قلّما تسمع زعيماً يشكو من أن السياسة أشبه بقلعة، من هو في داخلها يرغب في الخروج منها ومن هو خارجها يتوق للدخول اليها.
سليمان فرنجيه يفعلها. يبوح بهذا الأمر بأسلوبه العفوي المحبب. تثقله المتابعات اليومية ومقتضياتها. ولذا قرر وضع عباءة النيابة على كتفيّ نجله طوني باكراً. أما غير ذلك فهو لا يزيح ناظريه عن وريثه السياسي من جهة، ومن جهة ثانية، يريد أن يثبت أنه رقم وطني صعب لا يمكن تجاوزه.
يفضّل الهروب إلى “مجاهل” هوايته المفضلة: الصيد. قد يظنّ البعض أنه يفعلها بحثاً عن طيور نادرة أو فريسة يتباهى بتحنيط رأسها أو فروها وعرضها في دارته الخشبية الطابع. لكن متعة الرجل هي في تحدي الصعوبات المناخية والطبيعية للوصول الى “كنزه” الثمين.
يختار فرنجيه أصعب الظروف لمبارزة نفسه قبل الآخرين. وكلما ارتفع منسوب المخاطرة، بدا الرجل مزهواً بمغامرته وغنيمته. في جولته الأخيرة، قبل نحو الشهر، قصد القطب الشمالي بحثاً عن دب أبيض يريده “شريكاً” للدب الضخم المتمدد على أرض صالونه الخشبي في بنشعي. يخبر بهدوء عن صعوبات مناخية قد تعرضه للخطر في أي لحظة. عن رحلة “سبع طائرات” استعان بها ليقصد “بلاد الجليد” (الإسكيمو).
وكما في عشقه لمغامرات الصيد حول العالم، يتصرف “البيك” في السياسة. كلما ارتفع “دوز” الصعوبات والأزمات من حوله ازداد صلابة وتصميماً على المواجهة. أن يفرض عليه الآخرون التحدي، هذه هي “الكرة” المحببة إليه. يتلقفها تمهيداً للانتقال من موقع الدفاع الى الهجوم.
بهذه الروحية يرصد سليمان فرنجيه المشهد الانتخابي على مسافة أشهر قليلة من فتح صناديق الاقتراع. متحمّس إلى أقصى حدّ لتحويل “مقصلة” النسبية التي ستحد من نفوذ “المحادل” الكبيرة، إلى “رافعة” تؤمن له الخروج من الاختبار النيابي في الربيع المقبل بكتلة نيابية وازنة.
القطب الماروني الشمالي الذي لطالما تعامل بشيء من الزهد أو اللامبالاة مع المواقع والكراسي، يستعد للاستحقاق بعنوان حماية “الخط” من قضم الخصوم، فيشغّل كل قنوات الاتصال والتواصل مع الأصدقاء والحلفاء على امتداد الوطن.
للمرة الأولى منذ سنوات، يتطلع فرنجيه انتخابياً أبعد من شماله، هو الذي كان يردد أنّه سجن تياره داخله لئلا يحرج “التيار الوطني الحر” في زمن “العشق والغرام”. أما اليوم، فقد انكسر الدف وراحت مسافات الخلافات تباعد بينهما، مع أنّه يصرّ على التأكيد أنّ الخط السياسي الاستراتيجي يجمع بينهما، ولكن في الزواريب الداخلية… حرب طاحنة.
يقولها “البيك” تارة، ويضمرها طوراً: ابحثوا عن جبران!
بمقدوره سرد سيل من الملاحظات في المجالس المغلقة، أما وقد سقطت الخطوط الحمراء بعدما صارت معراب شريكة الرابية في طبخة الرئاسة، فقد صارت كل السيناريوات والخيارات متاحة.
في حواره الطويل مع أسرة “الاتحاد”، يحيط به بعض نجله طوني وثلاثة من “أركان” فريقه: الوزير يوسف فنيانوس، فيرا يمين والمحامي سليمان فرنجيه، يرسم رئيس “تيار المرده” مشهد المنطقة بقلم الحرب السورية: النظام انتصر، والباقي تفاصيل. والانتصار بنظره لا يعني أبداً التعامل بمنطق الغالب والمغلوب على المقلب اللبناني. لا بل الاستيعاب. أما معركة الرئاسة اللبنانية المقبلة، فيتركها إلى حينها: الظروف هي التي ستحدد المواصفات وهوية الرئيس المقبل.
في ما يلي النص الكامل للحوار مع رئيس “تيار المرده”:
* سنة أولى من عمر العهد، هل كانت التوقعات بحجم النتائج؟
كنت أتوقع أكثر من عهد الرئيس القوي. كنا نتمنى على العهد، وليس الرئيس، أن يتعلم من العهود السابقة ما كانت نتيجة الكيدية التي لن تكون أثارها مريحة، وانما ستزيد الخصومات أو “العداوات”، وستؤدي الى تكتل من يحاول العهد اقصاءهم وسيكون بالنتيجة الحلقة الأضعف، مع أن الرئيس بإمكانه ضمّ كل هؤلاء لأنهم ليسوا خصوماً بالأساس.
كنا نتمنى لو أن العهد يعمل على نقل البلد نقلة نوعية. المطلوب نهضة نوعية في البلد من خلال العمل على زيادة الدخل القومي عوض فرض الضرائب. وزيادة الدخل القومي تحتاج الى خطة وانفتاح وقوانين.
هنا، أحيي الرئيس نبيه بري في الذكرى الخامسة والعشرين لرئاسته المجلس، وهو الحليف والصديق والأخ في كلّ الظروف وهو أعرب عن جهوزيته لمناقشة أي مشروع قانون يرسل الى المجلس. وهنا بيت القصيد.
كنت أتوقع من الرئيس عون أن يذهب بهذا الاتجاه، لكن العهد سلك المسار الكلاسيكي. ما الذي يميز هذا العهد عن الذي سبقه؟ الموازنة ليست انجازاً. ماذا حصل في ملف النفايات؟ الكهرباء؟ حتى الآن، هناك محاولة لحل ملف الكهرباء بطريقة، لا أريد توصيفها بالفاسدة، ولكن “التيار الحر” كان يتهم الآخرين بالفساد بسبب أمور أقل أهمية و”شبهة”. كتاب الإبراء المستحيل بني على معطيات أقل بكثير من الوقائع التي تحدث راهناً. وأهم واقعة هي وجود سعر عالمي لتكلفة بواخر الطاقة بينما السعر المعروض يفوق السعر العالمي بمرتين وأكثر. بالنتيجة، لم تكن الإنجازات بحجم التوقعات المنتظرة من الرئيس القوي.
باسيل.. وغازي كنعان
*ماذا قصدتم بالكيدية؟ وأين وقعت؟
ألا يعني احترام التمثيل المسيحي في التوازنات اللبنانية تعيين المسيحيين الممثلين، أم أنّ التيار الحر يختصر كل المسيحيين ولا شرعية لتعيين من خارجه؟ صار التمثيل المسيحي بنظرهم، اخراج أي مسيحي يخصّ سليمان فرنجيه أو سمير جعجع وتعيين بديل عنه من “التيار الحر” ليستقيم التمثيل المسيحي. هذه كيدية.
مثلا، في التعيينات القضائية، جرى ترفيع قاضٍ مع أنه “مكسور” أربع درجات، ولم تحترم معايير مجلس القضاء الأعلى. هذه كيدية. كما كان يحصل في أيام غازي كنعان. الوشوشات بين القضاة اليوم تتمحور حول جبران باسيل: من يعرفه بإمكانه الترقي والترفّع. الفارق بين كنعان وباسيل هو ان كنعان لم يكن يدعي انه إصلاحي او انه يمثل 86% من المسيحيين.
اليوم يحكى عن إمكانية اقصاء جان علية. اقصاء القاضي شكري صادر كيدية. كان ينتظر ألا يقوم التيار بما قام به من سبقه للسلطة.
أؤيد عون استراتيجيا
ولكن في السياسة الاستراتيجية، أنا أؤيد الرئيس عون. قد لا يكون بحاجة لنا، ولكن في السياسة هو ميشال عون الذي نعرفه. أما من يدورون في فلكه، والذين يعتقدون أن بإمكانهم إرضاء كل الأطراف، فهؤلاء يتحضرون للانتخابات الرئاسية والنيابية.
إنّ فتح ملف بشير الجميل هو بهدف تحصيل مكاسب انتخابية نيابية راهناً، ورئاسية مستقبلاً. كذلك الامر بالنسبة لملف النازحين الذي يحتاج الى خطة لعدم إقحامه بالتناقضات اللبنانية والمزايدات الانتخابية والا فإننا سنغرق أنفسنا في أزمة مستعصية.
التنسيق مع الحكومة السورية ضروري لمصلحة لبنان. كيف يمكن إعادة مليون ونصف سوري من دون التنسيق مع الحكومة السورية؟ يجب التفاهم في ما بيننا لتحديد أطر التنسيق. ولكن طرح هذا الملف اليوم قبل الانتخابات على الرئيس سعد الحريري سيؤدي الى احراجه وبالتالي سيكون رد فعله طائفيا.
*ولكن “التيار الحر” يؤكد أنه يأخذ بالاعتبار حصة “المرده” في التعيينات؟
في ما يخصّ المجلس الاقتصادي الاجتماعي عُرض علينا اسم، كان الجواب بأننا لا نريده، وخلال جلسة مجلس الوزراء طلب الوزير يوسف فنيانوس سحب الاسم. في التعيينات الدبلوماسية لم نطالب بأي موقع، ولكن ثمة دبلوماسيين في الملاك يحق لهم ترفيعهم الى رتبة سفراء، تمت “معاقبتهم” بتعيينهم في سفارتي تونس وأفريقيا الجنوبية، فقط لأنهم قريبون من سليمان فرنجيه، مع أننا لم نطلب تخصيصهم بأي موقع وكان يفترض التعاطي معهم ضمن الأصول، وأعتقد أنّ كفاءتهم تسمح لهم بتعيينهم في سفارات أكثر أهمية، بعدما كانوا في باريس ولندن وواشنطن.
نستطيع التنفس من دونهم
*متى ستتم المصالحة على المستوى الشخصي مع عون؟
بيني وبين الرئيس عون، أنا من يفترض أن يكون “منزعجاً”. أنا خسرت وهو ربح. وأكرر أنني مستعد لتلبية أي دعوة او “استدعاء” من جانب الرئيس. نحن موجودون معهم أو من دونهم. هذا ما يجب أن يعرفوه. فالبعض في “التيار الحر” يعتقد أننا لا نتنشّق الهواء إذا لم يكونوا راضين عنا. ننتخب نوابنا “فيهم وبلاهم”. نستطيع أن نتفاهم معهم وبإمكاننا خوض المعركة من دونهم.
*هل التفاهم مع باسيل أصعب؟
نحن موجودون على الساحة الشمالية بشكل أساسي، والتطورات تظهر حجم كل فريق. أما لبنانياً، فقبل أشهر قليلة أطلق شعار “الـ86%” فيما اليوم باتوا يخشون “نقلة زفت”. ولكن لا يمكن لأي فريق أن يلغي غيره. في السياسة الاستراتيجية، “التيار الوطني الحر” أقرب الينا من غيره، الا انه يريد ألغاء الآخرين، ولا أحد سيسمح لهم بذلك. كسروا خطوطاً حمراء في سبيل مصالحهم الشخصية الآنية واعتبروها “شطارة”. وإذا حاول غيرهم تخطي هذه الخطوط، فيعتبرون الأمر مسّاً بالمحرمات وخيانة. كيف يمكن لمستفيد من كافة مكتسبات 8 آذار في السلطة والسياسة على مدى 12 عاما أن يحتفل كل عام بذكرى “14 آذار”. لا احد يستطيع ان يفعل ذلك سوى “التيار”.
