أشار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى أنّ "الأمم المتحدة تدرك أن واقعها اليوم يستوجب تطويراً جدياً للدور المستقبلي المأمول منها، لأنه في مفاصل عدة تعذّر على مجلس الأمن إقرار قرارات محقة بسبب حق النقض، أو أن بعض الدول تتمنّع عن تنفيذ قرارات لا تناسبها، حتى لو كانت لها صفة الإلزامية والفورية، وذلك من دون أي مساءلة أو محاسبة".
عون لفت في خطابه أمام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، إلى أنّ "القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة عام 1947، والذي قضى بتقسيم فلسطين، اتخذ طابع الإلزامية على الرغم من أنه ليس ملزماً، ونُفّذ فوراً، بينما القرار 194، الصادر عام 1948 والذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم في أقرب وقت ممكن، بقي حبراً على ورق طوال سبعين عاماً".
واعتبر أنّه "لكي تكون الأمم المتحدة "قيادة عالمية" وذات أهمية لجميع الناس، لا بد من مشروع إصلاحي يلحظ توسيع مجلس الأمن ورفع عدد الدول الأعضاء واعتماد نظام أكثر شفافية وديمقراطية وتوازناً. ومن ناحية أخرى، من المهم أن تكون الجمعية العامة أكثر تعبيراً عن التوجه الفعلي للمجتمع الدولي".
ورأى أن "الأمم المتحدة مدعوّة إلى تعزيز حماية حقوق الإنسان في العالم"، مشيرا إلى أنّ "لبنان الذي ساهم في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يؤكّد أنّ النظرة إلى هذا الموضوع هي نظرة إلى حرية الفرد في المجتمع، وكل اعتداء على حقوق الإنسان اليوم، في أي بلد من البلدان، إنّما يؤسّس لنزاعات الغد".
عون الذي شدّد على أنّ "لبنان يتلمس طريقه للنهوض من الأزمات المتلاحقة التي عصفت به"، لفت إلى أنّ "أمنيا تمكن لبنان من تثبيت أمنه واستقراره بعد أن قضى على الإرهابيين وسياسيا أجرى انتخاباته النيابية وفق قانون يعتمد النسبية أمّا اقتصاديا فوضعت الخطوط العريضة لخطة اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار مقررات مؤتمر "سيدر"".
هذا وتطرّق إلى ملف النازحين، مؤكّدا أنّ "أزمات الجوار لا تزال تضغط علينا بثقلها وبنتائجها. فمع بدء الأحداث في سوريا بدأت موجات النزوح تتدفق الى لبنان، وقد حاول قدر إمكاناته تأمين مقومات العيش الكريم للنازحين ولكن الأعداد الضخمة وتداعياتها على المجتمع اللبناني من نواح عدة، تجعل الاستمرار في تحمّل هذا العبء غير ممكن".
وقال: "بما أن الجزء الأكبر من الأراضي السورية أصبح آمناً، تحدثت عن العودة الآمنة للنازحين إلى بلادهم، وميّزت بينها وبين العودة الطوعية"، مضيفا أنّ "السوريين الذين نزحوا الى لبنان ليسوا بلاجئين سياسيين، فمعظمهم نزح بسبب الأوضاع الأمنية أو لدوافع اقتصادية".
وأعاد عون تأكيد "موقف لبنان الساعي لتثبيت حق العودة الكريمة والآمنة والمستدامة للنازحين الى أرضهم، والرافض كل مماطلة أو مقايضة في هذا الملف الكياني، أو ربطه بحل سياسي غير معلوم متى سيأتي، والرافض قطعاً لأي مشروع توطين، سواء لنازح أو للاجئ".
وأوضح أنّه يرحّب "بأي مبادرة تسعى لحل مسألة النزوح على غرار المبادرة الروسية".
ورأى أنّ "المقاربات السياسية الدولية للشرق الأوسط تفتقر الى العدالة، ما يجعل مفهوم الديمقراطية في الدول التي تُعتبر رائدة فيها موضع شك لدى شعوبنا. والقضية الفلسطينية هي خير تجسيد لهذه الصورة. فانعدام العدالة في معالجتها أشعل حروباً كثيرة وأوجد مقاومة لن تنتهي إلا بانتفاء الظلم وإحقاق الحق".
في هذا السياق، أشار إلى انّ "العالم صوّت مؤخرا في مجلس الأمن والجمعية العامة ضد إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وبالرغم من نتائج التصويتين تم نقل بعض السفارات اليها. تلا ذلك إقرار قانون "القومية اليهودية لدولة إسرائيل"، هذا القانون التهجيري القائم على رفض الآخر يعلن صراحة عن ضرب كل مساعي السلام ومشروع الدولتين".
وسأل: "لماذا أتى قرار حجب المساعدات عن مؤسسة الأونروا؟ فهل انتهت معانات اللاجئين لينتهي دور الأونروا أم أن الهدف من تعطيل دورها هو التمهيد لإسقاط صفة اللاجئ، ودمجه في الدول المضيفة لمحو الهوية الفلسطينية وفرض التوطين؟"
واعتبر أنّ "هناك شعب وجد نفسه بين ليلة وضحاها من دون هوية ومن دون وطن، بقرار ممن يفترض بهم ان يكونوا المدافعين عن الدول الضعيفة. فليتخيل كل منا، للحظة، ان قراراً دولياً، لا رأي له فيه، سلبه أرضه وهويته. وبينما هو يحاول التشبث بهما تتوالى عليه الضربات من كل جانب، ليرفع يديه".
وأوضح أنّ "هذه هي حال الشعب الفلسطيني اليوم، المشرد في كل أنحاء العالم، فهل نرضاها لأنفسنا ولشعوبنا؟ هل يقبل بها الضمير العالمي؟ هل هذا ما تنصّ عليه الشرائع والمواثيق الدولية؟ وما الذي يضمن أن لا تواجه الشعوب الصغيرة، ومنها الشعب اللبناني، نفس المصير؟".
إلى ذلك، لفت إلى أنّ "الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701 لا تزال مستمرة، برا وبحرا وجوا، على الرغم من التزام لبنان الكامل به".
في سياق مختلف، شدّد على أنّ "عالمنا اليوم يعاني أزمة تطرف وتعصب، تتمظهر برفض الآخر المختلف، رفض ثقافته وديانته ولونه وحضارته، أي رفض وجوده بالمطلق. وهذه الأزمة مرشحة للتفاقم، ولم تعد أي دولة في منأى عنها، بكل ما تحمله من آثار مدمرة على المجتمعات والدول لأنها تفجرها من الداخل".
ورأى أنّ "الأمم المتحدة عجزت، وقبلها عصبة الأمم، عن منع الحروب وتحقيق السلام وإحقاق الحق، خصوصاً في منطقتنا، وأحد أهم الأسباب يعود إلى عدم تكوين ثقافة عالمية للسلام تقوم على معرفة الآخر المختلف وممارسة العيش معاً".
وأعلن أنّ "الحاجة اليوم باتت ملحّة إلى الحوار، حوار الأديان والثقافات والأعراق، والى إنشاء مؤسسات ثقافية دولية متخصصة بنشر ثقافة الحوار والسلام. ولبنان، بمجتمعه التعددي، يعتبر نموذجياً لتأسيس أكاديمية دولية لنشر هذه القيم، "أكاديمية "الانسان للتلاقي والحوار"، مذكّرا أنّه سبق وأطلق "مبادرة جعل لبنان مركزا دوليا لحوار الأديان والثقافات والأعراق".
وقال: "نطمح أن تتجسد هذه المبادرة اليوم باتفاقية لإنشاء الأكاديمية فيه، تكون مشروعاً دولياً للتلاقي والحوار الدائم وتعزيز روح التعايش، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة وسلوك الديبلوماسية الوقائية لتفادي النزاعات".
وختم عون خطابه قائلا إن "الإنسان عدو لما، ومن يجهل، وطريق الخلاص هي في التلاقي والحوار ونبذ لغة العنف وتطبيق العدالة بين الشعوب، وهي وحدها تعيد الى مجتمعاتنا الاستقرار والأمان، وتحقق التنمية المستدامة التي تبقى المرتجى".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق