كوريا الجنوبية تقترب من عرش الذكاء الاصطناعي
بقلم: د. عبدالله المدني*
المعروف أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تتربعان اليوم على عرش الذكاء الإصطناعي، لكن كوريا الجنوبية تحاول جاهدة أن تصبح الدولة الثالثة في هذا المجال، وتتربع على عرشه جنبا إلى جنب مع أمريكا والصين، بدليل أن رئيسها "لي جاي ميونغ" أعلن مؤخرا في خطابه أمام البرلمان حول الموازنة السنوية لعام 2026 تخصيص 7 مليار دولار من أجل هذا الهدف.
فبعد أشهر قليلة من إعلان شركة انفيديا (Nvidia) الأمريكية، الأعلى قيمة على مستوى العالم بأكثر من أربعة ترليون دولار أمريكي، والمحرك الرئيسي للذكاء الإصطناعي عالميا عن خططها، دعت حكومة كوريا الجنوبية إلى عقد أول إجتماع لمجموعة العمل المشرفة على التوسع الجذري للبنية التحتية والتقدم في مجال الذكاء الإصطناعي بالبلاد.
وكان الرئيس ميونغ قد أطلق في شهر سبتمبر الفائت بصورة رسمية مجموعة العمل هذه تحت إسم "اللجنة الوطنية لإستراتيجية الذكاء الإصطناعي" للإشراف على تنفيذ أنشطة الذكاء الإصطناعي في كوريا الجنوبية وتنسيق عملها مع مختلف الجهات الحكومية الاقتصادية والمالية والأمنية والدفاعية من حيث البيانات والتطبيقات والآليات والمهارات والتعاون الدولي، بما في ذلك إحداث تغييرات تشريعية وقانونية لتسهيل نشر الذكاء الإصطناعي كنهج داعم للتنمية وجسر للحاق بالآخر المتقدم في المجال. وقتها، وكدليل على طموحاته ودعمه القوي للذكاء الإصطناعي، قال ميونغ: "تقف كوريا اليوم عند منعطف تاريخي عظيم. إن أمامنا خيار أن نكون تابعين ومعرضين لخطر التخلف، وأمامنا أيضا فرص لا حدود لها إذا تقدمنا بجرأة نحو المستقبل من خلال نشر الذكاء الإصطناعي الذي هو المفتاح لتطوير هيكل صناعتنا، وتحسين جودة حياة شعبنا، ودخةل كوريا عصرا جديدا من الرخاء".
ويترأس اللجنة وزير العلوم والتكنولوجيا وتضم في عضويتها مسئولين تنفيذيين كبار من شركات "سامسونغ للإلكترونيات" و"هيونداي موتور" و"إس كي تيليكوم" و"نافر كلاود" (مشغل مركز البيانات فائقة السرعة) وغيرها من مؤسسات القطاعين الخاص والعام،
ويأمل ميونغ أن تترجم اللجنة وفرق عملها المختلفة طموحاته وطموحات شعبه في أن تجاري كوريا الجنوبية الولايات المتحدة والصين وتنافسهما في الذكاء الإصطناعي. وذلك من منطلق أن التقدم في هذا المجال سوف يطلق شرارة نمو جديد وقوي للإقتصاد الكوري الجنوبي ويعوضه عن الإضرار التي لحقت به مؤخرا جراء الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصادرات الكورية إلى الأسواق الأمريكية، وجراء الإستثمارات القسرية في الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية كان متذبذبا خلال السنوات الماضية، وأقل بكثير من حقب سابقة. فطبقا للبيانات الرسمية، بلغ 1.4 بالمئة في عام 2023، و2 بالمائة في 2024، و1 بالمائة في 2025، وهذا بطبيعة الحال لا يرضي الكوريين الذين يطمحون للعودة إلى زمن تربعهم على عرش "النمور الآسيوية"، بل الذين يأملون في منافسة الاقتصادين الياباني والصيني.
ذكرت وسائل الإعلام الكورية أن المشاركين في الإجتماع الأول لمجموعة العمل المذكورة ناقشوا منظومة الذكاء الاصطناعي في البلاد، ومشروع نشر نحو 260 ألف وحدة معالجة بالتعاون مع شركة انفيديا، وذلك بهدف زيادة سعة وحدات المعالجة إلى خمسة أضعاف. ويُذكر أنه خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادى (APEC) المنعقد في أكتوبر المنصرم بمدينة جيونجو الكورية الجنوبية، أعلنت شركة انفيديا أنها تعمل على توسيع البنية التحتية للذكاء الإصطناعي في القطاعين العام والخاص في كوريا الجنوبية عبر نشر 260 ألف وحدة معالجة رسومية (GPU) لوزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وشركتي سامسونغ وهيونداي وغيرهما.
ويأمل مسؤولو إنفيديا في أن تثمر تعاونها مع كوريا الجنوبية في وضع الأخيرة في قلب الثورة الصناعية للذكاء الاصطناعي، وتحويلها إلى منتج ومصدر رئيسي للذكاء، مثلما كانت ملهمة ورائدة في صناعة وتصدير السفن والمركبات والرقائق والأجهزة الإلكترونية المتطورة.
وإذا ما استعرضنا أمثلة عن شكل ومدى عمل انفيديا وتعاونها مع كبريات الشركات الكورية الجنوبية، نجد أن شركة سامسونغ العملاقة تبني مصنعا للذكاء الإصطناعي وأشباه الموصلات مزودا بنحو 50 ألف وحدة معالجة من انفيديا، وتستخدم تقنيات الأخيرة في تحسين ريبوتها المنزلي "بالي". كما نجد أن شركة هيونداي موتر توسع تعاونها مع انفيديا في مجالات الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية داخل مركباتها، علاوة على تعاونهما في مجال الروبوتات الذكية من خلال مصنع يضم 50 ألف وحدة معالجة، وتعاونهما مع الحكومة الكورية لبناء مجموعة وطنية للذكاء الإصطناعي المادي. أما مجموعة "إس كي" الكورية فإن تعاونها مع انفيديا يتجلى في تصميم مصنع للذكاء الاصطناعي قابل للتوسع ليشمل 50 ألف وحدة معالجة ممكن اسخدمها في تصميم الذاكرة عالية النطاق الترددي، وتحسين الانتاجية، وتطوير مصانع أشباه الموصلات، وصناعة الروبوتات للشركات الناشئة والهيئات الحكومية.
د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: ديسمبر 2025م






























