المعروفة حيال سائر الملفات، وهذا يعني ان اغلبية الإسرائيليين جددوا تفويضهم لهذه السياسية ومنحوها ثقتهم، وهو أي نتنياهو سيستغل هذا التفويض حتى الرمق الاخير في «مواجهة ضغوط العالم» كما قال في خطابه الاخير قبل فتح صناديق الاقتراع، وسيحرج لسانه شامتاً بالرئيس الأميركي باراك اوباما وبغيره ممن عقدوا رهانهم على سقوطه والخلاص منه، وهو ما ظهر جلياً من خلال تأخير اتصال التهنئة بين أوباما ونتنياهو، وإعلان البيت الابيض أن الرئيس الأميركي سيتصل بنتنياهو «خلال الايام القادمة» لتهنئته باعادة انتخابه.
وفي رد مباشر على نتنياهو بعد تصريحاته الأخيرة عن أنه لن تقام دولة فلسطينية ما دام هو رئيسا للحكومة الإسرائيلية، قال البيت الابيض انه لا يزال يعتقد ان الحل القائم على دولتين هو افضل سبيل لاحلال السلام في الشرق الاوسط. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست إن اوباما يعتقد ان حل الدولتين «هو افضل سبيل لحل الوضع».
وقال على متن طائرة الرئاسة الأميركية إن الادارة ستقيم نهجها بشأن عملية السلام في الشرق الاوسط.
ولم يتصل اوباما بعد بنتنياهو لكنه سيقوم بذلك «في الايام المقبلة»، حسب إرنست الذي اوضح ان وزير الخارجية جون كيري هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي.
واضاف ارنست انه اثناء عمليتي الانتخاب الإسرائيليتين السابقتين لم يتصل اوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي قبل بدء عملية تشكيل حكومة ائتلافية.
وأعرب البيت الابيض أمس عن قلقه حيال بعض التصريحات «التي تزرع الانقسام» والتي تم الادلاء بها اثناء الحملة الانتخابية في اشارة الى تصريحات نتنياهو وحزبه حول تصويت العرب.
وقال المتحدث باسم اوباما ان «الولايات المتحدة قلقة للغاية من الخطابات التي تزرع الانقسام وتسعى الى تهميش المواطنين العرب الإسرائيليين». واضاف ان «ذلك يضعف القيم والمثل الديموقراطية التي تشكل جزءا مهما مما يوحد الولايات المتحدة وإسرائيل». وقال البيت الأبيض إن هناك مخاوف عميقة لدى القيادة الأميركية بشأن استخدام «لغة خطاب مثيرة للانقسام» في الانتخابات الإسرائيلية من شأنها تقويض المواطنين العرب الإسرائيليين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي صرح يوم الانتخابات بأن اليساريين يحاولون جلب الناخبين العرب «في حافلات» لتوجيه دفة الانتخابات ضده. وقال جوش إيرنست للصحافيين المسافرين على متن طائرة الرئاسة الأميركية أن الولايات المتحدة ستبلغ الإسرائيليين بصورة مباشرة بمخاوفها.
وفي الشق الإيراني، قالت وزارة الخارجية الأميركية أمس، إن فوز نتنياهو في الانتخابات لن يعيق جهود الولايات المتحدة للتوصل الى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقالت بساكي «نحن على علم منذ فترة طويلة بآراء رئيس الوزراء بشأن إيران. ولا نعتقد أن فوزه أثر أو سيؤثر على المفاوضات مع إيران«.
وبرغم قتامة الصورة التي ظهرتها نتائج الانتخابات الإسرائيلية، في شقها اليهودي، ثمة ما يدعو الى تأمل النتيجة الايجابية التي استطاع فلسطينيو الخط الاخضر اجتراحها حيث حلت قائمتهم المشتركة في المركز الثالث بحصولها على14 مقعداً، للمرة الاولى منذ قيام الدولة العبرية.
لقد نجح فلسطينيو الداخل بكفاءة عالية في التغلب على خلافاتهم السياسية والايديولوجية وتوحدوا في مواجهة خطر العنصرية ومؤامرة الاقصاء التي حاكها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان عندما خاض معركة رفع نسبة الحسم من 2% الى 3.2% لإخراجهم من الحياة السياسية توطئة لإخراجهم من بلادهم، بل ان ليبرمان وحزب الفساد الذي يتزعمه سجلا تراجعاً وكان يمكن ان يخرج نهائياً من الكنيست لو لم تخض الحركة الاسلامية بزعامة رائد صلاح «حربها المقدسة» ضد المشاركة في الانتخابات، (نسبة المقترعين الفلسطينيين نحو 66%، واليهود 72%) ولو لم تصر بعض اطراف القائمة المشتركة على رفض توقيع اتفاق «فائض الاصوات» مع حزب «ميرتس» ربما لتجاوز عدد مقاعد العرب في الكنيست العدد الحالي بعدة مقاعد اضافية.
وبعد عاصفة الانتخابات تعهد نتنياهو الذي اعلن انه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية وتحدى ادارة اوباما خلال زيارة قام بها لحائط البراق، «سأفعل كل ما في وسعي لضمان رفاه وامن كافة مواطني إسرائيل، وبعون الله سننجح ونزدهر».
واعرب نتنياهو البالغ من العمر 65 عاما عن امله بتشكيل حكومة جديدة خلال اسبوعين او ثلاثة، وفق بيان صادر عن حزب الليكود الذي يتزعمه والذي فاز بثلاثين مقعدا من اصل 120 في الكنيست. وتبدو فرص تشكيل حكومة وحدة وطنية ضعيفة بمشاركة الاتحاد الصهيوني المنافس لنتنياهو بزعامة هرتسوغ الذي حصل على 24 مقعدا، والذي استبعد أمس المشاركة في حكومة وطنية. ونقلت المتحدثة عنه قوله اثناء اجتماع لأعضاء تحالفه (يسار وسط) ان البقاء في «المعارضة هو الخيار الوحيد الواقعي لدينا».
وبعد ان تعلن النتائج الرسمية للانتخابات الخميس على الارجح، سيكون امام الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين سبعة ايام لاختيار من سيكلفه تشكيل الحكومة خلال 28 يوما. ويستطيع الرئيس اذا اقتضت الضرورة تمديد هذه الفترة 14 يوما.
وقالت الرئاسة الفلسطينية أمس إنها ستستمر في التعامل مع أي حكومة إسرائيلية تعترف بحل الدولتين وتلتزم قرارات الشرعية الدولية.
وقال المتحدث باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة في تصريحات صحافية: لسنا معنيين من يكون رئيس حكومة في إسرائيل، ما نريده من أي حكومة هو ان تعترف بحل الدولتين وان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
وبحسب ابو ردينة، فإن الموقف الفلسطيني هو الموقف العربي موضحا انه مطلوب ان تلتزم الحكومة الإسرائيلية حل الدولتين، وان تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وبغير ذلك لن تكون هناك أي فرصة لعملية السلام.