الثلاثاء، 26 ديسمبر 2023

الهند ماضية في تغيير مشهدها الاقتصادي بثبات

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

في الوقت الذي يعاني فيه الإقتصاد الصيني من مآزق جمة (تراجع الصادرات وتآكل ثقة المستثمرين وتباطؤ النمو واشتداد حدة أزمة القطاع العقاري وتراجع الإستهلاك وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب)، على نحو ما فصلناه في مقال سابق، نجد أن منافستها الهندية ماضية بثبات في بناء اقتصاد قوي بدليل تحقيقها نموا قويا في ناتجها المحلي الاجمالي وصل إلى 7.8 بالمائة في الربع الأول من السنة المالية 2023 ــ 2024، وهو ما وضع الهند في قائمة الدول الأسرع نموا ضمن مجموعة العشرين الاقتصادية.

وعلى الرغم من أن هذه البلاد تسير على الطريق الطريق الصحيح لتحقيق طموحاتها المتمثلة في خلق اقتصاد يساوي 5 تريليون دولار بحلول العام 2026 ــ 2027، إلا أن هناك ثمة مشاكل تعمل حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي حاليا على التعامل معها بشكل ديناميكي جدي ومؤثر للحد منها قدر الإمكان، مستخدمة طاقات الهنود الخلاقة الشابة والموارد الوطنية الكثيرة المتاحة والقطاعات الرئيسية ذات التأثير الحاسم.

يشكل التضخم أحد هذه المشاكل، باعثا قلقا مستمرا لدى مخططي الإستراتيجيات الاقتصادية والسياسات المالية، وهو ما دفعهم إلى علاجه برفع أسعار الفائدة الرئيسية في عام 2022 مع تنفيذ تدابير مالية أخرى. 

من جهة أخرى تركز الحكومة أنظارها وخططها على القطاع الزراعي بإعتباره لاعبا محوريا في الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن أنه مصدر مهم للعمالة ومساهم رئيسي في الحد من الفقر وضامن للإستقرار المالي الشامل والأمن الغذائي. ومن هنا أطلقت الحكومة  مبادرات وطنية هامة استهدفت الزراعة المستدامة المرتكزة على استغلال التقدم التكنولوجي من أجل تجهيز القطاع الزراعي الهندي للمستقبل مع الإرتقاء بممارسات النقل والتخزين وفق طرق علمية صحيحة. وفي السياق نفسه شجعت الحكومة على الإستثمار في الزراعة واتخذت تدابير وسياسات إصلاحية هادفة إلى تعزيز مساهمة القطاع إقتصاديا، ليترافق ذلك مع مساهمات القطاع الصناعي الذي بات هو الآخر يلعب ، منذ سنوات، دورا مؤثرا لجهة توليد فرص العمل وتحقيق النمو، حيث تشمل سلة الصادرات الهندية الإلكترونيات والسيارات والحافلات والحديد والصلب والبتروكيماويات والأطعمة والملابس ولعب الأطفال والأثاث.

من المشاكل والتحديات الأخرى، عدا التضخم، مشكلة كيفية الموازنة بين توسيع أنشطة القطاع الصناعي وتعزيز مكانته داخل سلاسل القيمة العالمية من جهة وإدارة فائض القوى العاملة من جهة أخرى، حيث أن القطاع الصناعي الهندي شهد ويشهد ميلا ملحوظا نحو تكثيف الاعتماد على الآلات والتكنولوجيا الحديثة في أنشطته مقابل تخفيض اعتماده على المهارات البشرية، وهو ما خلق فائضا من العمالة. وتحاول الحكومة اليوم معالجة هذا التحدي من خلال توجيه هذا الفائض نحو الأنشطة الصناعية التصديرية ذات العمالة اليدوية الكثيفة مثل تصنيع لعب الأطفال والأحذية والمجوهرات والأثاث من جهة، ومن جهة أخرى توجيهه نحو قطاع الخدمات، ولاسيما خدمات البناء والتشييد، خصوصا وأن قطاع الخدمات الهندي يوظف نسبة أقل من السكان مقارنة بقطاع الخدمات في دول شرق آسيا.

وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة الهندية على تدارك المصاعب المستقبلية المحتملة من الانفجار السكاني الهائل التي جعلت البلاد اليوم تتخطى الصين لجهة عدد السكان، وذلك بخلق فرص عمل جديدة من خلال التدريب وتنمية المهارات، بل وتقديم حوافز مالية للإنخراط في برامج المهارات، مع دعم الشركات الناشئة في صورة تبسيط إجراءات تسجيلها وإعفائها من بعض الضرائب وتاسيس صناديق مختصة لمساعدتها.

ولعل ما يبشر بصمود الاقتصاد الهندي ومضيه قدما نحو تحقيق طموحاته دون عثرات، أن الحكومة الإتحادية أطلقت منذ عام 2015 برامج ومبادرات ملفتة للنظر لإيجاد بيئة مواتية قادرة على دمج اقتصاد البلاد مع آليات الاقتصاد العالمي، ومنها برنامج الهند الرقمية الهادف إلى تحويل الإقتصاد الهندي إلى اقتصاد معرفي وتوسيع البنية التحتية الرقمية وتعزيز خدمات الحكومة الإلكترونية، وهذا عامل مهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وخلق نحو 6 ملايين فرصة عمل جديدة خلال السنوات الخمس القادمة.

ونخالة القول أن التآزر بين المبادرات والسياسات الحكومية من جهة، وطاقات القوى العاملة الديناميكية الشابة (أكثر من 52 بالمائة من الهنود تحت سن الثلاثين) من جهة أخرى، كفيل بخلق أوضاع تحد من المشاكل الآنية والمستقبلية وترسخ موقع الهند الاقتصادي عالميا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2023م


الجمعة، 22 ديسمبر 2023

مذكرة الى الامم المتحدة لتنفيذ القرار 1559


واشنطن في   18 كانون الاول 2023 


قام وفد من المجلس العالمي لثورة الأرز بمشاركة مع وفد  التحالف الاميركي شرق اوسطي للديموقراطية بزيارة لمقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث قابل عدد من المسؤولين وسلم مذكرة لمكتب الأمين العام السيد غوتيريز كما ناقش مضمون هذه المذكرة مع عدد من ماكتب البعثات الديبلوماسية في الأمم المتحدة وهي تدور حول تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي يدعو إلى حل المليشيات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية في لبنان ونزع اسلحتها. وقد لاقى الوفد توافقا حول أهمية هذا القرار والاصرار على تنفيذه من قبل أغلب البعثات الديبلوماسية التي زارها خاصة في الظروف التي تسيطر على الشرق الأوسط والتي تنعكس على الاستقرار في لبنان والحالة الشاذة التي يعيشها اللبنانيون بدون حكومة قادرة أو رئيس منتخب كون المليشيات المسلحة تمنع اجراء هذه الانتخابات وتفضل ابقاء وضع البلاد كما هو في حال من الفوضى وعدم وجود من يحمل المسؤولية ويتخذ القرار المناسب. ويمكن قراءة نص المذكرة أدناه: 


مذكرة إلى الأمم المتحدة

بموضوع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 / يتعلق بلبنان

صاحب السعادة السيد أنطونيو غوتيريز

الأمين العام للأمم المتحدة

نيويورك، ولاية نيويورك - الولايات المتحدة الأمريكية

11 ديسمبر 2023

صاحب السعادة


إن الموقعين أدناه يناشدون الأمم المتحدة مرة أخرى لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي يدعو إلى حل جميع المليشيات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.


إننا نؤكد من جديد دعوتنا إلى الاحترام الصارم للسيادة اللبنانية والسلامة الإقليمية ووحدة واستقلال لبنان السياسي في ظل السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية.


إن حزب الله لم يمتثل قط لتوجيهات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559، ولم تفعل الأمم المتحدة الكثير لمنع أو عرقلة حملة العنف والترهيب التي يقوم بها ضد الشعب اللبناني الحر وما بعدها. إن مخالب حزب الله تمتد إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وحتى إلى أمريكا اللاتينية.



من المرجح جداً أن تتوسع الحرب التي بدأتها حماس مع إسرائيل إلى لبنان حيث يواصل حزب الله التحرش بطريقة استفزازية، مثل إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان إلى الأراضي الإسرائيلية.

من الواضح أن إيران هي المحرك الرئيسي لهذا الصراع والأعمال العدائية التي تشجعها وتسعى لنشرها.

من واجب الأمين العام للأمم المتحدة أخلاقيا دعوة إيران إلى وقف دعمها لهذا الرعب على الفور. ومع أننا نتفهم موقف أعضاء مجلس الأمن فيما يمكن للأمم المتحدة أن تفعله بشكل معقول في هذه الظروف، نناشدكم بكل احترام ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران لكي تتقبل القلق الدولي وتجبر حزب الله على الامتثال لقرار مجلس الأمن رقم 1559، فإن خطابا قويا يمكن أن يكون أداة فاعلة عندما يستخدمها الرجل المناسب في الوقت المناسب. نرجو أن يحقق الاجماع على هذه الرسالة الواضحة نتيجة إيجابية ضد الإرهاب ويتجنب وقوع كارثة وحرب مدمرة في لبنان.


مع الأمل بنهاية سريعة لهذا الصراع !


الثلاثاء، 19 ديسمبر 2023

كيف نجحت تايلاند في اطلاق رهائنها بغزة؟

 


بقلم: د.عبدالله المدني*

جاءت أحداث غزة لتسلط الأضواء على حجم العمالة الآسيوية في إسرائيل وأوضاعها هناك، بعيد مقتل عدد من العمالة التايلاندية وأسر حركة حماس لبعضهم ونقلهم إلى معقلها في غزة كرهائن ضمن 242 مواطنا  اسرائيليا وأجنبيا من الجنسيات الأمريكية والروسية والألمانية والفرنسية والأرجنتينية وغيرها.

وعلى حين يعيش في إسرائيل نحو مائة ألف فلبيني، يعمل معظمهم في المدن الرئيسية كفنيين وممرضين، يعمل نحو 30 ألف تايلاندي في مهن زراعية وصناعية بسيطة في المناطق الصحراوية بالقرب من خطوط التماس مع قطاع غزة. ومن هنا، وجد هؤلاء التايلانديين انفسهم بين ضحايا عملية حماس الأخيرة في السابع من أكتوبر 2023، حيث قتل 34 تايلانديا وأصيب 19 آخرون وتم احتجاز 24 منهم من قبل حماس كرهائن، ليكونوا الجنسية الأكثر عددا لجهة الاحتجاز.

وعلى الفور بدأت بانكوك عملية دبلوماسية هادئة وجريئة لإطلاق سراحهم وتأمين عودتهم إلى بلادهم. هذه الدبلوماسية استرعت انتباه العديد من وسائل الإعلام الآسيوية وسط كيل المديح لها، خصوصا بعد نجاحها في إطلاق سراح ما لايقل عن 17 مواطنا من الرهائن المحتجزين في صفقة تبادل الرهائن بين اسرائيل وحماس، وهو ما فشلت فيه دول أخرى أكثر نفوذا. فماذا فعلت تايلاند يا ترى؟

الحقيقة أن حكومة تايلاند استخدمت بحرفية ورقة الحياد، باعلان رئيس الوزراء "سريتا تافيسين" في التاسع والعشرين من أكتوبر أن تايلاند دولة محايدة ومسالمة وليست جزءا من الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فيما دعت وزارة الخارجية التايلاندية أطراف النزاع في بيان رسمي إلى الامتناع عن التصعيد، مضيفة أن بانكوك تدين جميع أشكال العنف أيا كان مصدره. لاحقا أطلق رئيس مجلس النواب التايلاندي "وان محمد نور ماتا"، وهو من الأقلية المسلمة التي يربو عددها على سبعة ملايين نسمة، مبادرة لإرسال وفد من زعماء المسلمين في تايلاند إلى طهران للتفاوض حول مصير الرهائن التايلانديين مع إيران صاحبة الدالة على حركة حماس ومع ممثل الحركة في طهران. وكي تنجح المبادرة حرص التايلانديون على أن يضم الوفد الذي توجه إلى طهران في 27 أكتوبر الماضي ممثلا عن مسلمي تايلاند السنة هو عضو البرلمان السابق عن مقاطعة ناريتوات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة "أريبين أوتارسين"، وممثلا عن مسلمي تايلاند الشيعة هو "ليربونغ سيد" كمندوب عن شقيقه "سيد سليمان الحسيني" الذي يقود الطائفة الشيعية التي يشكل أفرادها 1 بالمائة فقط من إجمالي مسلمي تايلاند، علاوة على شخصية مسلمة ثالثة كممثل شخصي لرئيس مجلس النواب.

عقدت هذه الشخصيات الثلاث مفاوضات معقدة في العاصمة الإيرانية استمرت لمدة ثلاث ساعات متواصلة مع دبلوماسيين ايرانيين كبار ومع ممثل حماس في طهران خالد قدومي، حيث أكدوا لهم مجددا أن تايلاند لا تعادي أي طرف من أطراف النزاع وأنها تحتفظ بعلاقات متوازنة مع الولايات المتحدة واسرائيل وإيران وكافة الدول العربية والإسلامية وكذلك مع ممثلي الشعب الفلسطيني، وأن ما يهمها فقط هو سلامة رعاياها الذين أجبرتهم ظروفهم المعيشية الصعبة على السفر إلى إسرائيل للعمل في منشآت مدنية بموجب عقود محددة.

لم تكتف بانكوك فقط بهذه المبادرة التي أعتبرت مفتاحا مهما لنجاح دبلوماسيتها، وانما أضافت إليها تحركا آخر تولاه وزير خارجيتها "بارنبري باهيديا نوكارا" الذي سافر على عجل إلى كل من مصر ودولة قطر لتوسيطهما في عملية الإفراج عن التايلانديين المحتجزين بحكم وجود قنوات اتصال لكلتا الدولتين مع حركة حماس. هذا ناهيك عن لقاء تم في الدوحة بين الوزير التايلاندي ونظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي كان في زيارة لقطر، حيث دعا الأول الثاني إلى استخدام مساعيه لدى حماس لإنهاء معضلة المواطنين التايلانديين مع استعداد بانكوك لتأمين وسيلة انتقالهم فورا إلى بلادهم.

ويبدو أن تحرك الوزير التايلاندي في مصر كان الأكثر نجاحا بدليل إطلاق سراح 14 رهينة تايلاندية ورهينة فلبينية واحدة كجزء من صفقة منفصلة بين حركة حماس والحكومة المصرية في 24 نوفمبر الماضي. وفي 26 نوفمبر تم إطلاق سراح ثلاث رهائن آخرين ليصبح مجموع من أطلق سراحهم 17 رهينة من أصل 24.

الغريب في الأمر، أنه في أعقاب هذه المساعي الدبلوماسية الناجحة، راح كل من وزارة الخارجية التايلاندية ومجلس النواب التايلاندي يعزي ما تحقق إلى جهوده وحده.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2023م



الثلاثاء، 12 ديسمبر 2023

أردوغان في ذروة المقاطعة

     


              

قررت تركيا من جديد كسب حليف قديم ليدعم توجهها نحو التمدد على حساب الأرض العربية فأرسلت شحنة مساعدات " إغاثية"  لجنود الاحتلال الصهيوني أملا في أن تلق من سلطات الاحتلال ما يترجم مبدأ المعاملة بالمثل . 

 صبحة بغورة 


استقبلت سلطات الاحتلال الصهيوني طائرة شحن تركية هبطت حديثا محملة بمساعدات جرى  وصفها "بالإغاثية " وهي بالفعل كذلك لأنها كانت عبارة عن حفاظات " بامبرز" وملابس داخلية لجنودها التعساء، ونحمد الله أنها لم تكن شيئا آخر.الخوف من الموت المنتشر في كل مكان في الأراضي الفلسطينية يسيطر على نفوس الجنود الصهاينة ويؤرقهم في منامهم ويزعجهم في يقظتهم حتى صارت ابتساماتهم صفراء، إنهم يقضون حاجتهم على أنفسهم بشكل لا إرادي من الرعب ويبدوا أن السلطات أدركت أن  نجاستهم تعيق حركتهم عند القتال،  ويبدوأيضا أن تركيا قد تفطنت إلى أن معدلات استهلاك الجنود المرتفعة من الملابس الداخلية يفوق انتاجهم منها فأرادت أن تتستر عليهم وتبادر بما يحفظ ماء الوجه بإرسال كميات كبيرة منها لمواجهة ما تحمله التوقعات من أيام سوداء تنتظرهم.

أرادت تركيا كعادتها أن" تأكل مع الذئب وتبكي مع الراعي " فطبيعي أن تسارع بتكذيب الخبر، ولكن الكاميرات الصهيونية فضحتها بعدما أبرزت عبارة  made in turquie وبتاريخ عام الإرسال في  2023 

نعلم أن قضاء الحاجة البيولوجية عند الإنسان أساسية وليست نقيصة فيه، ولكن أن تصيب الفرد في أدق لحظات التضحية والفداء فهذا ما يستدعي وقفة تأمل، لأن الجندي لا يرسل للقتال فور تجنيده إنما يحتاج إلى فترة تدريب عسكري عنيف تمتد لشهور من أجل ضمان تأقلمه مع مختلف ظروف الشدة وحتى لا يصاب بالإسهال والقيء بمجرد أن ير الدم ومناظر لقتلى، أو يسمع دوي الانفجارات وصراخ المصابين، كل هذا شيء بديهي ويعلمه العدو الصهيوني ، ولكن ما لا يعلمه أن الله سبحانه وتعالى لعنهم و كتب عليهم الذلة والمسكنة وهي أسباب أكثر من كافية لتلقي الرعب في قلوبهم وتصيبهم بالإسهال في الخطوب فيضطرون إلى استيراد كميات إضافية من البامبرز التركية.

ندعو الله تعالى أن لا نرى اليوم الذي يتمكن فيه الكيان الصهيوني من رد الجميل لتركيا، وأن لا تنتظر تركيا يوما الدعم من الصهاينة، فإن الدعوة إلى المقاطعة ترفض التعامل تصديرا واستيرادا أي من الأساس.

نعلم أن تركيا لم تكن يوما ضد التطبيع مع الصهاينة، ومن المعروف أنها كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني عام  1949وأن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، والحلف مرتبط بطريقة أو بأخرى أمنيا وعسكريا بالكيان الصهيوني، وشئنا أم أبينا ترتبط تركيا بصورة مباشرة وغير مباشرة أمنيا وعسكريا والارتباط الأمني والعسكري أقوى بكثير من الارتباط الاقتصادي والسياحي، وليس من السهل فضه، وإذا كان لتركيا أن تفض التزامها الأمني تجاه الصهاينة فإن عليها الخروج من الحلف الأطلسي، وما دامت تركيا تحافظ على عضويتها في الأطلسي فهي تحافظ على التزامها الأمني تجاه الصهاينة، وعلينا نحن ألا نفاجأ بتطبيع العلاقات بينهما بعد ذلك.

أن العلاقات بين تركيا والسلطة الوطنية الفلسطينية تعتبر قوية نسبياً وبناءة ، خاصة بعد الإجراءات الفعّالة التي اتَّخذها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ضد إسرائيل إبان عدوانها على غزة عامي 2008-2009. وتاريخياً كانت فلسطين تحت حكم الدولة العثمانية لأربعمائة عام قبل الانتداب البريطاني على فلسطين ،ومع مجيء حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم في تركيا مطلع القرن الحادي والعشرين، ازداد زخم الدعم التركي للفلسطينيين وقضيتهم ومقدساتهم بين عامي 2005 و 2018 حيث قامت رئاسة وكالة التعاون والتنسيق التركية بدعم انشاء 543 مشروعاً في الأراضي الفلسطينية وتُعد تركيا مصدراً رئيسياً للإغاثة الإنسانية إلى فلسطين، وخاصة منذ بداية الحصار المفروض على قطاع غزة.

