كتب فهد المضحكي
16 نوفمبر 2019
تتزايد التهديدات التي تمثلها الفئات المهمشة اجتماعيًا، وهي كتلة واسعة من السكان، وخاصة الفقراء والمعدومين ومحدودي الدخل، في العديد من الدول العربية، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، والذين يعيشون في بيوت الصفيح والعشش، سواء في أطراف المدن او الأحياء المنعزلة او المساكن العشوائية او مخيمات اللاجئين، على نحو يتمثل في مجموعة من الظواهر، قيادة حركات الاحتجاج العفوية ضد الحكومات القائمة، والانخراط في القتال مع المليشيات المسلحة او التجنيد في صفوف التنظيمات الارهابية، والالتحاق بجماعات الجريمة المنظمة، والعمل كأداة لقوى أجنبية، وعرقلة مسار التحولات الانتقالية، وهو ما أبرزته تفاعلات عام 2019، ترى ثمة دراسة أعدها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ترى أن التيار الرئيس في أدبيات النظم السياسية المقارنة يشير إلى أن المهمشين في بعض الدول العربية هم الذين يقطنون أطراف المدن الكبرى وفقراء الريف والعمالة غير النظامية وعديمي الجنسية واللاجئين والنازحين من مناطق تراكم الأزمات وبؤر الصراعات المسلحة، والتي تعاني من عدم كفاية الدخل، وسوء نوعية السكن، وانخفاض مستويات مخرجات التعليم والتدريب المهني، ونقص الرعاية الصحية والوظائف غير الثابتة بحيث تمثل «أحزمة فقر»، ومن ثم اتصلت مطالب قوى الحراك الثوري في موجتيه الأولى (2011) والثانية (2019) في قسم منها، بحقوق الفئات المهمشة نتيجة سياسات الاستبعاد الاجتماعي أو الحرمان الاقتصادي، غير إن هذه الظاهرة ليست وليدة عقد من الزمن، بل تعود إلى ثلاثة عقود، حيث انخرط المهمشون في موجة الاضطرابات واسعة النطاق التي شهدتها السودان وتونس والمغرب في فترات مختلفة من عقدي الثمانيات والتسعينات، فيما عرف بـ «اضطرابات الخبز» أو «انتفاضات الصندوق» في بعض الحالات، لأن الإجراءات والقرارات التي اتخذتها حكومات هذه الدول برفع الأسعار، وتخفيض الدعم كانت استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، وهنا أعلنت الفئات المهمشة عن رفضها واحتجاجها على بعض الممارسات والسياسات التي تمس مصالحها بشكل مباشر.
وكان المهمشون حاضرين في الاحتجاجات التي شهدتها دول عربية عديدة، لاسيما في ظل ضعف برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية الموجهة للمناطق التي يقطنون بها، وتزداد حدتها عندما يتواجد بها أقليات، بل وتتمركز بها مصادر للثروة الاقتصادية، وهو ما يمثل مصدرًا لعدم الاستقرار.
وقد أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أمام الاجتماع الأول لنقاط اتصال الدول العربية المعنية بمجالات التنمية المستدامة الذي عقد في نوفمبر 2018 على «أهمية تعديل التوجه والمسار التنموي في المنطقة العربية لتكون أكثر انحيازًا للفئات والقطاعات الضعيفة والمهمشة وأكثر تركيزًا على الفقراء وتمكين الشباب والمرأة وسعيًا حقيقيًا لتحقيق الأمن والسلم الاجتماعيين مختلف أبعادهما السياسية والاقتصادية والإنمائية».
وقد تمثلت المداخل التي يمكن من خلالها ان يفرض المهمشون تهديدًا للاستقرار داخل بعض الدول العربية، مع الاخذ في الاعتبار محورية «المتغيرات الوسطية فيما يلي:
- قيادة حركات الاحتجاجات ضد الحكومة القائمة غالبًا ما تحاول الجماعات المهمشة استغلال الفرص والظروف التي تستطيع في ظلها أن تتحدى الحكومات ويظل العنف أحد الاساليب، وربما الأسلوب الوحيد أحيانًا، لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي، وخاصة عندما لا توجد المسالك والقنوات السلمية اللازمة للتغيير او عندما تتقلص في بعض الدول او عندما تتزايد حدة التهميش فيما يطلق عليه في بعض الكتابات»هامش الهامش«.
وقد تصبح شرائح كبيرة منهم أكثر استعدادًا لتبني المواقف الرافضة وهو ما ينطبق على احتجاجات المناطق الطرفية في تونس، كما انتقلت كرة النار من العاصمة العراقية بغداد إلى مدن إلى الجنوب، خلال احتجاجات 2019، نتيجة الخزان الاحتجاجي من المهمشين اعتراضًا على تفشي الفساد وسوء الخدمات وتدخلات ايران، فعلى سبيل المثال طرح بعض المحتجين تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لمعاناة البصرة، التي يوجد بها ما يقارب من 59% من الاحتياطي النفطي العراقي، مع نقص في التوظيف وضعف توفير الخدمات العامة.
- الانخراط في القتال مع المليشيات المسلحة والتجنيد في صفوف التنظيمات الارهابية: يمكن للإرهابيين تجنيد عناصر جديدة من المواطنين المهمشين داخل الدولة المراد استهدافها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن تنظيم»القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي«يحاول تجنيد مواطني الجزائر المهمشين.
- الالتحاق بجماعات الجريمة المنظومة: كشفت الاحتجاجات التي شهدتها بعض الدول العربية عن حالة من الترهل والضعف الأمني، انعكست على عدم قدرة الدولة المركزية في السيطرة على كامل أقليمها سواء بشكل كامل مثلما حدث في حالات كل من ليبيا واليمن وسوريا والعراق والصومال او جزئي على بعض المناطق الحدودية مثل تونس، وبعض المناطق الطرفين والهامشية في الجزائر.
وقد ساهمت ظاهرة عدم القدرة على السيطرة الحدودية في انتشار شبكات وعصابات الجريمة المنظمة العابرة للحدود والتي أصبحت تحقق مكاسب ضخمة، وهو ما جعل احتمالات المخاطر قليلة في مواجهة المكاسب الضخمة التي تتحقق، على نحو ساهم في تعميق وانتشار هذه الجماعات بشكل أوسع، وذلك بالإضافة للامتدادات القبلية والعشائرية العابرة للحدد والتي تمارس دورًا مهمًا في نشأة هذه الجماعات.
- العمل كأداة لقوى أجنبية والتي تهدف إلى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في الداخل، حيث تستغل بعض القوى الإقليمية سوء أوضاع الأقليات المهمشة في دول عربية تعاني من أزمات حادة، وهو ما تقوم به تركيا من تهديد للاستقرار في كل من سوريا والعراق عبر الاستعانة بوكلاء لها.
- عرقلة مسار التحولات الانتقالية فعلى سبيل المثال يواجه المجلس الانتقالي السوداني تحديًا لا يمكن التقليل منه في حال تجاهل»تجمع الهامش» في مناطق الحروب والصراعات والمناطق الأقل تنمية المتمثلة في دارفور وشرق السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان وجبال النوبة، لاسيما إن هناك عددًا كبيرًا من تلك المناطق شارك في الاعتصام الذي أدى إلى الإطاحة بنظام البشير فضلًا عن أنه لا يمكن حصر تمثيل الهامش في الحركات المسلحة فقط.
خلاصة الدراسة: إن السياسات التي تتبعها الحكومات في بعض الدول العربية لمعالجة مشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة في مناطق الأطراف او الهوامش تبقى، في بعض الحالات معالجة جزئية ومحدودة، لأنها لم تعبر عن منظومة تنموية شاملة، وهو ما يتطلب تعزيز مقاربات مكافحة التهميش في المنطقة العربية، لأن المهمشين يشكلون قوة ضاغطة قابلة للتدحرج ككرة الثلج متى ما توفرت الظروف والعوامل المساعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق