آسيان تحاول تفادي الأسوأ مع واشنطن تجاريا
بقلم: د. عبدالله المدني*
انتهت في الاسبوع الماضي مهلة التسعين يوما التي منحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشركاء بلاده التجاريين للوصول مع واشنطن إلى اتفاقات تجارية حول الرسوم الجمركية على صادراتهم. وعلى حين توصل عدد قليل من الدول بالفعل إلى اتفاقيات مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص كي تتجنب الرسوم الجمركية القصوى على صادراتها، فإن غالبية شركاء واشنطن التجاريين كاليابان وكوريا الجنوبية والإتحاد الأوروبي لا زالت تسعى لإبرام اتفاقات منصفة لا تهدد صناعتها وتضمن سلاسة دخول منتجاتها إلى السوق الأمريكية الواسعة.
سنخصص هذه المادة للحديث حصريا عن مواقف دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية، وما ينتظر اقتصادها وصناعتها وتجارتها من آثار سلبية، إنْ لم تنجح في ابرام اتفاقيات جيدة.
وقبل الخوض في الموضوع، من الجدير الإشارة إلى أن فيتنام، وهي إحدى الدول العشر الأعضاء في تكتل آسيان، توصلت مؤخرا إلى اتفاقية مع واشنطن تضمنت فرض رسوم بنسبة 20% على صادراتها، و40% على السلع المنقولة عبرها أي على السلع المنتجة في الصين والمصدرة من الموانيء الفيتنامية، مع سماحها بدخول السلع الأمريكية دون رسوم. كما أن دولة أخرى من دول آسيان هي كمبوديا قالت أنها أبرمت اتفاقا مع الأمريكيين سوف يعلن تفاصيلها قريبا، بعد تهديدات أمريكية بفرض رسوم على صادراتها بنسبة 49%.
والحقيقة أن دول آسيان تخشى من أن يؤدي ابرامها لإتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة إلى ردود أفعال داخلية عنيفة، وإلى احتكاكات خارجية مع الصين تحديدا، باعتبار أن الأخيرة خصم ومنافس للولايات المتحدة، ناهيك عن أنها أكبر شريك اقتصادي لآسيان. وبعبارة أخرى، هي قلقة من الثمن الذي يجب أن تدفعه لإبرام تلك الاتفاقات داخليا وخارجيا، وإنْ تباينت الآراء والمواقف بين الأعضاء العشر لجهة مدى استعدادها لدفع ذلك الثمن.
من المهم هنا الإشارة إلى أن دولا من التكتل حاولت جاهدة أن تقايض قيامها يخفض فوائض التجارة مع الولايات المتحدة بالحصول على رسوم منخفضة على صادراتها، إن لم تنجح المطالبة بإلغائها تماما. كما أن دولا أخرى سوف تحاول أن تتجنب الأسوأ بتقديم عروض للمفاوض الأمريكي تشمل معاملات تفضيلية للمستثمرين الامريكيين، وإزالة كافة العوائق البيروقراطية أمامهم، وإغراءات بالوصول إلى معادن اساسية ونادرة، وشراء المزيد من المنتجات والسلع والخدمات الأمريكية الزراعية والعسكرية والنفطية (حتى لو كانت تكلفتها أعلى من مثيلها في الأسواق العالمية)، وذلك بهدف خفض فائضها التجاري مع واشنطن.
وهذه الدول تدرك جيدا أنها ضحية التنافس الأمريكي الصيني الذي لا تملك إزاءه الكثير لتفعله أو تتجنبه، خصوصا مع تزايد ضبابية الخطوط الفاصلة ما بين التجارة والجغرافيا السياسية. وهي تدرك من جانب آخر حقيقة أن إدارة ترامب لا تهدف فقط إلى تأمين قطعة أكبر من الكعكة الاقتصادية الآسيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وإنما تهدف في الوقت نفسه إلى تقليص حجم الكعكة التي تتمتع بها الصين، طبقا لأحد المراقبين. وقد فطن الصينيون إلى هذا فكانت رسالتهم إلى دول آسيان هي "ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة على أفضل صفقة تجارية ممكنة، ولكن دون الإضرار بمصالح الصين".
يقول واقع الحال الراهن أن الأسواق الأمريكية لا تزال وجهة تصديرية مهمة لدول آسيان بدرجات متفاوتة بين أعضائها، وبالتالي فإن فرض رسوم عالية على منتجاتها سوف يتسبب في معاناة اقتصادية وفقدان الوظائف واغلاق المصانع وانخفاض الأرباح بدرجات متفاونة أيضا، خصوصا إذا ما علمنا أن الرسوم الأمريكية على صادرات هذه الدول هي من أعلى المعدلات في العالم، وتتراوح ما بين 10% لسنغافورة و49% لكمبوديا مثلا.
وتمثل أندونيسيا حالة منفصلة كونها لا تصدر إلى الولايات المتحدة سوى 10% من صادراتها بسبب سوقها الإستهلاكية المحلية الكبيرة، وهي بذلك ربما تكون الأقل تضررا من الرسوم الترامبية. هذا علما بأن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة في عام 2024 بلغ 124 مليار دولار، وعجزها التجاري مع الصين في العام نفسه وصل إلى 144 مليار دولار.
ويشتكي المفاوضون المبعوثون من دول آسيان إلى واشنطن للتفاوض حول الرسوم الجمركية من أن عملية التفاوض مربكة بسبب تعدد الجهات الأمريكية المفاوضة وهي مكتب الممثل التجاري ووزارة التجارة ووزارة الخزانة، وقيام كل جهة بتقديم مطالب مختلفة ومتضاربة أحيانا، وبالتالي صعوبة تحديد الجهة التي تملك قدرة أكبر على اقناع الرئيس ترامب بالموافقة على صفقة ما. كما يخشى بعضهم من عقد صفقات دون ضمانات كافية بعدم فرض رسوم خاصة على سلع قد تصنفها الولايات المتحدة على أنها تهدد أو تضعف الأمن القومي الأمريكي.
د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: يوليو 2025م













0 comments:
إرسال تعليق