في بداية عملية " طوفان الأقصى" أشار تقرير صادر عن " المونيتور" في 2 أكتوبر 2023 كتبه الصحفي التركي فهيم طاشتكين  أن تركيا تحاول موازنة موقفها بعناية في مواجهة الحرب على قطاع غزة  إذ حافظت على مناصرتها للقضية الفلسطينية مع تهدئة العلاقات مع الحركة والسعي لتجنب تداعيات جديدة مع إسرائيل ، وحذر وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا، الكيان الصهيوني من محاولة تنفيذ اغتيالات لقادة “حماس” على الأراضي التركية، وقال أن بلاده لن تسمح بذلك لأي كان.وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان في مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية "  أن بلاده قد تقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب في حال كان ذلك قرارا جماعيا من قبل عدة دول لتحقيق الأثر المطلوب.، وقال فيدان أنه منذ بداية الصراع اتخذنا موقفا مبدئيا يتمثل في ضرورة اتخاذ القرارات في وقت واحد من قبل العديد من الدول الإسلامية ودول العالم وحتى من أمريكا اللاتينية، حتى تكون أكثر قوة " 

إذن الموقف التركي من القضية الفلسطينية  لا يمانع في السعي لاتخاذ قرارا يدعم الأمن والسلم في فلسطين   ويحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط  ولكنه يحتاج إلى تعزيز دولي واسع .                              


الاقتصاد الصيني في مأزق ... لماذا؟


 بقلم: د. عبدالله المدني*

كثر الحديث في السنوات القليلة الماضية عن قرب تحقيق الصين لهدفها  بإزاحة الولايات المتحدة عن عرش اقتصاد العالم والحلول مكانها. كما تمنى الكثيرون، ولا سيما في عالمنا العربي، أن يكون ذلك مقدمة لحلول بكين مكان واشنطن في مركز صناعة القرار الكوني وإدارة شؤون العالم.

غير أن هذه الأهداف والأمنيات بات يدور حولها شك كبير منذ بعض الوقت. فالاقتصاد الصيني ليس في أفضل أحواله اليوم، بل بات يعاني من مصاعب جمة وتعثر خطير، لعل من أبرز مؤشراته تراجع الصادرات وتآكل ثقة المستثمرين وتباطؤ النمو واشتداد حدة أزمة القطاع العقاري وتراجع الإستهلاك وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب إلى ما فوق 20%، وغيرها.

فعلى صعيد النمو مثلا، سجل الاقتصاد الصيني خلال العام الماضي نموا بمعدل 3% فقط (أقل معدلات النمو خلال عقود). وأحد الأسباب هو تراجع الصادرات، حيث يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير على الصادرات، وهو ما يجعلها عرضة للتأثر بأي تقلبات في الاقتصاد العالمي. 

أما السبب الآخر فهو أزمة القطاع العقاري، حيث أن الأصول العقارية هي إحدى دعامات الاقتصاد الصيني كونها رهان الكثير من الصينيين الساعين إلى زيادة ثرواتهم، لكن زيادة الطلب على العقارات أدى إلى ارتفاع صاروخي في أسعارها، وهذا حفز المطورين على توسعة أعمالهم من خلال الحصول على قروض مصرفية ضخمة، ما حدا بالسلطات للتدخل عبر تقليص القروض وهذا تسبب في ضعف القطاع العقاري، بل ولد أزمة ثقة بين المطورين وزبائنهم، لتتراجع أسعار العقارات. (مؤخرا تم تعليق تداول أسهم شركة التطوير العقاري المثقلة بالديون "إيفرغراند" في سوق الأوراق المالية ووضع رئيسها تحت مراقبة الشرطة)

من جهة أخرى، لا يزال تراجع الاستهلاك، الذي بدأ خلال تفشي جائحة كورونا بسبب عمليات إغلاق الأسواق والحجر الصحي للمستهلكين، مستمرا مع تردد ملحوظ في الإنفاق، على أمل حدوث انخفاضات إضافية في الأسعار في ظل غياب الطلب. وهذا تسبب بدوره في تدهور أنشطة بعض المنتجين، وبالتالي قيامهم بخفض الانتاج وتجميد التوظيف وتسريح العاملين أو تخفيض أجورهم.

ومما لاشك فيه أن التوترات السياسية بين بكين وواشنطن على خلفية قضايا مثل التجارة وحقوق الملكية الفكرية وتايوان والتحالف الصيني الروسي في ازمة أوكرانيا أضرت كثيرا بالصين، وأحد آيات الضرر هو تشديد السلطات الأمريكية للقيود على صادرات أشباه الموصلات المتجهة للبر الصيني، وحث الحلفاء على القيام بالأمر نفسه تحت ذريعة الأمن القومي، وهذا ــ بطبيعة الحال ــ كان له أثر سلبي مباشر على التجارة الصينية، وعلى انتاج السلع التكنولوجية الدقيقة، نجد تجلياتها في أرقام مخيبة للآمال في مجال الصادرات لدولة كانت إلى وقت قريب تعرف بمصنع العالم.

إلى ذلك، يندرج تحت العوامل التي أدت إلى تعثر الاقتصاد الصيني، تقلص الإيرادات الأساسية لبعض السلطات المحلية، ما قيد أيديها في الانفاق الذي يعد أحد محركات النمو والنشاط الاقتصادي، وذلك بعد 3 سنوات من انفاقها الهائل لمواجهة تبعات جائحة كورونا، ناهيك عن خسارتها لمداخيل وايرادات جديدة بسبب أزمة القطاع العقاري.

وهناك عوامل أخرى أدت إلى تآكل ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال الصينية مثل حملات الملاحقة التي تشهدها الصين منذ عام 2020 ضد الكيانات الاقتصادية الخاصة العملاقة، ولاسيما في قطاع التكنولوجيا (مثل علي بابا وتينست وبايدو)، تحت يافطة محاربة الفساد، وهو ما جعل العديد من الشركات العاملة في "هونغ كونغ" و"شنغهاي" تشعر بقلق متزايد، بل جعلت بعض الشركات تعيد التفكير في ضخ استثمارات جديدة في البر الصيني أو في هونغ كونغ الخاضعة سياسيا للصين، خصوصا بعد أن ألغت واشنطن الوضع الخاص الذي كانت تتمتع به هونغ كونغ ويتيح لها معاملة تجارية متميزة. (مذاك هرب أكثر من تريليون دولار من رأس المال الأجنبي من أسواق الأسهم الصينية). 

ومن هنا لم يكن غريبا أن ينتهز الرئيس الصيني شي جينبينغ فرصة زيارته الأولى للولايات المتحدة منذ عام 2017 للمشاركة في قمة منتدى التعاون لأسيا والمحيط الهادي (إيبك) التي استضافتها سان فرانسيسكو مؤخرا لعقد اجتماع مع رؤساء كبريات الشركات الأمريكية مثل أبل وإكسون موبيل ومورغان تشيس ومايكروسوفت وفايزر وتسلا وغيرها، بهدف حثهم على الاستثمار في الصين مع تعهده أمامهم بأن الصين عازمة على إجراء سلسلة من الاصلاحات الهادفة إلى تكافؤ الفرص وتعزيز القطاع الخاص وزيادة قدرته على الوصول إلى رأس المال.

وقد لوحظ في أواخر الشهر الماضي حراكا في اتجاه تنفيذ ما تعهد به الزعيم الصيني، حيث كشف البنك المركزي الصيني وسبع هيئات حكومية أخرى عن 25 خطوة لزيادة دور القطاع الخاص في مجموعة واسعة من الصناعات بما في ذلك صناعة العقارات المتعثرة التي ستحظى  بالمزيد من السيولة. ومن هذه الخطوات: تحسين الهياكل التنظيمية لزيادة الكفاءة، دعم الابتكار التكنولوجي في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ابداء قدر أكبر من التسامح إزاء القروض المتعثرة، توسيع نطاق خيارات تمويل السندات وحجمها ليشمل المؤسسات الخاصة، التزام الكيانات المملوكة للدولة بالمعايير العالمية.



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2023م


الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

المشهد السياسي في تايوان قبل انتخاباتها المقبلة


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

بمجرد أن حددت لجنة الانتخابات المركزية في تايوان يوم 12 يناير 2024 موعدا لإجراء انتخاب رئيس ونائب رئيس جديدين للبلاد مع 13 عضوا من أعضاء البرلمان، اتجهت بوصلة وسائل الإعلام الآسيوية والعالمية إلى هذا البلد المعزول دوليا لرصد مشهدها السياسي في مرحلة ما قبل إجراء الانتخابات المذكورة التي يمكن أن تؤثر في الجغرافيا السياسية العالمية لسنوات مقبلة، وربما حددت نتائجها مصير علاقات البلاد مع بكين التي تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها وتطالب باستعادتها، بل أصبحت بؤرة التوتر الأقوى في العلاقات الأمريكية ــ الصينية المشحونة ومصدرا لقلق كافة أقطار الشرق الأقصى والعالم.

ولعل ما أغرى المراقبين والمحللين أكثر لمتابعة المشهد التايواني هو أن انتخابات رئاسة البلديات والمقاطعات التي جرت هناك هذا الشهر أسفرت عن فوز حزب الكومينتانغ المعارض بحصوله على 13 مقعدا من أصل 21 جرى التنافس عليها بما فيها مقعد العاصمة تايبيه. وأدت هذه الهزيمة المذلة للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم إلى استقالة السيدة "تساي إينغ وين" (تترأس تايوان منذ عام 2016) من منصبها كزعيمة للحزب، اعترافا بفشل مخططاتها لتصوير الانتخابات المحلية كورقة تخويل شعبي للمضي قدما في سياساتها المناوئة لبكين.

والمعروف أن حزب الكومينتانغ، الذي استقطع تايوان من السيادة الصينية بقيادة الماريشال "تشيانغ كاي شيك" (1887 ــ 1975) في عام 1949 وأقام عليها دولة مزدهرة منفصلة وأدارها بكفاءة على مدى عقود صار اليوم، في مفارقة غريبة، يدعم إقامة علاقات وثيقة مع الصين. والمعروف أيضا أن الكومينتانغ تراجعت حظوظه في العودة مجددا إلى الحكم منذ خسارته انتخابات عام 2020 الرئاسية، بل وفشل في أربعة استفتاءات أجراها لإظهار عدم ثقة التايوانيين في إدارة الحزب الحاكم للبلاد. لكنه يحاول اليوم أن يفوز في انتخابات العام القادم عبر عقد تحالفات وشراكة انتخابية مع الحزب المعارض الآخر وهو "حزب الشعب التايواني" برئاسة "كو وين جي" الذي يعتبر حاليا أحد المرشحين الأقوياء للفوز برئاسة تايوان.

وعلى الرغم من أن الحزبين المعارضين الرئيسيين اتفقا على توحيد جهودهما لإخراج الحزب الحاكم من السلطة عبر تنظيم حملات مشتركة، بدعوى أن بقاء الأخير في السلطة سوف يزيد من مخاطر نشوب حرب مع الصين، وأن فوزهما هو وحده الذي سيضمن السلام في مضيق تايوان، إلا أن إختلافهما في الكثير من التفاصيل قد يعجل بانهيار ما اتفقا عليه، بل أن هذا ما حدث فعلا في الأسبوع الماضي حينما اختلفا حول تحديد مرشحهما لخوض السباق الرئاسي القادم في يناير أمام مرشح الحزب الحاكم نائب الرئيس "لاي تشينغ تي"، علما بأن مرشح الكومينتانغ هو عمدة تايبيه الجديد "هو يو إيه" بينما مرشح حزب الشعب هو رئيسه "كو وين جي".

في الأثناء واصلت بكين مناوراتها العسكرية المعتادة في مضيق تايوان من باب الضغط على المشهد السياسي وترجيح كفة دعاة السلام والتعاون معها في مواجهة من تصفهم بالإنفصاليين الخاضعين لمرئيات وسياسات واشنطن التي تعدهم بالمساعدة. وفي الوقت نفسه لم تخف بكين تشجيعها لحزبي المعارضة الرئيسيين في تايوان على التعاون والتحالف والإتفاق على مرشح قوي واحد.

وبينما راحت الخلافات تزداد في معسكر المعارضة ويحتد الجدل حول الشخصية الأجدر بخوض معركة الرئاسة القادمة ونسبة تفوقه في استطلاعات الرأي ونسبة الخطأ في كل استطلاع، كان الحزب الحاكم يزداد تفاؤلا بفوز يبقيه في السلطة. فالأخير لم يحدد فقط مرشحه للرئاسة وإنما حدد أيضا من سيرافقه على البطاقة الانتخابية كمرشح لمنصب نائب الرئيس. حيث اختار "هسياو بي كيم" ممثلة تايوان لدى الولايات المتحدة المستقيلة حديثا من منصبها كمرشحة لنيابة الرئاسة. وهذه السيدة المولودة في اليابان عام 1971 من أب تايواني وأم أمريكية، والتي عملت مشرعة في البرلمان التايواني من عام 2002 إلى 2008 قبل أن تتولى منصبها في واشنطن عام 2020 لطالما أثارت قادة البر الصيني بمواقفها المضادة لبكين إلى درجة أن المتحدث باسم مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الدولة الصيني وصفها في أغسطس 2022 بالشخصية المستفزة التي سيحاسبها التاريخ، متهما إياه بالسعي لإستقلال تايوان وتحريض شخصيات سياسية أمريكية على زيارة تايبيه وتأييد شراء أسلحة أمريكية للقوات التايواتية، مضيفا: "أن نهاية أي شخص يخون المصالح الوطنية وينخرط في الأنشطة الأنفصالية الساعية لما يسمى (إستقلال تايوان) لن تكون جيدة"، طبقا لما نقلته وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا

ويخشى المراقبون أن تتبنى تايبيه، بوجود شخصية مثل هذه السيدة في مراكز القرار الأعلى، سياسات استقلالية أكثر تطرفا وهو ما قد يؤجج الوضع ويدفع بكين إلى اتخاذ قرار باستعادة تايوان بالقوة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2023م


السبت، 2 ديسمبر 2023

كتاب مفتوح لرئيس ولاية نيو سوث ويلز كريس منس من عباس مراد


حضرة السيد كريس منس رئيس ولاية نيو سوث ويلز المحترم

تحية وبعد..

لقد وجدت نفسي مضطراً لأن اخاطبكم مباشرة لأنها الطريقة الأسرع والأفضل التي يمكن ان تصل بها رسالتي لكم.

أنا الأسترالي من خلفية لبنانية عربية المؤمن بانسانيته والذي يقدم انتماءه الانساني على كل ما عداه من الإنتماءات الأخرى حيث لا حاجة لجواز سفر او بطاقة هوية لتأكيد ذلك الانتماء.

أنا الهارب من جحيم الحروب الاهلية والتي رُفعت فيها شعارات طائفية،مذهبية، مناطقية وأثنية وبكل فخر لم يشارك في تلك الحروب التي أستمرت 15 عاماً لأنني لا أؤمن بأن الله الذي خلق الانسان وكرم بني آدم وحملهم في البر والبحر ورزقهم من الطيبات  يسامح أي إنسان يقتل أخيه الأنسان تحت أي شعار أو لأي سبب.  

قبل ثلاثة عقود ونيف انتقلت الى أستراليا وحصلت على جنسيتها والتي أعتز بها كما أعتز بخلفيتي اللبنانية العربية.

 منذ أن وطأت قدماي هذه الأرض وعملاً بالعقد ما بيني وبين هذه البلاد فقد نذرت نفسي لخدمتها لأنها أمنت لي الكثير لإثبات ذاتي على كافة المستويات رغم الصعاب التي واجهتها كما كل القادمين الجدد ومنها على سبيل المثال لا الحصر العائق اللغوي.

لكن التسهيلات التي حصلت عليها كما غيري من المهاجرين شكلت عندي الحافز للعمل بتفاني، فوجدتني مندفعاً لخدمة المجتمع ضمن ألأمكانيات المتاحة متسلحاً بأنسانية عابرة لكل الأنتماءات والتي ساعدت عليها التعددية الثقافية والتسامح والتناغم الأجتماعي وقوانين مكافحة العنصرية والتفرقة على اي أساس من العرق واللون والخلفية الثقافية والجنس وغيرها.. التي تصونها قوانين البلاد، بالأضافة الى أنني استطعت أنشاء عائلة افتخر بها وكل طموحي كما كل العائلات ان تعيش بسلام.

إن السياسة من الناحية اللغوية لها تعريف متنوع منها معالجة الأمور، وهي مأخوذة من الفعل ساس ويسوس، أما اصطلاحاً فتعرف بأنها رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية، وتقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما، وتعرف كذلك بأنها العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدولة وهناك تعريف آخر بان السياسة طرق وأجراءات مؤدية الى اتخاذ قرارات من اجل المجتمعات والمجموعات البشرية .

السيد منس، لا افشي سراً إذا قلت أننا كأستراليين من كافة الخلفيات نتفاعل بشكل او بآخر مع الأحداث في البلاد التي جئنا منها، ولكن أؤكد ان الأولوية هي المحافظة على التناغم الأجتماعي والأمن في استراليا، وكما أسلفت التزاماً بالعقد الذي دخلنا بموجبه الى البلاد التي أمنت المأوى الآمن لكل الهاربين من المشاكل على اختلاف انواعها من بلادهم الأصلية.

مؤخرا، انفجر الوضع بين الأسرائيليين والفلسطينين وهذا الانفجارالاخير لم يأتي من فراع كما قال الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرتش حيث يخضع الشعب الفلسطيني لأحتلال منذ سبعة عقود ونيف ويمارس الأحتلال تمييزاً عنصرياً على كافة المستويات ضد الفلسطينيين، وحيث فشلت عملية السلام والتي كانت تقوم على مبدأ حل الدولتين الذي لم يبصر بسبب توسع الأستيطان الأسرائيلي غير الشرعي حسب قوانين الأمم المتحدة على حساب الشعب والارض الفلسطينية وذلك تحت مراى ومسمع المجتمع الدولي والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الأممية.

السيد منس، عندما انفجرت الجولة الأخيرة من العنف في فلسطين كنا نتوقع منكم موقف حيادي لا يحابي طرف على حساب طرف آخر من ابناء المجتمع ، ولكن وللأسف اتخذت موقفاً منحازا ًبإضاءة أشرعة دار الاوبرا في سدني بالوان العلم الأسرائيلي والذي عدت واعتذرت عنه مع العلم ان الشرطة كانت قد حذرت من هذه الخطوة ولم تكتفي بذلك لا بل بدات تهدد بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين رغم ان القانون يسمح بذلك.

السيد منس، دعني أصارحك واقول لكم أنها المرة الأولى التي أشعر بها بقلق كبير على التناغم الأجتماعي عندما بدأتم بتخويف المواطنين على أساس مناطقي بين شرق وغرب في مدينة سدني بقولكم أن حكومتكم لن تتساهل مع الذين يقومون بمسيرات سيارة في مناطق معينة سواء في لاكمبا او المناطق الشرقية من سدني.

السيد منس، اليس كل ابناء نيو سوث ويلز هم رعاياك بغض النظر عن الجنس والعرق واللون والأثنية والمعتقد والمنطقة..

إذن، لماذا هذه المقاربة أليس الجميع تحت القانون ؟! 

السيد منس، تقولون أنه وفاءاً بوعد انتخابي فإن حكومتكم شكلت مجلس شؤون الأديان لولاية نيو سوث ويلز وانكم تعتقدون أنكم  تكونون حكومة افضل عندما نستمع، وان المجلس سوف يساعد على تحديد نوعية الفرص والمبادرات من أجل تعزيز التعاون والحوار المستمر بين حكومة نيو شوث ويلز والمجتمعات الدينية.

 عجباً المجتمعات الدينية اليست أستراليا بلد علماني؟! ولا يعرف المواطن بها حسب الدين اليس المفروض ان تتقدم المواطنة على ما عداها.

السيد منس، نتمى لكم ولمجلسكم الذي سيعقد في جلسته الأولى في أوائل كانون الأول كل التوفيق، لكن دعني أصارحكم بأن هذه المقاربة لن يكتب لها النجاح واول المشاكل هو على أي أساس أختيار الممثلين وما هو دورهم التمثيلي وهل يمثلون جالياتهم ومن إنتخبهم في بلد نفاخر بديمقراطيته الانتخابية مع إيماننا الكلي والثابت بحق كل مواطن/ة بممارسة شعائره والتي لا تتعارض مع القوانين المرعية الني تحفظ حق المواطنين هذه القوانين التي يجب تطويرها بما يناسب مصلحة البلاد واسمترار إزدهارها وتقدمها.

   السيد منس، أخيراً أعتقد أن مواطني نيو سوث ويلز انتخبوا حكومتكم لتحكم بالعدل لان العدل أساس الملك.



ولكم خالص مودتي وتقديري

عباس علي مراد