الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

ماليزيا بعد مفاجآت انتخاباتها النيابية


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

استجاب رئيس الحكومة الماليزية اسماعيل صبري يعقوب لضغوط القوى السياسية الماليزية وقواعدها الشعبية من أجل الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة قبل موعدها المقرر في سبتمبر 2023، فحدد يوم 19 نوفمبر 2022 موعدا لذلك. وهكذا جرت الانتخابات التي طال انتظارها بتنافس 945 مرشحا على 222 مقعدا برلمانيا وسط حالة من التفكك والانقسام السياسي لم تشهد له البلاد مثيلا منذ استقلالها عام 1957، وغضب شعبي من فساد الساسة وغلاء المعيشة وانخفاض الأجور ومشاكل الفيضانات المتكررة. هذا ناهيك عن عدم الرضا حيال أطول أزمة سياسية في تاريخ البلاد منذ عام 2020 حينما بدأ تنصيب رؤساء حكومات بقرار من ملك البلاد بعد مشاورات مع الكتل السياسية البرلمانية، وليس من خلال الانتخاب الشعبي المباشر كالمعتاد.

وكما توقع المراقبون أسفرت نتائج الانتخابات عن برلمان معلق لا يحتكم فيه أي حزب سياسي على الأغلبية المطلقة التي تسمح له بالحكم دون الدخول في تحالفات وإئتلافات صعبة، ما تسبب في احباط شعبي بقرب انتهاء حالة عدم اليقين السياسي وأزماتها. كما أنها حفلت بمفاجآت أخرى لعل ابرزها السقوط المدوي للزعيم الماليزي الأشهر مهاتير محمد، الذي توعد باستلام السلطة مجددا رغم متاعبه الصحية وتقدمه في السن (97 عاما) واجباره على الإستقالة سنة 2020 بعد اتهام المعارضة له بالخيانة. فقد خسر مقعده النيابي الذي احتفظ به منذ عام 1964، ومني بصدمة لم يتوقعها، ما عكس توجها جديدا في أوساط الناخبين البلغ عددهم 21 مليون نسمة بعد أن انضم إليهم هذه السنة نحو ستة ملايين ناخب جديد من الشباب في أعقاب تعديل سن الانتخاب من 21 سنة إلى 18 سنة.


المفاجأة الأخرى تمثلت في عدم حصول "تحالف الأمل"(PH) بقيادة زعيم المعارضة المخضرم أنور إبراهيم على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة جديدة، رغم تفاؤله بتحقيق حلمه في قيادة ماليزيا، من بعد سنوات طويلة من الإذلال والمهانة والتخوين والسجن والاتهام بالشذوذ الجنسي على يد غريمه مهاتير محمد. حيث لم يحصل تحالفه إلا على 82 مقعدا فقط، أي أقل من العدد الذي يخوله قيادة ماليزيا بـ 30 مقعدا. والمفاجأة الثالثة كانت نجاح حزب (PAS) الممثل لجماعة الإخوان المسلمين في الحصول على عدد معتبر من المقاعد البرلمانية.

أما المفاجأة الرابعة فقد تمثلت في تبدد أحلام رئيس الحكومة إسماعيل صبري يعقوب الذي كان يأمل بتعزيز نفوذه على رأس تحالف "باريسان ناسيونال"(BN) كي يتولى قيادة جبهة "المنظمة الوطنية المتحدة لشعب الملايو" (UMNO)، التي يعد (BN)  أكبر فصائلها، بدلا من زعيمها الحالي أحمد زاهد حميدي. 

لقد حاول يعقوب أن يبدو متواضع الطموح بقوله أنه لا يستهدف سوى أغلبية بسيطة مع استعداده للعمل مع تكتلات أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة (ربما في إشارة إلى تكتل بيريكاتان ناسيونال (PN)  بقيادة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين الذي كان شريكا صغيرا في حكومته)، لكن الذي حدث هو أن (PN) حصل على 73 مقعدا، فحل ثانيا في الترتيب بعد تحالف الأمل، بينما لم يحصل (BN) إلا 30 مقعدا فقط .


وبما أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ ماليزيا التي لم تفصح انتخاباتها النيابية عن فوز واضح لإحدى القوى السياسية المتنافسة، فقد تسارعت الجهود فورا لتشكيل ائتلاف بين القوى المتنافرة كي يحصل على مباركة ملك البلاد لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث راح ياسين يغازل بعض الأحزاب الإقليمية الصغيرة في ولايات بورنيو وسراواك وصباح، طالبا منها الدخول في تحالف معه ليقود البلاد مجددا، معلنا في الوقت نفسه أن نوابا منتمين إلى (BN) يدعمونه أيضا، وذلك قطعا للطريق أمام أنور إبراهيم الذي راح يفعل الشيء نفسه لذات الغرض. وبالتزامن صرح حميدي أنه يجري مفاوضات لتشكيل تحالف مع أنور إبراهيم ونواب (PH)، وأنه هو الأقرب لتشكيل الحكومة.

ويتخوف البعض من أن يؤدي تشكيل تحالفات سياسية في الغرف المغلقة بقصد حكم البلاد إلى التحاق بعض الشخصيات الانتهازية الفاسدة من أصحاب الأجندات الخاصة بها بقصد التهرب من قضايا مرفوعة ضدها. أحد هؤلاء هو أحمد زاهد حميدي زعيم (UMNO)، الذي تلاحقه قضايا فساد منذ مدة، ويعاني حزبه من انشقاقات واخفاقات كان آخرها حلول حزبه في المرتبة الثالثة في انتخابات هذا العام. والمعروف أن حميدي هو أول رئيس لـ UMNO لم يتول منصب رئيس الحكومة، وتركه لزميله يعقوب الذي يحتل المرتبة الثالثة في التسلسل الهرمي للحزب. بينما يتخوف البعض الآخر من احتمال لجوء بعض السياسيين، في سعيهم لحكم البلاد، إلى التحالف مع الأحزاب الإسلامية المتشددة مثل "بارتي إسلام سي ماليزيا" (PAS).

في 24 نوفمبر الجاري حسم ملك ماليزيا الأمر، من بعد مداولات طويلة، فكلف أنور إبراهيم بتشكيل الحكومة الجديدة ليحقق الأخير حلمه بقيادة البلاد، ربما بعد أن أقنع الملك أنه يحتكم على 111 صوتا برلمانيا مؤيدا. غير أن كل المؤشرات تفيد باستمرار حالة عدم الإستقرار السياسي.



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2022م


الخميس، 24 نوفمبر 2022

عملية القدس المزدوجة وسقوط الرهان


بقلم :- راسم عبيدات

في دولة تعيش أزمة نظام سياسي عميقة ومستعصية،ومناعة مجتمع داخلية أخذة في التآكل،وارتفاع نسبة فقدان الثقة بالقيادتين الأمنية والعسكرية،وتنامي حالة فقدان المواطن الإسرائيلي لأمنه الشخصي،والتحولات العميقة التي تحدث في تلك الدولة بتحولها من دولة يهودية الى دولة شريعة،وبما ينذر بتحول الصراع مع شعبنا وامتنا العربية – الإسلامية الى صراع ديني مدمر،وبإنتقال الجماعات الكهانية التلمودية من أطراف المشروع الصهيوني الى قلب هذا المشروع،باتت دولة الكيان،دولة تتحكم فيها تلك الجماعات الكهانية بمفاصل القرار السياسي لتلك الدولة،وكذلك التحكم بالحكومات الإسرائيلية الحالية والقادمة بقاءً وسقوطاً ، وهذا يعني بالملموس،دولة يستحيل الذهاب فيها الى حرب،كما يستحيل الذهاب فيها الى تسوية أيضاً ، لإرتفاع الأكلاف والأثمان المترتبة على ذلك والتي لا تستطيع فيها دولة الكيان وقيادتها دفع تلك الأثمان والأكلاف، وفي كل هذه الأوضاع والمعطيات التي  تمر بها دولة الكيان،يخرج جيل الألفية الثانية الفلسطيني، جيل ما بعد بعد كارثة اوسلو،لكي يمتلك زمام المبادرة ويمتلك القرار وقيادة الميدان،دون ان ينتظر لا موقفاً عربياً ولا دعماً عربياً أيضاً،ولا مسار ولا ماراثون تفاوضي عبثي،لم يجلب لشعبنا الفلسطيني،سوى المزيد من التفكك والإنقسام وضياع الحقوق وإبتلاع الأرض...هذا الجيل الذي يراكم تجارب وخبرة وتطور في الأداء واجتراح أساليب عمل م ق ا و م متعددة ومتنوعة الأشكال والأساليب،بل وتشهد نقلة نوعية في استخدام التكنولوجيا المتطورة وتوظيفها في هذا العمل،حيث شاهدنا ذلك في عملية القدس المزدوجة،زرع العبوات الناسفة في القسم الغربي من المدينة،في محطتي حافلات،وتفجريهما عن بعد،وهذا عمل يحتاج الى جمع معلومات ومعرفة بالمكان وجهد استخباري،وقدرة فائقة على ادخال العبوات الى منطقة محروسة امنياً على مدار الساعة بواسطة القوى البشرية واحدث الوسائل التكنولوجية وأجهزة التجسس والمراقبة،ناهيك عن تركيب العبوات  والإنسحاب من المكان دون الإعتقال بعد عملية التفجير،،ويبدو بان الأمور كما قال مسؤول شرطة الكيان السابق "آريه عمنيت"، بأن هذا الجيل ،جيل احترافي أكثر تنظيماً وتعلماً ومهنية.


