الثلاثاء، 25 أبريل 2023

ماليزيا ومعضلة التعاون مع القطب الآسيوي الأكبر

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

بعد أن عاد إلى بلاده من زيارته الرسمية الأولى إلى بكين منذ وصوله إلى السلطة في كوالالمبور في نوفمبر 2022، وهو منتشي بحصوله على تعهدات استثمارية من العملاق الصيني بقيمة 39 مليار دولار، قوبل رئيس الحكومة الماليزية أنور إبراهيم باحتجاجات لاذعة واتهم من قبل سلفه رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالي محيي الدين ياسين بأنه فرط في سيادة الوطن ومصالحه مقابل حفنة من الاستثمارات، في إشارة إلى عدم إثارة إبراهيم لقضية الجزر والمياه المتنازع عليها خلال محادثاته في بكين، وقيامه بدلا من ذلك بكيل المديح لنظيره الصيني "شي جينبينغ" ووصف الأخير بـ "صاحب الرؤية الذي أعطى بصيصا من الأمل للعالم والبشرية"، بل واقتراح فكرة التنقيب المشترك عن الطاقة في المياه محل النزاع.

وسرعان ما جاء الرد من إبراهيم ومعسكره بالقول أن تصريحات رئيس الوزراء أسيء تفسيرها وأن المعارضة تستغل قضية جيوسياسية معقدة من أجل تسجيل النقاط  ليس إلا.

والحقيقة ان التجاذبات السياسية الداخلية في ماليزيا جعلت قضية العلاقة مع بكين تتصدر النقاشات والمماحكات اليومية، واتخذت من النزاعات البحرية معها موضوعا رئيسيا. 

والمعروف أن ماليزيا كانت من أوائل الدول الاقليمية التي طبعت علاقاتها مع الصين الشيوعية زمن مؤسسها ماو تسي تونغ، ثم راحت تتصرف بواقعية حيال نزاعاتها البحرية مع بكين مستخدمة الدبلوماسية الهادئة ورافضة التصعيد، ما جعل شريكاتها في رابط آسيان، من تلك التي لها نفس النزاعات السيادية مع بكين، تصفها بوكيلة الصين ومحاميتها في الرابطة، خصوصا في ظل تبني الحكومة الماليزية آنذاك مواقف رافضة للتحالفات العسكرية الغربية في المنطقة.

وإذا ما تفحصنا العلاقات الماليزية الصينية قبل وصول ابراهيم إلى سدة الزعامة، نجد أن كل أسلافه ممن اختلف معهم وناصبهم العداء انتهجوا سياسات مهادنة مع الصين، بل سعوا إلى كسب ود بكين لأسباب اقتصادية وتجارية واستثمارية، إلى درجة أنهم تبنوا موقفا متناغما مع موقف بكين حيال المشروع الاسترالي البريطاني الامريكي لتزويد كانبرا بغواصات تعمل بالطاقة النووية (صفقة AUKUS).

فعلى سبيل المثال سجلت التجارة البينية بين البلدين على مدى السنوات الـ 14 الماضية ارتفاعات متتالية حتى بلغت قيمتها نحو 203 مليار دولار في العام الماضي، وفي ظل الإدارة المضطربة للزعيم الماليزي الأسبق نجيب رزاق بلغت الشراكة الإستراتيجية بين البلدين ذروتها، خصوصا مع ترحيب حكومة رزاق بمبادرة الحزام والطريق الصينية وانخراطها فيها بحماس. وبعد عودة مهاتير محمد إلى السلطة في عام 2018 خلفا لرزاق تعرضت تلك الشراكة لإنتكاسة مؤقتة، بسبب مواقف مهاتير الشعبوية المنتقدة لمبادرة الحزام والطريق، لكنها سرعان ما عادت إلى صلابتها بعد أن حصل الزعيم الماليزي العجوز على تطمينات وتنازلات صينية خلال زيارة قام بها إلى بكين.

وهكذا يمكن القول أن إبراهيم لم يخرج عن النهج الذي سار عليه أسلافه حيال التعامل مع العملاق الصيني، وحق له أن يتفاخر بأنه تمكن من الحصول على استثمارات صينية مضمونة أعلى بكثير مما حصل عليه زعماء البلاد السابقين، وإنْ صاحب انجازه هذا أقاويل واتهامات من قبيل أنه يسعى من وراء تقربه من الصين إلى محو الإنطباع الذي خلقه غريمه مهاتير في أذهان قطاع من الماليزيين  بأنه سياسي موال للغرب.

مما لا شك فيه أن ابراهيم يسعى جاهدا إلى اخراج بلاده من تراجعاتها الاقتصادية والمعيشية خلال السنوات القليلة الماضية، التي تسبب فيها عدم استقرار منظومة الحكم وتداعيات جائحة كورونا، وذلك بالاعتماد على دعم العملاق الصيني. وهو في سعيه هذا يحاول أن يخلد إسمه في تاريخ بلاده كزعيم كفوء وصاحب رؤية من بعد سنوات من الاعتقال والمهانة والتهم الكيدية. لكن محاولته هذه تصطدم بوجود نزعة قومية، لاسيما في صفوف ناخبيه من ذوي العرق الملايوي، رافضة لتقديم أي تنازلات للصينيين حول المياه والجزر المتنازع عليها، ومطالبة بأن تواصل حكومة ابراهيم مساعي سابقة لانتزاع حقوق البلاد السيادية على نحو ما تفعله الفلبين وفيتنام. فما هي تلك المساعي؟

يذكر أن ماليزيا قدمت في أواخر 2019 طلبا إلى لجنة الأمم المتحدة للجرف القاري تطعن فيه بمطالبات بكين بالأجزاء الجنوبية من بحر الصين الجنوبي، بل وصف وزير خارجيتها آنذاك سيف الدين عبدالله المطالب الصينية بأنها بلا سند قانوني، وذهب إلى حد التهديد باللجوء إلى محكمة العدل الدولية على غرار ما فعلته الفلبين.

وبعد اشهر من ذلك قامت ماليزيا بأنشطة استكشاف بترولية أحادية في المياه المتنازع عليها من خلال شركة بتروناس المملوكة للدولة، متحدية الصين ومسترشدة بما فعلته فيتنام.

وفي عام 2020 قدمت حكومة رئيس الوزراء السابق إسماعيل صبري يعقوب مذكرة احتجاج للسفير الصيني في كوالالمبور على وجود أنشطة صينية بحرية قبالة سواحلها في ولايتي صباح وسراواك، متهمة بكين بانتهاك اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وفي العام نفسه اتهمت ماليزيا سلاح الجو الصيني بانتهاك مجالها الجوي، معلنة أن علاقاتها الودية مع الصين لا تعني التفريط بسيادة البلاد وامنها القومي. وكنتيجة لهذه التوترات، قررت ماليزيا في عام 2021 الانضمام إلى عملية التعاون والتدريب في جنوب شرق آسيا (SEACAT) بقيادة واشنطن، ثم قامت بمناورات جوية مشتركة مع الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي. ومن هنا فإن تودد ابراهيم للصين واقتراحه عملية تنقيب مشتركة في مياه يعتبرها الماليزيون حقا لهم، وضع الرجل في فوهة المدفع.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2023م


السبت، 22 أبريل 2023

هل يفجر نتنياهو حرباً محدودة لإنقاذ مستقبليه السياسي والشخصي؟


بقلم :- راسم عبيدات

من بعد معركة العشر ساعات التي جرت في الخامس من هذا الشهر،والتي انطلقت فيها الصواريخ من جهات متعدة ،من جنوب لبنان وسوريا وقطاع غزة،والتي أتت في إطار وسياق الرد من قبل محور القدس على ما قامت به دولة الكيان من إستهداف للمسجد الأقصى سواء بالقمع الوحشي للمرابطين والمعتكفين في المسجد أو الإصرار على إستمرار الإقتحامات له في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك من قبل الجماعات المتطرفة،وسعي تلك الجماعات من ما يعرف بأمناء الهيكل والعودة الى المعبد وكل الجماعات المتفرعة عنها ،نساء من اجل الهكيل وطلاب من اجل الهيكل،لإدخال ما يعرف بقرابين الفصح الحيوانية الى ساحات المسجد الأقصى وذبحها فيها ونثر دمها على مسجد قبة الصخرة،المكان المنوي إقامة ما يسمى بالهيكل الثالث مكانه،وقد رصدت تلك الجماعات جوائز مالية وصلت الى 20 الف شيكل لكل من ينجح بإدخال قربان حيواني وذبحه في الأٌقصى،كطقس اخير لما يعرف بإحياء الهيكل المعنوي.

الرد من محور القدس ب"وحدة النار" وتفعيل ميادين ساحات المحور،وإرتقاء مسارات التنسيق بينها للوصول بمعادلة " العبث بالأقصى يوازي حرباً إقليمية"،قالت بشكل واضح بكسر هيبة دولة الكيان،والتي جرى كسرها اكثر من مرة،وأثبتت تلك المعركة بأن رئيس وزراء دولة الكيان نتنياهو،والذي مأزقه العميق جزء من ازمة دولة الكيان، كان ملجوماً ومردوعاً،وبغض النظر عن عوامل وأسباب اللجم والردع،داخلية أزمة سياسية،أم ضغوط خارجية،أم عسكرية امنية مرتبطة بأجهزة امن الكيان.

نتنياهو الذي طالما تبجح بقوة ردع الكيان،وبالرد القاسي على أي عمل م ق ا و م،وجدنا انه حاول الهروب وتجنب رد من شأنه أن يفتح عليه بوابات جهنم ويورطه في حرب على عدة جبهات،ولذلك جاء الرد باهتاً ومحدوداً،سواء على الصواريخ التي أطلقت من لبنان او سوريا او قطاع غزة،وكان رداً مقيداً ومؤطراً،وبدلاً من ان يكون رداً يستعيد فيه نتنياهو قوة الردع،ويمنع تقيد خياراته وردوده مستقبلاً،وجدنا بأن قوة ردع الكيان أصابها المزيد من التأكل.

دولة الكيان بسبب صمود المرابطين والمعتكفين في الأقصى،والتدخل من قبل محور القدس عبر رسائل بالنار ووحدة الرد،وجدت نفسها مضطرة لكي تتخذ قراراً ولأول مرة ،ليس من خلال رئيس وزراء الكيان ووزير شرطته،بل هذا القرار احتاج الى موافقة المؤسستين الأمنية والعسكرية،بمنع الجماعات المتطرفة من مواصلة إقتحاماتها للأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان،الأمر الذي أثار غضب الفاشي بن غفير،الذي رفض هذا القرار،وقال بأنه سيزيد من التصعيد،ويضعف سيطرة شرطة الكيان على الأوضاع في المسجد الأقصى.

أزمات نتنياهو الداخلية السياسية والشخصية والضغوط التي تمارس عليه داخلياً من المعارضة ومن حلفائه من الفاشية اليهودية وخارجياً،تلك الأزمات التي فجرتها ما يعرف بالتعديلات التشريعية والقضائية،والتي أراد نتنياهو من خلالها ،أن يحصن نفسه،بالسيطرة على منظومة القضاء،واضعاف ما يعرف بسلطة محكمة العدل العليا،بتحرير الكنيست والحكومة من الرقابة القضائية،ولكن الإحتجاجات المجتمعية الواسعة التي قادتها المعارضة ضد تلك السياسة التي قادها نتنياهو ووزير قضائه "ياريف ليفين"،والمستمرة منذ ستة عشر أسبوعاً،رغم تجميد نتنياهو لقرار التعديلات للتشريعات ،هذه الإحتجاجات التي شارك فيها مئات الآلاف من الإسرائيليين،لم تقتصر على فئة او قطاع معين،بل شملت قوى سياسية ونقابات عمالية وقطاعات المال والمصارف ونقابات مهنية وما عرفت بقوى مقاومة الديكتاتورية،ولتمتد الى المؤسستين الأمنية والعسكرية،ولتلقي الإحتجاجات بظلالها وتداعياتها على جيش الكيان واستعداده وجهوزيته،وعلى ضمور النمو الإقتصادي وتراجع الإقتصاد،وأيضاً على التصنيف الإئتماني لإقتصاد دولة الكيان،وهروب رؤوس المال وشركات الإستثمار ،وزيادة الهجرة الطاردة من دولة الكيان للخارج.

نتنياهو يدرك تماماً بأن الأزمات التي يشهدها كيانه،اعمق واشمل من قضية تعديل التشريعات القضائية، والتي قد تدفع به الى القيام بعمل عسكري للخروج من هذا المأزق،من المرجح ان تكون غزة ساحة هذا التصعيد العسكري...ولكن هذا التصعيد والعدوان على قطاع غزة سواء عبر تنفيذ عمليات اغتيال او شن حرب محدودة ،هل سيخرج نتنياهو من ازمته ويمنع انضمام جبهات اخرى الى المجابهة،وخاصة بأن وزير جيش الكيان " يؤاف غالانت" صرح يوم الخميس 14/4/2023بشكل واضح ب"نهاية حقبة المواجهات المحدودة"، ويشير إلى "وجوب الاستعداد للحرب في كل القطاعات وفي آن واحد، وأوضح غالانت، بحسب الإعلام الإسرائيلي، أنّ على جيش الاحتلال الاستعداد لـ"حرب متعددة الساحات، يكون فيها تهديد أمني حقيقي ممكناً في جميع القطاعات، وفي الوقت نفسه".

وأضاف أنّ "هذه نهاية حقبة المواجهات المحدودة"، قائلاً إنّ "العمل كان، طوال أعوام، على افتراض إمكان قيام مواجهات محدودة، لكن هذه ظاهرة آخذة في الاختفاء. اليوم، هناك ظاهرة بارزة، وهي اندماج الساحات.

وهل سيتمكن نتنياهو من استعادة قوة الردع وتوحيد الجبهة الداخلية لدولة الكيان خلفه هروباً من قضية التعديلات التشريعية ...أم سيجد الكيان نفسه امام المزيد من تآكل قوة الردع وان تبتلع غزة نتنياهو ويخسر مستقبليه السياسي والشخصي..؟؟ ...اسئلة ستجيب عليها التطورات مع نهاية شهر رمضان وانتهاء اعياد دولة الكيان "الهولوكست" المحرقة و"الإستقلال" يوم نكبة شعبنا وذكرى ما يعرف ب" توحيد" القدس ،استكمال احتلال القسم الشرقي منها.

الأربعاء، 19 أبريل 2023

الرد الياباني على التفوق الجوي الصيني


 

بقلم: د. عبدالله المدني

مما لا جدال فيه أن الطائرات المسيرة صارت اليوم من أنجع الوسائل وأرخصها لإعتراض المناورات الجوية للعدو وتحرشاته وغاراته. فهي بالمقارنة مع استخدام مقاتلات الإعتراض التقليدية المأهولة ليست أسهل لجهة اقتنائها، وليس أرخص لجهة الثمن فقط، وإنما هي فوق ذلك دون تكلفة بشرية، ولا تحتاج لسنوات طويلة من تدريب الطيارين على استخداماتها العسكرية.

لا أدعي أني متخصص في الشؤون العسكرية، لكني إطلعت مؤخرا على العديد من التقارير والدراسات التي تجمع على أن اليابان قد عقدت العزم على الاستعانة بالطائرات المسيرة للتصدي لعمليات انتهاك مجالها الجوي من قبل المقاتلات الصينية، وهي عمليات زادت وتيرتها مؤخرا وتشهد تصاعدا ملحوظا على خلفية تأزم علاقات الصين بالولايات المتحدة التي تعد اليابان حليفة رئيسية لها في منطقة شمال شرق آسيا. 

من هذه التقارير تقرير صحيفة نيكي اليابانية واسعة الانتشار التي قالت أن قوات الدفاع الذاتي اليابانية تفكر جديا في استخدام طائرات بدون طيار بدلا من المقاتلات المأهولة لاعتراض المقاتلات الاجنبية التي تتسلل إلى المجال الجوي للبلاد وتهدد أمنها وسيادتها، مضيفة أن اليابان ستبدأ العام الجاري اختبارات لإستخدام المسيرات في مطاردة السفن الحربية المعادية، وفي حال نجاحها فإنها ستستخدمها لإعتراض المقاتلات المتسللة، خصوصا وأنها أرخص أربعين مرة من استخدام الطائرات الحربية المأهولة. ولم ينس التقرير أن يستدرك ويقول أن اللجوء إلى المقاتلات المأهولة سيكون خيارا لا بد منه في حالات قيام العدو بهجوم جوي كبير.

ومن التقارير الأخرى ذات الصلة تقرير كوسوكي   Kodukeالذي أشار إلى أن اليابان مضطرة إلى الاعتماد المكثف على المسيرات لأن عملية الإرتقاء بمقاتلاتها الأمريكية الصنع من نوع F-15J (عددها 98 طائرة) تحتاج إلى انفاق أموال طائلة في وقت يبلغ فيه الدين الحكومي نحو 266 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. 

أما مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) فكان قد نشر سابقا ما يفيد أن لجوء طوكيو إلى خيار المسيرات أمر فرضه قرب تقاعد أسطول اليابان من طائرات (F- 2) والبالغ عددها 94 طائرة، وفرضه أيضا تحديات وصعوبات فيما يتعلق بإستخدام 147 طائرة من طراز (F- 35)  حصلت عليها من الولايات المتحدة كونها ليست مقاتلة تفوق جوي وانما طائرة قتالية للأغراض العامة. هذا ناهيك عن أمر آخر هو امتناع واشنطون عن تزويد اليابان أو أي دولة أخرى بمقاتلات من طراز (F- 22)  الأكثر قدرة على مواجهة المقاتلات الصينية مثل: (J- 20)، (J- 11)، و(Su- 35). والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة، طبقا لصحيفة آسيا تايمز الصادرة في هونغ كونغ، لم تصدر مطلقا مقاتلات من هذا النوع خشية وقوع تكنولوجياتها الحساسة ذات الصلة بالتخفي في أيدي أعدائها، بل توقفت عن انتاجها منذ عام 2011 بعد أن صنعت 187 منها بسبب تكلفتها العالية.

ويبدو أن الحظر الأمريكي على تصدير (F- 22) قد شجع اليابان على تطوير مقاتلات محلية الصنع بفضل ما تمتلكه من تكنولوجيا وعلماء، بدليل أنها انتجت عام 2005 ما يعرف بطائرة الشبح اليابانية (Mitsubishi F-3) ، ثم طورت المقاتلة (Mitsubishi X-2) التي تتميز بتقنيات متقدمة لجهة التوجيه والدفع ثلاثي الأبعاد للإنعطاف السريع والمزودة برادار مسح إلكتروني متطور. كما أن الحظر ــ طبقا لما ذكرته أكثر من صحيفة يابانية وآسيوية ــ شجع اليابان على الدخول في شراكة مع كل من بريطانيا وإيطاليا لبناء مقاتلات من الجيل السادس قادرة على التصدي بنجاح لمقاتلات الجيل الخامس في الترسانتين العسكريتين الصينية والروسية. لكن هناك ثمة مشكلة في الجدول الزمني، حيث لا يتوقع البدء بانتاج مقاتلات الجيل السادس إلا في عام 2031، ولا يتوقع دخولها الخدمة قبل عام 2035، وحينذاك قد تكون البيئة الاستراتيجية في المنطقة قد تغيرت، وقد تكون القدرات العسكرية الصينية قد تجاوزت كل الفرضيات.

وبالعودة إلى موضوع خطط اليابان لإستخدام المسيرات، تطرقت مجلة (Breaking Defense) الإلكترونية المتخصصة في الاستراتيجيات والسياسات والتكنولوجيات الدفاعية إلى عائق هام قد يحد من تلك الخطط وهو أن المسيرات تحتاج إلى الكثير من الأشخاص للعمل (مثلا طائرة هليوكبتر من طراز أباشي تحتاج إلى 30 فردا، بينما طائرة بلا طيار من نوع (Grey Eagle)  يتطلب تشغيلها 135 فردا). وهذا، بطبيعة الحال، لا يناسب جيش الدفاع الياباني الذي يواجه مشاكل في ترغيب اليابانيين للإلتحاق به، خصوصا في ظل تركيبة سكانية تقل فيها نسبة الشباب وترتفع بها نسبة المسنين، ناهيك عن تجذر التقاليد السلمية الكارهة للحروب منذ هزيمة البلاد في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي عدم حماس المواطنين للإنخراط في الجيش أو في الوظائف العسكرية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2023م


الثلاثاء، 11 أبريل 2023

عودة دواعش أفغانستان إلى الواجهة

 


 بقلم: د. عبدالله المدني*

يوما بعد يوم تتكشف أبعاد الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الإدارة الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان بطريقة فوضوية في أغسطس 2021. نقول هذا لأن الأسابيع القليلة الماضية شهدت من الأحداث الدموية والإرهابية في هذا البلد الفقير الممزق ما يؤكد أمرين أولهما أن حركة طالبان التي استولت على السلطة بمجرد مغادرة القوات الأمريكية أراضي أفغانستان غير قادرة على إدارة البلاد وضبط أمورها كما يجب. وثانيهما هو قيام الجماعات إلإرهابية المنافسة باستغلال هذا الضعف الطالباني في البروز مجددا لتحقيق مآربها وأحلامها الطوباوية، وفي مقدمة هذه الجماعات تنظيم داعش الإرهابي الذي ينشط من خلال فرعه الأفغاني المعروف باسم "الدولة الإسلامية ــ خراسان".

لقد اعتقد البعض وعلى رأسهم الأمريكان ان طالبان ستفي بتعهداتها التي وقعت عليها في الدوحة مع واشنطن حول عدم السماح لأي تنظيم إرهابي بالعمل انظلاقا من أفغانستان، لكن الشواهد تؤكد اليوم أن نظام طالبان عاجز عن الوفاء بتلك التعهدات، بدليل أن الدواعش الأفغان يزدادون قوة وجرأة في عملياتهم المتواصلة لضرب استقرار أفغانستان تمهيدا على ما يبدو لإنتزاعها من أيدي حركة طالبان والحلول مكانها، ومن ثم تحويلها إلى معقل لهم شبيه بمعقلهم الإرهابي السابق في العراق وبلاد الشام، مستغلين في ذلك الأزمات الإنسانية والاقتصادية والمعيشية والأمنية والتوترات العرقية والخلافات الداخلية في البلاد.

في السابق، ومنذ 2015، كانوا يتمركزون في إقاليم "ننغارهار" و"كونار" و"نورستان" قرب الحدود الباكستانية، وكانت هجماتهم تتركز في شرق أفغانستان، لكنهم، بعد مجيء طالبان ومغادرة القوات الأمريكية، صاروا أكثر قدرة على الحركة لتنفيذ عملياتهم الإرهابية، بل قدموا أنفسهم كحماة لبعض الأقليات العرقية المتضررة من هيمنة العرقية البشتونية الطالبانية، ما ساهم في انضمام الكثيرين من أبناء الأقليات إليهم، وبالتالي اتساع مناطق عملياتهم حتى وصلت إلى العاصمة كابول. ويكفينا تأكيدا لما نقول أن السنة الماضية شهدت كابول وغيرها من المدن الخاضعة لسلطة طالبان استهداف الدواعش لحباة قادة رفيعي المستوى في صفوف طالبان مثل رحيم الله حقاني واستهدافهم لحي شعبي في كابول تقطنه أقلية الهزارة الشيعية (يشكلون نحو 15% من الأفغان)، ثم استخدموا تقنيات التفجير وزرع الألغام والعمليات الانتحارية لقتل المزيد من رموز حركة طالبان فقتلوا رئيس مخابراتها، وتخلصوا من أحد زعمائها المحليين في "بدخشان"، ومن حاكم ولاية بلخ السابق، وفجروا مدرسة دينية شيعية بمنطقة "ندى علي"، ومسجد أبوبكر الصديق، ناهيك عن إعتداءاتهم على الأضرحة الصوفية والمساجد الملحقة بها. بعدها وجه الدواعش عملياتهم صوب المقار الدبلوماسية مثل السفارة الروسية وأبراج الكهرباء بولاية سامنجان ومشروعات البنية الحيوية والحشود البشرية في الأماكن العامة أينما كانت.

كانت تلك مجرد أمثلة بسيطة لحصيلة جرائمهم خلال العام المنصرم. اما خلال العام الجاري، وتحديدا في الأسابيع الأخيرة هزت موجة جديدة من محاولات الإغتيال ضد رموز طالبان مناطق متعددة من البلاد، مما أثار مخاوف من احتمال قيام الدواعش بمهاجمة أهداف خارج أفغانستان قريبا ومن ضمنها المصالح الأمريكية والغربية (أكد الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة المركزية الأمريكية في 16 مارس أن ذلك متوقع خلال 6 أشهر). ففي 9 مارس 2023 أعلن تنظيم خراسان مسؤوليته عن مقتل محمد داوود مزمل الحاكم الطالباني لولاية بلخ مع اثنين آخرين، وقبله بيوم قتل رجال التنظيم رئيبس إمدادات المياه في إقليم هرات. وفي 15 مارس قام التنظيم بهجوم فاشل على حاكم إقليم ننغرهار.

ويبدو واضحا أن الدواعش الأفغان يستهدفون من وراء بعض عملياتهم (مثل مهاجمة السفارتين الروسية والباكستانية في كابول، والهجوم على فندق في العاصمة معروف بتردد الصينيين عليه وتهديد السفارات الصينية والهندية والإيرانية والتركية) تقويض أي علاقة قد تنشأ بين طالبان وهذه الدول، واظهار حركة طالبان كسلطة عاجزة عن توفير الأمن في البلاد لمنع نيلها الإعتراف من المجتمع الدولي، والحيلولة دون حصولها على دعم من بعض الحكومات الأجنبية. 

أما عمليات الإغتيال والتفجير فهدفها رفع الروح المعنوية بين أنصارها وتعزيز التجنيد ومنع الانشقاقات المحتملة من جهة، ومن جهة أخرى إثبات فاعليتها وقدرتها على النيل من الأعداء، طلبا لدعم مستمر أكبر من الجهات والتنظيمات المستفيدة من عملياتها وأفكارها الشيطانية.

على أن بعض الخبراء يرى أن ايغال الدواعش في عنفهم ضد طالبان، سيؤدي إلى تغيير مواقف بعض الدول المترددة في دعم النظام الطالباني والاعتراف به، ولاسيما تلك التي تأخذ على قادته فكرهم المتشدد، وذلك على قاعدة إختيار أهون الشرين، ومن منطلق أن داعش يشكل تهديدا أخطر للأمن الإقليمي من طالبان. وفي هذا السياق لوحظت بوادر استعداد غير رسمية للتعاون بين حكومة كابول الطالبانية وبعض الدول مثل باكستان والهند والصين وإيران، ناهيك عن روسيا التي أعرب حكومتها في وقت سابق عن قلقها من تواجد أكثر من 6000 مقاتل داعشي في أفغانستان، وهو ما نفته طالبان في حينه، قائلة أن تواجدهم ضئيل ومتركز في جيوب صغيرة نائية.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ابريل 2023م




الاثنين، 3 أبريل 2023

إحياء ذكرى ارتقاء سلطان الأطرش وكمال جنبلاط في بيت جن: الانتماء العروبيّ للعرب الدروز هو الطريق




أحيت الحركة الوطنيّة للتواصل (اللجنة المعروفيّة للتواصل وميثاق المعروفيّين الأحرار) بالاشتراك مع حركة أبناء الزابود – بيت جن أواخر آذار الفائت، ذكرى ارتقاء سلطان الأطرش قائد الثورة العربيّة السوريّة الكبرى، وارتقاء كمال جنبلاط رئيس الجبهة الوطنيّة اللبنانيّة – الفلسطينيّة، واللتين تصادفان في شهر آذار من كلّ سنة. وذلك بندوة شارك فيها العشرات من القرية والقرى المجاورة، في المقرّ المشترك للحركة وأبناء الزابود: "ملتقى كمال جنبلاط الفكري".

افتتح الندوة رئيس حركة أبناء الزابود الأخ خالد خلد بتحيّة قصيرة تلاه الكاتب جمال قبلان بخاطرتين عن الزعيمين. ثمّ كانت المداخلة الرئيسيّة لبروفيسور أمل جمّال أستاذ ومدير في قسم العلوم السياسيّة في جامعة تل أبيب ليقدّم محاضرة عميقة شاملة حملت العنوان: "دمج المشروع الفلسفي بأنموذج القيادة الأخلاقيّة"، استعرض خلالها وعلى مدى قرابة الساعة فلسفة وفكر كمال جنبلاط والقيادة الأخلاقيّة، مشيرًا إلى طرح جنبلاط عن مركزيّة الانتماء العروبيّ للعرب الدروز وتجذيره.

وتخلّل الندوة لقاء مفتوح عبر "الزوم" مع رئيس الحزب التقدميّ الاشتراكي الأستاذ وليد جنبلاط قدّم فيه كلمة في المناسبة وبيانًا ركّز فيه على الأوضاع اللبنانيّة وأهميّة تعزيز التواصل وعلى أسس عروبيّة. وقد طرح عليه الحضور أسئلة ثاقبة في كلّ المجالات ساهم فيها كلّ من؛ الشيخ يوسف سويد، والبروفيسور أمل جمّال، والكاتب الإعلاميّ فهيم أبو ركن، والشيخ فواز حسين عامر. 

ثمّ قدّم الفنّان عماد فرّو وصلة فنيّة بأهزوجة من الأهازيج التي ألّفت ورافقت الثوار في الثورة العربيّة السوريّة الكبرى.    

ملاحظة: الرابط الكامل للندوة بالبثّ الحيّ موجود على موقع: "منكم"، موقع صحيفة الحديث لصاحبها الإعلاميّ فهيم أبو ركن.