المقدمة
بعد ان حولوا دولة لبنان الكبير الى دولة لبنان الفقير والتعتير... انتفض البطريرك الراعي من الصرح البطريركي الذي "مجد لبنان اعطي له" انتفض من أجل الاستقلال، من اجل ارض لبنان، من أجل لقمة عيش وخبز الشعب اللبناني، من أجل سيادة وحرية لبنان الكبير، انتفض الراعي مناديا "لبنان الحياد" فانتفض معه وليد عبود منMTV "يا ارزة لبنان تضرعي لراعينا من أجل لبنان الكبير ومن أجلنا". وانتفض مع البطريرك طائفة من الصحافيين سنذكرهم على التوالي في هذا المقال.
من لبنان المغترب من استراليا بالتحديد نادت كاتبة هذا المقال "يا سامعين الصوت: لبنان لنا ولبنينا بعدنا، يا رب احفظه وباركه إرثا مقدسا "موحدا مسالما مستقلا" على اسم الثالوث المقدس "الآب والابن والروح القدس" فهلا سمعتم صوت النداء؟؟؟ توحدوا، تكاتفوا، ساعدوا، لبوا النداء وصلوا فالله سميع الدعاء".
من إعداد الاخت د. تيريزا حرب
مثلث الرحمات البطريرك صفير.
نادى الإعلامي وليد عبود عبر تلفزيون MTV عندما عبر البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الى الحياة الثانية قائلاً:
"أيها اللبنانيون إنه يوم دامع في تاريخ لبنان. غاب البطريرك السادس والسبعون بالجسد وارتقى بالروح. صحيح أننا تجرّعنا في لبنان ومحطة MTV كأس رحيله على دفعات وعلى أيام وعلى ساعات، مع ذلك لا يزال وقع الرحيل قاسياً علينا لأن الراحل شامخ في وجداننا كأرزة ومنغرز في أعماقنا كأيقونة تصلي.
أيها اللبنانيون، في التاريخ اللبناني الحديث، بطركان استثنائيان، الأول البطريرك الياس الحويك الذي حقق لبنان الكبير، والثاني نصرالله صفير الذي استعاد لبنان الكبير من سجّانيه بعدما أدخلوه معتقل الوصاية وزنزانة الاحتلال.
اليوم، البطريرك صفير استقال من مهماته على الأرض، وصار شعاعاً من ضوء السماء، كأنه بعدما دخل التاريخ وصار في وجدان المستقبل والآتي من الأيام، قرر أن يرتاح من تفاصيل الدنيا ومن يومياتها المملة المستعادة. فما أجمل الكبار حين يرتاحون، وما أروع العظام حين ينكفئون. الكبار والعظام فقط يعرفون متى وكيف ولماذا يتجردون من الحاضر ليصبحوا ملك التاريخ ووديعة المستقبل ليصبحوا صوتاً صارخاً في ملكوت الله.
مع ذلك، اسمح لنا يا سيدنا أن نتجرأ عليك وعلى تواضعك وعلى رحيلك، لنقول لك باسم شعبك وباسم المحطة، إننا لا نتخيل لبنان وأنت لست فيه، تستمع وتصغي، تفهم وتتفهم، تحزن مع الحزينين وتفرح مع الفرحين. كما لا نتخيل كنيستنا المقدسة من دونك لتحدد فيها الصواب من الخطأ، الخير من الشر، ولتحدد الطريق إلى الحرية والكرامة، إلى الحق".
**
وطن في بطريرك
وكتب طوني رحمة:
من النادر في تاريخ الاوطان والأمم ان يتبادر الى ذاكرة القارئ ذكرى رجل يلخّص بسيرته تاريخ مخاض من ثم ولادة وطن كما تفعل في الذاكرة سيرة البطريرك الحويّك.
ولد البطريرك الحويك في 23 كانون الأول 1843 في بلدة حلتا البترونية. وانتقل لاحقا ليدرس اللاهوت في روما حيث ارتسم كاهنا العام 1870 من ثم عاد الى لبنان. والعام 1872 تمّ تعيينه امين سر البطريركية المارونية. ارسله البطريرك الحاج لاحقا الى روما طلبًا لدرع التثبيت وليشرف على ترميم وإعادة افتتاح المدرسة المارونية فيها التي دمرها نابليون الأول. وبعدها قام بعدة زيارات الى اوروبا حيث وطد علاقات صداقة ومودة مع عدة دول وشخصيات سياسية كان لها اثر فعّال لاحقا.
بعد وفاة البطريرك الحاج قفل الحويّك عائدا الى بكركي. وفي اليوم التالي انعقدت الخلوة الانتخابية، التي كانت تتم حينذاك بالقرعة (وليس بالانتخاب وفق النظام الجديد للكنائس الكاثوليكية الشرقية وذلك استيحاءً من سفر أعمال الرسل). واستقرت القرعة على إلياس الحويك، فغدا بذلك البطريرك الماروني، واحتفل برتبة تنصيبه في الأحد الأول التالي اي في يوم 9 كانون الثاني 1899.
وكلّنا نعرف الانجازات البطولية التي أدّاها في قيادة شعبه خلال فترة الغاء امتيازات متصرفية جبل لبنان والحكم العثماني المباشر من قِبَل السفّاح جمال باشا الذي تعمّد حصارا سياسيا واقتصادياً ادى الى موت ثلث اللبنانيين جوعاً وكانت لتكون النتائج أكثر مأساوية لولا حكمة وسهر البطريرك الحويّك الذي حوّل بكركي الى مركز لتوزيع الطعام على الحشود من دون تمييز بين مختلف الطوائف، إذ كان يردد: “أنا بطريرك الموارنة ولي طائفة واحدة هي طائفة لبنان”.
حاول جمال باشا لاحقاً الضغط على البطريرك فقابله ثلاث مرّات محاولاً نفيه الى الخارج، وحين فشل بذلك فرض عليه مرتين اقامة جبرية، مرّة في بحمدون وأُخرى في قرنة شهوان.
وبعد خروج العثمانيين من مناطق سوريا لبنان وفلسطين.... رفع علم فرنسا بعد احتلال جيوشها للساحل الشرقي للبحر المتوسط.
لم تكن فرنسا بداية متحمّسة لاستقلال لبنان وكيانيته الخاصة فحاولت عن طريق مراسلات بين بكركي وجورج بيكو إقناع البطريرك بإيجابيات الوحدة مع سوريا، لكن الأخير كان حازما بإصراره على استقلال لبنان وكان يردد: ان نموت في ظل صخورنا خير لنا من الانضمام لهذه الوحدة.
وبعد ذلك، بنتيجة التفاف اللبنانيين (مسلمون ومسيحيون) حول البطريرك، سافر الحويك الى باريس على رأس وفد لحضور مؤتمر الصلح الثاني وحدّد خلاله طلبه باستقلال لبنان. الأمر الذي حدا بملك المملكة العربية السورية فيصل إلى الاذعان والقبول باستقلال لبنان بموجب اتفاق فيصل- كليمنصو المؤرخ في 6 كانون الثاني 1920. وخلال الفترة ذاتها احتلت الجيوش الفرنسية بناء لرغبة البطريرك كلّاً من بعلبك وراشيا وحاصبيا والبقاع الغربي التي كانت تابعة آنذاك لولاية دمشق وضمّتها الى لبنان. وفي 28 حزيران 1920 سقط الحكم الفيصلي في دمشق.
وبعدها بشهرين اي في 31 آب 1920، أعلن هنري غورو من قصر الصنوبر في بيروت ولادة لبنان الكبير بحدوده الحالية، وذلك بحضور البطريرك الحويّك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، لتتحقق رغبته على كيانية واستقلال لبنان بلدا للتعايش وليكون رسالة أكبر من حدود مجرّد وطن كما وصفها البابا يوحنا بولس الثاني.
تكلل عطر إيجابيات البطريرك حويك، بما أعلنه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من بكركي المجيدة ذاتها، ان “قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس قرر تثبيت عيش بطولة الفضائل من البطريرك مار الياس بطرس الحويك وأعلنه مكرماً على مذابح الكنيسة الكاثوليكية.
إلياس الحويك البطريرك صانع لبنان
جمهورية المئة عام
وكتب طوني فرنسيس.
اللبنانيون يستعيدون الروح التي قادت الآباء المؤسسين في التمسك بوطنهم وتثبيت ركائزه (رويترز).
بعد مئة عام على قيام دولة لبنان الكبير، التي ستصبح الجمهورية اللبنانية بعد وَضْعِ دستورها عام 1926، يلحُ سؤال لا مفر منه؛ هل أن الدولة اللبنانية التي قامت قبل مئة عام بمساهمة نشيطة من رجل دين هو رأس الطائفة المارونية البطريرك إلياس الحويك، ستؤول إلى الزوال بمساهمة مُعاكسة من حزب "ديني" يعتبر أن مهمته نشر سلطة الولي الفقيه في "جمهورية إسلامية عالمية" ليس لبنان إلا جزءاً صغيراً منها؟.
