الاثنين، 16 ديسمبر 2024

بيان صحفي هام للسانتور شوكت مسلماني


عندما كنت شابًا في حزب العمال الأسترالي (ALP)، كان لدي حلم، حلم بأن أصبح عضوًا في البرلمان الوطني الفيدرالي. وللأسف، لم يتحقق هذا الحلم. 

في عام 1982، انتسبت إلى حزب العمال لأنني كنت مؤمنًا بقيمه ومبادئه. أحببت قادة الحزب مثل غوف ويتلام، وبوب هوك، وبول كيتنغ وغيرهم. كنت أؤمن بهم وأؤمن بديمقراطيتنا. كنت أؤمن أن حزب العمال هو حزب الطبقة العاملة، هو الحزب الذي يخدم الشعب الأسترالي و يوفر لهم التعليم والرعاية الصحية اللائقة، ويضمن لهم الكرامة في العمل والاحترام كمواطنين أستراليين.

لهذا، لا يسعني رإلا أن أعبر عن امتناني لأولئك الذين خدموا بصدق. لقد عملت إلى جانب العديد من أعضاء وزملاء حزب العمال الطيبين والكرماء لتحقيق ما يمكن تحقيقه على المستويين المحلي والولاية. فعلت كل ما بوسعي لمساعدة شعبنا، جميع الناس، وخصوصًا الجاليات المتعددة الثقافات، من الصينيين والأستراليين الآسيويين، والأستراليين من أصول عربية، وسكان شبه القارة الهندية، وجميع شعوب منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكل المؤمنين، والمهاجرين واللاجئين الذين يبحثون عن حياة أفضل في أستراليا. لقد أحببت صداقاتهم وآمل أن أحافظ عليها في المستقبل.

نعم، أشعر بخيبة أمل، بل بالحزن لأن أعضاء دائرة بارتون حُرموا من حقهم في اختيار من يمثلهم في البرلمان. وأشعر بخيبة أمل كبيرة لأنني لم أُمنح الفرصة للترشح عن دائرة بارتون. هذا هو ثمن الالتزام بالمبادئ والقضايا العادلة التي أؤمن بها. الحقيقة هي أن الحزب لم يعد حزب أعضائه العاملين، بل أصبح حزبًا لخدمة المتنفذين.

أبقى ممتنًا للعديد من الأشخاص النبلاء في حزب العمال، وللأصدقاء الكثيرين الذين واكبتهم على مدار أربعة عقود. واليوم، أوقع استقالتي من رئاسة المجلس الفيدرالي الانتخابي لدائرة بارتون، وذلك اعتبارًا من تاريخ اليوم.

لقد حان الوقت للبحث عن عمل لسداد أقساط الرهن العقاري ورعاية عائلتي.

الأحد، 15 ديسمبر 2024

الدويلة الدرزيّة والقول الفصل في بيان الهيئة الروحيّة في بلدة حظر المحتلّة


 الحركة التقدّميّة للتواصل – درب المعلّم

(بيان)

الدويلة الدرزيّة والقول الفصل في بيان الهيئة الروحيّة في بلدة حظر المحتلّة

تعلو أصوات "درزيّة" في إسرائيل في غالبيّتها "لا في العير ولا في النفير"؛ تحذّر وتنذر وتتوعّد الحكم الجديد في سورية من المساس بالدروز، وتذهب أبعد من ذلك مطالبة بضم السويداء- جبل العرب وقرى إقليم البلّان – جبل الشيخ إلى حكم إسرائيل متلقّفة أحيانًا أقوال بائسة تصدر من دروز سوريّين، ويأخذ هذه الأصوات الشطط مطالبة بدولة درزيّة صديقة لإسرائيل!  

القول الفصل جاء في بيان الهيئة الدينيّة في حظر المحتلة، والمعبّر عن موقف كافّة العرب الدروز في سورية، وممّا جاء فيه: "نؤكّد بأنّ بلدة حظر جزءًا لا يتجزّأ من سورية الموحّدة، وهذا الموقف ثابت ومبدئي لا يتغيّر وهو منسجم مع الموقف العام للشعب السوري... أيّ موقف مخالف لما ورد يعتبر غير شرعي...".

إسرائيل إن قرّرت أن تقيم دولة طائفيّة أو منطقة عازلة تحت احتلالها في حوران والجولان، ليست بحاجة ل"نصائح" من هذه الأصوات، وكلّ الدروز في البلاد، ليس مثل هكذا أصوات فقط، لا يشكّلون "بُرغيّا" صدئا في سياستها، لا داخليّا ولك في "قانون القوميّة" الدليل، وكم بالحري خارجيّا إقليميّا. 

الحركة التقدميّة للتواصل- درب المعلّم ترى في هذه الأصوات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقاعات تصدر عن جهلة، وإن كانت تدفعهم الغيرة يسيئون لدروز سورية إساءة كبرى، أو تصدر عن مغرضين مدسوسين من دروز وغيرهم لإيقاع الفتن، والفتنة كما جاء في تراثنا أشدّ فتكًا من القتل ولعن الله من يوقظها. الحركة واثقة من أنّ العقلاء بين العرب الدروز في البلاد سيلجمون هذه الأصوات، وعلى ثقة أنّ أبناء شعبنا وأمتنّا في سورية بالذات لن يأخذوا بها.

بغضّ النظر عن النظام الجديد ومرجعيّاته العقائديّة والسياسيّة، فالمؤشّرات تشير إلى أنّا بصدد دولة إسلامويّة – أردوغانيّة في أحسن الأحوال، وامتحانه هو الشراكة مع القوى المعارضة الأخرى؛ الوطنيّة والتقدّمية، ومع الشعب السوري بكلّ أبنائه على اختلاف انتماءاتهم الثانويّة مذهبيّا وعرقيّا وفكريّا، وإلّا ضاعت دماء السوريّين في خلع النظام السابق هباءً. 

اللجنة التنفيذيّة.

للتواصل 

عماد دغش – سكرتير الحركة 4030879-050

سعيد نفّاع – الناطق الرسمي 7208450-050 


الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

خلفيات ما جرى في كوريا الجنوبية

 


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء الثالث من ديسمبر الجاري، فاجأ الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" العالم عبر خطاب متلفز بفرض الأحكام العرفية في كافة أنحاء البلاد، وتعطيل الدستور، وحظر التجمعات، ونشر قوات الجيش والأمن. هذا القرار المفاجيء، حبس أنفاس العالم، بل أرعبه من احتمال وجود صلة للقرار بهجوم وشيك من كوريا الشمالية المسلحة بأسنان نووية وباليستية، وبالتالي غرق الشرق الأقصى في وحول مشابهة لوحول الشرق الأوسط ووحول روسيا وأوكرانيا، خصوصا وأن الرئيس برر قراره بالقول بأنه "من أجل حماية كوريا الجنوبية الليبرالية من التهديدات التي تمثّلها القوات الشيوعية، والقضاء على العناصر المناهضة للدولة".

توالت الأحداث سريعا بعد ذلك وسط مخاوف من سقوط هذه الدولة الصناعية المزدهرة في براثن الفوضى والاقتتال الداخلي التي قد تستغلها بيونغيانغ للقيام بغزو مسلح. حيث نزل آلاف المواطنين إلى الشوارع للتنديد بقرار رئيسهم، على الرغم من تأخر الوقت وبرودة الطقس، وبقوا في الشوارع إلى ساعات فجر اليوم التالي مرددين شعارات تدعو إلى عزل الرئيس، فيما كان الأكبر سنا منهم يستعيد وقائع سابقة ممائلة خضعت فيها بلادهم للأحكام العرفية زمن الزعيمين الديكتاتوريين "تشون دو هوان" و"روه تاي وو" في الثمانينيات والتسعينيات، والذي شهد قتل المئات واعتقال الآلاف وحظر الأنشطة السياسية وإغلاق الجامعات، والامعان في الفساد واختلاس المال العام.

وبينما كان الجيش الكوري الجنوبي ينفذ أوامر قائده الأعلى بفرض الأحكام العرفية، نجح عدد من النواب (190 من أصل 300 نائب) في تجاوز الإجراءات المشددة المحيطة بمنى البرلمان، والوصول إلى داخله لعقد جلسة طارئة انتهت بالتصويت على قرار يطالب رئيس البلاد بوقف فرض الأحكام العرفية فورا.

لمعرفة أسباب ماحدث، لا بد من العودة إلى الوراء إلى مارس 2022 وهو التاريخ الذي جرت فيه انتخابات رئاسية لاختيار خليفة للرئيس المنتهية ولايته آنذاك "مون جاي إن"، حيث فاز يون كمرشح لحزب "سلطة الشعب" المحافظ على منافسه مرشح "الحزب الديمقراطي" جاي ميونغ بنسبة بسيطة بلغت 48.6% مقابل 47.8% للأخير. وقتها علق الكثيرون، مشيرين إلى تواضع قدرات الرئيس الفائز، بل وُصف بالرئيس المبتديء كناية عن افتقاره إلى أي خبرة برلمانية وسياسية سابقة أو أي سجل إداري حافل بالانجازات، عدا عن شهرة استمدها من عمله بالمحاماة وقيامه بتوجيه الاتهامات بالفساد للرئيسين المحافظين السابقين السيدة "بارك غين هي" و"لي ميونغ باك"، ثم شهرته كمدع عام متمرد في عام 2013 حينما كشف عن ضغوط تعرض لها لوقف التحقيق في دور المخابرات الوطنية لجهة التلاعب في نتائج انتخابات عام 2012، وهو التمرد الذي أدى إلى ابعاده لسنوات عن المناصب الرفيعة إلى أن أعاد سلفه الرئيس  "مون جاي إن" تعيينه في عام 2017 مدعيا عاما.

ويمكن القول أن فوزه بنسبة ضئيلة جدا على مرشح الحزب الديمقراطي، ثم فوز وسيطرة الحزب الديمقراطي على الجمعية الوطنية بعد اجراء انتخابات تشريعية اتسمت بالاستقطاب السياسي الحاد في ابريل 2022، جعلت الرئيس يون بطة عرجاء لا تستطيع السير قدما بسرعة لتحقيق أجنداته وأجندات حزبه المحافظ. إذ كلما سعت حكومته لتنفيذ بعض البرامج والأفكار، قام البرلمان المسيطر عليه من المعارضة بتعطيلها بدليل تعثر اتفاق الحكومة والبرلمان حول ميزانية العام المقبل، بل قيام نواب المعارضة باستقطاع نحو 2.8 مليار دولار من الميزانية المقترحة من قبل حكومة يون، وهو الأمر الذي اعتبره الرئيس محاولة متعمدة من خصومه لتعطيل الانفاق على وكالات حكومية وأنشطة خاصة بمكتبه الرئاسي وصندوق الاحتياط وأجهزة الأمن والشرطة والإدعاء والتحقيق ومكافحة المخدرات والسلامة الوطنية، إضافة إلى الانفاق على مشتريات الأسلحة الأمريكية لتعزيز قوة البلاد في مواجهة كوريا الشمالية المتنمرة. 

ومن هنا قيل أن الرجل المستاء من هكذا وضع قد يكون نما إلى سمعه خبرا عن خطط برلمانية لإضعافه ثم عزله، فسارع إلى ممارسة صلاحيته الرئاسية بإعلان الأحكام العرفية، مطبقا مقولة "تغدى بخصومه قبل أن يتعشوا به"، ومستخدما تهمة الشيوعية ضدهم، وهي تهمة ليست ببعيدة تماما عنهم. فالمعارضة بقيادة الحزب الديمقراطي لئن كانت تمثل يسار الوسط، إلا أن بين رموزها من هو أقرب إلى أقصى اليسار ولا تتبنى خطابا حادا ضد نظام بيونغيانغ الشيوعي، بل تطالب بالتفاهم معه.

وكما هو معروف، تراجع يون عن فرض الأحكام العرفية بعد يوم واحد، نزولا عند طلب البرلمان كما قال، فنزع بذلك فتيل أزمة هو وبلاده في غنى عن تداعياتها. وهو حسنا فعل بذلك، وإنْ قيل أنه لم يتراجع إلا بضغوط مارسها الحليف الأمريكي الذي يحتفظ فوق اراضي كوريا الجنوبية بقواعد عسكرية والآلاف من الجنود. 

وجملة القول أن الضرر قد وقع، فالرئيس بقراره المفاجيء ثم تراجعه السريع أضر بسمعته وما تبقى له من رصيد شعبي، ولا نستبعد أن يتم عزله لاحقا بضغط شعبي وبرلماني معا، خصوصا وأن غالبية الكوريين الجنوبيين يعتزون بديمقراطيتهم وحرياتهم التي صنعوها بالدم والدموع ويتحسسون من محاولات التعدي عليها أو تقزيمها.



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: ديسمبر 2024م

 


الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

المجلس العالمي لثورة الأرز يوجه رسالة الى الأمم المتحدة



 المجلس العالمي لثورة الأرز

الأمانة العامة – واشنطن


"يأتي وقت يصبح فيه الصمت خيانة"

(دكتور مارتن لوثر كينغ)


 حذر المجلس العالمي لثورة الأرز منذ سنوات عديدة كافة الأطراف المعنية، وبخاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والحكومات اللاحقة في لبنان، من أن حزب الله هو جزء من محور الشر الذي تقوده إيران نحو تدمير إسرائيل ومن ثم تدمير لبنان.

إن الغالبية العظمى من الشعب اللبناني يكرهون مجرد ذكر حزب الله. فهم يدركون أن هذا الحزب عبارة عن ميليشيا إرهابية تعمل على تدمير كل جانب من جوانب الحياة اللبنانية، وهم يدركون أن وجوده في لبنان هو فقط لتنفيذ أوامر النظام الإيراني. وسوف يكون الشعب اللبناني ممتناً لانسحاب حزب الله الكامل من الأراضي اللبنانية.

يعيش الشعب اللبناني مرة أخرى أفظع الظروف التي تصاحب حرباً ضد إسرائيل، جارة لبنان الجنوبية، لم يكن للحكومة أو الشعب أو الجيش اللبناني أي دور أو رأي فيها بأي شكل من الأشكال. والواقع أن الشعب اللبناني سوف يرحب بالتعايش السلمي مع جارته إسرائيل.

إن هذه الحرب هي من عمل منظمة إرهابية متحجرة وخبيثة، أجبرت الشعب اللبناني على مدى السنوات الأربعين الماضية على القبول بها تحت التهديد بالاغتيالات ومن ثم قامت بتفكيك مؤسسات الدولة اللبنانية لتصبح مجرد قشرة.

لقد كانت هذه الحرب بأمر من حزب الله، الذي يعتبره العالم الغربي المنظمة الإرهابية الأكثر وحشية وتدميراً، والتي هاجمت شمال إسرائيل بشكل متواصل لمدة اثني عشر شهراً تحت ستار دعم حماس في غزة. وهي حرب لا علاقة لها على الإطلاق بالشعب اللبناني البريء.

كان لابد وأن يدرك حتى أقل القادة العسكريين خبرة أن الانتقام سوف يأتي عاجلاً أم آجلاً، وسوف يدافع الاسرائيليون عن أنفسهم بشراسة. ولقد نجح حزب الله، ولا يزال، في تدمير معقله القوي في جنوب بيروت. إنه لأمر مؤسف ومؤلم، وسوف يعيد لبنان خمسين عاماً إلى الوراء، ولكن من يستطيع أن يلوم أي دولة على دفاعها عن نفسها ضد المهاجمين الإرهابيين.

إن الفرصة سانحة الآن، وقد حان الوقت لكل اللبنانيين الشرفاء أن يقفوا بجرأة ويقولوا الحقيقة. إننا نريد للبنان أن يكون دولة محايدة بين كل جيرانها في منطقة يسودها السلام والاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال والحياة الديمقراطية.

وفي الختام، أرجو أن تفكروا في ما يلي بعناية. لن يتم تطبيق القرار 1701 أبداً دون التنفيذ الكامل للقرار 1559. وهذا يعني أن حزب الله لن يسلم سلاحه سلمياً من أجل السلام في لبنان.


عن المجلس العالمي لثورة الأرز

جو بعيني


 


 

كيف سيتصرف ترامب مع آسيا في ولايته الثانية؟

 


بقلم: د. عبدالله المدني*

في حملاته الانتخابية للفوز برئاسة الولايات المتحدة للمرة الثانية، لم يتحدث الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب بالتفصيل عن السياسات الخارجية التي ستتبعها إدارته مع الدول الآسيوية الحليفة وغير الحليفة، فيما عدا مواقفه النارية المناوئة للصين والتي دشنها في فترة رئاسته الأولى ما بين عامي 2017 و 2021 واستمرت معه إلى اليوم.

لقد هدد ترامب مرارا وتكرارا باشعال حرب تجارية بين بلاده والصين من خلال فرص تعريفات جمركية تصل إلى 60 بالمائة على السلع المصنعة في الصين، كما أطلق وعودا بتبني سياسات أكثر تشددا حيال المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة للعمل والاستقرار، وهذا لئن قصد بها تحديدا المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك ودول أمريكا اللاتينية، إلا أنها تشمل أيضا أولئك القادمين من آسيا. ومن هنا يمكن القول أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025 تحمل أخبارا طيبة لبعض الدول الآسيوية وأخبارا سيئة لبعضها الآخر.

ومما لاشك فيه أن بعض دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية مثلا مبتهجة بهذه العودة الترامبية المظفرة على حساب المرشحة الخاسرة كامالا هاريس وأركان حزبها الديمقراطي الذي لطالما عرف عنه تمسكه بشعارات حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير ومناهضة الأنظمة العسكرية الديكتاتورية. ذلك ان إدارة ترامب السابقة وضعت مثل هذه القضايا على الرف ولم تولها اهتماما كبيرا أو لم تضغط كثيرا بشأنها، وهو ما يتوقع استمراراه. ولهذا نجد أن حكومات كمبوديا ولاوس وميانمار المتهمة بخروقات حقوق الإنسان تشعر بالتفاؤل، ليس لهذا السبب وحده وإنما أيضا لسبب آخر هو وجود فرصة مواتية لها لتصبح أماكن بديلة للمستثمرين والمصنعين الأمريكيين الذين يتوقع أن يهربوا من الصين وينتجوا سلعهم خارجها من باب تلافي الرسوم الجمركية العالية المتوقع فرضها على كل منتج يصنع في الصين. وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى فيتنام التي تحولت اليوم إلى اقتصاد صاعد بفضل اختيارها من قبل العديد من الشركات الأمريكية مكانا بديلا للصين لجهة الإستثمار والتصنيع. وبعبارة أخرى، استفادت فيتنام كثيرا من هجرة الشركات الأمريكية إليها إبان فترة ولاية ترامب الأولى، وهو ما يمكن أن يتكرر في فترة ولايته الثانية فتستفيد دول آخرى. 

اما الدول الآسيوية المتحالفة تاريخيا مع الولايات المتحدة، فبعضها متخوفة من تبعات وتداعيات الحرب التجارية الأمريكية ــ الصينية على اقتصادها وتجارتها، وتخشى أن تتطور الأمور إلى حد معاقبتها على تعاملاتها الضخمة مع التنين الصيني، وهذه المجموعة تشمل اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وأندونيسيا والفلبين. لكنها في الوقت نفسه تبدو سعيدة، اعتقادا منها أن سياسات ومواقف ترامب القوية من سياسات بكين التوسعية ومساعيها للهيمنة على مياه وجزر في المحيطين الهادي والهندي كفيلة بوقف التنمر الصيني ضدها. وفي هذه الجزئية الأخيرة تبرز كل من الفلبين وأندونيسيا كمثالين واضحين، كونهما من الدول التي تتنازع السيادة مع الصين حول بعض الجزر الصغيرة الواقعة بالقرب منهما داخل مياه بحر الصين الجنوبي. فمانيلا، التي تتخبط  حكومتها بقيادة الرئيس بونغ بونغ ماركوس في مواقفها من الصين، ما بين مناهضة سياسات بكين التوسعية والخوف من جبروتها والحاجة لإستثماراتها، قد تجد فرصة في عودة ترامب، للظهور بمواقف أكثر صلابة. أما جاكرتا، فحالها لا يختلف عن مانيلا كثيرا، فساستها لا يملكون اتخاذ موقف واضح من الصينيين خوفا من سطوتهم، ولا تزال حادثة وقوف الصين الماوية خلف انقلاب شيوعي فاشل في الستينات لمركسة (من الماركسية) نظامهم يؤرقهم، وفي الوقت نفسه يسيل لعابهم للمساعدات والاستثمارات الضخمة التي تغريهم بها الصين من خلال استراتيجية "الحزام والطريق". وهي استراتيجية كان لها تاثير كبير في دول جنوب شرق آسيا سواء بشكل قانوني او غير قانوني، وذلك لسببين: موقع هذه الدول الجيوسياسي القريب من الصين من جهة، وانتماء نسبة كبيرة من سكانها إلى العرق الصيني والثقافة الصينية. 

وتمثل تايلاند حالة خاصة، بسبب تأرجح نظامها ما بين الديمقراطي والعسكري، وموقعها كحليف مخلص للولايات المتحدة، واعتمادها مشترياتها من الأسلحة بشكل كبير على المصانع الأمريكية، وشعورها بالغبن جراء منافسة الصين لصادراتها، واعتماد سياحتها على مئات الآلاف من الصينيين سنويا، ولهذا خرجت معظم الصحف التايلاندية وهي تدعو حكومتها إلى اتباع سياسية حذرة لا تغضب إدارة ترامب الجمهورية منها لأي سبب، ولا تؤلب الصين ضدها في الوقت نفسه. وهو ما اختصرته صحيفة "بانكوك بوست" بقولها: "نريد أن نكون محبوبين من قبل الصين، ونريد أن نكون محبوبين من أمريكا".



د.عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2024م


الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

حدث غير مسبوق .. بيونغيانغ ترسل قواتها إلى خارج الحدود

 


 بقلم: د. عبدالله المدني*

منذ انتهاء الحرب الكورية باتفاقية هدنة وليس معاهدة سلام في يوليو 1953، لم يسبق للنظام الكوري الشمالي أن نشر قواته خارج حدود البلاد. صحيح أنه كثيرا ما مارس الشغب بحق جيرانه في صورة إطلاق صواريخ باليستية أو إجراء تجارب نووية أو الشروع في مناورات عسكرية مستفزة، وصحيح أنه ساهم في تعزيز قوة بعض الأنظمة المارقة الشبيهة له، من خلال تزويدها بالأسلحة والعتاد والخبرات التقنية والمستشارين العسكريين أو بناء التحصينات والأقبية الحصينة، وصحيح أنه زود روسيا منذ اندلاع القتال بين الأخيرة وأوكرانيا بأكثر من مليون قذيفة مدفعية والكثير من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى طبقا لتقرير عسكري غربي، لكنه لم يتجاوزه بإرسال أبنائه للقتال خارج الحدود، كما حدث مؤخرا حينما أفادت تقارير صادرة من جهاز المخابرات الوطنية في كوريا الجنوبية (NIS)  بأن بيونغيانغ نشرت 12 ألف جندي في روسيا دعما لعمليات موسكو العسكرية ضد أوكرانيا، وأنها بدأت في إرسال هذه القوات الخاصة في الفترة ما بين 8 و13 أكتوبر المنصرم بعد تجهيز أفرادها بالزي الرسمي للقوات الروسية وهويات مزورة تساعدهم على الاندماج مع السكان المحليين، وتخفي عن العالم تورطهم في الحرب.

ومن هنا قيل أن الحدث يشكل سابقة خطيرة وتطورا هاما في الجغرافيا السياسية الدولية، بل يمثل أول حالة ترسل فيها حكومة أجنبية قوات رسمية لدعم الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أن دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) اكتفت حتى الآن بارسال مستشارين عسكريين ومعدات حربية لمساعدة الجانب الأوكراني. فالحدث لئن عمق التعاون العسكري بين بيونغيانغ وموسكو، تنفيذا للشراكة الإستراتيجية واتفاقية الدفاع المشترك التي تم إبرامها بين البلدين إبان زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى بيونغيانغ في شهر يونيو 2024، إلا أنه يثير مخاوف بشأن تطور ديناميات الصراع في أوكرانيا باتجاه تورط قوى خارجية بعيدة جغرافيا. وبعبارة أخرى، فإن هذه الخطوة من جانب كوريا الشمالية قد تؤدي إلى تغيير مسار الحرب، وبما يخلق ضغوطا على الدول الغربية وعلى  كوريا الجنوبية ايضا لتغيير سياستها المعلنة الخاصة بعدم توفير معدات عسكرية هجومية فتاكة بعيدة المدى للجيش الأوكراني.

ويبدو أن هذه الضغوط قد بدأت بالفعل على إدارة الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" لجهة السماح بالتبرع بالأسلحة لأوكرانيا من مستودعات الجيش الكوري الجنوبي. ومن شأن ذلك ــ إنْ حدث فعلا ــ ان يؤثر سلبا على العلاقات التجارية والاقتصادية بين موسكو وسيئول، حيث أن تجارة روسيا الاتحادية مع كوريا الجنوبية لا تزال مرتفعة بسبب واردات الطاقة والمواد الخام، ولم تتأثر كثيرا بالعقوبات الغربية على الروس، حيث أنها تتم عبر دول آسيا الوسطى.

المراقبون الذين تحدثوا عن الخطوة الكورية الشمالية تطرقوا إلى الفوائد التي ستجنيها بيونغيانغ من انخراطها في الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وخلاصتها تأمين دفعات نقدية أو عينية لكل جندي كوري مشارك، وتعزيز العلاقات مع الروس وضمان الحصول منهم على مساعدات تكنولوجية آمنة وعلى دعم سياسي يخفف من العقوبات الدولية المفروضة على نظام "كيم جونغ أون" الإستبدادي، وحصول القوة المشاركة في الحرب على تجربة قتالية حربية حديثة وواقعية، واختبار البلاد لأسلحتها ميدانيا. لكن هؤلاء المراقبين تطرقوا أيضا إلى الجوانب السلبية للإنخراط الكوري الشمالي في الحرب والمتمثلة في احتمال حدوث انشقاقات من الخدمة من قبل الجنود في صورة هروب فردي أو جماعي إلى الجانب الأوكراني فرارا من القمع والفقر والإستبداد في الوطن، أواحتمال فشلهم في ميدان القتال وسقوط أعداد كبيرة منهم قتلى أو جرحى بسبب القتال في بيئة مختلفة عن بيئة شبه الجزيرة الكورية أو بسبب انعدام لغة تفاهم مشتركة مع القوات الروسية، ناهيك عن حقيقة قدومهم من دولة فقيرة واستبدادية وبالتالي افتقارهم إلى التجهيز والحافز. 

في المقابل هناك من المراقبين في الشطر الكوري الجنوبي من أعرب عن شكوكه في المعلومات التي صدرت عن جهاز المخابرات الوطنية في سيئول، واصفا إياها بالمعلومات المضخمة والمستقاة من مصادر غربية وأوكرانية لتبرير تنسيق أمني أوثق مع الولايات المتحدة والحلفاء.  وفي راي هؤلاء أن أعداد الجنود الذين أرسلتهم بيونغيانغ إلى روسيا ليست مؤكدة، وقد تكون أرقاما متوقعة وليست فعلية، وقد يضطلعون بمهام وأدوار غير قتالية مثل استخدامهم في دوريات الحدود وعمليات الحراسة الخلفية بدلا من الخطوط الأمامية. وبكلام آخر، يدعو هؤلاء المشككين إلى إرجاء الحكم حتى ظهور المزيد من الأدلة على تورط بيونغيانغ في حرب أوكرانيا من مصادر مستقلة او دولية. 



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2024م

الخميس، 21 نوفمبر 2024

الغارات الإسرائيلية جعلت صور اللبنانية مدينة أشباح


 بقلم الصحفية الفلسطينية سوسن كعوش


أصبح دوي الانفجارات وما يعقبه من تصاعد أعمدة الدخان الأسود الناجم عن الحرائق والدمار الذي تحدثه الغارات الجوية الصهيونية، لا يفارق سماء مدينة صور اللبنانية الساحلية المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتحول المدينة الجميلة إلى أطلال قديمة، وهجر الناس والصيادين شواطئ المدينة التي تحولت بفعل العدوان الصهيوني إلى مدينة أشباح.

صور المدينة اللبنانية واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكل مستمر في العالم وتضم مواقع أثرية مهمة، حولتها أيادي الغزاة إلى ساحة حرب.

صور المدينة الخلابة التي هجرها معظم سكانها إلى أماكن أخرى يحملون مخاوفهم من أن أي مكان في لبنان لم يعد آمنا بعد توسع جغرافية القصف المدفعي، والغارات التي تشنها الطائرات الحربية الصهيونية غي أكثر من مكان، وبالتالي تؤدي إلى موجات نزوح جديدة للسكان الآمنين الذين يخشون أن يواجهوا دماراً يشبه الدمار الذي أحدثه الكيان الصهيوني في قطاع غزة.

في صور، لا يوجد سوى النازحين والعاملين الطبيين. أولئك الذين بقوا هنا موجودون هنا لأنهم لا يستطيعون المغادرة. لم تعد صور تتمتع بأي من هدوء المنتجع الصيفي. يبدو الهدوء أشبه بمقدمة للمأساة.

في الطريق إلى صور، يزيد الدخان المنبعث من غارة جوية على تلة من هذا الشعور، تماماً مثل الحفرة التي تستقبلك عند مدخل المدينة الجنوبية. ليست هذه المرة الأولى التي تخلو فيها الشوارع في صور رابع أكبر مدينة في لبنان، التي عانت من الحروب الحديثة والقديمة، حيث كانت مأهولة بالسكان منذ العصر البرونزي.

لا يوجد أحد خارج مباني المدينة. قبل أيام قليلة، لم يكن بإمكانك التحرك في هذه الشوارع بسبب ازدحام السيارات، ولكن الآن لم يبق فيها روح. بالقرب من المباني السكنية التي تحولت إلى أنقاض في مدينة صور تحمل الأسر المتعبة والخائفة أمتعتها في سيارات وسط الزجاج المكسور والحطام. ويكدسون بعض الأمتعة التي انتشلوها من تحت ركام منازلهم على سقف السيارات.

لقد مزقت الغارات واجهات المباني المحيطة، وكشفت عن أنابيب الحمامات والمطابخ بالكامل في الهواء الطلق. كانت المتعلقات الشخصية متناثرة في كل مكان – أحذية، وصور، وألعاب أطفال، أواني المطبخ، وملابس.

شواطئ مدينة صور الخلابة خالية من الناس. في الشهر الماضي فقط، كان خبراء الحفاظ على البيئة يساعدون السلاحف البحرية المهددة بالانقراض على وضع بيضها على طول الساحل، ولكن منذ ذلك الحين، حذر الجيش الإسرائيلي من الأنشطة البحرية، قائلاً إنها قد تكون مستهدفة.

يقوم الجيش الإسرائيلي بأصدر أوامر بالإخلاء لمناطق في المدينة، مدعيًا وجود أصول لحزب الله في المنطقة دون توضيح أو تقديم أدلة. واستهدفت ضربات المعتدي الصهيوني عدة مواقع تراثية، بما في ذلك ميدان سباق الخيل ومجموعة من المواقع الساحلية المرتبطة بالفينيقيين القدماء والصليبيين. وتسببت الهجمات في دمار هائل وأضرار جسيمة في المنازل والبنية التحتية، والمباني، والمتاجر، والسيارات. والكثير من مباني المدينة سويت بالأرض بالكامل وتضررت الكثير من الشقق في محيطها.

يشعر ما تبقى من سكان المدينة بالقلق للغاية. متخوفين من أن الوضع قد يكون مثل غزة، وأن تصدر إسرائيل المزيد من أوامر الإخلاء التي ستجبرهم على مغادرة مسقط رأسهم ومدينتهم التي يحبوها.


رئيس بلدية صور حسن دابوق يقول إن ربع سكان المدينة فقط بقوا، ويخشى الكثيرون أن الدمار الذي لحق بقطاع غزة الفلسطيني قادم إليهم أيضاً. ويضيف إنهم نفس الأشخاص، نفس الحرب، نفس العقلية، نفس المسؤولين الصهاينة، مع نفس الدعم من الأميركيين والأوروبيين. العناصر هي نفسها، فلماذا يكون الأمر مختلفاً في لبنان؟

كانت ترسو في ميناء صور عشرات السفن. وكانت هذه المنطقة تعج بالنشاط عادة حيث كان الصيادون يحضرون صيدهم لبيعه للتجار، لكنها الآن هادئة بشكل مخيف. ويمكن ملاحظة عدد قليل من الصيادين يمرون، ليس للصيد، ولكن للتحقق من قواربهم. وأغلقت المحلات التجارية والمطاعم، وكانت الثلاجات التي كانت تحتوي على الأسماك الطازجة فارغة ومغلقة.

لم يبق سوى أولئك الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه وأولئك الذين شعروا بواجب البقاء. قالت إحدى سكان صور إنها تفضل البقاء في مسقط رأسها على الموت كلاجئة. لقد خلقت الحرب فراغاً هنا - امتصت الحياة من هذه المدينة القديمة الفخورة بأطلالها الرومانية وشاطئها الرملي الذهبي. الشوارع خاوية، والمحلات مغلقة. والشاطئ مهجور. والنوافذ تهتز بفعل الغارات الجوية الإسرائيلية.

اختار بعض الأطباء في مستشفى جبل عامل، البقاء. وهو واحد من ثلاثة مستشفيات فقط لا تزال تخدم جنوب لبنان. ويمكن رؤية الفرش والمتعلقات الشخصية ملقاة في ممرات المستشفى. ولإقناع بعض موظفيه بالبقاء، سمح مروة لهم بالعيش هناك مع عائلاتهم.


ومثل المدينة نفسها، لم يبق في المستشفى سوى ربع أطباء المستشفى. كما بقي أكثر من ثلث الممرضات. ولكن مع استمرار العدوان، يجهز المستشفى ويستعد للأسوأ. حيث إن هناك أنماطًا مقلقة في تصرفات الجيش الإسرائيلي في لبنان تشبه غزة، وخاصة فيما يتعلق باستهداف عمال الإغاثة والأطباء والمستشفيات. وتقول لبنان إن 13 من مستشفياتها وأكثر من 100 منشأة صحية أخرى أصبحت خارج الخدمة بسبب الضربة الإسرائيلية.

مدينة صور التي كان يعيش فيها ما لا يقل عن 50 ألف شخص، وهي مدينة نابضة بالحياة موطن للمسيحيين والمسلمين. عمرها 2500 عام، وتقع على بعد حوالي 80 كيلومترا (50 ميلا) جنوب العاصمة بيروت، صامدة في وجه العدوان الصهيوني الغاشم. ويرى أهلها الذين يشعرون بالغضب والحزن أن هذه الضربات الإسرائيلية محاولة لضرب الروح المعنوية للناس. ويقول الباقون في المدينة: إذا غادر الجميع، فلن يبقى أحد. هذا جزء من مقاومتنا.

صور المدينة الفينيقية العظيمة التي حكمت البحار وأسست مستعمرات مزدهرة مثل قادس وقرطاج، ووفقاً للأسطورة، كانت مكان اكتشاف الصبغة الأرجوانية سوف تعيد صباغ وجه المدينة بالسلام والفرح بالانتصار على برابرة القرن الواحد والعشرين. 

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

إنتخابات اليابان المبكرة تسببت في فوضى سياسية


 بقلم: د. عبدالله المدني*

في 27 سبتمبر الفائت جرت في اليابان معركة حامية الوطيس للفوز بزعامة الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم كان طرفيها "شيجيرو إيشيبا" وزير الدفاع الأسبق والسياسي اليميني المتشدد "ساناي تاكايشي". أسفرت الجولة الأولى عن حلول إيشيبا في المركز الثاني، لكن الأخير هزم منافسه في الجولة الثانية، ليصبح زعميا للحزب الذي حكم اليابان طوال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية باستثناء فترات قصيرة. 

يخطيء الساسة أحيانا في قراءة المشهدين السياسي والاقتصادي في بلدانهم، لأسباب مختلفة، فيعتقدون أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة كفيلة بتعزيز مواقعهم في السلطة من خلال حصد المزيد من المقاعد لأحزابهم في البرلمان. وهذا تحديدا ما حدث مع إيشيبا الذي ما أن تولى زعامة بلاده حتى دعا إلى إجراء انتخابات عامة في 27 أكتوبر الفائت أي قبل موعدها المقرر بنحو عام. حدث هذا، على الرغم مما عرف عن الرجل البالغ من العمر 67 عاما من خبرة سياسية وعقل راجح وقدر كبير من المهابة والجدية وسعة الإطلاع.

نعم. لقد أرتكب إيشيبا خطأ فادحا بالدعوة إلى انتخابات مبكرة. فقد ظن أنه يحظى بثقة واستحسان جمهور الناخبين لأنه مختلف عن سلفه "فوميو كيشيدا" وغيره من رموز الحزب الحاكم، وبالتالي سوف يصوت اليابانيون بكثافة لتعزيز موقع الحزب فقط لأنه على رأس قيادته، لكنه خلال شهر من توليه رئاسة الحزب والحكومة خلفا لكيشيدا إرتكب بعض الأخطاء التي أضعفت من مكانته وشعبيته ومنها على سبيل المثال تكرار ما فعله سلفه أي منح الأولوية للسياسة الخارجية على حساب الإصلاحات الاقتصادية، وذلك بتأييده فكرة إنشاء "حلف شمال أطلسي آسيوي" من أجل إقامة حصن ضد الصين وسياساتها في منطقتي المحيطين الهاديء والهندي وامتداداتهما.

على عكس توقعاته المتفائلة بحصد المزيد من المقاعد للحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، جاءت نتائج انتخابات 27 أكتوبر 2024 مخيبة لآماله إذ خسر حزبه وشريكه في الحكم المتمثل بحزب "كوميتو" الصغير أغلبيته البرلمانية، الأمر الذي أحدث زلزالا وفوضى سياسية غير متوقعين، بل وسجل في تاريخ الحزب العتيد خسارته الثالثة للأغلبية البرلمانية منذ عام 1955، خصوصا وأن هذه الإهانة للحزب، الذي أعتبر على الدوام الخيار المفضل للناخبين اليابانيين، جاءت في وقت عصيب تواجه فيه الأمة اليابانية مجموعة من التحديات والرياح المعاكسة الداخلية والخارجية.

فداخليا تشهد اليابان تباطؤ معدلات النمو، وتجاوز التضخم لمعدلات الأجور، وانخفاض الصادرات بسبب تباطؤ النمو في الصين (تعد الصين أكبر شريك تجاري لليابان على الاطلاق) وصورة ضبابية عما اذا كان بنك اليابان سيواصل رفع أسعار الفائدة. وخارجيا تواجه البلاد استفزازات كوريا الشمالية، وتعاظم القوة العسكرية للصين المجاورة، ومعهما حروب وضغوط تجارية متوقعة من الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.

غير أن إيشيبا بدا محظوظا، رغم الإهانة التي تعرض لها هو وحزبه. ذلك أن الخلافات والانقسامات الشديدة في الرؤى والأجندات بين أحزاب المعارضة حالت دون اتفاقها على الإئتلاف لتشكيل حكومة بديلة لحكومة الحزب الحاكم. وعليه فقد عقد البرلمان جلسة خاصة في 28 أكتوبر المنصرم لإختيار رئيس الوزراء الجديد، فتغلب إيشيبا على زعيم المعارضة "يوشيهيكو نودا" بحصوله على 221 صوتا مقابل 160، ليستمر في منصبه زعيما للبلاد لفترة قد تطول أو تقصر. ونقول هذا لأن الضرر قد وقع، ومعه دخلت اليابان مرحلة عدم اليقين السياسي، ناهيك عن أن إيشيبا لن يستطيع تنفيذ سياساته وتطلعات حزبه وقيادة البلاد إلى حيثما يريد والبدء في الإصلاحات الاقتصادية الملحة بحرية، نظرا لإفتقاده التفويض الشعبي والدعم البرلماني القوي. 

ويتوقع المراقبون ألا تطول فترة بقائه في السلطة، وذلك استنادا إلى حقيقة أن معظم رؤساء الحكومات اليابانية المتعاقبة لم يستمروا في منصبهم القيادي أكثر من عام أو عامين، أو 3 أعوام على أبعد تقدير، باستثناء "شينزو أبي" و"إيساكو ساتو" (8 أعوام لكل منهما)، و"جونيتشيرو كايزومي" (5 أعوام).

وجملة القول أن هشاشة الوضع الذي يمر به إيشيبا وحزبه تلقي بظلال من الشك على قدرة اليابان لجهة الحفاظ على سياسة اقتصادية متماسكة، والاستجابة للتحولات الاقتصادية المفاجئة، وتوفير البيئة المستقرة التي يحتاجها المستثمرون. ومما لاشك فيه أن هذا بدوره يعطل الإصلاح الضريبي والسياسات التجارية البناءة والحوافز المالية وكلها أدوات حاسمة تؤثر على ثقة رجال الأعمال وتدفقات رأس المال. ومن ناحية أخرى فإن هشاشة الوضع السياسي يعني جمودا في حل قضية الشيخوخة السكانية التي تعاني منها اليابان والتي تسببت في إبطاء النمو وتدفق الاستثمارات الأجنبية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2024م


الخميس، 14 نوفمبر 2024

ماذا تعني عودة الجمهوريين للرئاسة الأمريكية..؟


  كانت النتائج الأولية قد حسمت مبكرا مصير السباق الانتخابي للرئاسة الأمريكية قبل تمام الانتهاء من عملية الفرز ببعض المكاتب الانتخابية وقبل الإعلان عنها رسميا.  لم ينتظر الرئيس الأسبق دونالد ترامب طويلا ليعلن أمام أنصاره فوزه في انتخابات الرئاسة 2024  بمنصب الرئيس الـ 47  للولايات المتحدة الأمريكية أمام مرشحة التيار الديمقراطي كامالا هاريس . كان السباق الانتخابي شاقا وطويلا، وجسدت مجريات الحملة الانتخابية للمرشحين الإثنين أضخم الفعاليات لأكبر حدث سياسي في تاريخ أمريكا والعالم.

صبحة بغورة تكتب:   


لقد حقق ترامب فوزا تاريخيا عريضا على أربع مستويات دفعة واحدة : نتائج صندوق أصوات الناخبين ، أغلبية أصوات كل من  حكام الولايات، أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، ليحقق بذلك عودة مظفرة لم يكن يتوقعها أنها ستكون بهذا الحجم بعد مضي أربع سنوات على خسارته في الانتخابات الماضية أمام الرئيس الديمقراطي جو بايدن. فوز ترامب بمنصب رئاسة الولايات المتحدة يعني مباشرة ترقب تطبيق سياسته المعلنة عنها فورا وهي تلك التي كانت مصاغة في جملة وعود الانتخابية  تندرج تحت الشعار الشهيرلنجعل أمريكا عظيمة ثانية " بمعنى أنها كانت عظيمة في فترة رئاسته الأولى ، ثم تدحرجت في فترة الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن ، وينتظر أن يتوجه إلى دعم وتمكين الجبهة الاجتماعية حيث يريد تخليص المجتمع الأمريكي ممن وصفهم "بالمجرمين والإرهابيين " والمقصود المهاجرين ، إذن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة عمليات ترحيل واسعة النطاق لفئات من المقيمين الأجانب من عديد الجنسيات ومنع التدفق الفوضوي للمهربين عبر الحدود، غلق الحدود أمامهم ومحاربة الهجرة غير الشرعية بتقوية الوضع الأمني   الحدودي،وفي المقابل اتخاذ إجراءات حكومية غير مسبوقة ولكن محفزة  للمواطنين على زيادة النمو الديمغرافي وتتمثل في صرف مبلغ 6 آلاف دولار فورا لكل مولود أمريكي جديد!  وخفض الضرائب، وعدم السعي للحرب.

تأسس الحزب الجمهوري في عام 1854 على يد معارضي قانون كانساس نبراسكا الذي سمح بانتشار العبودية في بعض الأراضي الأمريكية  ثم تبنى الحزب الليبرالية الكلاسيكية  ودعّم الإصلاح الاقتصادي وعارض انتشار العبودية في البلاد ،وكان أبراهام لينكولن أول رئيس أمريكي من الحزب الجمهوري.  وفي  عهد الرئيس لينكولن والكونغرس الجمهوري عام 1865 تم حظر العبودية في الولايات المتحدة. وبعد عام 1912 شهد الحزب تحولا أيديولوجيا نحو اليمين بعد سن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965فتغير الجوهر الأساسي للحزب وأصبحت الولايات الجنوبية أكثر جدارة بالثقة في السياسة الرئاسية. تشمل قاعدة دعم الحزب في القرن الحادي والعشرين الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية والرجال وأبناء الجيل الصامت،والأمريكيين البيض، والمسيحيين الإنجيليين.

هذه البسطة التاريخية الموجزة تعطي مؤشرات على طبيعة التوجهات الرئيسية المتوقعة للإدارة الأمريكية في الفترة القادمة وما سيكون عليه الوضع السياسي والاقتصادي،فالأغلبية المحققة للحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب تمنح ترامب مساندة المجلسين لسياسته داخل الولايات المتحدة وخارجها، والمتوقع ان تحدث العديد من التغيرات بما يناسب الظروف المستجدة، وأن يمضي قدما في تشكيل حكومته دون متاعب. وقد يستغل اعتبار مجلس الشيوخ أن حرب غزة من القضايا التي فشلت فيها الإدارة الأمريكية بقيادة الحزب الديمقراطي فكانت سببا في خسارة الحزب في الانتخابات الرئاسية 2024

لا يختلف موقف الرئيس الجمهوري الأمريكي عن الديمقراطي تجاه القضية الفلسطينية في شيء، إذ لا يؤمن الرئيس ترامب بحل الدولتين،  لذلك فليس من المتوقع أن يرفع الكيان المحتل قبضته على الشعب الفلسطيني قبل أن يتحقق له ما أراد من أهدافه العدوانية المعلنة بمباركة أمريكية .  أثار فوزالرئيس الجمهوري ترامب بمنصب الرئاسة الأمريكية تفاؤلا أوروبيا بإنعاش العلاقات الاقتصادية والتجارية وبفتح أبواب الأمل مشرعة نحو وضع حد للتدهور الاقتصادي العالمي،  حيث أكدت الصين أن سياستها ثابتة وواضحة تجاه الولايات المتحدة ولم تتغير مهما كان الرئيس ، وأن فوز ترامب لم يكن مفاجئا للصين بل كان متوقعا وأنها تحرص على العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل بينهما . كما أكدت المفوضية الأوروبية على ضرورة الحفاظ على التحالف الدائم معا للولايات المتحدة.وقد يجوز الاعتقاد بوجود فرص حقيقية لإرساء الأمن والسلام العالميين، وأن يكون فوز دونالد ترامب مناسبة قوية للتعجيل بوقف الحرب ببين روسيا وأوكرانيا ، ولكن يخشى بعض المراقبين أن يساعد الرئيس الأمريكي الجديد اسرائيل على الإسراع في توسعها الاستيطاني بقطاع غزة والضفة الغربية،وأنه قد يلجأ إلى سياسة التخويف لكسب بعض الأنظمة العربية والإسلامية لتأمين المصالح الأمريكية  في العالم. وفي إيران يبدو أن الوقت ما زال مبكرا لبلورة موقف واضح تجاه فوز الرئيس الجمهوري  بالرئاسة الأمريكية حيث تراوحت ردود الفعل بين القلق والحذر والتفاؤل،وكانت فترة رئاسة ترامب الماضية قد شهدت تصعيدا غير مسبوق مع إيران بدءا من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018ثم فرضها عقوبات اقتصادية عليها شديدة امتدت إلى المجتمع الدولي وسميت بـ"الضغوط القصوى"

يمكن أن تحفل الفترة القادمة من عهدة الرئيس ترامب بمؤشرات انفراج للعديد من القضايا الدولية الشائكة، كما قد تحمل مزيدا من التعقيد لأزمات قائمة فعلا باتجاه العمل المسلح ذات التصعيد المحدود. وتتلخص توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في تقوية التحالفات السياسية والعسكرية ، ونشر مبادئ وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعظيم المصالح الأمريكية، مع الحرص على الحفاظ على درجة مقبولة من الواقعية تجاه الآخرين ،والجمع بين ضبط السياسة الخارجية على أسس براغماتية وأخلاقية في نفس الوقت ،وجعل العلاقات التجارية والتكنولوجية الأمريكية العابرة للحدود الوطنية كمحدد مهم للعلاقات السياسية وحتى الأمنية للبلاد.

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

قمة الرياض .. لتأكيد وحدة المواقف وتوحيد القرارات

 


انعقدت في  11 نوفمبر الجاري بالعاصمة الرياض القمة العربية الإسلامية غير العادية لبحث وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان ، وإدخال المساعدات الإنسانية ، ومنع التهجير القسري للفلسطينيين ، وكانت الرياض قد احتضنت في 11 نوفمبر 2023 قمة طارئة مماثلة لبحث التطورات الخطيرة في قطاع غزة .

صبحة بغورة تكتب :

في ظروف استثنائية بالغة التعقيد وشديدة الحساسية احتضنت الرياض قمة العرب والمسلمين لبحث توحيد المواقف من أم قضايا العالمين العربي والإسلامي، القضية الفلسطينية، وعلى ذلك تميزت كلمات رؤساء الوفود المشاركة بقوة الطرح ووضوح الفكرة وجلاء الموضوع وتضمنت في معظمها التأكيد على عدالة قضية الشعب الفلسطيني وتجديد الالتزام الكامل بدعم قطاع غزة بكافة أشكال الدعم الإنساني وإدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة في أسرع وقت ، والعمل على منع ومقاومة تهجير سكان القطاع ،وإدانة الاستيطان، كما تضمنت كلمات رؤساء الوفود تحذيرات جادة من عواقب استمرار عمليات التقتيل والإبادة الجماعية وتطبيق سياسة التجويع ومن خطر انعكاس أثر ذلك على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط .

جاءت كلمة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية قوية إذ طالب منظمة الأمم المتحدة بإسقاط عضوية اسرائيل في المنظمة ما لم تتراجع عن حربها في فلسطين وتتراجع عن تحديها لأحكام للقانون الدولي، كما طالب في كلمات قوية بعودة منظمة " الأونروا" وتمكينها من استرجاع دورها الإنساني في قطاع غزة، وطالب مجلس الأمن الدولي بحصول فلسطين على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة كدولة تتمتع بكامل الحقوق، وشدّد على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين ، وعلى أن أي حل مستقبلي يجب ان يتضمن الضفة الغربية وغزة .


المتفق عليه أن قمة الرياض اخترقت  مجددا جدار الصمت الدولي ، وأعلنت رفض المجموعة العربية والإسلامية عمليات الإبادة الجماعية في غزة وانتهاك سيادة لبنان ، ودعت لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وتضمنت القمة تحذيرات من التصعيد المسلح المتواصل وخطر امتداده على المستوى الإقليمي وألحت على وقف العدوان على غزة والبنان, 

لقد سبق منذ عام تقريبا إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة ،ولكن فصول الجريمة بقيت متواصلة والتوسّع في العدوان مستمر بشكل أكثر عنفا وأوسع انتشارا، ولعل هذا ما دفع حركة حماس قبيل انعقاد القمة إلى توجيه الدعوة لتشكيل تحالف عربي وإسلامي لتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه كافة.

الملاحظ غياب أي استعداد لدى حركة حماس للاندماج مع السلطة الفلسطينية في العمل الوطني ، وأنها مازالت تستشعر القوة لمواصلة المقاومة بالرغم من ما لحق بقطاع غزة من مذابح  وإبادة جماعية وتهجير وهدم وتدمير ، وإذا كانت هناك مؤشرات على مواصلة المناطحة بين حركتي فتح وحماس لفرض الوجود فإنه لا يعدو أن يكون من أجل السيطرة على قطاع من أطلال وخرابات وقبور واقع تحت الهيمنة الإسرائيلية ولا توجد أدنى فرصة للفكاك من تلك الهيمنة ، وما يزيد مهمة المجموعة العربية صعوبة هو تفكك جبهة المقاومة إلى مجموعة فصائل متفرقة ،وذات انتماءات متباعدة ، ومن زاوية أخرى يتبين بغياب إيران عن القمة بعد أن فقدت حركة حماس لمعظم قادتها الموالين لها والمؤثرين فيها أنها لم تعد طرفا مؤهلا للتحكم في توجيه العمل الوطني الفلسطيني المصيري، وأنه سوف تبقى النظرة إليها كعقبة كؤود أمام توحيد الصف الفلسطيني تفعل فعلها في قصور الدعم وتقصير المساندة .

الوضع الحالي مفعم بالتناقضات ، المعنيون بالقضية أصحاب الأرض متفرقين شيعا، الدولة الفلسطينية منقسمة إلى كيانين متنافرين ، بقيادتين وحكومتين متباعدتين وتنظيمين مسلحين، السلطة الشرعية بعيدة عن الأحداث والتمويلات الخارجية لقطاع غزة تمر على البنوك الإسرائيلية ولا تعلم السلطة عنها شيئا إلا أماني فقط . دعوة القمة العربية والإسلامية لوقف إطلاق النار قوبلت باستهجان المجتمع الدولي لأنها لم تستقم مع توقف حزب الله عن إطلاق الصواريخ وتوجيه المسيرات نحو اسرائيل ، أي أن المقاومة تريد شيئا وتدعو إليه وهي تأتي بنقيضه! ومع كل ذلك بقيت القمم العربية والإسلامية تتقاسم نفس الرؤى وذات المواقف، متماسكة ومتمسكة بوحدة القرارات أمام عبث الفصائل الفلسطينية على حساب الأهداف الوطنية والمصلحة الحياتية لشعب أعزل.  



ماذا تنتظر اندونيسيا في عهد رئيسها الثامن؟


بقلم د. عبدالله المدني*

تم مؤخرا في جاكرتا تنصيب "برابوو سوبيانتو" رئيسا جديدا للبلاد، خلفا لجوكو ويدودو الذي حكم أندونيسيا لفترتين رئاسيتين متعاقبتين.، وبهذا حقق سوبيانتو حلما قديما داعبه ليقود هذه البلد الآسيوي الكبير منذ أن كان عسكريا وقائدا للقوات الخاصة في عهد عمه (والد زوجته) الديكتاتور سوهارتو، ومرورا بأكثر من محاولا فاشلة على مدى عقد من الزمن لدخول قصر مرديكا الرئاسي.

وعلى الرغم من كلمته في حفل تنصيبه في العشرين من أكتوبر الفائت، والتي دعا فيها الأمة والساسة والأحزاب إلى التحلي بالشجاعة في مواجهة التحديات، بوضع مصلحة أندونيسيا فوق أي اعتبار و أي مصلحة أخرى، فإن الكثيرون يتوقعون حدوث صدام، إنْ عاجلا أو آجلا، بين سوبيانتو (ثامن رئيس أندونيسي منتخب منذ انتهاء الديكتاتورية) وساسة البلاد فيما خص السياسات والتوجهات العامة. ولعل مرد هذا التخوف يكمن في ما عرف عن الرجل من عناد وطموحات وسطوة، دعك من سجله القديم الحافل بالعنف ضد خصومه إبان توليه مناصب عسكرية رفيعة في عهد سوهارتو.

في أول خطاب له أمام البرلمان بعد تقديم طاقمه الوزاري الجديد، لوحظ تركيزه على عدة مسائل رئيسية مثل: الحاجة إلى سياسة خارجية نشطة، والعمل من أجل الإكتفاء الذاتي، وضرورة الحد من الفقر في المجتمع، علاوة على اعتماد حكم قوي لتحقيق برامج الحكومة. لقد توقف مراقبون كثر أمام الجزئية الأخيرة قائلين أنها قد تقود إلى نوع من الإستبدادية والخروج عن النهج الديمقراطي الذي ميز عهود كل أسلافه منذ عام 1998. خصوصا وأنه قال بالحرف الواحد: "دعونا ندرك أن ديمقراطيتنا يجب أن تكون ديمقراطية فريدة من نوعها"، ناهيك عن أنه وصف الديمقراطية سابقا بأنها عادة سيئة يصعب التخلص منها مثل التدخين. 

فيما خص سياسات جاكرتا الخارجية، التي تميزت في عهد سلفه، بالهدوء والحذر والنأي بالنفس عن الصراعات الدولية إلا فيما ندر، يمكن القول أن سوبيانو سوف يلعب دورا نشطا على المسرح الدولي، من خلال تنشيط الدور الباهت لحركة عدم الإنحياز، والدفاع عن مصالح العالم الثالث باعتبار أن أندونيسيا جزء منه، ولعب دور الوسيط النزيه في الصراعات الدولية، ودعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية اسلامية يتعاطف معها مسلمو أندونيسيا (بالرغم من وجود تعاون عسكري صامت بين جاكرتا وتل أبيب)، ومحاولة الإنضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية. 

ويتوقع أن يقود سوبيانتو بنفسه دفة الدبلوماسية الإندونيسية متجاوزا بذلك وزير خارجيته الجديد ومساعده المقرب "سوجيونو" الذي ربما عهد إليه بحقيبة الخارجية كي يضمن عدم الاعتراض على قراراته، خصوصا وأن سوجيونو ليس دبلوماسيا محترفا وقليل الصلة بالعلاقات الخارجية، بعكس سلفه الوزيرة رينتو مارسودي.

وتأكيدا على ما سبق، لابد من الإشارة إلى هوس سوبيانتو بالشان الخارجي الذي بدا واضحا إبان عمله وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس المنتهية ولايته جوكو ويدودو، في الفترة ما بين عامي 2019 و2024. فوقتذاك تكررت زياراته الخارجية واشرف بنفسه على توثيق علاقات بلاده العسكرية مع واشنطن ووقع اتفاقية تعاون عسكري جديدة مع استراليا. إلى ذلك اختار أن تكون أول زيارة خارجية له، بعد الإعلان عن فوزه بالرئاسة في أبريل الماضي، إلى الصين وليس إلى الولايات المتحدة أو أوروبا اللتين ينظر إليهما كقطبي توازن مع الصين في منطقة المحيطين الهاديء والهندي. وعلى الرغم من أن سوبيانتو قام بعد ذلك بزيارة اليابان، إلا أن المراقبون فسروا منحه الألولوية للصين على أنه انعكاس لرغبته في التودد للصينيين من أجل استثماراتهم التنموية.

فإذا ما انتقلنا إلى موضوع الحد من الفقر، كأحد المواضيع الرئيسية ضمن أجندة سوبيانتو، نجد أنه كان على رأس برنامجه الانتخابي في السباق الرئاسي الأخير، حيث وعد الناخبين بتقديم وجبات مجانية لأطفال المدارس، ومساعدة غذائية للنساء الحوامل وبناء 3 ملايين منزل جديد. والمشكلة هنا أن تنفيذ هذه الوعود تحتاج إلى تكاليف باهضة (مثلا الوجبات المدرسية المجانية تكلف وحدها نحو 26 مليار دولار)، الأمر الذي يستدعي إجراء تخفيضات في الميزانيات المخصصة لمجالات أخرى أو السماح للدين العام بالإرتفاع. وقد لوحظ أن سوبيانتو أبقى على وزيرة المالية في حكومة سلفه السيدة "سري مولياني أندراواتي"، للإستفادة من خبرتها الطويلة والمتميزة في الشؤون المالية، لكنه في المقابل جدد تعيين إبن شقيقه في منصب نائب وزير المالية كي يكون عينا له.

أما موضوع الإكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة، فقد وعد سوبيانتو بتحقيقه أيضا من خلال برامج لتوسيع الرقعة الزراعية ودعم الأسر المنتجه وزيادة انتاج الفحم والديزل الحيوي (من قصب السكر وزيت النخيل)، وهذه الطموحات تصطدم أيضا بعقبة التمويل، علاوة على إصطدامها بالسياسة الخضراء والبيئية النظيفة.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: نوفمبر 2024م 




الثلاثاء، 5 نوفمبر 2024

الجفاء الهندي الصيني .. ما هي أسبابه الحقيقية؟


 

بقلم : د. عبدالله المدني*

الاجتماع الثنائي الذي جمع بين الزعيم الهندي ناريندرا مودي ونظيره الصيني شي جينبينغ على هامش قمة مجموعة بريكس التي انعقدت مؤخرا بمدينة قازان الروسية، والتي نجم عنها اتفاقهما على تسوية المواجهة الحدودية الطويلة بين بلديهما الجارين في القطاع الغربي من الهيمالايا، دفع المراقبين إلى إعادة فتح ملف العلاقات الباردة والمتقلبة بين القطبين الآسيويين الكبيرين.

يعتقد البعض أن خلافات البلدين أسبابها تاريخية وأيديولوجية، ويعتقد البعض الآخر أنها تعود إلى مشاكل جيواستراتيجية، ويعتقد البعض الثالث أن وراءها حرب صيف 1962 التي شنتها الصين على الهند وانتزعت من ورائها آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي الهندية زمن نظام ماو تسي تونغ، وهناك البعض الرابع الذي يعزي خلافاتهما إلى تنافسهما المتعاظم على النفوذ في منطقة المحيط الهندي وامتداداتها.

لكن المتتبع لمسار علاقات الطرفين البينية في العقود الأخيرة، يكتشف عاملا آخر يتمثل في تقارب نيودلهي المتزايد من واشنطن، وهو الأمر الذي أجج ويؤجج شكوك الصينيين ويعتبرونه مخططا هنديا ــ أمريكيا مشتركا لإحتواء بلادهم وإعاقة تطلعاتها السياسية والاقتصادية.

والمعروف أن التوترات بين نيودلهي وبكين بدأت في عام 2017 حينما اتهمت الأولى الثانية بالقيام بأعمال استفزازية متعمدة عبر الحدود المشتركة في هضبة دوكلام الجبلية في أعالي جبال الهيمالايا عند نقطة إلتقاء حدود الصين والهند ومملكة بوتان، نجم عنها مقتل 20 جنديا هنديا وعدد غير معروف من الجنود الصينيين ثم تصاعدت منذ منتصف يونيو 2020 حينما وقعت اشتباكات دامية بالعصي والهراوات والقضبان بين جنود البلدين في منطقة غالوان الجبلية المتنازع عليها. وقتها اعتبر الكثيرون أن الحادثتين افتعلهما الصينيون، اعرابا عن قلقهم من اتفاقات وقعتها حكومة مودي مع واشنطن، صارت الهند بموجبها شريكا وحليفا فعليا للولايات المتحدة في جنوب آسيا، لقد اعتبر الصين أن ما أقدمت عليه الهند جزءا مكملا للسياسة الأمريكية الرامية لإحتوائها والتي كانت العنصر الأساسي لتوجهات إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إبان ولايته الثانية. ولهذا قاموا بزيادة الضغط على حكومة مودي كي تتراجع وتغير انحيازها لواشنطن.

وتخفيفا للتوتر الذي حدث في علاقات البلدين بسبب حادثة هضبة دوكلام أرسل مودي وزير خارجيته "سوبرامانيام جايشنكار" إلى بكين كي يؤكد للصينيين أن الهند لا تريد التصعيد وأنها ملتزمة بحل أي خلافات بالطرق السلمية من خلال آليات رفيعة المستوى. مهدت تلك الزيارة عقد قمة غير رسمية بين زعيمي البلدين بمدينة "ووهان" الصينية في ابريل 2018، حيث تمت مناقشة الخلافات وكيفية إدارتها.

غير أن نيودلهي مضت قدما في تعزيز علاقاتها مع واشنطن، فوقعت في سبتمبر 2018 اتفاقية جديدة مع الولايات المتحدة خاصة بأمن المعلومات والاتصالات (CISMOA)، علما بأنها كانت قد وقعت في أغسطس 2016 اتفاقية مماثلة حول التبادل اللوجستي (LEMOA).

وعليه فإنه حينما انعقدت القمة غير الرسمية الثانية بين مودي وشي جينبيغ بمدينة "ماهاباليبورام" الهندية في أكتوبر 2019، لم يتمخض عنها شيئا، بل بدت فاشلة بكل المقاييس، بدليل أن الزعيم الصيني زار نيبال مباشرة بعد القمة، ومن هناك وجه تحذيرا شديدا قال فيه:"أي شخص يحاول تقسيم الصين في اي جزء من البلاد سوف ينتهي به الأمر إلى أجساد محروقة وعظام محطمة"، حيث أعتبر كلامه موجها إلى التعاون الهندي ــ الأمريكي المطرد، بل إلى الهند تحديدا لاسيما بعد إطلاق وسائل الإعلام الهندية الموالية لحزب مودي الحاكم حملة دعائية ضد الصين وسياساتها ومشرعها الإستراتيجي المعروف باسم "الحزام والطريق"، دعك من إقدام نيودلهي في أكتوبر 2020 على توقيع اتفاقية رابعة مع واشنطن حول التعاون والتبادل الاستخباراتي (BECA)، تكملة وتعزيزا لإتفاقية وقعت في عام 2002 حول امن المعلومات.

مضى مودي في توثيق علاقات بلاده مع الولايات المتحدة دونما اكتراث بملاحظات واعتراضات الصين، مشددا على أنه لا يحق لأي دولة أن تملي إرادتها على الهند وسياساتها وعلاقاتها الخارجية، وواثقا من أن علاقته الوثيقة مع الإدارة الأمريكية ستؤمن لبلاده وصولا تفضيليا إلى الأسواق والاستثمارات والتكنولوجيا الأمريكية.

ونختتم بالقول أن سياسات مودي هذه لها معارضون كثر داخل الهند، خصوصا من اليساريين والشيوعيين، وأتباع "حركة عدم الإنحياز" النهروية (نسبة إلى جواهر لال نهرو) وغيرهم ممن يزعمون اليوم أن مودي اكتشف مؤخرا أن التحالف والتعاون الهندي ــ الأمريكي لم يفد الهند بشيء، خلافا لتوقعاته، فاستدار إلى الصين، محاولا التفاهم والتعاون معها، في إشارة إلى اجتماعه بنظيره الصيني على هامش قمة بريكس الأخيرة.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2024م



 


الثلاثاء، 29 أكتوبر 2024

ماذا وراء تحركات الصين الأخيرة ضد تايوان؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني

منذ اندلاع الحرب الروسية ــ الأوكرانية، انتشرت تقارير كثيرة من مصادر مختلفة مفادها أن بكين ستقتدي بموسكو وتغزو تايوان التي تعتبرها إقليما منشقا، خصوصا وأن الزعيم الصيني "شي جينبينغ" تعهد مرارا بإعادة توحيدها مع البر الصيني حتى لو لزم الأمر استخدام القوة.

وفي الأسبوع الماضي، أقدمت بكين على مدى يومين بإجراء ما يمكن وصفه بأضخم مناورات عسكرية في مضيق تايوان، تحت إسم "السيف المشترك"، وبمشاركة أعداد كبيرة من السفن الحربية والمقاتلات الهجومية والمسيرات.

حبس العالم أنفاسه خوفا من اندلاع حرب جديدة في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية، وراح بعض المراقبين إلى التأكيد بأن الصين عازمة هذه المرة على غزو شامل لأراضي تايوان، منتهزة انشغال الولايات المتحدة بحرب أوكرانيا وأوضاع الشرق الأوسط وانتخاباتها الرئاسية. ولعل ما زاد من المخاوف هو قيام الحكومة والمنظمات التايوانية بنشر "دليل الدفاع المدني" بكثافة، متضمنة تعليمات ونصائح مشددة حول كيفية التصرف في حال حدوث غزو عسكري صيني.

ولم تنقطع سيل التنبؤات والتحليلات والتحذيرات، إلا بعد اختتام الصينيين لمناورتهم التي تبين أنها كانت عقابية وتحذيرية ضد زعماء تايوان ورموز حزبها الحاكم (الحزب الديمقراطي التقدمي) المعروفين بتوجهاتهم الإنفصالية واستفزازاتهم المتكررة لبكين. وكان آخر هذه الاستفزازات ما بدر من رئيس تايوان الجديد "لاي تشينغ تي" (أنتخب في يناير 2024)، أذ تعهد قبيل المناورات بأيام قليلة بمقاومة أي عملية لضم بلاده الديمقراطية إلى الصين الشيوعية، قائلا أن تايوان ليست تابعة للأخيرة.

في بيان انتهاء المناورات قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية أن بلاده مستعدة للعمل من أجل إعادة التوحيد سلميا، لكنها لا تعد بعدم استخدام القوة ولن تعطي أدنى مساحة لأولئك الساعين من أجل استقلال تايوان.

والمعروف أن المناورات الصينية العسكرية في مضيق تايوان تكررت خلال السنوات القليلة الماضية، بل شهد العام الجاري وحده أربع مناورات كان آخرها في مايو المنصرم. لكن المناورة الأخيرة في 14 أكتوبر كشفت عن استراتيجيات جديدة لبكين. ذلك أن التركيز فيها كان على قوة سلاح البحرية مع مشاركة واسعة لقوات خفر السواحل تحديدا، وتدريبات مكثفة على أعمال التفتيش ومحاصرة المواني والطرق البحرية وقطع السبل على أي تدخل اجنبي، خصوصا وأن بكين استخدمت فيها السفينة الضخمة (CCG 2901) ذات المميزات الكثيرة في حالات اصطدام السفن ببعضها أو إعاقتها، علما بأنها هي الأكبر في سلاح خفر السواحل، ويفوق وزنها وثقلها وزن أثقل المدمرات الأمريكية. 

وهذا أوحى للكثيرين بأن المناورات الأخيرة لم تكن سوى بروفة لإستراتيجية صينية جديدة حيال تايوان. وبعبارة أخرى هي بروفة مستقبلية لإستعادة تايوان بالإعتماد على فرض حصار بحري شامل حولها لقطع وارداتها وصادراتها وخنقها اقتصاديا، بدلا من استراتيجية الغزو عن طريق الإنزال الجوي والبري. والمعروف، في هذا السياق، هو أن معظم المراقبين الغربيين اعتقدوا طويلا بأن الصين سوف تسعى لضم تايوان بتوجيه ضربة مفاجئة لها وبطريقة تمكنها من تحقيق هدفها مباشرة ودون عناء، وذلك بقطع رأس القيادة في تايبيه.

وكتأكيد على استراتيجية الحصار بدلا من الغزو المباشر قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الحكومية أن السفينة  GCC والقطع التابعة لها سوف تكثف من وتيرة أنشطتها حول تايوان، معلنة بذلك عزم بكين على منحها دورا أكبر في الجهود الصينية الرامية للضغط على تايبيه والتايوانيين. ثم جاء تصريح متحدث باسم الجيش الأحمر ليعزز هذا التأكيد بقوله أن الغرض من المناورات الأخيرة هو تحقيق وضع يتم فيه تثبيت (حصار) جزيرة تايوان المنشقة من كل الجوانب، شاملا قطع وارداتها وإقامة حائط صد ضد أي تدخل أجنبي يأتي من الشرق (أي من الولايات المتحدة).

ويرى المراقبون أن بإمكان بكين استعادة تايوان بقصف عسكري مفاجيء كما قلنا، لكن استراتيجية الحصار يسمح باخضاعها دون خسائر بشرية ومادية هائلة ودون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة ومكلفة مع الولايات المتحدة، لاسيما وأن القوة البحرية الصينية تستطيع بتكتيكاتها الحصارية أن تبقي أساطيل واشنطن القادمة لنجدة تايوان في حالة من عدم اليقين حول قواعد الاشتباك لأشهر او ربما لسنوات، تكون خلالها الأوضاع قد تغيرت.

ومن الواضح هنا، أن بكين تراهن على الزمن في شل الاقتصاد التايواني المعتمد بنسبة 98% على الخارج في واردات الطاقة، كما أنها تراهن على تعميق الانقسام السياسي الراهن في تايوان، حيث أن نسبة كبيرة من التايوانيين هم من أنصار الحزب القومي (الكومينتانغ)، الذي أسس وأدار البلاد لعقود طويلة بقيادة الماريشال تشانغ كاي تشيك، ويتبنى حاليا فكرة ان تايوان جزء من الصين، ويفضل إقامة علاقات جيدة مع بكين، ويعارض فكرة إعلان الإستقلال التي يتبناها الحزب الحاكم، لاسيما وأنه يملك الصوت الأعلى في المجلس التشريعي لتايوان.

غير ان أي حصار طويل لتايوان من قبل بكين يعتبر سلاحا ذا حدين، فهو لئن افترضنا أنه يحقق للصينيين ما يتطلعون إليه بأقل الخسائر، إلا أنه مكلف نفسيا ولوجستيا وقد يستدعي فرض عقوبات ومقاطعة تجارية مشددة ضد الصين من قبل أركان المجتمع الدولي، وحتى دون صدور قرار من مجلس الأمن الذي لو أصدر شيئا من هذا القبيل لأسقطته بكين فورا بالفيتو.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2024م


الثلاثاء، 22 أكتوبر 2024

رحيل تاتا، عملاق الصناعة الهندية وملهم الملايين


 

بقلم: د. عبدالله المدني *

في 9 أكتوبر الجاري توفي عملاق الصناعة الهندية "راتان نافال تاتا" الذي ستتذكره الهند طويلا باعتباره شخصية كانت لأعماله الخيرية، ونهجه الشامل في مجال الصناعة والتجارة، وقيادته الأخلاقية، ورؤيته البعيدة، وتعاطفه العميق مع الآخرين، تأثير دائم وإيجابي على ملايين الهنود. ولا نبالغ لو قلنا أن تأثيره كان ملموسا وذا صدى في الهند أكثر من تأثير كافة الأحزاب والساسة الهنود. فقد ساهم في تحويل "مجموعة تاتا" من قوة هندية محلية إلى قوة عالمية عبر الإستحواذ على شركات عالمية مثل شركة الشاي البريطانية (تيتلي) عام 2000 مقابل 271 مليون جنيه إسترليني، وشركة جاغوار ولاند روفر البريطانية في 2008 مقابل 2.3 مليار دولار، وشركة دايوو الكورية لتصنيع الشاحنات عام 2004 مقابل 102 مليون دولار، وشركة الصلب الأنجلو هولندية العملاقة (كوروس قروب) عام 2007 مقابل 11.3 مليار دولار. هذا ناهيك عن قيادته في عام 2008 لمشروع السيارة الأرخص في العالم والمعروفة باسم "نانو تاتا"، والتي حققت للملايين من مواطنيه حلم امتلاك مركبة خاصة، كون سعرها لم يتعد الألفي دولار. وقد نعاه الرئيس التنفيذي لشركة غوغل العالمية "سوندار بيتشاي" قائلا: "إن تاتا ترك وراءه إرثًا تجاريًا وخيريًا استثنائيًا، وكان له دور فعال في توجيه وتطوير القيادة التجارية الحديثة في الهند، ومضيفا: "لقد كان مهتمًا بشدة بجعل الهند أفضل".

غير أن صيت راتان (إسم علم هندي بمعنى الجوهرة) تاتا لم يتأت من ذلك فقط، وإنما أيضا من توجيه أرباح مجموعته إلى العمل الخيري وإلى مجالات التعليم والبحث العلمي والرعاية الصحية ومكافحة الأمراض، علاوة على دعم الجامعات والكليات الأجنبية ذات الشهرة في تخريج الكفاءات العلمية مثل جامعة كورنيل الأمريكية التي إلتحق بها سنة 1955 لدراسة الهندسة المعمارية وتخرج منها عام 1959 ، وكذا جامعة هارفارد العريقة، وكلية لندن للإقتصاد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (IMT)، ناهيك عن تخصيصه لملايين الدولارات لإبتعاث الشباب إلى جامعات الغرب من أجل اكتساب المعارف والتخصص في العلوم الدقيقة، وذلك بهدف الإرتقاء بوطنه. ولهذا تجد في كبريات الجامعات الغربية قاعات أو مراكز تحمل إسم تاتا، ومنها "مركز تاتا للتكنولوجيا" في معهد IMT المتخصص في تقديم حلول للتحديات التي تواجه المجتمعات الفقيرة لجهة الحصول على الكهرباء والمياه النظيفة والتعليم الجيد. 

ولم يكن إنفاق مجموعة تاتا، التي تأسست قبل 156 عاما على يد جده رائد الأعمال والمشاريع "جامسيتجي تاتا"، على البحث العلمي والمعارف والتعليم غريبا. فالباحث في تاريخ الهند المعاصر سيتفاجأ بأن تاتا الجد كان أول الملبين لنداء بطل الإستقلال جواهر لال نهرو، حينما دعا كافة أثرياء الهند غداة إستقلال البلاد سنة 1947 للمساهمة المالية في دعم مشاريع البحث العلمي، إذ سارع الرجل إلى التبرع بنصف ثروته من منطلق واجبه نحو وطنه، ثم من منطلق أن ما يصرفه اليوم على الأبحاث العلمية سيعود على شركاته بالنفع مستقبلا. والمعروف أن أعمال عائلة تاتا توسعت كثيرا بعد استقلال الهند، فشملت "تاتا للصلب والفولاذ" التي لعبت دورا هاما في بناء الأمة الهندية، و"تاتا للمركبات" التي ينتشر حافلاتها في معظم دول الخليج العربية، و"تاتا للفنادق" مالكة مجموعة فنادق تاج محل الشهيرة التي افتتحت عام 1903 اول فندق في الهند مزود بالكهرباء بمدينة بومباي، و"تاتا للطيران" التي أسست شركة طيران الهند سنة 1932 (تم تأميمها عام 1953)، و"تاتا لمستحضرات التجميل" التي دشنت العلامة الهندية الشهيرة لاكمي عام 1952.

في أواخر 2012 تقاعد عن العمل بعد أن تدرج في المناصب منذ التحاقه بأعمال العائلة في 1961، موظفا في "تاتا للصلب" ثم مسؤولا عن "الشركة الوطنية للإتصالات"، وصولا إلى رئاسته لمجموعة تاتا سنة 1991 خلفا لعمه. وإبان هذه الفترة واجه تحديات جمة، خصوصا في حقبة ما قبل تحرير الإقتصاد الهندي من النهج الإشتراكي العقيم، لكنه تجاوزها بفضل فكره النير وصبره وتواضعه ودعم مواطنيه وإشادة وسائل الإعلام بأعماله الخيرية الكثيرة ورؤيته القائمة على التجديد والابتكار والتطوير والتخلص من البيروقراطية وتجديد الدماء والتركيز على عولمة أعمال مجموعته، ما جعل إرثه ملهما للملايين داخل الهند وخارجها، خصوصا وأن استراتيجياته وقيادته الماهرة لمجموعة تاتا خلال فترة ولايته التي استمرت 21 عاما نجحت في تحقيق الأرباح بأكثر من 50 ضعفا. هذا علما بأن القيمة السوقية الإجمالية لمجموعة تاتا وصلت في مارس الماضي إلى أكثر من 365 مليار دولار.

وراتان تاتا، المولود بمدينة بومباي في 1937 لعائلة بارسية تدين بالزرادشتية، عرف بعطفه على الحيوانات واهتمامه بالرفق بالحيوان، بدليل انسحابه من حفل على شرفه بقصر بكنغهام سنة 2018 بمجرد علمه بمرض كلبه الوفي، ثم بدليل إقدامه على تشييد مستشفى خاص للحيوانات على احدث طراز في بومباي (تم افتتاحه قبل وفاته بأشهر). لكنه في المقابل نجد له اسهامات كبيرة في بناء المستشفيات والمراكز الصحية لعلاج الفقراء من مواطنيه، وتأسيس مراكز أبحاث السرطان ورعاية المصابين به.

ونختتم بما قاله بيتر كيسي مؤلف كتاب "قصة تاتا" من أن جوهر فكر ونشاط الراحل هو "ربط الرأسمالية بالعمل الخيري، من خلال ممارسة الأعمال التجارية بطرق تجعل حياة الآخرين أفضل".



د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الهندي

تاريخ المادة: أكتوبر 2024م

الثلاثاء، 15 أكتوبر 2024

إيشيبا يستعد لقيادة يابان جديدة


 د. عبدالله المدني *

في 27 سبتمبر الفائت جرت في طوكيو معركة حامية الوطيس للفوز بزعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان بين "شيجيرو إيشيبا وزير الدفاع الأسبق والسياسي اليميني المتشدد "ساناي تاكايشي". أسفرت الجولة الأولى عن حلول إيشيبا في المركز الثاني، لكن الأخير هزم منافسه في الجولة الثانية، ليصبح زعميا للحزب الذي حكم اليابان طوال السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية باستثناء فترات قصيرة. وعلى الفور قرر الحزب الدعوة إلى إجراء انتخابات عامة في 27 أكتوبر الجاري أي قبل موعدها المقرر بنحو عام، وقبل الانتخابات الأمريكية بشهر.

وكما هو معروف فإن زعيم هذا الحزب سوف يتولى قيادة اليابان تلقائيا خلفا لزعيمها الحالي المنتهية ولايته "فوميو كيشيدا" إذا ما فاز في الانتخابات العامة، وهو فوز ترجحه معظم الاستطلاعات، على الرغم من الأداء الضعيف لكيشيدا خلال السنتين الماضيتين منذ توليه رئاسة الحكومة في 4 اكتوبر 2021 ورئاسة الحزب الحاكم في 29 سبتمبر من العام نفسه.

يتمتع إيشيبا البالغ من العمر 67 بثقل سياسي وبمهابة وقدر كبير من الجدية والعقل الراجح، لذا يعتقد أنه سيقود اليابان بروية ودون انجراف نحو السياسات المتهورة،

ولعل أول الملفات التي سيعالجها هو الملف الأمني (شاملا الأمن السياسي والأمن الإقتصادي والأمن التكنولوجي وأمن سلاسل التوريد)، وكيفية إنشاء منظومة أمنية جماعية في المنطقة، انطلاقا مما يهدد المنطقة من تحديات جيوسياسية في ظل سياسات التوسع والهيمنة التي ينتهجها العملاق الصيني، لاسيما في هذا الوقت الذي تتراجع فيه قوة وتأثير الإلتزامات الأمريكية بأمن منطقة غرب المحيط الهاديء. 

أما ما يؤكد كلامنا فهو تصريحات إيشيبا لوسائل الإعلام والتي قال فيها ما مفاده ضرورة التفكير في الجمع بين العديد من التحالفات القائمة وبما تستطيع اليابان معها من حماية نفسها وسيادتها ومصالحها. وهكذا فإن إيشيبا لا يختلف عن كيشيدا في هذا الأمر لأن الأخير لطالما دعا إلى علاقات أمنية وطيدة مع "الديمقراطيات الشقيقية" على حد وصفه. لكن إيشيبا يرى أيضا أن السلام في مضيق تايوان يتطلاب قدرا أكبر من الردع ضد الصين وأن النموذج الأوكراني قد يتكرر غدا في شرق آسيا، وهو ما يتطلب، طبقا له، تأسيس حلف شمال أطلسي آسيوي. والمعروف أن الولايات المتحدة ومعها كوريا الجنوبية عارضتا قيام ناتو آسيوي، وفضلتا التعاون الأمني والعسكري الثنائي بين اليابان وكل من الولايات المتحدة  وكوريا الجنوبية واستراليا والهند والإتحاد الأوروبي وتكتل آسيان.

ويمكن القو أن إيشيبا الذي لم يتخرج من جامعة أمريكية وعمل في المجال المصري قبل دخول المعترك السياسي، خلافا للعديد من زملائه الحزبيين، والذي لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة مثلهم، يبدو  مستاء من ميل واشنطون في الفترة الأخيرة نحو التهديد وفرض الصفقات حتى على حلفائها سواء اليابان أو دول حلف الناتو، لذا نراه يدعو إلى معالجة هذه الأمور ومناقشتها بجدية وصراحة مع الحليف الأمريكي.

لكن ما هو موقف بكين من القادم الجديد لقيادة اليابان؟ 

على الرغم من أن الحكومة الصينية تحاشت التعليق على انتخابه باعتيارها شأنا داخليا يابانيا، إلا أنها أعربت عن رغبتها بالعمل معه من أجل إقامة علاقات وطيدة ومستقرة. أما صحيفة غلوبال تايمز الصينية الناطقة بالإنجليزية فقد أشار معلوقها إلى أن إيشيبا، لئن كان سياسيا محافظا يدعو إلى إحتواء قدرات الصين العسكرية إلا أنه في الوقت نفسه سياسي أكثر توازنا واعتدالا من أسلافه وميال للإنخراط في حوار دفاعي مع الصين لبناء الثقة وتبديد الشكوك.

الملف الثاني الذي سيجده إيشيبا أمامه هو الأوضاع الداخلية الخاصة بتحسين الأداء الإقتصادي والتنمية الإقتصادية ومعالجة الانحدار الديموغرافي وترسيخ الشفافية ومحاربة الفساد.

وطبقا للعديد من المراقبون، فإن الرجل قادر على إحداث نوع من التغيير، دون الإخلال بالتوازن بين التغيير والاستمرار في سياسات سلفه والذي من دونه سوف يختل الإستقرار. ذلك أن زعيم اليابان الجديد يأتي إلى السلطة وقد راكم ثروة من الخبرات التي استمدها من عمله وزيرا للدفاع، ومن قبله وزيرا للزراعة والغابات ومصايد الأسماك، ووزيرا مسؤولا عن الانخفاض السكاني وتنشيط الإقتصاد، ورئيسا لمجلس أبحاث السياسات في الحزب الليبرالي الديمقراطي وأمينا عاما للحزب، ناهيك عن عمله البرلماني منذ 1986 على مدى 12 دورة نائبا عن محافظة "توتوري" الريفية الواقعة على الساحل الغربي لبحر اليابان. أما ما يعزز ذلك في نظر الفرد الياباني فهو سمعته كسياسي نظيف وملتزم بالشفافية قولا وفعلا، ولم تلوثه قط الفضائح المالية التي قوضت الدعم الذي حظيت به إدارة سلفه كيشيدا.

إن هذه العوامل مجتمعة تدعم إيشيبا في سعيه لإحداث تغييرات كبيرة في السياسات الداخلية والتغلب على تحدياتها العميقة مثل التضخم ومعاشات التقاعد والإصلاح الضريبي والشيخوخة ونقص العمالة، دون المساس كثيرا بالعلاقات الخارجية والاستراتيجيات الإقتصادية الكبرى التي رسمها سلفه ونجح فيها، لاسيما فيما يتعلق بتقوية الروابط مع كانبرا وسيئول وجاكرتا ونيودلهي والاتحاد الأوروبي والحذر من موسكو والتصدي لبكين.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2024م


الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

اليابان واستراليا تتجهان نحو التصنيع الحربي المشترك


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية توطدت العلاقات بين اليابان واستراليا كثيرا، من منطلق وجود مصالح مشتركة بينهما، ناهيك عن ارتباط كليهما بعلاقات استراتيجية وثيقة مع العالم الغربي خصوصا وأن استراليا تعتبر نفسها دولة آسيوية وبالتالي معنية بأمن واستقرار الأقطار الآسيوية وأمن المحيطين الهندي والهاديء. وهكذا توسعت روابطهما البينية الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والعلمية والثقافية، حتى صارت أستراليا ثاني أكبر شريك تجاري واستثماري لليابان بعد الولايات المتحدة.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت منحى جديدا في علاقات البلدين تمثل في تعاونهما العسكري، على الرغم من القيود العسكرية المفروضة على طوكيو منذ انتهاء الحرب عام 1945. والحقيقة أن مثل هذا التعاون لم يكن ليبرز لولا الأنشطة العسكرية للعملاق الصيني في السماوات والمياه المشاطئة على نحو ما حدث خلال شهر يوليو الفائت حينما انتهكت طائرة استطلاع صينية من نوع Y- 9 المجال الجوي الياباني، ثم ما حدث في 18 سبتمبر الجاري عندما عبرت حاملة الطائرات الصينية "لياونينغ" المياه المتاخمة لليابان، وما حدث من قبل يوم أن اخترقت سفينة مسح صينية المياه الإقليمية اليابانية قبالة محافظة "ماجوشيما" الجنوبية.

هذه الإختراقات البحرية الصينية وصفها كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني بأنها غير مقبولة على الإطلاق وتشكل تهديدا للأمن الوطني والاقليمي، مشيرا إلى أن بكين توسعت بشكل متزايد وكثفت أنشطتها العسكرية حول اليابان في السنوات الأخيرة.

ولعل هذه الأحداث، مضافا إليها ما وقع في الآونة الأخيرة من احتكاكات ومناوشات بحرية بين الصين والفلبين، هو ما دفع وزير الدفاع الياباني "مينورو كيهارا" في سبتمير الفائت للقيام بزيارة إلى استراليا للقاء نظيره الأسترالي "ريتشارد مارلز" في ملبورن والتباحث حول التعاون المشترك في مجال الانتاج الحربي.

وفي هذا السياق ذكرت صحيفة "ماينيتشي" اليابانية أن الوزيرين ناقشا سبل التعاون العسكري المشترك في مواجهة التهديدات الصينية، واستفادة كل طرف من الطرف الآخر في مجال الأسلحة الدفاعية المتطورة، علاوة على موضوع استخدام اليابان لأراضي وبراري أستراليا الشاسعة لتجاربها الصاروخية قيد التطوير. أما الأهم من كل هذا فهو اتفاقهما على تطوير صواريخ بعيدة المدى.

والمعروف أن البلدين وقعا على عقود مع الولايات المتحدة لتزويد كل منهما بمائتي صاروخ من طراز توماهوك. وطبقا للتقارير العسكرية والدفاعية فإن اليابان تعتزم نشر هذه الصواريخ على مدمراتها المجهزة بنظام Aegis بينما تعتزم استراليا نشرها على مدمراتها من طراز هوبارت وفرقاطاتها من طراز هنتر. ومن هنا قيل أن التعاون الياباني ــ الأسترالي الجديد في مجال الانتاج الحربي المشترك سوف يركز على تطوير فاعلية ومدي صواريخ توماهوك الحالية. فهذه الصواريخ ــ طبقا لخبير الأسلحة التقليدية والنووية فابيان هوفمان ــ يمكنها في شكلها الحالي كسلاح بعيد المدى أن تخلق تأثيرات استراتيجية كبيرة في الحرب من خلال استهداف العدو وشل قدرته على المقاومة، فما بالك لو تم تطويرها. وفي رأيه أيضا أن صواريخ توما هوك، مناسبة جدا للدول التي لا تملك قوة ردع نووية، لأنها تحقق نتائج حاسمة دون الإشتباك المباشر في ساحة المعركة، وذلك من خلال تعطيل لوجستيات العدو وقيادته وقواته العسكرية.

وهذا يعني أن طوكيو وكانبرا اختارتا أن تتعاونا في صناعة أو تطوير السلاح الأنسب والأجدى من أجل الردع أو من أجل تعزيز قدراتهما الهجومية البعيدة المدى لمواجهة التهديدات الاقليمية، خصوصا وأن استراليا في حاجة للتوماهوك نظرا لإفتقارها إلى قدرات الضربة البعيدة. 

ومما يجدر بنا ذكره في هذا المقام أن الدكتور "موري ساتوري"، وهو خبير ياباني في السياسة الدولية والدبلوماسية الامريكية، ومواطنه المؤرخ وعالم السياسة "شينيتشي كيتاوكا" قالا خلال مؤتمر  مؤسسة "راند RAND" الذي انعقد سنة 2021 أن حصول اليابان على قدرات الضربة المضادة ممثلة في صواريخ توماهوك الأمريكية هو جزء من استراتيجية طوكيو الدفاعية المتطورة، مضيفين أنه من الضروري لليابان أن تمتلك، عبر التفاهم مع الحليف الأمريكي، قدرات هجومية محدودة لمواجهة الأنشطة العسكرية المتصاعدة للصين، وأنْ تخطط لإستراتيجيات "منع الوصول والحرمان من الدخول" (A2/AD)، التي تعد أداة حرب مهمة للردع، مثلما فعلت الصين منذ زمن حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت)، حينما شعرت بالقلق من انتصار الولايات المتحدة وبالتالي احتمال سعيها للهيمنة على المياه المحاذية لها، فقامت مذاك بتسريع تحديث جيشها والانفاق المكثف على عدد من العناصر ذات الصلة مثل الصواريخ بعيدة المدى وأجهزة الإستشعار الذكية والجزر الإصطناعية الصالحة لإقامة قواعد عسكرية.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أكتوبر 2024م 


السبت، 5 أكتوبر 2024

مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار تستغرب الصمت الدولي حيال ما يتعرض له لبنان


استغربت مؤسسة المطران ميخائيل الجَميل للحوار والثقافة، الصمت الدولي حيال ما يتعرض له لبنان من تدمير متواصل وتزايد الشهداء والمتضررين، وفي هذا السياق، أشار رئيس المؤسسة المحامي شادي خليل أبو عيسى إلى الضرر الحاصل من انبعاث غازات مؤذية في الأجواء سببها القذائف والحرائق التي تؤثر على السلامة العامة. وقد رفعت المؤسسة الصلاة على نية السلام وحماية لبنان، على أمل أن ينعم  وطن الأرز وشعبه بالخير والبركة في زمن الصراعات والصدامات وتوقفها. حفظ الله لبنان والمواطنين.