العبوات ادخلت وزرعت وفجرت في عمق قلب ما يعتبره الكيان عاصمته الأبدية الأكثر أماناُ وأمناً، وبما يشكل فشل أمني واستخباري لأجهزة امن دولة الكيان،وبما يقول كذلك بأن هذا الجيل ،جيل الألفية الثانية التي راهنت أمريكا ودولة الكيان ومعها الكثير من دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،المهرولة نحو التطبيع مع دولة الكيان جاثية على ركبها،بأن هذا الجيل،هو جيل العولمة ،جيل ثقافة الفيسبوك وجيل " الهشك بشك" ذو الثقافة السطحية والضحالة الفكرية،حيث لا قضايا وطن ولا عقائد ولا انتماء،وبالموازة مع ذلك كان الرهان وبالتحديد من بعد تولى الرئيس الأمريكي السابق ترامب للحكم في أمريكا مع بداية عام 2017،بأن هذه الألفية ستشهد تصفية وشطب القضية الفلسطينية،والإنتهاء منها كقضية شعب له حقوق وطنية سياسية،يطمح لنيل حريته واستقلاله كباقي شعوب الأرض،وتحويلها الى قضية صفقة تجارية ومشاريع اقتصادية، كما ورد فيما عرف ب"صفقة القرن"،والتي عقد لها مؤتمر اقتصادي في المنامة عاصمة البحرين في 24 و25 حزيران/2019،وانتشار التطبيع على اوسع مساحة من الجغرافيا العربية،مترافقاً مع اقامة الأحلاف العسكرية والأمنية والإقتصادية بين دولة الكيان ودول النظام الرسمي العربي،وبما يؤسس لهياكل أمنية في المنطقة بقيادة دولة الكيان،بإشراف أمريكي مباشر، ولكن وجدوا مع سقوط الرهان،بتحقيق ما يحلم به قادة دولة الكيان،وفي المقدمة منهم بن غوريون،بأن كبار شعبنا الفلسطيني سيموتون وصغارهم سينسون، انفسهم أمام جيل فلسطيني،أكثر شجاعة واكثر جرأة ،وأكثر قدرة وإستعداداً للمجابهة والمواجهة ورفض الإستسلام والقتال حتى ا ل ش ه اد ة ...مع تحول من ي س ت ش ه د و ن منهم الى ايقونات ونماذج يسير على دربهم وهديهم الألاف من الشباب الفلسطيني،وكذلك ما عمق ويعمق من مأزق دولة الكيان وامريكا، بأن الرهان على كون هذه الألفية،ستكون ألفية تصفية القضية الفلسطينية والغزو التطبيعي،يسقط كذلك عليها الرهان، وقد شاهدنا ذلك في ذهاب القنوات الإعلامية العبرية الى مشيخة قطر لإستشراف المواقف الشعبية العربية من التطبيع،وتظهيره،في مونديال كأس العالم الذي تحتضنه قطر بتكاليف تعدت ال 220مليار دولار ، حيث وجدوا بأن هذه الشعوب والجماهير العربية،رافضة للتطبيع،ومعتبرة بأن قضية فلسطين،هي قضية الأمة،لن ينجح التطبيع الرسمي العربي،في حرف البوصلة عنها،وهذا تجسد في المقابلات التي كانت تحاول اجراءها القنوات العبرية،مع العديد من الشبان العرب المتواجدين لحضور المباريات،ما ان يعرفوا بأن القناة التي تنوي مقابلتهم عبرية،حتى يشيحوا بوجوههم عنها،قائلين،بأنه لا يوجد شيء اسمه دولة الكيان،ويقومون برفع الأعلام الفلسطينية والتلويح بها.


شعبنا الفلسطيني ما زال يجترح البطولات والمعجزات وابتكار العبقرية والمتجدد والجديد في العمل ا ل م ق ا و م،ولعل معجزة قيام ستة أبطال من اسرى شعبنا،بتنفيذ عملية تحررهم،بادوات بدائية في أيلول من العام الماضي من اكثر سجون دولة الكيان امناً وتحصيناً ،ما يعرف ب بسجن" الخزنة"،دلالة على صعوبة اختراقه والخروج منه،يؤكد على مدى الإرادة والقناعات والعقائدية،التي إمتلكها هؤلاء الأسرى الأبطال،ورغم نجاح الكيان في إعادة اعتقالهم بعد فترة ليست طويلة،ولكن تلك العملية،عملية " نفق الحرية" قالت بشكل واضح بأن منظومة امن الكيان التي يتباها بها ويضفي عليها السوبرية الخارقة،هو ودول النظام الرسمي العربي المنهار، ،أمكن اختراقها وإظهار ضعفها وهشاشتها.

ومن عملية "نفق الحرية" الى عملية القدس المزدوجة، التي غابت العمليات المشابهة لها عن القدس منذ عام 2016 ،والتي انتشرت بكثرة في اعوام 1995 و1996 وفي انتفاضة الأقصى،المنطق والمفكرون أمثال لينين يقولون"التحليل الملموس للواقع الملموس" ، بأنه عندما يستعيد الشبان الفلسطينيون المبادرة يصبح الشارع العربي شارعهم.

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2022

عن قمة "تفادي الأسوأ" في بالي

 


 بقلم: د. عبدالله المدني*

أحيانا تــُكلف إحدى الدول باستضافة قمة ما، فتجد نفسها في حرج شديد، خصوصا إذا ما شاءت الأقدار وقوع حدث خطير (كالحرب) بين دولتين أو أكثر من الدول المفترض دعوتها. فإن دعت هذا الطرف ولم تدعو الآخر أتهمت بالإنحياز، وإنْ دعت الطرفين معا خافت من إصطدامهما في القمة فتفشل.

كان هذا حال إندونيسيا، مستضيفة القمة السابعة عشر لمجموعة العشرين التي انعقدت مؤخرا بجزيرة بالي، والتي بذل رئيسها "جوكو ويدودو" كل ما يستطيع كي يتفادي فشلها في ظل التباين الحاد في مواقف ضيوفه من الصراع الدائر حول أوكرانيا. تعرض ويدودو، طوال الأشهر الماضية، لضغوطات أمريكية وغربية لإقصاء روسيا من القمة، لكنه قاومها بنجاح بمساعدة الصين والهند والبرازيل ودول أخرى في المجموعة. ومع ذلك ظل يخشى أن تتحول القمة إلى ساحة حرب إنْ تواجه فيها الرئيس الأمريكي جون بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، فأعفاه الأخير من الحرج والفشل بغيابه وايفاد وزير خارجيته المتجهم دوما "سيرجي لا فروف" بديلا عنه.


**************

يراهن المراقبون دوما على اللقاءات الثنائية التي تسبق انعقاد مؤتمرات القمة أو تلك التي تعقد على هامشها، بل يرى بعضهم أنها أجدى وأنفع من القمة نفسها، لاسيما بين الأطراف المتنافرة سياسيا وأيديولوجيا او بين الزعماء الذين تتباين شخصياتهم وأفكارهم بحدة. فبعيدا عن صخب القمة وفلاشاتها وخطبها وجدول أعمالها، يمكن في الكثير من الأحيان أن تنجح اللقاءات الجانبية في صنع اختراق في العلاقات أو إحداث حلحلة في الأزمات المستعصية أو على الأقل التمهيد لذلك.

وهذا ينطبق أيضا على قمة بالي، التي انعقدت في ظل إقتصاد عالمي هش هده الإعياء بسبب جائحة كورونا، وحرب أوروبية أوروبية غير مسبوقة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ومخاوف من استنساخها في القارة الآسيوية بين الصينين الكبيرة والصغيرة، وأزمة ديون وتضخم متفاقمة، ومشكلة مناخ مستعصية، دعك من أزمة إمدادات الغذاء والطاقة وهواجس استخدام السلاح النووي في الحرب الأوكرانية، ففي ظل هذه الأجواء الكئيبة عقد لقاء ثنائي بين الزعيمين الأمريكي والصيني جون بايدن وشي جينبينغ هو الأول بينهما منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض ومنذ أن انحدرت العلاقات الأمريكية الصينية إلى أدنى مستوياتها. اللقاء شد انتباه المراقبين أكثر من القمة نفسها وأكثر من اجتماعات ثنائية أخرى لقادة بين دولهم خلافات وتوترات مثل الصين واستراليا، خصوصا وأن بايدن حضره منتشيا بحصول حزبه الديمقراطي على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ الأمريكي، بينما حضره جينبينغ منتشيا بتكريس زعامته على رأس الدولة والحزب الشيوعي الصيني مدى الحياة. صحيح أن مثل هذه اللقاءات لا تحسم الأمور الخلافية لكنها تخفف من حدها وتعطي أملا في منع تفاقمها، بدليل ما صدر عن لقاء الزعيمين من تأكيدات حول صيغة للتعايش والتنافس دون الانجرار نحو الصدام العسكري.


**************

لم يقل أحد أن قمة مدتها يوم واحد يمكن أن تؤسس نظاما عالميا بديلا لنظام الأحادية القطبية المتهالك، حتى وإنْ جمعت تحت سقفها أكثر الدول الفاعلة جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا وعسكريا وصناعيا وبما يجعلها في مقام "مجلس إدارة العالم". وبالمثل، لم يزعم أحد أن بيانا مشتركا سوف يصدر عن القمة باتفاق الآراء حول ما يجب عمله وما لا ينبغي فعله في سبيل ابعاد شبح الحروب والصراعات وتعزيز السلام. فالتجربة تقول أن المؤتمرات قد تسير سيرا حسنا، وإن ضمت تحت سقفها الأضداد، لكن ختامها قد يشهد صدامات واتهامات وخلافات بسبب صياغة البيان الختامي، ثم مساومات حول إضافة أو حذف كلمة من هنا ومفردة من هناك. 

وهو أيضا ما شهدته قمة بالي. إذ حدث ما كان متوقعا من تباين في المواقف حول مضمون البيان المشترك بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة من جهة أخرى وروسيا الإتحادية من جهة أخرى .. الأولى تصر على عبارات تدين الغزو الروسي لأوكرانيا والثانية ترفض قائلة أن التنديد بها تسييس لا جدوى منه من قبل دول الغرب، وأن قمة العشرين ليست المنصة المناسبة لبحث قضايا الأمن والسلام على نحو ما قاله لافروف قبل مغادرته القمة مبكرا، حينما رفض مصطلح الحرب لوصف ما يجري في أوكرانيا، قائلا أنها "عملية عسكرية خاصة".

***************

وأخيرا، جرت العادة أن تلعب الدول المضيفة دور حمامة السلام لجهة تقريب وجهات النظر بين ضيوفها للخروج ببيان برغماتي مخفف يرضي الجميع، وهو ما نجحت فيه أندونيسيا التي حاول زعيمها منذ اليوم الأول التأكيد على المشتركات الكثيرة بين دول مجموعة العشرين وتجاهل الحديث عن القضايا الخلافية بينها. وقد تجلى ذلك بوضوح في كلمته الافتتاحية التي تضمنت كلمة "حرب" دون الإشارة إلى أي من روسيا أو أوكرانيا. فقد خاطب ضيوفه قائلا: "يجب علينا إنهاء الحرب. إذا لم تنته الحرب، فسوف يكون من الصعب على العالم المضي قدما. يجب ألا نقسم العالم إلى أجزاء، وألا نسمح للعالم بالوقوع في حرب باردة أخرى"، قبل أن يركز بقية كلمته على قضايا اقتصادية مثل ضرورة تبني الاتفاق على مباديء التحول إلى الطاقة النظيفة، والتعاون في مسائل إمدادات الطاقة والغذاء، ومساعدة الدول النامية في التحديات التي تواجهها، واستكمال خارطة طريق نحو إطار عمل مشترك لقياس الاقتصاد الرقمي التي قدمت خلال رئاسة السعودية لمجموعة العشرين عام 2020.

***************

في المحصلة النهائية، يمكن القول أن القمة، نجحت، على الأقل، في تفادي الأسوأ،  وأن أندونيسيا أجادت السير وسط حقول الألغام ونزعت فتيل مخاوف ترددت حول احتمال تفكك المجموعة وإعلان وفاتها تحت وطأة انقسامات أعضائها، في وقت كان فيه البعض يطلق في دوريات غربية رصينة دعوات إلى تغيير نظام الإنضمام إلى المجموعة بحيث يُعاد تقييم إقتصاد الأعضاء دوريا، ما يسهل خروج دول واحلال أخرى مكانها.



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2022م



الاثنين، 21 نوفمبر 2022

فُقَاعية لمّ الشّمل في القمّة العربية

 


دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري ـ


بداية أودّ التوضيح بأنّ هذه المقالة لا تتحدّث كثيرا عن مجريات القمّة العربية فعلا، ولا تُقدّم طروحاتها أو شروحا لنصّ البيان الختامي لها، أو ما تمخّض عنها من مبادارات وقرارات بلاستيكية، وإلّا لكان نشر المقالة بغير موعدها، هذا مع قناعاتي بأنّ موعدها هو في أي وقت من العام، لتناسخ وتشابه القمم من حيث إنفاذ أو تحقيق أعمال على أرض الواقع، أو حتى نوعية الخطابات وصياغة العبارات، إنّما محاولة للحديث عن بعض الإخفاقات المتناسخة، التي يُسَوّق لها في كلّ قمّة عربية على أنّها إنجازات.

احتضنت الجزائر القمّة العربية الـ 31 تحت شعار «لمّ الشّمل» وسط خلافات إقليمية مُعقّدة؛ تعذّر حلّها وتفاقم بعضها وعكس كثيرها مسار التنمية البشرية طيلة عقدين من الزمان، وهدّدت السّلام والأمن الإقليميين، جرّاء حروب غدت من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ودفعت بعض مؤسّسات الدول إلى حافة الانهيار.

افتُتحت الثلاثاء الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أولى أيام قمّة جامعة الدول العربية، بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى تجاوز الخلافات العربية، العربية ولمّ الشّمل.

وقد أرجأ سعيّد دموية الأنظمة إلى الثورات التي طالبت بالحرّيّة حين قال: «وطي النزاعات الدامية الموروثة عمّا سُمّيا بحقبة الربيع العربي»، واعتبر رفض القمعية والممارسات البوليسية ذريعة تُقرّها الجامعة العربية: «للانتصار على من يَشُنّون حربا ضروسا لإسقاط الدول»، حسب تصريحه.

الحرّيّة هي الحقّ المشروع الذي لا يمنحه سعيّد ولا يمنعه، ولا تُقرّه الجامعة العربية ولا يحقّ لها أن ترفضه، لأنّه وبكلّ الأعراف يُخلق مع الإنسان.

بدأت القمّة أعمالها في العاصمة الجزائرية بغياب عدّة دول وازنة؛ لم تكن ممثّلة بقادة دولها، لا سيما السعودية، الكويت، الإمارات، البحرين، عُمان، المغرب، الأردن ولبنان، والأخيرة لاعتبارات تخصّ انتهاء عُهدة ميشال عون الرئاسية في 31 من الشهر الماضي.


المِلفّ الإسرائيلي

أظنّ بأنّ سبب غياب الدول الخليجية ومعها الأردن يعود إلى رغبة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، هذا رغم تصريح زعماء دول الخليج بعدم الحضور قبل السعودية، ولكن حتى لا يصبح الأمر واضحا، لاعتبارات ارتأى الأمير محمد تجنّبها ولزوما تطبيقها حول القضيّة الفلسطينية، وهي القضّية الجوهرية في القمّة بحضور الدول المطبّعة وأخرى برسم التطبيع.  

في آخر قمّة عُقدت لجامعة الدول العربية في آذار/مارس 2019 في تونس، كانت بعض الدول الأعضاء تضع على رأس أولولياتها القضيّة الفلسطينية، وفي نهج نظامها ونصبها العِداء للاحتلال، حتى لو شكليا؛ أقامت اليوم إتفاقيات تطبيع معه، لا بل تجاوزت التطبيع التقليدي بالصهر والإندماج المُعيب الذي يُقوّض الحقّ الفلسطيني بالدعم العربي.

بهذا الشكل من التطبيع دخلت السودان والمغرب ودولة الإمارات والبحرين بعلاقات مع إسرائيل في 2020 في إطار سلسلة اتفاقيات أمنية وإقتصادية وسياحية، وكثيرة أخرى ترتّب عليها نشر نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي «باراك» ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية وصواريخ «كروز» والطائرات المسيّرة، ومنظومة رادارية في عدّة دول في الشرق الأوسط، بما في ذلك البحرين، ثم سارت المغرب بركب الإمارات وأبرمت إتفاقيات أمنية مع الإحتلال، وصلت لمشاركة المفتّش العام للقوات الملكية المغربية الفاروق بلخير في مناورة عسكرية بقاعدة «تساليم»؛ حاكت هجمات صاروخية وجوية وبرّيّة، وفاقمت في ذات الآن الحالة المأزومة مع الجزائر، بسبب الخلافات الحادّة حول إقليم الصحراء الغربية؛ كان من شأنها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ آب/أغسطس 2021 بقرار جزائري.

وقد يُبرّر غياب بعض الدول المطبّعة ضمن «إتفاقات أبراهام»، وأخرى قيد التطبيع، أو تجمعها مع الإحتلال إتفاقيات كاتفاقية الطيران الإسرائيلي السعودي، وللأهمية التي توليها الجزائر للقضيّة الفسطينية والتأييد، وخاصّة أنّها المضيفة للقمّة، كما وقد رعت في منتصف تشرين الأول/أكتوبر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية، محاولة منها للَأم النجلاء الفلسطينية فيما بينها.


اللُّحمة العربية وتعليق عودة سوريا

اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بادرة تُحسب لتبّون، لكن فُرص تنفيذ المصالحة على أرض الواقع عقيمة، فقد جفّ حبر المصالحة قبل أن تصل الوفود الفلسطينية إلى أرضها، فالسلطة تنهج التواطؤ والتنسيق الأمني مع الإحتلال، وقادّة غزّة يحملون على عواتقهم الرّدع والرّدّ والمقاومة والكرامة.

بدأت قمّة لمّ الشّمل بيومها الأول بالفرقة العربية، حيث طغى الخلاف المغربي الجزائري على الأعمال التحضيرية لوزراء الخارجية العرب، بعد احتجاج الجامعة على قناة الجزائر الدولية لعرضها خريطة للوطن العربي غير المعتمدة؛ فصلت الصحراء الغربية عن المغرب، الشيء الذي أثار حفيظة الوفد المغربي.

سعت الجزائر منذ فترة بتشجيع من روسيا وإيران لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، التي عُلّقت عضويتها منذ بداية 2011 بسبب الفظائع التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري، غير أنّ الجزائر تخلّت عن هذا المسعى بعد معارضة عدد من الدول الفاعلة؛ من بينها دول الخليج.

التخلّي عن ضم رئيس النظام السوري للحاضنة العربية مرّة أخرى قرار حكيم، وإلّا كان بمثابة مشاركة صريحة من الأنظمة العربية؛ ممثّلة بجامعتها بالمجازر التي أرتكبها الأسد بحقّ السوريين، ولكانت عودة الأسد بمنزلة المنتصر بدلا من المجرم المُدان.


نسخ عربي في البيان الختامي

تواصلت أعمال الجامعة العربية في يومها الثاني، حيث تشابهت كلمات القادة العرب في البيان الختامي للقمّة العربية من حيث المضمون، فقد أجمعوا على مواجهة الدول العربية لتحديات تُلقي بظلالها على الجانب الأمني لتطال المنطقة برمّتها؛ تحدّثوا عن الملف الليبي وتضميد جرحه من أجل لمّ الشّمل، والوساطة العربية الليبية، التي تساوي على أرض الواقع صفر، إضافة إلى عدم دخول الدول العربية لغاية الآن بوساطة لإنهاء المأساة اليمنية، وهو الدور الدبلوماسي المحوري الذي سبق ومارسته مسقط في الماضي للتقريب بين الأطراف اليمنية المتناحرة.

أمّا دور الشباب المهمّش، لا بل قمعه وتجييش الأنظمة البوليسية ضده لتكميم الأفواه وقمع الحرّيّات، لا بل اتهام المواطن عامّة من أجل ذلك بذرائع مهترئة تُهدّد أمن الدول، وهو الحديث الذي بدا بجلاء في خطاب سعيّد.

وتزامنا مع الخطابات الداعية لخلق مبادارات لحلّ الأزمة السورية، التي أثقل الحرب كاهلها عقدا من الزمن والانهيار الإقتصادي وانعكاساته ونتائجه الكارثية المأساوية على المواطن؛ تُشبه تلك الحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت السطات الجزائرية تدفع عشرات اللاجئين، لا بل «ترمي» - بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى - 62 لاجئ سوري، بينهم أطفالا ونساء وشيوخ على قلّتهم إلى قلب الصحراء.

هذه القمّة لم تختلف حقيقة عن القمم العربية الماضية؛ إجماع شكلي على مركزية القضية الفلسطينية، ودعم مطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، وضرورة التمسّك بمبادرات السّلام بكلّ عناصرها وأولوياتها، بينما الإحتلال يتبنّى السياسة القمعيّة ويُصرّح بإستخدام كلّ القوى المتاحة للتنكيل بالفلسطيني، بالشراكة مع السلطة الفلسطينية ووجوم الأنظمة العربية، فضلا عن عدم تجريم القمّة للممارسات والقتل الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا العُزّل في فلسطين. 

كلّ خطابات الجامعة العربية، وآخرها التي ألقاها عبد المجيد تبّون إنشائية متكرّرة خالية من المصداقية، ليس لها أي تأثير على الشارع العربي وقضاياه، بداية بلمّ الشّمل الدعائي، الذي أطّره الطرد السوري وتمزيق الخريطة العربية، مرورا بتعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي، ونهاية ضرورة مواصلة الجهود والمساعي الرامية لحماية مدينة القدس المحتلّة والمقدسات، التي لا تُشكّل غير بروتكولات ورقية متشابة؛ تستخدم القضية الفلسطينية مطية لتسويق الوهم.

أمّا بما يتعلّق بالتنديد لتدخّل تركيا وإيران بالشأن العربي فقد انشقت الدول على بعضها حسب وجهتها السياسية والطائفية ومصلحتها حينا آخر.

المعضلة في القمم العربية هي الخطابات الرّنّانة غير الصريحة والمنفصلة تماما عن الواقع، لأنّها بالحقيقة لا تلقي بالاً لمصالح الشعوب، إنّما لديمومتها.

هذه القمّة لا تختلف كثيرا عن التي سبقتها؛ مزايدات بالشعارات وتناسخ بالألفاظ أو البيانات الختامية، كما حصل مثلا في قمّة بيروت بعام 2002، التي شهدت مبادرة السّلام العربية أيضا.

 الجامعة العربية لا تُلزم أعضاءها بتنفيذ أي إتفاقية أو مشاريع من شأنها المُضيّ قُدما لتنفيذ ختاميات القمّة، ولا تشبه أبداً الاتحادات والكيانات الأخرى، كما هو الحال عربيا في مجلس التعاون الخليجي أو دول الإتحاد الأوروبي، مجموعة الدول الصناعية السبع أو مجموعة «بريكس»، أو أي تنظيمات مماثلة تعمل أكثر ممّا تتحدّث.

يعني بطرح آخر كما قال أبو حامد الغزالي في كتابه «إلجام العوام عن علم الكلام»، كلام لا يؤدّي إلّا إلى كلام. ومن عندي  أوله كآخره، لن يُغيّر الوضع الراهن في فلسطين ولا بالأمن القومي في المنطقة، ولا حتى إضافة نوعية بإختيار المفردات والتصريحات.

الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

ميغاواتي تعد ابنتها لرئاسة أندونيسيا، ولكن!..

 


 بقلم: د. عبدالله المدني*

هل تذكرون ميغاواتي سوكارنوبوتري إبنة الرئيس الأندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو؟

هذه السيدة التي تبلغ من العمر اليوم 75 عاما، نشأت في كنف أبيها الذي قاد أندونيسيا من عام 1945 إلى 1967 وعاشت طفولتها في القصر الرئاسي وظلت تحلم طويلا بقيادة بلدها وإعادة الاعتبار إلى والدها الذي محا الجنرال سوهارتو تاريخه كعادة الزعماء الديكتاتوريين في التعامل مع ذكرى أسلافهم. وتحقق حلمها بعد سقوط  نظام سوهارتو سنة 1998، وهو حدث شاركت فيه ميغاواتي على رأس حزبها السياسي المعروف آنذاك باسم "الحزب الديمقراطي الأندونيسي". وفي مرحلة الديمقراطية التي أعقبت حقبة سوهارتو، فازت عام 1999 بمنصب نائب رئيس الجمهورية على بطاقة الرئيس الأسبق عبدالرحمن وحيد، وخلفته في الرئاسة بعد عزله بتهمة الفساد، لتقود أندونيسيا في الفترة من 2001 إلى 2004 وتدخل التاريخ كأول سيدة تترأس البلاد. غير أن عهدها شهد الكثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمماحكات السياسية بسبب التركة الثقيلة لأسلافها من جهة، وقلة خبرتها في شؤون الحكم وإدارة العلاقات الخارجية من جهة أخرى، فلم تنجز لشعبها شيئا يُعتد به.

وبالرغم من فشلها وخروجها من قصر مرديكا الرئاسي سريعا لصالح الجنرال 

"سوسيلو بامبانغ يودويونو"، فإنها حافظت على شعبيتها وبقيت على رأس "الحزب الديمقراطي الأندونيسي من أجل النضال" (PDI – P) مستفيدة من إرث والدها واحترام قطاع عريض من الأندونيسيين (لاسيما في جاوه، أكبر أقاليم البلاد وأكثرها سكانا) لذكراه كمؤسس ومحرر للبلاد.

ولعل أكبر دليل على قوة حزبها، هو خوضه كل الانتخابات النيابية ونجاحه في حصد العدد الكافي من المقاعد لتقديم مرشح رئاسي دون الدخول في تحالفات (حسب الدستور الحالي لا يحق لأي حزب المشاركة في السباق الرئاسي ما لم يملك 20% من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 575 مقعدا)، على نحو ما حدث مثلا في انتخابات 2014 الرئاسية التي رشح فيها الحزب، الرئيس الحالي "جوكو ويدودو"، ففاز بنسبة 53.15% من الأصوات.

شعرت ميغاواتي لاحقا أن العمر يمضي بها وأن المتغيرات الكثيرة على الساحة الأندونسية، ولاسيما ظهور الأجيال الجديدة ذات الطموحات المغايرة لطموحات جيلها، سوف يعيق عودتها إلى السلطة. وفي الوقت نفسه طغت عليها فكرة تمكين السلالة السوكارنية من البقاء في المشهد السياسي والتأثير فيه على الطريقة التي مارستها سلالة نهرو/غاندي في الهند مثلا. لم يكن هناك حل سوى الدفع بأبنائها إلى الواجهة حزبيا وسياسيا وحكوميا. وهكذا ظهرت إبنتها "بوان مهاراني"، العضو في حزب والدتها، على الساحة السياسية، فتسلمت في الفترة ما بين عامي 2014 و 2019 حقيبة حقوق الإنسان والثقافة، ثم تولت منذ عام 2019 وحتى اليوم منصب رئيسة مجلس النواب.

تحاول مهاراني اليوم، مدفوعة من والدتها وحزبها، أن تصعد إلى رئاسة الجمهورية، خصوصا وأن فترة الرئيس الحالي ويدودو ستنتهي سنة 2024 دون أن يتمكن الأخير من الترشح مجددا بحكم نصوص الدستور لأنه تولى الرئاسة لفترتين متتابعتين. غير أن الطريق أمامها لا يبدو مفروشا بالورود بسبب كثرة الطامحين بالمنصب واحتمالات لجوء منافسيها إلى عقد صفقات ومساومات قذرة، ولاسيما من قبل المرشح الرئاسي الدائم "برابوو سوبيانتو" وهو جنرال متقاعد يشغل حاليا حقيبة الدفاع، وله تاريخ قمعي أسود خلال فترة والد زوجته الجنرال سوهارتو. على أن سوبيانتو ليس المنافس المزعج الوحيد، فهناك أيضا حاكم جاوه الوسطى "جانجار برانوفو" الذي انتزع ــ بحسب استطلاع الرأي ــ زمام المبادرة مؤخرا من سوبيانتو، ما أدى إلى احباط مؤيدي ماهاراني وميغاواتي. إلى ذلك تخشى مهاراني وميغاواتي وأنصارهما من تحالف ناشيء قطبيه هما: "أجوس هاريمورتي" الإبن الأكبر للرئيس السابق "سوسيلو يودويونو" الذي خرج من الجيش ليمتهن السياسة على رأس "الحزب الديمقراطي"، و"أنيس باسويدان" محافظ جاكرتا ووزير التعليم سابقا والمرشح الرئاسي الفاشل في انتخابات 2009، علما بأن هذا التحالف يحظى بدعم جماعة "الإخوان المسلمين" في أندونيسيا المنضوين تحت جناح "حزب العدالة والرفاهية" الداعي لتطبيق الشريعة والمتغلغل في الأوساط الفقيرة. 

من جهة أخرى يبدو أن هناك صراعا خفيا في كواليس حزب (PDI – P) حول من سيتولى قيادته خلفا لميغاواتي التي قيل أنها معتلة صحيا وتفكر في الاعتزال. ولعل ما يزيدها مرضا ويضاعف قلقها على مصير حزبها ونفوذها هو ان الصراع يدور بين ابنتها مهاراني والأخ غير الشقيق للأخيرة "براناندا برابوو"، وكلاهما يشغلان منصب نائب رئيس الحزب، ويحاولان الإمساك برئاسته انطلاقا من فكرة ورثاها من والدتهما وهو أن قيادة (PDI – P) على المدى الطويل بنفس أهمية قيادة أندونيسيا.

فهل ستضطر مهاراني، وسط المنافسة الحامية على كرسي زعامة أندونيسيا، أن تسلك الطريق الذي سلكته والدتها؟ وهو أن تترشح على بطاقة مرشح رئاسي مضمون النجاح كنائبة للرئيس، أملا في الفوز لاحقا بالمنصب الأعلى في البلاد.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2022م


الخميس، 10 نوفمبر 2022

الأردن ما بين الغاء الوصاية والوطن البديل


بقلم :- راسم عبيدات


في ظل التطورات المتسارعة والمتلاحقة في المنطقة والإقليم والعالم،وفي ضوء تنامي العنصرية والتطرف وحتى بذور الفاشية في امريكا ودول اوروبا الغربية ودولة الكيان،وخاصة بعد الإنتخابات الخامسة والعشرين للكنيست " الإسرائيلي" والتي افرزت حكومة يمين متطرف مع يمين ديني وصهيونية دينية،بعد اربع انتخابات تبكيرية...هذه الحكومة تعج بالمتطرفين من أمثال  ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش واريه درعي وغيرهم،ناهيك عن نتنياهو نفسه وما معه من صحبه من اليمين المتطرف ...وهذه الحكومة التي تعبر بشكل واضح عن الوجه العاري والحقيقي لدولة الكيان،تقول بشكل واضح بأنها  ليس في واردها التنازل عن ما تسميه بأرض إسرائيل الكاملة،بل ستستمر في الإستيطان والتهويد  والطرد والتهجير والإقتلاع والتطهير العرقي  والتطبيع مع دول النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن،دون أن تقدم أية تنازلات لها علاقة بالأرض والسيادة،بل ستحصر العلاقة مع السلطة الفلسطينية ،إن أبقت عليها في إطار التبعية الاقتصادية  والتحول لوكيل أمني كامل.

وفي جوهر هذا التحالف الأزعر بن غفير،وبن غفير الذي مارس الإرهاب والعنصرية  والإعتداءات المتكررة على شعبنا على طول وعرض جغرافيا فلسطين التاريخية،والذي من المرجح ان يتولى حقيبة الأمن او الأمن الداخلي في دولة الكيان،هذا الأزعر له سجل حافل بالعدوان على المسجد الأقصى وحراسه وموظيفه،والمشارك في قيادة عمليات الإقتحام له ،ناهيك عن دعوته لإقامة الهيكل المزعوم بدل الأقصى،وإلغاء الوصاية الأردنية عليه،وطبعاً موقف نتنياهو ليس بالبعيد عن موقف لا بن غفير ولا سموتريتش،ولا يوجد أي رهان على أية كوابح عربية – إسلامية ودولية،ستمنع دولة الكيان بمتطرفيها من تنفيذ مشاريعها ومخططاتها،فعربان التطبيع لا يهمها ان كان نتنياهو رئيس الوزراء او سموتريتش،فهي مستمرة في "هرلوتها" التطبيعية ونسج الأحلاف اقتصادية وأمنية وعسكرية مع دولة الكيان،ففي قمة المناخ في شرم الشيخ مؤخراً،كان رئيس دولة الكيان هرتسوغ ووزيرة الطاقة فيه،يصولان ويجولان،ويتنقلون بين هذا الزعيم العربي او ذاك ويلتقطان الصور الجماعية،ناهيك عن اللقاءات البحراينة – الإسرائيلية والمغربية -الإسرائيلية .

بن غفير الكاهني وريث حركة "كاخ"،ما يعرف بعصبة الدفاع اليهودية،والقائم فكرها على تحقيق اهداف الحركة الصهيونية بالسيف والتوراة"  يد تمسك بالتوراة ويد تمسك بالسيف" ،أصداء  أقوال المؤسس ثيودور هيرتسل ،وموقف نتنياهو ليس بالبعيد عن موقف بن غفير من الأقصى،وعلاقته بالأردن والقصر وجلالة الملك عبد الله الثاني،ليست على ما يرام،فهو أكثر من كذب على الملك عبد الله الثاني والقيادات الأردنية في قضية الأقصى،ولم يلتزم بأية تعهدات قطعها لجلالة الملك او الحكومة الأردنية،ولذلك أرى بأن هناك خطورة جدية على الوصاية الأردنية.


القضية الثانية، التي ستلقي بأعباء سياسية واقتصادية واجتماعية على الأردن،هي قضية عودة ما يعرف بصفقة "القرن" للصدارة او للتداول من جديد،رغم أن الجمهوريين،لم يحققوا فوزاً مستحق في الانتخابات النصفية الأمريكية،ولكن عودة الرئيس الجمهوري السابق ترمب للحكم مجدداً،بعد عامين،يعني عودة صهره كوشنير، المشرف على تلك الصفقة،والتي يؤيدها نتنياهو،حيث عقد لها مؤتمر اقتصادي في المنامة عاصمة البحرين 24/و25/6/2019،بحضور العديد من الأطراف العربية،بحيث ينظر للقضية الفلسطينية،على أنها ليست قضية ارض وشعب وحقوق وطنية وسياسية،بل قضية مشاريع اقتصادية  وسلام اقتصادي،ومن هذا المنطلق من المتوقع،في ظل حكومة نتنياهو،التي ترى بأن الحل للقضية الفلسطينية،يمكن في ضم معظم أراضي الضفة الغربية الى دولة الكيان،وطرد وترحيل عشرات الألاف من الفلسطينيين الى الأردن ضمن ما يعرف بالوطن البديل،ولعل التطورات الحاصلة في العالم وفي ظل الإنشغالات الدولية في قضايا تتقدم كثيراً على  القضية الفلسطينية، الحرب الأمريكية الأوروبية الغربية مع روسيا على الأرض الأوكرانية ،حروب ريعية،حول الطاقة والحبوب والمعادن،وكذلك الخلافات حول العودة من عدمها امريكاً للإلتزام بالإتفاق النووي مع طهران الذين انسحبت منه من طرف واحد في عام 2018،والخلاف مع الصين حول قضية تايون، وكذلك نتنياهو الزعيم الصهيوني صاحب الحكم الأطول،والذي يمتلك " الكريزما" والخبرة، يتمتع بعلاقات قوية مع ترامب وإدارته "الدولة العميقة"، ناهيك عن علاقاته  القوية مع الرئيس الروسي بوتين.

في ظل تنفيذ هذا السيناريو والمخطط والمشروع من قبل هذه الحكومة المتطرفة والمغرقة في العنصرية حتى الإختناق، فالأردن سيجد نفسه،امام مخاطر جدية تمس بهويته وأمن واستقراره وجغرافيته ودوره،ولذلك لدرء هذه المخاطر وتخفيف أية اثار  لمثل هذه المخططات والمشاريع الخطرة ، لا بد من قيام القيادة الأردنية، بإتخاذ خطوات ومواقف،تمنع تنفيذ ذلك أو تكون قادرة على  مجابتها والتصدي لها،ولعل أولى هذه الخطوات، تتمثل في :-  العمل على اعلى درجات التنسيق والتعاون ما بين القيادات الأردنية والفلسطينية ،بما يعزز اعلى قدر من التلاحم  والوحدة في مجابهة مثل هذه المخططات والمشاريع،وثاني هذه الخطوات،هو تمتين الجبهة الداخلية،وبما يكفل التفاف وتوحد،كل المكونات والمركبات السياسية والقوى العشائرية والجماهير الشعبية من أجل افشال هذا المخطط.وثالث هذه المهام والخطوات هي... على القيادة الأردنية وجلالة الملك فتح القرار الأردني على أرحب فضاء عربي – إسلامي وعالمي، بما يشكل ضمانات قوية لدعم الأردن ومساندته في التصدي لهذا المخطط الجهنمي.

الأردن بحاجة الى تطوير موقفه،ليس بالوقوف الى جانب السلطة الفلسطينية،وطرف فلسطيني على حساب آخر،الأردن يجب ان يقف الى من يقود الشارع الفلسطيني،ويمد جسور علاقة مع هذا المكون، لأنه سيشكل اللاعب والفاعل الميداني في لجم هذا المشروع والمخطط،والأردن ليس بالبلد الضعيف أو الذي لا يمتلك خيارات ،بل الأردن اذا ما رسم استراتيجة وأدارت المعركة والصراع مع هذه الحكومة المتطرفة،بإرادة وقرار جريء،يخرج عن التوصيفات والنصائح التي تسدى دائماً من قبل أطراف دولية وعربية ،بأن عليه اعتماد استراتيجية الدبلوماسية والإنحناء امام العاصفة  لأن الأردن ضعيف ويعيش أزمات اقتصادية،بل الأردن يستطيع ان يخلط كل الأوراق،وان يرفع العصا في وجه دولة الكيان،فلدية أطول حدود وجبهة مع دولة الكيان، الذي لا يعيش اوج قوته،بل رأينا مجموعة كتائب فلسطينية مقاتلة " ج ن ي ن "  و"ع ر ي ن ا ل سو د" وغيرها،أفقدت دولة الكيان قوة الردع،وكذلك لنا عبرة في لبنان التي تكمن قوته في ضعفه ،وم ق ا و م ت ه أجبرت دولة الكيان على توقيع اتفاق الإطار لتقاسم الثروات البحرية من غاز ونفط،أي م ق ا و م ة لبنان حمت ثرواته البحرية،والأردن بقيادته وجيشه وشعبه والوحدة الأردنية – الفلسطينية،قادر على إفشال مخططات الغاء الوصاية والوطن البديل.

نتنياهو- بن غفير تحالف العنصرية والفاشية




بقلم الأسير: أسامة الأشقر


كتب البروفيسور وأستاذ الفلسفة الحاصل على وسام "إسرائيل" أسا كاشير على صفحته على موقع فيسبوك أن ما يحدث في إسرائيل ليس انزياحا لليمين وأن هناك تحولات أخطر بكثير من حالة انحياز، وخلص لنتيجة مفادها أن هذا الشعب ليس هو الشعب الذي يعرفه "هذا ليس شعبي".

لم تكن صرخة كاشير الوحيدة في هذا الإطار فقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي واستوديوهات الأخبار بتحليلات وتنبؤات لما تحمله الأيام القادمة نتيجة إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو وعودة تحالف اليمين المتطرف للسلطة ولكن دون أي شركاء آخرين من أحزاب الوسط "المركز" هذه المرة. هذا التحالف الذي لم ينتج عن تلاقٍ طبيعي لمصالح قادة هذه الأحزاب وإنما هو نتيجة مباشرة لسياق طويل من تطبيع الجماعات المتطرفة الذي أشرف عليه نتنياهو وأداره، فمنذ أن حجب المتطرف وزعيم حزب الليكود السابق مناحيم بيغن هذه الجماعات عن المشاركة في الانتخابات ومنعها من دخول الكنيست خاضت الكثير من المعارك القضائية والسياسية للسماح لها بالترشح للانتخابات العامة. وبعدما أيقن اليمين الفاشي عدم قدرته على العودة لسدة الحكم أعاد إحياء كافة النزعات الشيطانية التي حاول لسنوات إخفاءها وإظهار الوجه الآخر لمنظومة الكيان "الديمقراطية " فهذه الدولة تدرك منذ ما قبل إقامتها أنها ملزمة بل ومكرهة على التظاهر بأنها صورة "الغرب المتحضر" ، وهي بذلك تؤدي دورين مركزيين الأول فائدة "الاستعمار" وأهميته للعالم والثاني تشريع السرقة والسلب والظلم التاريخي الذي ارتكب بحق شعب كامل بما في ذلك تهجيره وإحلال المستوطنين الغرباء محله.


اليوم وبعد عقود من ممارسة الخداع المكشوف تعيد المنظومة الاستعمارية إنتاج نفسها من خلال إبراز آيديولوجيتها الحقيقية بلا أي قناع أمام العالم أجمع فهي لم تعد تخجل من عنصريتها وفاشيتها حتى أنها أصبحت هي التيار المركزي الأوسع داخل المجتمع الاستعماري، حيث أصبحت تمثل هذه الآيديولوجيا الآن شرائح واسعة من هذا المجتمع، فنرى ظاهرة بن غفير تحظى بشعبية تفوق الأحزاب التي أقامت المشروع الاستعماري برمته، وهي نتيجة حتمية لما طرأ على هذا المجتمع من تحولات وهي أبعد بنظرتها لطبيعة المشروع من كونه إقامة دولة يجتمع فيها أصحاب الأرض المزعومون.

لذلك فهي الآن تحاول خلق تحالفات طويلة تؤسس لمرحلة مختلفة كليا عن كل ما عرفه هذا الكيان، وبإنتاجها هذا ستجد هذه الأحزاب نفسها غير قادرة على التعامل أو التعاطي مع التداعيات التي ستتركها عرضة للتفكك والصراعات وهو ما بدأنا نلحظ بوادره



الأربعاء، 9 نوفمبر 2022

شوكت مسلماني واغتيال الشخصيّة


ـ الكاتب: ستيورت ريس  Stuart Rees. 

ـ الترجمة بتصرّف: حسين الديراني.    

في 19 أكتوبر ـ  تشرين الأوّل ألقى النائب العمّالي شوكت مسلماني خطاب الوداع في قاعةٍ عامّةٍ مزدحمة ـ قاعة مجلس شيوخ ولاية نيو ساوث ويلز. القى خطابه بكلّ كرامة وبدون مرارة وبإمتنان للعديد من أنصاره الذين حضروا بالمئات. كانت معاييره في الحياة العامّة مثيرة للإعجاب ولكن كانت المعاملة من قبل نشطاء أقوياء ضدّه مخزية. ومن خلال الخداع والسريّة لكبار أعضاء حزبه ـ حزب العمّال ـ نيو ساوث ويلز ـ تمّ إقصاء السيد شوكت مسلماني من الترشيح للإنتخابات لمنصب مجلس الشيوخ في الإنتخابات المقبلة، ومن المفيد معرفة السبب.  

شوكت من أصل عربي ـ لبناني، أوّل نائب مسلم في برلمان أسترالي، دعم بقوّة حقوق الإنسان الفلسطيني، قدّم ملاحظات إيجابيّة حول تعامل الحكومة الصينيّة المبكِر مع جائحة كوفيد ودافع عن مصالح مجموعات مختلفة في المجتمع الأسترالي ومن ضمنهم المواطنين من أصل صيني. في أوائل عام 2020 ساهم أعضاء من وسائل الإعلام التي يرعاها "مردوخ" واللّوبي الصهيوني في نيو ساوث ويلز في حملة عنوانها "فلنقم بحملة استهدافه وعزله" في جوّ من جنون العظمة يشجّعه تشريع حكومة "موريسون"  الاحرارية لمكافحة "التدخّل الخارجي" حيث يمكن وضع المواطنين تحت الشبهة والشكّ إذا دعموا أفراداً من الجالية الصينيّة أو دعموا القضيّة الفسلطينيّة أو أي مواطن من ذوي العقيدة الإسلاميّة، وكان النائب المسلم شوكت مسلماني هدفاً واضحاً لهم. 

بين 31 مارس و 10 أبريل 2020، وكما لو كانوا يبحثون عن ضجّة كبيرة، أنتج الصحفيون والمذيعون 32 مقالاً يهاجمون مسلماني بزعم  عدم ولائه لأستراليا ـ 12 مقالة في صحيفة ديلي تلغراف  و 10 في سيدني مورنينغ هيرالد، و7 من سكاي نيوز وراديو GB2.. و2 من الأخبار اليهودية. انضمّ "بيتا كريدلين" ـ  سكاي نيوز ـ إلى الإذاعي  العنصري "راي هادلي" وكذلك "آلان جونز" في الهجمات على النائب شوكت مسلماني بمساعدة تعليقات من "بيتر داتون" حليف إسرائيل.. وكذلك "والت سيكورد"، وكلّ هؤلاء كان هدفهم واحداً وهو اغتيال شخصية مسلماني معنويّاً، سياسيّاً وإجتماعيّاً. في 2 أبريل، وفي حاجة إلى إظهار كيفيّة مواجهة  "التدخّل الخارجي"، تحدّث "بيتر داتون" إلى "راي هادلي" في راديو "تو جي بي" قائلا: "لا يمكن أن يكون لديك ولاء لدولة أخرى وتتظاهر بالولاء لهذا البلد في الوقت ذاته".  وضخّم "هادلي" هذا التلميح حتى وصف النائب مسلماني بالخائن. وبما أن  "هادلي" ذو صوت مؤثّر في الاعلام الأسترالي ويخاف منه السياسيّون شيطن المسلمين وأثّر في مواقف قادة حزب العمّال ـ ALP ووصف النائب  بأنه "زميل مؤسف إلى حد ما".. وقال "هذا الأحمق".. إضافة الى أوصاف ومصطلحات قذرة معروفة يردّدها هادلي.  

في 3 أبريل 2020 وفي مقابلته مع زعيمة حزب العمّال ـ نيو ساوث ويلز ـ "جودي مكاي" أعلن هادلي أن القيادة في نيو ساوث ويلز "تتوقّع منكِ طرد هذا الرجل.. هل يمكنكِ إسكاته". وبما أنها قياديّة هشّة ردت قائلة إنها ستمتثل وطلبت من مسلماني الإستقالة. وفي 7 أبريل استقال مسلماني من منصب نائب رئيس مجلس الشيوخ في ولاية نيو ساوث ويلز ولكنّ المتنمّرين استمرّوا بالعدوان بأسلوب فيه من سمات الديكتاتورية الكثير. ووسط مخاوف من أن عملاء الحكومة الصينيّة في أستراليا ربّما قد تسللوا إلى مكتب شوكت مسلماني، وعلى طريقة جيمس بوند، خطّط سياسيون في العاصمة الفيدراليّة كانبيرا مع قيادة في الشرطة الفيدراليّة ومسؤولين في وكالة المخابرات المركزيّة الاستراليّة  ASIO  لشنّ غارة على منزل مسلماني في سيدني ـ روكدايل . 

وفي السادسة من صباح يوم الجمعة 26 يونيو انتظرت وحدات إعلاميّة كبيرة خارج منزل شوكت مسلماني استعداداً للترحيب بوصول 40 عنصراً من الشرطة الفيدرالية.. وبقيت الشرطة الفيدرالية لمدة 19 ساعة تحتلّ منزله، وأخبرت الشرطة الفيدراليّة السيّد شوكت أنه لم يكن مشتبَهاً بأي فعل خاطئ وعلى الرغم فتّشت منزله واحتجزت مقتنياته وأصيبت زوجته ووالده المسنّ وابنه الصغير بصدمة مرعبة كبيرة. وبعد يومين، وفي مساهمتها في حفل جنون الإرتياب من أجل أمن أستراليا أوقفت زعيمة حزب العمّال بالولاية "مكاي" النائب مسلماني من عضوية حزب العمال، وكلّ ذلك تمّ القيام به من دون أي دليل واحد ضدّ النائب مسلماني أو أي من موظّفيه. 

وفي 22 أكتوبر 2020 برّأت لجنة الحقوق البرلمانية في نيو ساوث ويلز النائب شوكت من كلّ ما نُسِب إليه، وعاد إلى حزب العمّال وإلى البرلمان. لم يكن قادة حزب العمال في الولاية ومنهم "ماكاي" والآخر "مينز" والصحفيون وكبار ضبّاط الشرطة الفيدرالية لديهم الشجاعة بما يكفي للاعتذار عن أفعالهم. وفي جلسات مجلس الشيوخ حول التقديرات بخصوص قضية مسلماني سُئل مفوّض الشرطة الفيدرالية السيّد "ريز كيرشو" عن أسماء المتورّطين حتى في تجميد الحسابات المصرفية لأسرة مسلماني وعن الذي أبلغ وسائل الإعلام عن توقيت مداهمة منزل النائب مسلماني؟. ظلّ الصمت سيّد الموقف وبقيت الاسئلة دون إجابات إلى الآن. 

هذه القصّة المأساويّة والقضيّة الانسانية والسياسية تعطينا عدّة دروس في الصراع بين السلوك المبدئي وبين الخداع السياسي لإستعادة الثقة بالسياسة وبالكياسة في الحياة العامّة حيث يجب ألاّ يكون هناك تكرار لإضطهاد نائب أو أي مواطن لم يرتكب أي خطأ. كان هناك عدم تطابق بين السلوك غير الأناني والمبدئي لشوكت مسلماني الذي دافع عن المحرومين في أستراليا وحول العالم والسلوك المخزي لأولئك الذين جعلوه كبش فداء. كانوا جبناء، لم يكونوا أبدًا شجعاناً بما يكفي حتى للإعتذار. وحتى أن بعض مؤيدي النائب شوكت مسلماني قد يجادلون أنه كان من الأفضل عدم فضح السلوك الجبان للأشخاص الأقوياء وعدم التصدّي لهم، وكان من الأفضل ترك الكلاب النائمة نائمة، ومع ذلك فإن الهجمات على مسلماني ـ السياسي غير العادي ـ لها تداعيات مخيفة. تشير تجربته إلى أنه في الحياة العامة أن تكون جديرًا بالثقة ومبدئيًا وشجاعًا غير ذي أهمية تذكر. 

 

ـ ستيوورت ريس Stuart Rees  أستاذ بجامعة سيدني وحائز جوائز عديدة  منها جائزة  القدس للسلام وذاته مؤلّف كتابCruelty or Humanity  الشهير.  


 


Principled conduct? Shaoquett Moselmane and the NSW ALP  

By Stuart Rees 

On October 19, before a crowded public gallery and in a packed Upper House of the NSW parliament, Labor MP Shaoquett Moslemane gave his valedictory speech. He did so with dignity, with no bitterness and with gratitude to his many supporters. His standards in public life have been impressive. His treatment by powerful operatives has been disgraceful. 

Via the secret trickery of senior members of the NSW ALP, Shaoquett had been ousted from nomination for election to an Upper House position in the forthcoming State election, but this was the last act in years of political bastardry. It is salutary to know why. 

Of Arab descent, Shaoquett was the first Moslem MP in the State Parliament. He supported the human rights of Palestinians, had made positive observations about the Chinese government’s early handling of the Covid pandemic and had championed the interests of diverse community groups, including citizens of Chinese origin. 

In early 2020, members of Murdoch sponsored media and of the Zionist lobby in NSW, contributed to a ’let’s get him campaign.’ In an atmosphere of paranoia encouraged by the Morrison government’s foreign interference legislation, citizens could be placed under suspicion if they supported Chinese community members, Palestinians or were of Islamic faith. Moslem MP Shaoquett was an easy target. 

Between March 31 and April 10 2020, as though in search of sensation, journalists and broadcasters produced 32 articles attacking Shaoquett for alleged disloyalty to Australia, 12 items from the Daily Telegraph, 10 from the Sydney Morning Herald, 7 from Sky News, Radio 2GB and 2 from Jewish News. 

Peta Credlin of Sky News joined radio shock jocks Ray Hadley, and Alan Jones in attacks on Moselmane. Aided by comments from Peter Dutton and Israel supporting Labor MP Walt Secord, these individuals’ taste for character assassination knew few limits. 

On April 2, needing to show how to stifle signs of ‘foreign interference’, Peter Dutton spoke to Radio 2GB’s Ray Hadley, ‘You can’t have an allegiance to another country and pretend to have an allegiance to this country at the same time.’ 

Hadley amplified this hint that the Labor MP was a traitor. As leader of the head kicking brand of journalism, he demonised Moslemane and influenced the attitudes of ALP leaders. He described the MP, ‘a rather regrettable fellow’, ‘this jerk’, ‘a train wreck’, ‘a Chinese PR spokesperson’, ‘a lunatic’ ‘a low filthy bludger,’ ‘this low life.’ 

On April 3 2020, in his interview with Labor leader Jodi McKay, Hadley announced that the people of NSW ‘expect leadership from you and they want this bloke sacked… Can you shut him up.’ Unable to stand up to the shock jock, Mckay said she would comply. ‘Ray his conduct has been appalling.’ 

On April 7, Moselmane resigned as Assistant President of the NSW Upper House but the bullies persisted. The next development was more characteristic of a dictatorship than a democracy. 

High on their James Bond like concern that Chinese government agents may have infiltrated Shaoquett Moselmane’s office, Canberra politicians, members of the AFP and ASIO officials planned a raid on Moslemane’s home. 

At 6 am on Friday June 26, a large media contingent waited outside Shaoquett’s house ready to welcome the arrival of 40 Federal police. In two shifts of 20 each, the AFP stayed for 19 hours, told Shaoquett that he was not suspected of any wrong doing, but searched his home, his car and traumatised his wife, his elderly parents and young son. 

A couple of days later, in her contribution to paranoia about Australia’s security, State Labor leader Mckay suspended Moselmane from parliament and from membership of the Labor Party, each act conducted without a shred of evidence against the MP or his staffer. 

On October 22 2020, the NSW Parliamentary Privileges Committee exonerated Shaoquett. He returned to the Labor party and to parliament. 

Labor leaders McKay and Minns, journalists and senior AFP officers were never brave enough to apologise for their actions. 

In Senate Estimates hearings in late 2020, the AFP Commissioner Reece Kershaw was asked who was involved in freezing Moselmane family bank accounts, who had tipped off the media about the police raid. Concealment remained the name of the game. Kershaw needed to ‘take such questions on notice.’ No-one will ever receive answers to those questions. 

This story of struggle between principled conduct and political trickery teaches several lessons. To restore trust in politics and civility in public life, there must be no repetition of the persecution of a citizen who committed no wrong. 

There has been a complete mismatch between the selfless, principled conduct of Shaoquett Moselmane, who championed disadvantaged communities in Australia and internationally, and the shameful behaviour of those who scapegoated him but were never sufficiently brave to apologise 

Even some supporters of Shaoquett Moslemane may argue it is best not to expose the cowardly behaviour of powerful people, better to let sleeping dogs lie. However, the attacks on this unusual politician have frightening implications. His experience suggests that in public life, being trustworthy, principled and courageous may count for little 


Stuart Rees OAM is Professor Emeritus, Univ. of Sydney, recipient of the Jerusalem (Al Quds) Peace Prize and author of the recent Policy Press book ‘Cruelty or Humanity’ 

 

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2022

لماذا اختار زعيم الصين "لي تشانغ" ساعدا أيمن له؟


بقلم: د. عبدالله المدني*

لم يكن إعادة انتخاب "شي جينبينغ" زعيما للصين لفترة ثالثة مدتها خمس سنوات في ختام أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الحاكم في بكين حدثا مفاجئا، انما جاءت المفاجأة  من صعود "لي تشانغ  Li Qiang" إلى مرتبة الرجل الثاني في الدولة والحزب. فالأخير، الذي كان إلى وقت قريب زعيما للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي (من أكتوبر 2017 إلى أكتوبر 2022)، وكان قبله زعيما للحزب في جيانكسو (من يونيو 2016 إلى أكتوبر 2017)، وحاكما لإقليم جيجيانغ الريفي شرق الصين (من ديسمبر 2012 إلى يونيو 2016) سيصبح بهذه الصفة رئيسا للحكومة وساعدا ايمن لزعيم البلاد القوي، بل سيؤهله ذلك لقيادة الصين يوما ما (خصوصا وأنه من مواليد العام 1959 أي أنه في الثالثة والستين)، على نحو ما حصل عدة مرات في الصين منذ رحيل المعلم ماو تسي تونغ سنة 1976.

شكل الحدث مفاجأة لكل المراقبين ووسائل الإعلام في الداخل والخارج لأن الجميع فشل في توقع اسم "لي تشانغ" في موقع الرجل الثاني في قيادة الصين، والشخصية البديلة للرفيق"لي كه تشانغ"، رئيس الوزراء المطاح به مع 3 آخرين في مؤتمر الحزب الأخير من ضمن السبعة الذين يشكلون اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، إذ كانت التوفعات السائدة هي أن رئيس الوزراء القادم سيكون "وانغ يانغ"، لكن الأخير كان من بين الأربعة الذين تمّ إقصاؤهم لصالح مجموعة جديدة أصغر سنا. 


لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى صعود "لي تشانغ"؟ أو بعبارة أخرى ما هي العوامل التي ساهمت في اختياره من قبل سيده "شي جينبينغ"؟


الحقيقة أن ولاء الرجل التام لسيده هو أحد هذه العوامل، حيث جرت العادة في الانظمة الشمولية أن يسبق الولاء للقائد اي شيء آخر عند التعيينات العليا. وتشانغ أثبت ولاءه منذ ان كان مساعدا لجينبينغ في إدارة إقليم جيجيانغ وكاتبا لخطبه. غير أن ولاءه هذا تصحبه أيضا مؤهلات علمية وقدرات عملية من تلك التي يحتاجها جينبينغ لتحقيق أحد أحلامه وتطلعاته ذات الصلة بمستقبل الصين والمتمثلة في تحويل البلاد إلى دولة تديرها حكومة رقمية ذكية. فالمعروف على نطاق واسع أن جينبينغ يرى ضرورة أن توكل عملية تحقيق هذا الحلم الى مؤسسات القطاع الخاص بعد أن ثبت لديه بالدليل القاطع ان مثل هذه المهمة لو أعطيت لشركات القطاع العام التابعة للدولة فانها ستقوى نفوذا وسلطة وتزداد فسادا.


وإذا ما أخذنا كل ذلك في الإعتبار، فإن "لي تشانغ" هو الشخص الأنسب والأقدر لتولي المهمة، كونه من المتمرسين في مجال تكنولوجيا الأعمال ومن أشد المؤمنين بأن مستقبل الصين يكمن في الاقتصاد الرقمي، بل يرى أن لا مستقبل للصين إلا بتنمية هذا القطاع وتطويره والانفاق عليه. هذا ناهيك عن أنه صاحب سجل حافل في الابتكار المالي والاقتصادي في منطقة التجارة الحرة بشنغهاي، وكان صوت "جاك ما يون" رجل الأعمال الصيني الناجح ومؤسس "مجموعة علي بابا القابضة" الضخمة العاملة في مجال التجارة الإلكترونية داخل أروقة الحزب الشيوعي الصيني. ومن ناحية أخرى يعتبر الرجل مؤهلا أكاديميا للاضطلاع بمهمته فهو خريج ادارة الاعمال، وحاصل على درجة الماجستير من "جامعة هونغ كونغ بوليتكنيك" التي تعد الجامعة رقم 1 على مستوى آسيا ولا ينافسها إلا المعهد الهندي للتكنولوجيا في بومباي (IITB).


صحيح أن الرجل فشل، بصفته السابقة كزعيم لمدينة شنغهاي، في الحيلولة دون ظهور كوفيد 19 مجددا في هذه المدينة الكبرى، بدليل عودة الوباء اليها فجأة خلال الاشهر القليلة الماضية، ما أحرج القيادة الصينية وأفزع العالم مجددا خصوصا وان بكين كانت على وشك الاحتفال رسميا بانتصارها التام على الوباء (لعل فشله هذا هو ما جعل المراقبين يستبعدون صعوده ولا يتوقعونه). 


لكن الصحيح أيضا هو أن تشانغ برهن عمليا أكثر من مرة على قدرات ادارية فذة خلال شغله منصب سكرتير الحزب الشيوعي في شنغهاي لاسيما لجهة جذب الاستثمارات الخارجية، فمثلا، بالرغم من ظروف الصين الوبائية الحرجة في أوج جائحة كورونا عام 2021، نجح في زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 32 بالمائة، وكان قبل ذلك استطاع أن يقنع الملياردير الأمريكي ألون ماسك صاحب شركة تسلا للمركبات الكهربائية بالقدوم إلى الصين والاستثمار فيها.  ليس هذا فقط بل قام تشانغ بجهود جبارة كي يثبت لماسك أنه استثمر أمواله في المكان الصحيح. ففي خلال عشرة أشهر من توقيع عقد المشروع المشترك مع ماسك لتصنيع الآلاف من السيارات الكهربائية سنويا، كانت استثماراته الصينية قد انتقلت بصورة مدهشة من مرحلة الانشاء إلى مرحلة التشغيل والتفريخ.


ونخالة القول، أن كل المؤشرات تفيد بأن جينبينغ قد وجد ضالته في معاونه القديم تشانغ ليرافقه في تحقيق كل او بعض ما جاء في تقريره الأخير أمام المؤتمر العشرين للحزب الحاكم، وهو تقرير ركز فيه الزعيم الصيني على الابتكار التكنولوجي وتطوير المواهب في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من اجل جعل الصين اقتصادا متفوقا بحلول عام 2035، الأمر الذي يستوجب تحقيق معدلات نمو سنوية تتراوح ما بين 4 إلى 5%.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2022م



الاثنين، 7 نوفمبر 2022

المجلس العالمي لثورة الأرز: ندعو السعودية لتنظيم " الطائف 2" لدعم تنفيذ القرار الدولي 1559 وتثبيت هوية لبنان التعددية


واشنطن في   7 تشرين  الثاني 2022


يشكر المجلس العالمي لثورة الأرز جهود المملكة العربية السعودية لإجراء مؤتمر الأونيسكو الذي جمع كل الأطياف السياسية اللبنانية، ما عدا حزب إيران بالطبع، في محاولة جديدة لبلورة موقف لبناني موحد يدعم عودة التعاون في سبيل الوطن. وهذه المبادرة تأتي بعد إثنين وثلاثين سنة على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب يومها.

كما يطلب المجلس العالمي لثورة الأرز من المملكة صاحبة المبادرات الخيرة السعي لتنظيم مؤتمر حوار جديد وذلك بعد مرور لبنان في كل التجارب المؤلمة التي أفرزها استمرار الاحتلال السوري ومن ثم تواجد السلاح الغير شرعي الذي أسقط المؤسسات وعطل الدولة واستبدل الاحتلال السوري بالإيراني. وهذا المؤتمر (ربما يسمى الطائف 2) يجب أن يصحح مسار السنوات الماضية بالتركيز على ما يلي:


- أولا التأكيد على تنفيذ القرار الدولي 1559 الذي ينهي فعليا تواجد البؤر المسلحة إلى أي جهة انتمت ويمنع تجاوز القوانين واللجوء إلى استعمال القوة ويسقط مفهوم الساحة المفتوحة والمتاجرة بالشعارات التي تستغل لتفتيت التضامن الوطني وتمرير المؤامرات الهدامة وتخريب العلاقات المستقرة بين شعوب المنطقة.

- ثانيا تثبيت هوية لبنان التعددية والتي يعترف بها الواقع ويجب أن تحميها القوانين والدستور وينتهي معها أي شكل من أشكال الصراع المرتكز على محاولات الهيمنة والتهميش.  

- ثالثا التحضير لاستمرار الحوار التاريخي حول مستقبل لبنان وأشكال الحكم فيه، ولكن بعد تحريره من سيطرة السلاح وفوضى التمسك بفرض الراي بالقوة المرتكزة على محاور اقليمة تسعى إلى السيطرة على الجيران والانفلاش التوسعي تحت مختلف العناوين. هذا الحوار يجب أن يسعى إلى اعتماد اصلاحات بالعمق تنهي الصراعات على الهوية وتؤكد على الديمقراطية التي تضمن حقوق الانسان وحقوق المجموعات الحضارية والتي يجب أن يكفلها الدستور.

إن المجلس العالمي لثورة الأرز يؤمن بأن هذه المطالب مقبولة لدى كل اللبنانيين وأصدقاء لبنان في العالم وخاصة دول التحالف العربي وعلى راسها المملكة العربية السعودية التي تضررت كما اللبنانيين من مفهوم الساحة المفتوحة في لبنان والتي تاجر بها جماعة السلاح وأسيادهم النظام الايراني/الملالي لتخريب العلاقات بينه وبين أشقائه وبقية أعضاء المجتمع الدولي بشكل عام.        


الجمعة، 4 نوفمبر 2022

إسرائيل بعد الانتخابات، وصلنا إلى حافة المنزلق الخطر


كتب جواد بولس ـ

أكتب مقالي هذا قبل نشر نتائج الانتخابات الاسرائيلية الرسمية؛ فالصورة العامة التي كشفت عنها صناديق الاقتراع واضحة وهي تؤكّد على أننا سنواجه في الحقبة القريبة القادمة اكتمال تشكيل نمط حكم سياسي جديد مختلف عمّا واجهناه منذ اقامة دولة إسرائيل وحتى أيام الحكومة السابقة.

أعرف أن الكثيرين من أبناء مجتمعي العربي سيعترضون على هذا التوصيف، لأنهم يساوون بين سياسات الحكومات الاسرائيلية السابقة، منذ عهد دافيد بن غوريون حتى عهد حكومة يئير لبيد، تجاه المواطنين العرب وما ستفعله حكومة نتنياهو سموطريتش بن جبير وحلفائهم من الاحزاب الصهيونية والمتدينة. لقد عاملت جميع حكومات اسرائيل المتعاقبة  مواطني الدولة العرب بعنصرية ممنهجة سافرة وأحيانًا بقمع دموي قد أسقط، في بعض محطات المواجهة الساخنة، الضحايا العرب مثل ما حصل في مواجهات يوم الارض عام 1976 ومواجهات أكتوبر عام 2000 وفي حالات اعتداء فردية كثيرة.

من الصعب طبعًا اقناع العديدين من شرائح المجتمع العربي بوجود فوارق خطيرة بين نظام الحكم العنصري الذي اقرت "ديمقراطية" قادته العرجاء، بعد فشلهم بتهجير ابائنا إبان النكبة، بضرورة معاملة المواطنين العرب بمساواة منقوصة، في حين كانوا يمارسون ضدنا سياساتهم العنصرية بشتى الأساليب والذرائع، وبين نظام "كامل الفاشية" سوف يتعاطى ويتصرف معنا حتمًا وفق مفاهيم تقضي بضرورة تلقيننا، نحن المخربين حسب قاموسهم،  خلاصات قناعاتهم، "القومودينية"، ومفادها انهم  "أصحاب هذا البيت وسادة هذه الأرض"، ولن يقبلوا معهم في هذه المساحة شريكًا ولا نزيلا.       


لقد أخفق جميع قادة الاحزاب العربية ومؤسساتنا القيادية الأساسية، اللجنة العليا لمتابعة شؤون المواطنين العرب واللجنة القطرية للرؤساء، ومعهما معظم مؤسسات المجتمع المدني، بتذويت الفوارق بين الحالتين وبتعبئة المواطنين وبتنظيمهم استعدادًا لمواجهة لحظة الحسم، وذلك كما تجلّت مواقف الجميع ازاءها قبل وخلال المعركة الانتخابية. 

لقد آثرت أن أكتب مجددًا عن مخاطر ما أفضت اليه نتائج الانتخابات، وأبتعد متعمّدًا، على الاقل في هذه المرحلة، عن معالجة تداعياتها وتحليل نتائجها المقلقة؛ فكثيرون سيشرعون باستلال اقلامهم واغراقنا بهذه التحاليل ولا حاجة لمزيد، ولقناعتي بعدم وجود جدوى من اي انتقاد لاصحاب المواقف ولكيف مارسوها قبل وفي يوم الانتخابات، ولأن ما يهمني اليوم هو كيف سنواجه ما ستفضي اليه هذه النتيجة في اليوم التالي لاقامة حكومة نتنياهو المتوقعة.

قد يراهن البعض على أن الحكومة القادمة، مهما كانت يمينية قومية متدينة ومتطرفة، لن تجرؤ على القيام بما لم تجرؤ عليه سابقاتها. لا أعرف من اين يجيء هؤلاء بهذه القناعة، خاصة بعد أن سمعنا وعود عشرات النواب، من معظم احزاب الإئتلاف المرتقب، لناخبيهم وتعهداتهم بتطبيق مواقفهم الفاشية تجاه الفلسطينيين بشكل عام وتجاهنا، نحن المواطنين العرب، على وجه التحديد؛ وسمعنهاهم أيضًا يجاهرون بمخططاتهم لاستكمال عناصر احكام سلطتهم على جميع مرافق الدولة وتمكينهم، كحكومة ووزراء، من تجسيد عقائدهم "القومودينية" لتأكيد فوقية الشعب اليهودي وتسيّده على أرض اسرائيل ومن يسكنها من الاغيار، من دون منازع وكما وعدهم ربّهم.

سيكون "قانون القومية" مجرد متكأ لما يخططون له، فمنه سينطلقون للاستيلاء الكامل على المحكمة العليا الاسرائيلية، وذلك من خلال تغيير قانون انتخاب قضاتها وتفويض الحكومة بتعيينهم، أو على الاقل، بضمان أكثرية حكومية في لجنة التعيينات؛ كما وسيبادرون مباشرة إلى سن قانون يخول الكنيست سلطة الغاء قرارات المحكمة العليا، عندما تتدخل هذه المحكمة وتلغي قانونًا لا يتماشى مع مباديء الديموقراطية والمساواة وغيرها. هكذا صرّح قبل يومين، عضو الكنيست عن الليكود ميكي زوهر،  عندما سئل عن نشاطه الاول في الحكومة المقبلة، وأضاف أنهم سيشرّعون في اليوم الأول قانونًا "يحظر على العرب في  إسرائيل رفع العلم الفلسطيني وسحب جنسية كل مواطن يرفعه". لن يكفي مقال لجرد قائمة ما ينوون تنفيذه بعد استلام الحكومة؛ فالنائبة ميري ريغف مثلًا ستبدأ بتنظيف الوزارات من طبقة الموظفين المهنيين، التكنوقراط، لان هؤلاء الموظفين يعرقلون تنفيذ قرارت الحكومة في أحيان كثيرة ويتوجب التخلص منهم. بينما اعلن سموطريتش انه اذا اصبح وزيرًا للجيش فسيدفع بوحداته النظامية الى شوارع المدن المختلطة لتضمن تلك القوات احقاق النظام والأمن هناك. وفي المقابل صرح زميله في القائمة ايتمار بن جفير الذي يطالب بحقيبة الامن الداخلي على انه سيبدأ مباشرة بتغيير تعليمات اطلاق النار "فلن تلقى،بعد اليوم، الحجارة والصخور على عناصر الشرطة دون ان نأذن لهم باطلاق النار. سنمنح حصانة شخصية لكل شرطي، وفي كل حدث وحادث يحصل على خلفية قومية ستمنح الجنود وللشرطة حرية العمل" . لن أسهب حول كيف يفكر هؤلاء تجاه العرب/المخربين وممثليهم في الكنيست ففكرة تهجيرنا / الترانسفير لم تعد مجرد هواجس صهيونية كما كانت في السنوات الخوالي بل اصبحت خطة ناجزة تنتظر فرصة مؤاتية لتنفيذها في ظل الحكومة القادمة. 


من الواضح أن عناصر النظام القادم تعمل على تطوير منظومة أدوات متكاملة  لادارة الحكم ولتثبيته وفقًا لمفاهيمها ولأهدافها، ولملاحقة جميع "اعداء الدولة والنظام" ومعاقبتهم، بدءًا من عامة الناس ومرورًا بطلاب الجامعات والموظفين، وحتى الأطباء والمحامين والمحاضرين في الجامعات. فهناك من سيراقب سلوك الجميع اليومي ونشاطاتهم المرئية والفيسبوكية وغيرها؛ وما مارسته حكومات نتنياهو سابقًا سيظهر كتدريبات تمهيدية على ملاحقات عرقية ستطال جميع شرائح مجتمعنا بدون تمييز وحساب.

نقلت مواقع الاخبار قبل أيام معدودة عن رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست النائب عن حزب يش عتيد ، بن براك تصريحًا مفاده إنه على قناعة "ان عودة رئيس المعارضة (يقصد نتنياهو) للسلطة مع حزب " الصهيونية المتدينة" ستكون بداية النهاية فهذا تحالف خطير" ؛ وبعد تأكيده على وجود الاختلاف والفارق بين الحالتين أضاف مؤكدًا على أن  "هتلر اعتلى سدة الحكم بصورة ديمقراطية ، فبناء الديمقراطية يتم خلال سنوات ولكن من السهل هدمها". ورغم تأكيده على وجود اختلاف فقد اثارت اقواله عاصفة داخل اسرائيل على جميع الصعد. ألنا في هذا التصريح عبرة؟

يؤسفني أن الصراعات والملاسنات بين قادة ونشطاء داخل الاحزاب العربية ما زالت مستعرة؛ وذلك بدل أن يقوموا بمراجعة تبعات الهزيمة التي تحققت، وهي هزيمة حتى لو اعتبرها البعض نصرًا، واعلامنا ماذا سيفعل كل "تيار" منهم في مواجهة خطر الفاشية الداهمة. فأنا لا اعتقد ،كما كتبت في الماضي، أنهم يملكون رؤية واضحة من الممكن تحويلها الى خطة عمل مؤثرة وناجعة وتتعدى شعاراتهم الهوياتية الحزبية وحسب.

أعرف أن زرع الأمل في نفوس الناس هو المقدمة الأولى لصمودهم ولثباتهم وأنا طبعًا أوافق على ذلك؛ بيد ان الأمل مهما دثّرناه بالعواطف الصادقة، لن يكفي لصد قطعان الفاشيين الذين تتأهب كتائبهم لاختلاق الذريعة والانقضاض على مواقعنا. قد تكون المدن المختلطة، كما صرّحوا، هي اول المعاقل المهاجمة في المستقبل القريب، واذا حصل ذلك سيتصدى لهم اهل المدن وسيدافعون عن "البيت والعرض" ببسالة طبعًا. ولكن لن يضير القادة اذا تذكروا اليوم ما قاله "لاعب النرد" وفكّروا بالجنود الذين سيدفعون أرواحهم أثمانًا من دون ان يعرفوا من المهزوم ومن انتصر .