المحاولة جارية من دون شك. ولبنان الذي عرفه العالم بلداً، مختبراً للعيش المشترك، يكاد يغرق في صراعات المذاهب والأديان، في انعكاس صريح لمحاولة التمدد الفارسي الإيراني بالمنطقة العربية، عبر استغلال الحضور الشيعي العربي في لبنان، وتطويع طائفة لبنانية رئيسة في خدمة طموحات نظام الملالي بطهران.
إلا أن مهمة من هذا النوع دونها صعوبات تجعل إنجازها مستحيلاً. فقيام لبنان الكبير ثم الجمهورية لم يكن صدفة، أو مجرد منحة فرنسية، ولا فبركة لسياسة فرنسا الخارجية كما قال الجنرال كاترو في وقت لاحق. لقد قام هذا البلد لأن لاستقلاله جذوراً ضاربة في التاريخ، ولأنه توفرت له في اللحظة التاريخية المناسبة قيادة وطنية تمكنت من ترجمة الظروف الملائمة في تحقيق حلم الدولة المستقلة.
كان قيام لبنان بحدوده الراهنة نقيضاً للمشروع الاستعماري الفرنسي الأصلي المستند إلى اتفاقية سايكس- بيكو. فقد منحت تلك الاتفاقية فرنسا حق السيطرة على سوريا ولبنان ككيان واحد من تركة السلطنة العثمانية، وما كانت فرنسا تُفكر في قيام دولتين في سوريا ولبنان، فإما هيمنة كاملة على هذا الجزء من الشرق العربي، وإما تجزئته إلى دويلات ذات طابع مذهبي مناطقي كما حاول الجنرال غورو فعله في سوريا بعد إعلان دولة لبنان الكبير.
إلا أن تجربة جبل لبنان والاستقلال الذاتي الذي مارسه في ظل نظام المتصرفية ابتداء من 1861، وقبل ذلك في نظام الإمارة ابتداء من 1517، جعلت نخباً لبنانية تلح منذ ما قبل انهيار العثمانيين وفور هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى على نيل الاستقلال التام للبنان "في حدوده التاريخية". وتحقق ذلك في الأول من سبتمبر (أيلول) 1920، بعد معركة ميسلون ببضعة أسابيع حيث ثبت لفرنسا استحالة الهيمنة على "سوريا الكبرى" موحدة، وعدم قدرتها على تجنب الإلحاح اللبناني على الدولة المستقلة.
الحويّك صانع لبنان الكبير
لم يكن البطريرك الماروني إلياس الحويك بعيداً عن مجريات الأحداث العاصفة مطلع القرن الماضي، فهو الرئيس الـ72 لكنيسة ممتدة منذ القرن السابع ميلادي. وهو خليفة يوحنا مارون البطريرك الأول (686 م)، جاره الذي بنى مقراً لبطريركيته في قرية مجاورة للقرية التي ولد فيها الحويك. وفي هذا المقر الذي تحول ديراً ومدرسة بعد المجمع اللبناني الماروني في 1736 سيتلقى الحويك علومه الأولى، قادماً عبر الوديان والجبال سيراً على قدميه من منزل والديه في حلتا إلى دير كفرحي ناحية البترون شمال لبنان.
**
١ ايلول ١٩٢٠ اعلان دولة لبنان الكبير
منذ ١٠٠ عام بالتمام والكمال جلس البطريرك الياس الحويك عن يمين المندوب السامي الفرنسي.
لم يكن الحويك سليل عائلة إقطاعية، بل هو ابن عائلة فقيرة، كافح واجتهد وترقى في مراتب كنيسته لينتخب رأساً لها عام (1899). ونجح خلال خدمته في إعادة إحياء المدرسة المارونية في روما، ما أتاح له بناء علاقات راسخة مع القيادات الفرنسية منذ نهاية القرن التاسع عشر سيستفيد منها لاحقاً في حملته من أجل الاستقلال.
على أن التجربة القاسية والحاسمة هي تلك التي عاشها الحويك خلال الحرب العالمية الأولى، وهي التي دفعته بحسم إلى التمسك بإيجاد وطن نهائي مستقل للبنانيين بمختلف طوائفهم. ففي تلك الحرب ألغى العثمانيون نظام المتصرفية في جبل لبنان وقضوا على الاستقلال النسبي الذي كان يعيشه، ووجد البطريرك نفسه في مواجهة مباشرة مع الحاكم التركي جمال باشا، حاملاً مسؤولية إغاثة مئات الألوف من أبناء الجبل الذين أصابتهم المجاعة.
قاوم البطريرك محاولات الأتراك تطويع بكركي؛ مقر البطاركة الموارنة، وواجه جمال باشا الذي فرض عليه الإقامة الجبرية في بحمدون خارج كنيسته، واحتقر السياسيين المتلونين الذين تقربوا من السيد العثماني، وردد على مسامعهم ما سيردده البطريرك صفير في مواجهته للنظام السوري بعد تسعين عاماً:
بكركي من عركة لعركة
لا نورا ولا زيتا شحّ
كلن عم يحكو تركي
إلا بكركي بتحكي صح.
والصح كان المطالبة بالاستقلال. واستند الحويك إلى تراث وتجارب سابقة تبلورت في زمن المتصرفية وتكرست في أعمال وكتابات رواد النهضة العربية من اللبنانيين.
وقبل أن يشارك في مؤتمر الصلح في باريس أغسطس (آب) 1918، حيث لقب بـ"بطريرك لبنان"، كان استقبل في يونيو (حزيران) لجنة كينغ- كراين التي قدمت توصياتها باستقلال لبنان، وحصل في العاصمة الفرنسية على وعد من رئيس الوزراء جورج كليمنصو بالاستقلال، قبل أن ينص اتفاق كليمنصو – فيصل؛ ملك سوريا العربية على هذا الاستقلال في 6 يناير (كانون الثاني) 1920.
سبق ذلك حراك شعبي وقيادي استمد منه البطريرك دعماً وعزيمةً. ففي 9 ديسمبر (كانون الأول) 1918 أعلن مجلس إدارة متصرفية جبل لبنان المنحلّ بقرار تركي، استقلال لبنان "في حدوده التاريخية والجغرافية"، وقرر إرسال وفد إلى مؤتمر الصلح العام ضم ممثلين عن مختلف الطوائف؛ داوود عمون ومحمود جنبلاط وعبد الله الخوري وآميل اده وإبراهيم أبو خاطر وعبد الحليم الحجار وتامر حمادة، للمطالبة بالتالي:
١- توسيع نطاق جبل لبنان إلى ما كان معروفاً به من التخوم تاريخياً.
٢- تأييد استقلال هذا البلد.
٣- يكون لهذه البلاد اللبنانية مجلس نيابي على مبدأ التمثيل النسبي حفظاً لحقوق الأقلية.
تتويج لا انفراد
توجّت مساعي الحويك بشخصيته الفذة والمُهابة، وهو في السابعة والسبعين من عمره، رغبة أبناء لبنان في استرجاع بلدهم نهائياً. لم يقبل إلحاقاً أو التحاقًا، بل دعا إلى علاقات احترام وود مع العرب الآخرين وراهن على صمود اللبنانيين وقدرتهم على البقاء بعد مجاعة واستعباد قاد كنيسته في مواجهتهما، واقترح نظاماً جمهورياً انتخابياً يحفظ حقوق الأقليات قبل مئة سنة، في تجربة مميزة ستثير حنق إسرائيل بعد ثلاثة عقود، وستحاول مشروعات الهيمنة الإيرانية اليوم نسفها والقضاء عليها.
نجح البطريرك الذي "مجد لبنان أُعطي له". وفي الأول من سبتمبر (أيلول) شهد في مقر القيادة الفرنسية؛ قصر الصنوبر في بيروت، إعلان القائد الفرنسي هنري غورو، وإلى جانبه مفتي المسلمين والشخصيات البارزة، إعلان دولة لبنان الكبير الذي سيصبح الجمهورية اللبنانية بعد ست سنوات بحدودها الراهنة. وبقي الحويك طوال سني عمره المتبقية، (توفي في 1913)، متابعاً بحرص إنجاح الوطن الذي كان أبرز صانعيه.
من ينسف معنى لبنان؟
مر لبنان بصعوبات كثيرة منذ قيامته الحديثة. لكن المشكلة التي يعانيها اليوم هي الأكبر. فتحالف الفساد والميليشيا يهدد الدولة والكيان معاً. الدولة يتآكلها الهدر والسرقة والكيان يتعرض لأكبر تحدٍ بالقضم والاستتباع على يد ميليشيا مذهبية تأتمر بالخارج. وهذا ما يجعل إحياء مئوية قيام البلد مناسبة غير تقليدية. لقد فهم الفرنسيون ذلك، ورئيسهم سيكون حاضراً لتجديد الوعد في ظروف مختلفة تماماً عن نهاية الحرب العالمية الأولى، ويبقى أن يستعيد اللبنانيون الروح التي قادت الآباء المؤسسين وعلى رأسهم إلياس الحويك في التمسك بوطنهم وتثبيت ركائزه.
هذه بعض المقالات والاستشهادات التي اخترتها لكم احتفالا بإعلان لبنان الكبير، راجية من الله تعالى أن يحمي لبنان لشعب لبنان على أرضه وفي مغترباته، وكل مئوية وانتم بألف خير.