كتب فهد المضحكي ـ
أين الإسلاميون من الثورة السودانية؟ (تحليل)تعرض ابراهيم السنوسي القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي" ذا التوجه الاسلامي، الى الطرد بواسطة المسلمين الغاضبين - 23 ابريل 2019
لا تزال تداعيات السقوط الدراماتيكي لتنظيم «الإخوان» في السودان كثير التساؤلات حول أسباب فشل الإسلام السياسي في السودان وتأثيره في المنطقة، بعد سقوط نظام البشير.
ويرى باحثون في شؤون الحركات الإسلامية، أن فشل الإسلام السياسي في السودان، أنقذ المنطقة من «قطار متعدد العربات» فيه «الإخوان المسلمين» وغيرهم من الحركات الأصولية المتطرفة التي وجدت بيئة مناسبة خلال فترة نظام الإنقاذ لتتشعب وتتمدد، وإن ما حدث في السودان مع الثورة الشعبية وضع «فاصلة النهاية» لمشروع الإسلام السياسي في السودان وستكون له انعكاسات على كل النظم وعلى الإسلام السياسي في المنطقة.
هذا ما أشار اليه الكاتب المصري المستنير فتحي خطاب في موقع (الغد)، مستعرضًا توقعات بعض الباحثين والمحللين السودانيين الذين ذكروا ان سقوط النظام السوداني، سيفقد حركات الإسلامي السياسي في الدول المجاورة، مثل: مصر، واريتريا، واثيوبيا، وغرب افريقيا، ميزات لوجستية مهمة، باعتبار البشير كان ملاذًا لتلك الجماعات منذ تسعينيات القرن الماضي، تحت مظلة المؤتمر العربي الإسلامي الشعبي «بحسب رؤية الكاتب والروائي السوداني فايز السليك، بينما يرى المحلل السياسي الاريتري جمال همد، أن الزلزال الذي ضرب أركان الحكم في الخرطوم، ستكون له انعكاسات كبيرة على كل النظم حوله وعلى الإسلام السياسي في المنطقة ككل، ذلك لأن السودان بموقعه الجغرافي المترامي وتأثيره الثقافي العميق، ظلّ لأعوام قُبلة لمجمل الحركات الإسلامية بالمنطقة، أضف إلى ذلك أن رأس المال الإخواني وغير الإخواني ظل يتحرك بارتياح من الخرطوم إلى عدة بلدان اخرى، خدمة لفكرة اعادة (صياغة الشعوب) كما روج لها عراب المشروع حسن الترابي.
والمفاجأة «الصدمة» التي ضربت الإسلام السياسي في السودان، أن الجماعة الام لتلك الحركات (جماعة انصار السنة، والبلاغ والدعوة، إلى التكفير والهجرة والقاعدة وداعش) هي «جماعة الإخوان المسلمين» كانت قد بسطت سيطرتها على الحكم في السودان ثلاثة عقود كاملة، أوحت لهم بأنهم بلغوا حالة «التمكين» ورسخوا قواعدهم في كل مفاصل الدولة، بما فيها الجيش قبل أن تفاجئهم الثورة الشعبية التي دفعت المؤسسة العسكرية للتدخل وعزل الرئيس السابق، عمر البشير، بعد ان كانت حصيلة العقود الثلاثة، فشل الدولة وتفكك النسيج الاجتماعي، وانهيار الاقتصاد، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية، واستشراء الفساد، وهذا الأمر – بحسب تعبير الكاتب والمحلل السياسي السوداني قصي مجدي سليم – أسهم وبصورة كبيرة في وقف مد فكر الإسلام السياسي في اوساط السودانيين، والركون أكثر للطرق الصوفية وللأفكار اليسارية خصوصًا بين الطلبة والشباب، رغم أن السودان (مثل معظم دول العالم الثالث) يعاني من الثالوث الشيطاني (الجهل، والفقر، والمرض)، ونسبة الأمية كبيرة، وهذا ساعد تيارات إسلامية متشددة أخرى في استقطاب الشباب، اما عن طريق الترغيب المادي، او عن طريق إرهاب موجه يستخدم مخزون السلطة الدينية التقليدية.
ويؤكد «سليم» ان التجربة السودانية مع حكم الحركة الإسلامية تكاد ان تكون الغداء لكل المجتمعات المحيطة بالسودان، العربية والافريقية والإسلامية، لأنها استمرت لفترة طويلة (30 عامًا) طرح فيها الإسلاميون كل شعاراتهم، ووجدوا فرصتهم في تنزيل برامجهم وتطبيقها، وكانت حصيلتها فشل الدولة.
هناك من يرى ان فشل الإسلام السياسي في السودان سابق لاندلاع الثورة الشعبية الحالية، وذلك نظرًا إلى اخفاق النظام الإخواني (نظام الانقاذ) في اقامة نظام ديمقراطي حقيقي، وفي الحفاظ على وحدة السودان وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، ولذلك – كما تقول الاعلامية الاريترية امل صالح – لم يكن غريبًا ان تجد دعوات الثورة على النظام بعد ثلاثة عقود من الحكم، هذه الاستجابة الكبرى من قبل مختلف فئات المجتمع تأكيد على الشعور الجمعي الذي بلغ درجة من الوعي واليقين بفشل مشروع الإسلامي السياسي الذي تحققت له فرص الحكم اكثر من اي تيار آخر في السودان.
وهكذا اطاحت الثورة التي قادها الشباب السوداني بكل المشروع الذي عمل فيه حسن الترابي ببرغماتية شديدة، ويعتقد الكاتب السوداني السليك، ان جوهر المشروع هو الفاشية الدينية شعارات الاقصاء والارهاب، مثل: «فليعد للدين مجده، اما ترق منهم الدماء، او ترق منا الدماء او ترق كل الدماء». كان القتل والقطع وبيوت الاشباح والحروب العبثية انتهت بانفصال جنوب السودان، وارتكاب جرائم الابادة الجماعية في دارفور، وبعد ثلاثين عامًا، انتهى المشروع بانتفاضة الشعب عليه.
وأصبح مستقبل الإسلام السياسي في السودان مطروحًا للبحث وفي دائرة الاحتمالات والتوقعات، وتتفق الاعلامية الاريترية آمال صالح مع الرؤية التي تؤكد ان الشعب السوداني لن يسمح لاحقًا بالارتهان لاي مشروع ايديولوجي يتستر بالدين، او يمنح مساحة لتيارات الإسلام السياسي في السودان سيما بعد التجارب المريرة التي عاشها طوال العقود الثلاثة الماضية، وأن فرص انبعاث مشروع الإسلام السياسي في السودان بذات القوة لم تعد ممكنة على المدى القريب، خاصة ان تأثير سقوط نظام البشير، يتجاوز الخارطة السودانية، ليبلغ تطلعات الإسلام السياسي في المنطقة ككل، بعد ان ظل السودان المعقل الاخير لهذا المشروع السلطوي، وتفكيك هذه المنظومة سودانيًا حتمًا سيكون له اثر كبير في تقليص وتقيد فرص الإسلام السياسي في المناطق المجاورة للسودان.
الإسلام السياسي وما جناه علينا تحت هذا العنوان، كتب حلمي النمنم وزير الثقافة المصري السابق، عرفت مصر العديد من التيارات الفكرية والسياسية طوال القرن العشرين وحتى يومنا هذا، ونستطيع القول ان كل تيار، بغض النظر عن فرص نجاحه ومدى تقبله في المجتمع، ترك بصمة ما ايجابية وقدم اضافة ولو محدودة في حياتنا.
والآن ماذا عن تيار (الإسلام السياسي) وأعني على وجه التحديد جماعة الإخوان المسلمين التي اسسها (حسن البناء) سنة 1928 اي منذ اكثر من تسعين عامًا، ماذا قدم وماذا ترك فينا؟ أحاول ان ابحث عن ايجابية واحدة لهذا التيار، ولو ضئيلة فلا اجد غير السلبيات الشديدة على المستوى الوطني والاجتماعي، والسياسي وقبل كل ذلك على المستوى الإسلامي نفسه. (العربية سبتمبر 2019). النقطة الفاصلة لدى هذا التيار هي العنف، الذي يتحول إلى إرهاب، وهم يمارسون العنف ليس على طريقة الكفاح المسلح لتحقيق هدف معين او المساعدة على تحقيقه، بمعنى أن العمل المسلح لا يكون هو الأساس بل هو خطوة اضطرارية ومؤقتة كما حدث ايام ثورة 19، وبعدها تعود الأمور إلى طبيعتها، ولا هم يمارسون بطريقة الجهاد الإسلامي التقليدي والكلاسيكي إلى حرب نظامية مباشرة، ولكن يمارسونه بأسلوب الغيلة والاغتيال، وهم بدأوا الاغتيال بكبار المسؤولين وجعلوه منهجًا ثابتًا لديهم، وغاية من غاياتهم وهم يستعذبون العنف والقتل واستباحة الدماء، فإذا قتل منهم احد اعتبروه شهيدًا وإذا قتلوا هم أحدًا اعتبروا ذلك جهادًا وفوزًا في سبيل الله.