شرط التقارب مع “التيار”
*هل هناك من مسعى جدّي للتقارب مع التيار الحر؟
لا مشكلة لدينا في أي مسعى تقاربي، ولكن طالما أنّ “التكبر” يحكم تصرفات بعض الأشخاص، لا سيما باسيل، لن يحصل التقارب. التقارب قد يحصل ضمن مناخ معين وبضمانة فريق معين هو حزب الله. نحن جاهزون لأي تفاهم لأنّ التيار أقرب الينا في السياسة من أي فريق مسيحي آخر، أقله حتى الآن، علما ان التيار مستفيد من هذا المشروع السياسي من دون أي تضحية بشهداء أو مواقع، بل اكثر من ذلك، منذ العام 2008 وهم يقبضون أثمان هذا المشروع على حساب كل فريق 8 آذار. حين سيكون هناك دفع أثمان، أين سيكونون؟ من سيبقى في هذا الخط ومن سيتركه؟ ولكن الى الآن، طالما أنّ الرئيس عون في هذا الخط، فنحن الى جانبه.
اعتذار ستريدا
*أنتم ً متهمون بترتيب العلاقة مع “القوات” لاعتبارات انتخابية…
صحيح، هي اعتبارات انتخابية. ففي المشروع السياسي الاستراتيجي نحن نختلف مع “القوات” حول كل الأمور. بعض الحلفاء كان يعتبر عدم انفتاحنا على “القوات” نقطة ضعف، وليس من باب المبدئية. ولكن عندما تسقط الخطوط الحمراء، فهي تسقط عند الجميع وفي كل مكان. حتى أنّه لدينا الأفضلية على غيرنا في هذه العلاقة.
*ماذا عن اعتذار النائب ستريدا جعجع بعد كلامها من استراليا حول زغرتا؟ هل هو كافٍ؟
نعم.. وهذه المرة الأولى التي نسمع فيها كلاماً واضحاً سواء من الدكتور سمير جعجع أو من النائب جعجع. لم أتلمس لدى “القوات” محاولة لإعادة نكء الجراح، ومن هنا سعى رئيس “القوات” الى تصحيح ما حصل بأي ثمن. وأنا أتفهم الأمر.
*هل يتفهم حزب الله تقاربكم مع “القوات”؟
طبعا متفهم. وهو يثق في حلفائه. وهنا أتحدث عن السيد نصرالله والقياديين الأساسيين الذين يعرفون سليمان فرنجيه تمام المعرفة، كما الرئيس بشار الأسد.
*هل هناك مصلحة مشتركة بين “المردة” و”القوات” لفتح صفحة جديدة؟
خلال مقابلته الأخيرة، اعتبر الوزير باسيل أنّه سعيد بكونه شجع على التقارب بين “القوات” و”المرده” ومداواة الجرح. وأنا أؤيده في ذلك. أنا مقتنع أنّ المنافسة السلبية هي التي أضرّت بالمسيحيين. وما سرّع الحوار مع “القوات” هو التعاطي السلبي من جانب الآخرين معنا ومع “القوات”. بجهود جبران باسيل، قد ترونني جالسا مع سمير جعجع قبل ميشال عون.
ماذا يميّز خلافي مع التيار الحر عن تحالفي معه؟ خلال فترة التفاهم لم نُسال عن التعيينات ولا عن الوزارات او الترشيحات النيابية التي كانت تحصل من جانبهم في مناطقنا. وفي العام 2009 لم ينتخبنا التيار. الخلاف أو التفاهم يؤدي للنتيجة نفسها.
هذا ما قلته ل”القوات”
ما يميّز الأمس عن اليوم، أن التيار ينشط ضدنا في هذه المرحلة ونحن نهاجمه، بينما في السابق كان ينشط أيضاً ضدنا ولكن كنا نمدحه. وحين التقينا بـ”القوات” في المرة الأولى، قلت لهم: لقد تحملنا عشر سنوات، وأتمنى أن تصمدوا معهم سنة واحدة!
هل يمكن لحليف كان ينسق معه لتركيب لوائح مشتركة تلغي كل الآخرين، ان يقصد منطقته ليعلن إنه سيلغي الأحادية؟ يتصرفون على طريقة انه يحق لهم ما لا يحق لغيرهم.
بالأمس أيضاً ماذا حلّ مع “الطاشناق” الذي هو حاجة ماسة للتيار في المتن؟ طلب منه تقديم ثلاثة اقتراحات للمجلس الاقتصادي الاجتماعي، وبرغم ذلك جرى تعيين سيدة من “الرامغفار” الذي هو على خصومة مع حزب الطاشناق. وحين زارت قيادة هذا الحزب رئيس الجمهورية، اشتكت أن الرئيس رفيق الحريري لم يتصرف يوماً بهذه الكيدية برغم كل الخصومة، فكان الجواب “إننا لم نسحب منكم نوابكم”.
هذا التعاطي ينم عن انتفاء القيمة للحليف أو الصديق. يتصرفون وكأن كل الناس موجودة فقط للتضحية في سبيلهم. غداً سنخوض الانتخابات من دونهم وإذا كنا فعلاً لا نتنفس الهواء من دونهم فسنخسر، وإذا لم نكن بحاجة إليهم، فسنستعيد أقله ما لدينا الآن.
الرئاسة المقبلة
البعض يتساءل: لماذا لا تريح القلقين وتعلن بأنك غير مرشح للانتخابات الرئاسية؟
أنا لم أعلن عن ترشيحي للرئاسة. حين كان سليمان فرنجيه رئيساً للجمهورية لم يلغ رينيه معوض. الظرف هو الذي يحدد المواصفات ومن هو الرئيس.
اليوم نتحدث عن انتصار محور المقاومة، وما نريده بداية هو رئيس ينتمي الى هذا المحور. هذا هو الانتصار الأول. ومن ثم نختار الشخص. وبالتالي، أي رئيس ينتمي الى هذا الخط، لا يمكن أن يكون خصمي. خصمي هو أي رئيس يكون ضدّ هذا المحور. وبهذا المعنى أعلنت يوم انتخاب العماد عون أنّ خطي انتصر. وقد بدأت صفحة جديدة.
صحيح أنّ عون لم يعلق على الأمر ولكن ثمة “جو” كان يوحي بأنه يفترض أن أزور الرئيس “زحفاً”، لكن تغلّبت لدي الكرامة على المصلحة. ولا نقبل أن تصير الزيارة على قاعدة اننا خسرنا وعلينا الاستجداء.
*كأنك صرت أقرب الى الخصم؟
خصمنا يحترمنا لأننا لا نتحدث لغتين. وحين كانت “القوات” تتفاوض مع “التيار” كنا نتفاوض معها في الوقت ذاته، لكن ما وعد به “التيار” وجرى توثيقه على الورق، لم نعدهم نحن به ولم نكتب شيئاً ولم نلتزم بأمر ليس بمقدورنا القيام به.
بعد أسبوع على انتخاب العماد عون رئيساً، كان باسيل في زغرتا يلقي خطاباً يعلن فيه إنه سيلغي “الاقطاع السياسي”. عملياً هو من فتح الحرب بوجهنا. ولكن في المقابل، الجميع يعرف حجمنا في البترون، ومع ذلك لم نقصد المنطقة احتراما لأهالي المنطقة فقط، لا ندخل بمنطق السلبية الى أي منطقة وانما عبر الإيجابية، بينما “التيار” فتح باب المعركة بوجهنا من خلال التحالف مع “القوات” ومع الأستاذ ميشال معوض الذي هو من صلب 14 آذار.
اليوم ما يهمني هو انجاح أكبر عدد من النواب في دائرتي لمصلحة الفريق السياسي الذي أنتمي اليه. التفاهم الانتخابي لا يعني تقديم تنازلات سياسية.
التمدد الانتخابي
*هل قررت التمدد في الانتخابات خارج دائرة الشمال؟
لدي تحالفات في كل لبنان، لدي أصدقاء وحلفاء وأشخاص قد نلتقي معهم في كتلة واحدة. “المرده” له امتداد في كل لبنان، ولدينا في بعض المناطق حجم قد يفوق حجم قوى لديها ترشيحات في هذه المناطق ولكننا نقيس الأمور بمنطق المصلحة السياسية. في كسروان، جزين، والمتن لدينا مرشحين أصدقاء أقوياء. ونؤمن انه بالإمكان نسج تفاهم على مستوى لبنان ضمن مشروع واحد.
*هل هذا سيؤدي الى نشوء تكتل ل”المرده” على مستوى لبنان؟
أنا لا أفرض أي أمر أو خطوة على أي صديق. هذه مسائل متروكة لأصحابها وأرفض احراج أي شخص أو الاشتراط عليه. ولو كانت وزارة الأشغال مع الآخرين لكانوا فرضوا مع كل شاحنة زفت “كتاب ولاء”.
البعض خذلنا في الماضي، والبعض الآخر كان وفياً. نحن نزرع ونثق بالناس. فمثلاً، الشيخ بطرس حرب صديق وان كنا نختلف بالسياسة، ولكن الوزير باسيل يدعم خصومنا في زغرتا وسندعم بالتالي خصمه في البترون، وهذا ما حسم نيابة حرب منذ الآن وفق استطلاعات الرأي، وبالتالي، حصرت المعركة فعلياً بين “القوات” و”التيار” الأمر الذي أدى الى التباعد.
*هل ستدعمون النائب الكتائبي سامر سعادة في هذه الدائرة؟
لم نحسم بعد موقفنا بانتظار أن تقرر الكتائب ماذا تريد، لأنها الى اللحظة لم تقرر، مع العلم أنه لا مشكلة عندي مع سامر سعادة.
*يعني ثمة اتجاه تشكيل تكتل المتضررين من التيار؟
ننتظر الكثير من الهدايا من “التيار”.
*كيف هي العلاقة مع سعد الحريري؟
جيدة جدا. فلنتذكر حين التقيت به في باريس عدت وقلت إنه “آدمي” بالإمكان التفاهم معه حتى لو اختلفنا بالسياسة الكبرى. حينها تمّ التشكيك بموقفي واتهمت بالاستعجال. اليوم تبنى الجميع هذه اللغة.
*هل لديه موقف من الكيدية التي تتحدثون عنها؟
الحريري لا يستطيع أن يستمر في آدائه حتى الانتخابات، بسبب ارتفاع حدة المزايدات، وإذا استمر بما هو عليه لن يكون وضعه مرتاحاً في الساحة السنية.
*هل تقصد علاقته مع العهد؟
أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مستوى معيناَ من العلاقة يؤمن التوازن بين العلاقة الجيدة مع الرئيس عون وبين متطلبات الشارع والانتخابات. أنا لا أتهم الحريري بتقديم تنازلات ولكن يتم استغلال موقفه بشكل قد يضره في الصناديق. وهذا ما قد يدفع به الى أقصى اليمين.
*كما عليه أن يحفظ خط الرجعة للعودة الى رئاسة الحكومة…
لا أحد يستطيع أن يعد غيره بأي شيء. وهو يتمتع بالحجم الذي يسمح له بأن يكون رئيسا للحكومة وليس مضطرا لطلبها. ولكن إذا جعلت منه الانتخابات أضعف من غيره فلن يكون بمقدوره العودة الى رئاسة الحكومة ولذا لا يستطيع الرئيس عون أن يعطيه هذه الضمانة.
ميقاتي أخ
*هل أنتم شمالاً أقرب الى الرئيس نجيب ميقاتي أو الحريري؟
ميقاتي صديق وأخ وأقرب بكثير من غيره، وثمة صداقة مع الحريري ولذا المصلحة السياسية هي التي ستحكم العلاقة. الهدف هو تحقيق أكبر عدد من النواب خدمة لخطنا السياسي. السؤال مع من سيكون التفاهم لتأمين الفوز المشترك في كل دوائر الشمال. لدينا وجودنا في طرابلس سنيا وعلويا ومسيحيا ولن نكون قوة داعمة مجانية. لن نفرض أنفسنا على أحد ولكن لن نلغي أنفسنا ولن نعطي نفسنا أكبر من حجمنا.
من لا يرانا، لن نراه. نحن علينا أن نثبت حجمنا، ولكن يبدو انه إذا كنا موالين يقيسونا بأقل من حجمنا وإذا عارضنا قد يصبح حجمنا أكبر.
*يتردد أنّ حجم الكتلة التي ستحصدها مع حلفائك قد يبلغ عديدها عشرة نواب؟ هل بإمكانك تحقيق هذا الهدف؟
هذه تكهنات. وفق الاستطلاعات، بمقدورنا الحصول من ثلاثة أو الى خمسة نواب في دائرتنا(زغرتا وبشري والكورة والبترون)، في عكار لدينا حضور، كما في طرابلس حيث أقوى مرشح مسيحي هو رفلي دياب، الى جانب حلفائنا العلويين ولكننا لن أفرض أي مرشح على العلويين كما لن أقبل بأي مرشح علوي يستفز الطرابلسيين.
مفاجآت متنية
*كيف تبدو لك الامور في جبل لبنان؟
الوزير السابق فريد هيكل الخازن حليف، ولنا في المتن أصدقاء كثر، وهنا أتمنى ألا يخسر التيار الوطني الحر لصالح خصومنا. لكن الإحصاءات الجدية لا تبشّر بالخير وقد تتفاجؤون بالنتائج التي سيحققها المستقلون. ففي كسروان، يمكن لتجمع المستقلين أن يحقق انتصاراً كبيراً فيصير التيار الوطني الحقلة الأضعف، وفي جبيل لا يزال التيار الوطني الأقوى ولكن لا يجوز ان يتكل الممثل الأول للمسيحيين على الأصوات الشيعية. وفي المتن، بين سامي الجميل الذي يثبت قوته وبين الأرمن الذين تتوتر علاقتهم بالتيار، إذا لم يحصل احتضان للقوى الحليفة وانا مع الاحتضان، سيواجه التيار مشكلة.
ومع ذلك، نقول إنّ رئيس الجمهورية لا يزال قادراً على جمع كل الناس، ويجب ان يكون “اباً” لكل اللبنانيين، وان يتدخل للمعالجة.
الأسد ربح
*كيف ترى مسار تطورات الحرب في سوريا؟
النظام “ربح”. الكلام عن رحيل الرئيس بشار الأسد انتهى ولم يعد مطروحاً. المسألة صارت حول مساحة الجغرافيا التي يستعيدها النظام. أذكر بما قاله السيد نصرالله بأنه عليكم الانفتاح على النظام اليوم ارادياً والا صار مع الوقت قسرياً وهنا بيت القصيد. المستقبل هو لمصلحة محورنا. وقوة هذا المحور في القدرة على استيعاب الآخرين والانفتاح والتفاهم… إذا رغبوا بذلك!
الرئيس الأسد صدره رحب. وقد سألني بالأمس أحد السفراء إذا كان الأسد مستعدا لضمان أمن النازحين في حال قرروا العودة، فأجبته بأنه قادر على ضمان أمن من يحاربونه بالسلاح في قلب سوريا ومن كانوا مع “داعش”، فكيف بالمدنيين؟ قوة الأسد أنه في عزّ الضغط عليه كان يعلن انه مستعد للمصالحة. اليوم أثبت أنه الأقوى وهو اضطر للجوء الى تحالف دولي بعدما دولت الأزمة وقام تحالف دولي بوجهه.
الأكراد ذهبوا بعيداً في مسألة الاستفتاء، ونشكر الله أن الأمور انضبطت قبل أن تنتقل العدوى الى بعض المسيحيين في لبنان كي لا “يجنوا”، اذ وعِدوا الأكراد من بعض الدول ثم تخلوا عنهم من بينهم الولايات المتحدة التي عادت وأيدت الحكومة العراقية. ونتمنى أن يكون المسيحيون قد تنبهوا الى هذه التطورات لأن الدول تبني مواقفها على مصالحها وليس على أحلام مجموعات معينة.
سوريا تتجه نحو التسوية، والمساحة الأكبر هي للنظام، ومستقبل سوريا من أفضل الى أفضل. لا تقسيم في سوريا، الاتجاه الى الوحدة. ثمة مراكز نفوذ. حكومة مركزية وصراع سياسي طويل الأمد.
*هل لا زلت تلتقي الأسد؟
على الدوام. علاقتي بالأسد مستمرة، ولست مستعداً للتضحية بصداقاتي من أجل أي موقع. ولكن هذه العلاقة لم تكن يوماً على حساب مصلحة لبنان التي هي فوق كل اعتبار ولا يمكن لأحد أن يعطيني درساً حول مصالح لبنان. أنا أحاكم على تاريخي وليس على علاقاتي وصداقاتي ولم أفضّل يوماً هذه العلاقات على حساب المصلحة الوطنية ولم يطلب مني أي أمر على حساب هذه المصلحة.
*ما هو رأي الأسد بالوضع اللبناني؟
ضمن المشروع الكبير، لبنان يهم الرئيس الأسد، ولكنه لا يهتم بالتفاصيل ويتركها لحلفائه وهو يثق بالسيد نصرالله في كل ما يخص الوضع اللبناني.
السبهان يحرض
*ما هي قراءتك للتصعيد السعودي ضدّ “حزب الله”؟
لن يوصل الى أي مكان. ولكن قد يخرب البلد. إذا عدنا الى أسلوب التعاطي القديم ليتحول لبنان الى ساحة صراع إقليمي سنغرق في أزمة عميقة. لا “حزب الله” يملك لبنان ولا غيره. هو بلد التسويات والتفاهمات. لا السلاح مفروض ولا يمكن في المقابل إلغاء السلاح. السلاح موجود ومستمر. يمكن له أن يكون سبباً لأزمة ويمكن له أن يكون محل تفاهم لنستثمر قوته ويمكن وضعه جانباً للاهتمام بالشؤون الداخلية.
في يوم ما ستأتي التسوية لبناء دولة حقيقية قوية لها استراتيجية واحدة وعدو واحد هو اسرائيل، وتنتفي عندها مشكلة السلاح ليصير بيد الدولة. ولكن حتى اللحظة، لا يزال البلد مجموعة كيانات خائفة تخشى على ذاتها، ومطلب سحب السلاح لا يزال يهدف الى اضعاف الآخرين.
اليوم أي حرب مع إسرائيل ستعيد المقاومة أقوى، واي حرب في الداخل ستجعل المقاومة أقوى. وكلام الوزير السعودي السبهان لا يصب في مصلحة لبنان بل هو لتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، بشكل سيضر بهم جميعا.
0 comments:
إرسال تعليق