جولة "هيغسيت" الأخيرة في آسيا .. دواعيها ونتائجها


 بقلم: د. عبدالله المدني*

زيارات وزراء الدفاع الأمريكيين للدول الآسيوية الحليفة أمر روتيني لم ينقطع قط، خصوصا مع بدء عهد رئيس أمريكي جديد. غير أن جولة الوزير الحالي "بيت هيغسيت" الآسيوية الأخيرة التي بدأت أواخر مارس الماضي وانتهت في أبريل الحالي، وهي الزيارة الأولى منذ تسلمه حقيبة الدفاع، حظيت باهتمام كبير من المراقبين ووسائل الإعلام العالمية. والسبب هو أن الزيارة تمت في وقت يشهد فيه العالم متغيرات وتطورات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية كثيرة، ناهيك عما بحيط بسياسات واشنطن إزاء حلفائها من غموض وتذبذب منذ وصول ترمب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، وإطلاق الأخير لتصريحات غريبة تجاه بنما وأوكرانيا والمكسيك وكندا وغرينلاند.

وبعبارة أخرى هناك حالة قلق مبررة من قبل حلفاء واشنطن الآسيويين، ومخاوف من عدم وفاء الولايات المتحدة لإلتزاماتها الأمنية التاريخية إزاءهم، أو إجبارهم على تحمل نفقات حمايتهم، أو دفعهم إلى صدام مكلف لا يردونه مع جارتهم الصينية، خصوصا إذا ما استدعينا تصريح ترامب خلال ولايته الأولى من أنه ينبغي على الحليف الياباني (مثلا) دفع المزيد لإستضافة القوات الأمريكية على أراضيها، ومطالبته برفع انفاقها العسكري، وتحذير السفير الفلبيني في واشنطن الذي قال فيه: "يبدو أن التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الإندوباسفيك لن يستمر إلى الأبد".

والحقيقة أن جولة هيغسيت الآسيوية استمدت أهميتها أيضا من تزامنها أولا مع سلسلة مناورات عسكرية صينية في المنطقة الممتدة من مضيق تايوان إلى بحر تاسمانيا المحاذي لأستراليا ونيوزيلندا، ومن تزامنها ثانيا مع اجتماع عقده وزراء دفاع دول "تحالف كواد" الرباعي (اليابان واستراليا والولايات المتحدة والهند)، وهو إجتماع صدر عنه بيان أشار إلى أن الوجود الصيني في "بحر الصين الجنوبي" وقيام بكين بإنشاء جزر صناعية في المنطقة يثير القلق ويهدد حرية الملاحة والتجارة العالمية، وتزامنها ثالثا مع انطلاق أكبر مناورات عسكرية مشتركة بين مانيلا وواشنطن وهو المناورات السنوية المعروف باسم "باليكاتان" والهادفة إلى تعزيز العمليات المشتركة والقدرات القتالية من أجل سلامة الأراضي الفلبينية، وتزامنها رابعا مع إطلاق اليابان لهيئة جديدة مكلفة بالتنسيق المتقدم بين أفرع قوات الدفاع الذاتي اليابانية بهدف تعزيز قدرة البلاد على الاستجابة للطوايء الإقليمية والتعاون مع القوات الامريكية المرابطة هناك وعددها نحو 55 ألف عنصر. علاوة على ما سبق جاءت زيارة هيغسيت استباقا لجولة الرئيس الصيني شي جينبينغ الحالية في دول جنوب شرق آسيا لتعزيز مكانة بلاده كأكبر شريك تجاري لدول آسيان على مدى الـ 16 عاما الماضية. 

شملت جولة هيغسيت اليابان والفلبين وغوام، ولم تشمل كوريا الجنوبية للمرة الأولى (ربما بسبب ظروفها السياسية المضطربة منذ إعلان الأحكام العرفية في ديسمبر الماضي). أما غوام فقد أضيفت إلى الجولة بسبب أهميتها الاستراتيجية في الردع، واحتضانها لقاعدة أندرسن البحرية، أحد أهم القواعد الأمريكية العسكرية في المحيط الهادي. وطبقا لما نشر عن أهداف الزيارة، فإنها جاءت لطمأنة الحلفاء وتبديد قلقهم وتعزيز الأمن الإقليمي والتأكيد على استراتيجية واشنطن حول احتواء التمدد الصيني وتحجيمه. فماذا فعل الوزير الزائر يا ترى؟

في مانيلا، أكد هيغسيت استمرار واشنطن في تقديم الدعم العسكري والمالي السنوي بقيمة 500 مليون دولار، والتزامها ببنود معاهدة الدفاع المشترك لعام 1951، وموافقتها على نشر نظام صواريخ Nmesis المضادة للسفن في الفلبين. كما وقع الجانبان على اتفاقيات تشمل إجراء تدريبات ثنائية لقوات العمليات الخاصة، وإعادة بلورة خطط الردع في منطقة إندوباسيفيك، والتعاون الصناعي في مجالات مثل الأنظمة غير المأهولة، ومكونات الذخائر والمواد المتفجرة، والمعادن الحيوية، والدعم اللوجستي، وصيانة وإصلاح السفن والطائرات، وإنتاج قطع الغيار والمكونات الخاصة بالأنظمة العسكرية، وتكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني.

وفي طوكيو أكد هيغسيت على ضرورة تسريع اليابان قوتها العسكرية وتطوير التنسيق بين قوات البلدين في ضوء تنامي نفوذ الصين، وخطر نشوء حالة طواريء في تايوان. وتم الاتفاق على تسريع الانتاج المشترك لصواريخ الدفاع الجوي المتطورة، وتوفير قدر أكبر من التسهيلات للقوات الأمريكية للوصول إلى المناطق اليابانية المطلة على بحر الصين الشرقي بالقرب من تايوان. وعلى حين أكد هيغسيت على إلتزام واشنطن بسحق أي عدوان صيني في المحيطين الهندي والباسيفيكي، فإن اليابانيين أكدوا له بدورهم استعدادهم ليكونوا في الخطوط الأمامية لأي طاريء.

ولا يستبعد أن الضيف الأمريكي سمع من مضيفيه عتبهم وتوجساتهم العديدة، وعلى رأسها قضية رسوم "يوم التحرير" التي أعلنها ترامب في 2 أبريل الجاري، والتي وجهت ضربة اقتصادية قاصمة لجميع الدول الآسيوية بما فيها الدول الحليفة، ومخاوفهم من سياسة دفع المنطقة نحو عدم الاستقرار بدلا من استعادة التوازن.



د. عبدالله المدني

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: أبريل 2025م 

 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق