تحليل سياسي: هل يصبح بقاء السلطة الفلسطينية .جزء من منظومة أمن دولة الإحتلال؟


كتب راسم عبيدات ـ 

من الواضح أنه بعد معركة" سيف القدس" في أيار الماضي والتي إستطاعت ان تهشم دولة الإحتلال عسكرياً وسياسياً،تلك المعركة التي تمكنت من تعزيز نهج وخيار ا ل م ق ا و م ة في الساحة الفلسطينية على حساب  دعاة نهج وخيار المفاوضات العبثية  وما يسمى با ل م ق ا و م ة الشعبية الرسمية والموسمية،تلك المعركة التي لم تشارك فيها السلطة الفلسطينية،وكانت حريصة على ضبط  الحالة الشعبية في الضفة الغربية ومنعها من الإنفجار،وبما يشكل خطر مزدوج على أمنها وأمن دولة الإحتلال.

هذه المعركة احدثت تراجعا كبيراً في جماهيرية وشعبية السلطة وحضورها  ومدى الثقة فيها،وخاصة ان هذه الثقة مهزوزة بالأساس،والسلطة لا تتمتع بالمصداقية لدى قطاعات شعبية واسعة من بعد الغاء الإنتخابات التشريعية،ومن بعد ذلك جاءت عملية اغتيال الناشط نزار بنات،لكي تزيد من حالة التآكل في الثقة والهيبة بالسلطة وفي مشروعها وشرعيتها،فهي لم يعد لها لا شرعية ث ور ي ة ولا شرعية م ق ا و م ة وتوافق وطني ولا شرعية انتخابية،وبدلاً من أن تعالج قضية اغتيال نزار بنات بحكمة وحنكة،وتعترف بعملية الإغتيال وتتحمل مسؤولياتها،وأن تقوم بمساءلة ومحاسبة  ومحاكمة من قاموا وشاركوا في عملية الإغتيال،ومن أعطوا الأوامر في المستويات الأمنية والسياسية،وجدنا أن السلطة لجأت لخيار القمع والتنكيل والسحل والإعتقال،التي طالت صحفيين/ات ونشطاء عمل وطني ومجتمعي وحراكات شبابية وقيادات وقامات وطنية وأسرى محررين.. وهذه الأعمال القمعية والتنكيلية ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه والإعتقالات على الخلفية السياسية،عمقت من أزمة السلطة،وجعلها قريبة من الإنهيار،ومن هنا جاء التدخل الأمريكي المباشر من أجل منع انهيار  السلطة،التي رأت الدوائر الأمنية الأمريكية والسياسية،بأن انهيار السلطة الفلسطينية،ورحيلها سيشكل خطر مباشر على أمن دولة الإحتلال،وسيسمح لقوى اكثر راديكالية  وجذرية فلسطينية بان تملأ الفراغ الناشيء عن ذلك...وهذا لا يشكل خطر فقط على أمن دولة الإحتلال ووجودها،بل تداعيات ذلك ستطال الإقليم والمحيط،والذي يجري ترتيبه ضمن أحلاف تطبيعية تدور في الفلك والمشروع الأمريكي،لكي تشكل حاجز صد امام طهران ومحورها في المنطقة، أحلاف مثل  ما يعرف ب " الشام" الجديد،مصر والأردن والعراق،حلف "ابراهام" التطبيعي  الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وحلف بغداد الجديد مستثنى منه ايران،ما يعرف بحلف" الجوار" العراقي.

الإدارة الأمريكية المزدحمة اجندتها بملفات تتقدم على ملف الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي،الملفات الإيرانية والعراقية واللبنانية والسورية والأفغانية،تريد تبريد هذا الملف ومنع انفجاره،لأن ذلك يشكل خطر على السلطة وعلى دولة الإحتلال،وهي تريد الإستمرار في إدارة الصراع لا حله،وتفضل أن يكون هناك مشروع إقتصادي محروس أمنياً وبعض الرشاوي السياسية،مشروع " تقليص الصراع"،مشروع اقتصادي لا يحمل أي بعد سياسي، المرحلة غير مناسبة لأي مشروع سياسي،ولذلك أوفدت الإدارة الأمريكية ثلاثة من قادة إدارتها للمنطقة،بلينكن وزير الخارجية وهادي عمرو نائبه للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز،وفي لقاءتهم مع قادة دولة الإحتلال أكدوا على ضرورة دعم السلطة اقتصادياً ومالياً وتعزيز التنسيق والتعاون الأمني معها، وكانت هناك وثيقة  14 تموز ،والتي أكد فيها هادي عمرو على تعزيز التنسيق الأمني بين أجهزة المخابرات الأمريكية- الإسرائيلية – الفلسطينية،وأن يكون هناك تنسيق وتعاون أمني على مستوى الإقليم،وأن يتم السيطرة والرقابة على اجهزة الإعلام والتعليم الفلسطينية،من أجل منع التحريض،وأن يجري تدقيق كشوفات ووثائق وزارة المالية  الفلسطينية وحساباتها من قبل مؤسسات محاسبية دولية مثل "برايس ووتر هاوس".

الإتصالات الإسرائيلية الفلسطينية،لم تنقطع وتبادل قادة دولة الإحتلال مع الرئيس عباس التهاني بعيد الأضحى المبارك،وكذلك قدم الرئيس عباس التهاني لرئيس دولة الإحتلال الجديد يتسحاق هيرتسوغ،وما يسمى بلجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي بقيادة عضو مركزية فتح المدني وعضو تنفيذية المنظمة احمد مجدلاني استقبلوا  صحفيين وكتاب وفنانين اسرائيليين في رام الله في لقاءات تطبيعية.


واضح انه بعد زيارة بينت الى واشنطن وعودته من هناك بأن امريكا طلبت منه السماح لغانتس باللقاء مع عباس،وضغطت عليه من اجل التسريع في تقديم الدعم الإقتصادي والمالي للسلطة،في ظل تصريحاته بعدم قيام أي عملية سياسية مع السلطة،او الموافقة على قيام دولة فلسطينية،وهذه التصريحات،يفترض ان تجعل السلطة وقيادتها يغادروا أوهامهم وان يصحو من سباتهم العميق وانفصالهم عن الواقع،ولكن من الواضح بأن هناك فريق متنفذ في السلطة،يدفع نحو تعزيز التعاون والشراكة مع دولة الإحتلال والإعتماد عليها.

فلقاء عباس- غانتس في رام الله أول أمس ،قبل الغوص في أبعاده،لا بد من التطرق للعديد من المواقف الإسرائيلية والفلسطينية المتعلقة بهذا اللقاء،فوزير الإعلام الاسرائيلي قال "من مصلحتنا عدم انهيار السلطة ودعمها اقتصاديًا، وأن تخلي الزبالة من شوارع جنين ورام الله، وإضعاف ح م اس. اللقاء لم يتطرق للقضايا السياسية".

مسؤول مقرّب من رئيس الحكومة الإسرائيلية “لقاء غانتس وأبو مازن تناول قضايا المنظومة الأمنية المستمرة أمام السلطة الفلسطينية. لا يوجد أيّ تسوية سياسية أمام الفلسطينيين، ولن يكون".

عاموس جلعاد، الرئيس السابق للقسم الأمني - السياسي بوزارة الجيش:" السلطة الفلسطينية جزء من المؤسسة الدفاعية التي أقيمت هنا، التعاون الأمني معها رصيد إستراتيجي لإسرائيل، في عملية "حارس الأسوار" حاولت حماس إشعال الضفة الغربية، لكنها باءت بالفشل.

الصحفي أوهاد حمو: لقاء غانتس وأبو مازن هو خبر مهم جدًا. حوار مع رام الله أفضل من حوار مع ح م اس. نقطة.

الصحفي تل ليف - رام : " إسرائيل معنيّة بتعزيز السلطة الفلسطينية وإضعاف ح م ا س بعد أن عملت لسنوات على عكس ذلك. ح م ا س تعلمت في السنوات الماضية أنها بالقوة والاستفزاز يمكن أن تحصل على أكثر ممّا يمكن.

أما في الجانب الفلسطيني،فوزير الشؤون المدنية حسين الشيخ الذي كان جزء من هذا اللقاء،فقد قال في تغريدة على تويتر"

تم البحث في العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية من كل جوانبها."

في حين كان هناك رفض عارم لهذا اللقاء وإدانة وتجريم واعتبار ذلك خروج عن كل القيم الوطنية وطعنة غادرة لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني،وما جرى الإتفاق عليه وطنياً،فحركة ا ل ج ه اد ا لإ س لا م ي وصفت هذا اللقاء انه شكل طعنة للشعب الفلسطيني،في حين اعتبرت ح م اس  هذا اللقاء،بانه يضعف الموقف الفلسطيني الرافض للتطبيع،اما ا ل ج ب ه ة ا ل ش ع ب ي ة  فوصفته أنه استمرار للنهج التفريطي بحقوق وثوابت شعبنا.

هذا اللقاء يكشف بان السلطة لديها الإستعداد للتعاطي مع قضية شعبنا وحقوقه،على أنها قضية اقتصادية خدماتية انسانية،مجردة من بعدها الوطني السياسي،وهذا بحد ذاته تحول خطير،فغانتس قال بشكل واضح بأنه ناقش مع ابو مازن تشكيل الواقع الأمني والإقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة،وكذلك كل دوائر صنع القرار في دولة الإحتلال من بينت حتى غانتس،قالت بان اللقاء ليس له أبعادا سياسية،بل يبدو انه تم ضوء اخضر امريكي،الهدف منه تقديم دعم مالي واقتصادي للسلطة وتعزيز التنسيق والتعاون الأمني معها،إستناداً الى لقاءت المسؤولين الأمريكان الذين زاروا المنطقة مؤخراً بلينكن عمرو وبيرنز،والذين رأوا بان انهيار السلطة الفلسطينية،من شأنه حدوث تداعيات خطيرة،حلول قوى أكثر جذرية  و"تطرف" من السلطة القائمة،وهذا يزيد من خطورة الوضع على دولة الإحتلال،وعلى الدول المجاوره،والتي تعمل أمريكا على جعلها جزء من أحلاف أمنية – عسكرية  تابعة لأمريكا لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.

السلطة تعيش في مأزق  وأزماتها تتعمق وصورتها وسمعتها  وشعبيتها ،ليس عند الشعب الفلسطيني،بل حتى عند من يقفون معها ويدعمون مشروعها وخيارها،في تراجع مستمر،فشل على المستوى السياسي،وفشل على مستوى الأداء والخدمات المقدمة للمواطنين،بالإضافة الى الفساد المستشري فيها أجهزتها ومؤسساتها،وصورتها على مستوى الحريات قاتمة،حيث القمع والتنكيل والسحل والإعتقالات.

ولذلك هذا اللقاء أتى من أجل سحب البساط من تحت أقدم القوى  الفلسطينية القائلة بخيار ا ل م ق ا و مة ، ونوع من اضفاء الشرعية على السلطة وتحسين وضعها الاقتصادي والمالي لكي تقوم بمهامها بشكل سلس اكثر تجاه المواطنين ليشكل غطاءا لاي قرارات تتخذها تصب في خانة المخططات الصهيو أمريكية لتصفية القضية الفلسطينية...

هذا اللقاء الذي  ستحاول السلطة الفلسطينية  تصويره على انه انتصار فلسطيني جديد،من بعد "انتصار"  تسلم أموال المقاصة سابقاً،بعد حرد استمر ستة شهور،ومن ثم برسالة من مسؤول الإدارة المدنية السابق  كميل ابو ركن جرى الموافقة على استلامها،يأتي ترجمة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي المشاركة فيه أطرف عربية واقليمية ودولية،لما يسمى ب" تقليص" الصراع،أي  مشروع اقتصادي بحراسة امنية  ورشى سياسية، تذبح المشروع الوطني الفلسطيني من الوريد للوريد،فنضال الشعب الفلسطيني المستمر والمتواصل وتصديه لكل مشاريع تصفية القضية الفلسطينية،وأخرها صفقة القرن الأمريكية،لم تكن  من أجل الحصول على قروض مالية بنصف مليار شيكل من دولة الإحتلال،او زيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين في القدس والداخل الفلسطيني،او تسوية أوضاع 5 ألآلاف فلسطيني في الضفة الغربية  من قطاع غزة وعدد من القادمين من الخارج،ما سماه حسين الشيخ لم الشمل للعائلات الفلسطينية،والموافقة على  السماح لأبناء شعبنا في إقامة عدد محدود من الوحدات السكنية في مناطق(جيم)،وبما لا يشكل خطر على التواصل الجغرافي للمستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية ونموها الطبيعي،وبما يشكل تبيضاً للإستيطان والمستوطنات.

واضح تماما ان السلطة متجهة الى حلول اقتصادية فقط والامر اصبح مقبولا لدى السلطة الفلسطينية ويبدو ان هذه توصيات من الرئيس الامريكي جو بايدن في لقائه الاخير مع نفتالي بينت واتفقوا على تقديم مساعدات مالية للسلطة لكي تبدو صورتها افضل بين الناس، في تحول لدور السلطة يقتصر على تقديم المساعدات للمواطنين وتحسين اوضاعها المعيشية، على حساب القضايا السياسية وحتى تلك القضايا التي تتحدث عن حقوق الشعب الفلسطيني وفق قرارات الشرعية الدولية.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق