الخلافات تتفجر في الفلبين بين آل ماركوس وآل دوتيرتي


  بقلم: د. عبدالله المدني*

منذ ثورة الجيش والشعب والكنيسة ضد نظام الرئيس الفلبيني الأسبق فرديناند ماركوس  التي نجم عنها اسقاط نظامه الديكتاتوري في  فبراير 1986 تعاقب على رئاسة الجمهورية ست شخصيات تباينت خلفياتها السياسية وأجنداتها الخارجية واسلوب ادارتها للبلاد، وكان من بينهم الرئيس القوي والرئيس الضعيف واثنين من الرؤساء اللذين اقصيا بحكم قضائي ولم يكملا فترتهما الرئاسية (الرئيس جوزيف ايسترادا وخليفته الرئيسة غلوريا ماكاباغال أرويو التي تولت القيادة بدلا منه في 20 يناير 2001  باعتبارها نائبة الرئيس).

في عام 2016 جرت انتخابات رئاسية لاختيار الرئيس السادس عشر للبلاد بدلا من الرئيس بنينو أكينو الثالث الذي حكم لفترتين متتاليتين وانتهت ولايته الثانية في 30 يونيو 2016م ففازالمحامي والسياسي والمشرع المثير للجدل "رودريغو دوتيرتي" الذي شهدت فترة حكمه من عام 2016 الى 2022 عمليات قتل خارج نطاق القانون للصوص والمجرمين ومافيات المخدرات. وبعد أن أكمل فترتين رئاسيتين وصار من غير الممكن له دستوريا أن يرشح نفسه لولاية ثالثة، دفع بابنته سارة دوتيرتي الى الحلبة كنائبة للرئيس على بطاقة المترشح للرئاسة فرديناند ماركوس الإبن (ابن الديكتاتور الأسبق)، ففاز الثنائي ماركوس/ دوتيرتي فوزا ساحقا بنسبة 56 %. ومنذ مايو 2022 وهما يتعاونان في إدارة البلاد دون خلافات جوهرية، خصوصا مع استمرار الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي في لعب دور سياسي في الفلبين من خلال عضويته في مجلس الأمن القومي (باعتباره رئيسا سابقا وصاحب خبرة سياسية)، ناهيك عن إشادته الدائمة بوالد الرئيس ماركوس، معتبرا أن كل ما قيل عن ديكتاتوريته وفساده مجرد هراء.

لكن لماذا نتحدث اليوم عن كل هذا؟ السبب هو استباق الرئيس الحالي فرديناند ماركوس الإبن (بونغ بونغ ماركوس) استلام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لسلطاته الدستورية بإجراء يشير إلى انتهاء شهر العسل بين آل ماركوس وآل دوتيرتي. فقبل ساعات من انتهاء العام 2024، فاجأ ماركوس الإبن شعبه بتوقيع أمر تنفيذي يقضي بإبعاد نائبته ووالدها والمحسوبين عليهما من عضوية مجلس الأمن القومي (أعلى سلطة في الفلبين لجهة صنع القرار في مجال الأمن القومي). وبالتزامن أصدر أمرا بأن يعين في مجلس الأمن القومي شخصيات محسوبة عليه من داخل الكونغرس الفلبيني الذي يترأسه ساعده الأيمن وابن عمه ورئيس مجلس النواب " مارتن روموالديز".

أما التبرير الذي قدمه قصر مالاكانينغ الرئاسي لهذه الأوامر فقد جاء في صيغة "الحاجة إلى مزيد من الضمانات لبقاء مجلس الأمن القومي مؤسسة أمنية وطنية مرنة وقادرة على التكيف مع التحديات والفرص على الصعيدين المحلي والعالمي من أجل تعزيز بيئة مواتية للحكم الفعال والاستقرار".

وهكذا يمكن للمرء، بقراءة متأنية، استنتاج أن أعلى سلطة قرار أمني وسيادي في الفلبين لم يكن يعمل بكفاءة ومرونة كافية أو لم يكن يتجاوب مع التحديات والمستجدات المحلية والاقليمية والدولية. وهذا بدوره يؤدي إلى استنتاج آخر هو تأثر عمل مجلس الأمن القومي بخلافات بين أعضائه، ولاسيما بين رئيس الجمهورية، وهي خلافات دفعت الثانية في يونيو 2024 إلى تقديم استقالتها من حكومة الأول كوزيرة للتعليم (مع احتفاظها بمنصب نائبة للرئيس). 

لم تكتف سارة دوتيرتي بالإستقالة، وإنما فتحت النار على رئيسها  ماركوس، وهددته بالقتل قائلة أنها تحدثت إلى أحد القتلة وأمرته باغتيال الرئيس وزوجته إنْ تعرضت هي للقتل، الأمر الذي استنفرت معه أجهزة الأمن ووزارة العدل قواها على اعتبار أن تهديد حياة رئيس البلاد مسألة أمن قومي. وفي الوقت نفسه صدر عن والدها الرئيس السابق رودريغو دوتيرتي ردة فعل غاضبة، وأمارات ندم على تحالفه مع ماركوس في انتخابات 1922 الرئاسية، تجلت في وصف رئيس البلاد بـ "المدمن على المخدرات"، ودعوة الشعب والجيش إلى ممارسة قوتهما للإطاحة بماركوس الإبن على غرار ما فعلاه مع ماركوس الأب في 1986.

ما الذي فجر الخلافات بين الرئيس ونائبته يا ترى، وأسرع بالتالي في انهيار تحالفهما السياسي؟ وبعبارة أخرى على ماذا اختلفا من بعد وئام ليقرر الرئيس ابعاد آل دوتيرتي وأنصارهم عن جميع هيئات صنع القرار الحيوية؟

الاحتمال الأرجح هو الخلاف حول سياسة البلاد الخارجية، ولاسيما في شقها الصيني. فآل دوتيرتي معروفون بتفضيلهم علاقات واسعة ومتميزة واستراتيجية مع الصين، بل يُعتبرون وكلاء لبكين في الفلبين، ولهذا فإن وجودهم في مجلس الأمن القومي أثار مخاوف من نقلهم أسرار البلاد وخططها للصينيين، أما ماركوس الإبن فغير متحمس لذلك خشية أن يتورط في أمور تثير غضب واشنطن وإدارة ترامب الجديدة المليئة بصقور معادين للصين ومتأهبين لردعها في أي حرب حول تايوان، وبالتالي أمر بعزل آل دوتيرتي وإبعادهم قبل أن يتعرض لضغوط أمريكية، خصوصا وأن وزير الخارجية الأمريكي الجديد ماركو روبيو كان قد صرح بأن الفلبين ستكون جوهر السياسة الأمريكية فيما يتعلق باحتواء الصين. والمعروف أن ماركوس الإبن لم يكترث لإعتراضات آل دوتيرتي وقرر في وقت سابق منح الولايات المتحدة وصولا عسكريا موسعا إلى القواعد العسكرية الفلبينية الشمالية التي تواجه تايوان.



د. عبدالله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2025م

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق