الـدولار «الـعالمي» لـن يـحتفل بـمئويته: الـولايات المـتحدة الأميركية عـلى طـريق الـتفكك


عام 2020 كتب الزميل انطونيوس بو رزق هذا المقال  التحليلي الهام، أحببنا أن نعيد نشره في موقع الغربة نظراً لأهميته في الظروف الراهنة:

كتب الاستاذ أنطونيوس بو رزق

جريدة الميدل ايست هيرالد – استراليا  (كانون الأول 2020)



تنبئنا حركة التاريخ وتعاقبها ان دوام الحال من المحال سواء بالنسبة لنا كأفراد أو كشعوب وممالك وامبراطوريات.

فقبل تكوين ما يسمى بالدول كانت هناك عشائر وقبائل تغزو بعضها البعض والقبيلة القوية تفرض سيطرتها على الأقل قوة من خلال الحروب والغزوات.

ومع تكوين الدول، أصبحت تشن حروبا على بعضها البعض، والتي يُكتب لها الانتصار كانت توسع هيمنتها وتبسط نفوذها على شعوب ودول زامنتها وعاصرتها لتؤسس ممالك وامبراطوريات وسلطنات تطول فترة حكمها واحتلالها وتقصر تبعا لنشوء دول أخرى تهزمها لتحل محلها.

ففي العصور القديمة، اي ما قبل السيد المسيح، نشأت امبراطوريات عدة وتوسعت وبسطت نفوذها على شعوب وحضارات عاصرتها، ومن هذا الامبراطوريات: الفرعونية، الأكادية (سومر) الأشورية، البابلية، الفارسية القديمة (الأخمينية)، المقدونية، البيزنطية، الرومانية، اضافة الى الامبراطوريات الهندية والصينية وغيرها وغيرها..

وبعد ميلاد السيد المسيح كانت هناك العشرات من الامبراطوريات منها الالمانية والايطالية والبرتغالية والفرنسية والاسبانية والتركية والبرازيلية والخلافة الراشدة والخلافة الأموية والخلافة العباسية، وغيرها.

اما الامبراطوريتان، اللتان ما زلنا نعيش تداعياتهما حتى اليوم، فهما الامبراطورية الفرنسية الثانية والامبراطورية البريطانية، اللتان زالتا عام 1920، غير ان هذه الأخيرة تعتبر اكبر الامبراطوريات في التاريخ على الاطلاق حيث سيطرت على مساحة 23،84 من مساحة الارض، حتى قيل فيها «الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس» وكذلك الامبراطورية السوفياتية، أو ما يُعرف بالاتحاد السوفياتي، التي بلغت المساحة التي سيطرت عليها أيضا 23،74 من مساحة الكرة الارضية والتي زالت عام 1991.

أما اليوم، ونظرا لتطور وتغير الظروف وللكلفة البشرية والتدميرية الباهظة التي تترتب على الاحتلالات العسكرية، فقد تحولت الاحتلالات من عسكرية الى اقتصادية، لتلامس لقمة العيش وتؤثر على كافة تفاصيل الحياة اليومية.

ويمكننا القول، ان الولايات المتحدة الأميركية، اليوم، هي الأمبراطورية الاحتلالية الوحيدة عبر التاريخ، التي يمتد نفوذها، بشكل او بآخر، الى كافة شعوب ودول الكرة الأرضية، وذلك من خلال السلاح الذي تمتلكه، وخاصة الدولار. 

كيف أصبح الدولار العملة المتداولة عالميا؟!

خرج الحلفاء من الحرب العالمية الثانية باقتصاد مدمر باستثناء اقتصاد الولايات المتحدة الاميركية الذي لم يلحق به أذى تقريبا، والسبب الأكبر يعود الى انه لم تجرِ معارك على ارضها، حيث اعتمدت سياسة الهجوم بدل الدفاع وذلك خشية السيطرة والهيمنة الألمانية على العالم وازدياد التوسع اليابانى فى الشرق الأقصى.

اما السبب المباشر لدخولها الحرب العالمية الثانية إلى جانب قوات الحلفاء، اضافة الى اسباب أخرى، فهو الهجوم على بيرل هاربر وقيام غارة جوية مباغتة نفذتها بحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 كانون الأول عام 1941 على الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادئ.

لقد تركت الحرب العالمية الثانية اقتصادات العالم، منهكة فأقدمت الحكومات الأوروبية على الاقتراض من أميركا، فزاد احتياطي الذهب الأميركي كثيراً، وجعل الولايات المتحدة قوةً سياسيةً واقتصاديةً كبيرةً بعد الحرب، وما زالت حتى الآن.

تراجعت قيمة الذهب، وتعزَّزت الثقة بالدولار الأميركي بعد «خطة مارشال» 1948، التي اتاحت فيها أميركا للحكومات الأوروبية شراء ما يلزمها لإعادة بناء اقتصادها بعد الحرب.

بمشاركة أكثر من 40 دولة، وضع  نظام «بريتون وودز» في العام 1944، الذي اشتمل على إنشاء مؤسسات مالية دولية تولت أميركا إدارة البنك الدولي، بينما قام الأوروبيون بإدارة صندوق النقد.

وتم ربط عملة كل دولة إما بالذهب أو بالدولار، الذي أصبح منذ ذلك الحين عملة دولية تمتلك الولايات المتحدة أغلبية رصيده، ويحتفظ بسعر ثابت أمام العملات الأخرى.

وبحسب معاهدة «بريتون وودز» أصبحت الأوراق النقدية (الدولار) بديلاً للذهب، وتعهدت أميركا أن تقدم أونصة ذهب لكل من يملك 35 دولاراً، وبذلك تعززت قوة الدولار والثقة فيه، وأصبح يسمى «عملة صعبة».

ومع دخول اتفاقية التجارة العالمية «غات» حيز التنفيذ، في العام 1947 تعززت قيمة الدولار، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة راعية التجارة العالمية.

لكن هذا الوضع دام لأقل من ربع قرن فقط، فقد قرر الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في أعقاب حرب فيتنام التي كلفت أميركا الكثير، أن يلغي مقايضة الدولار بالذهب، وأن يعرض الدولار في السوق للمضاربة ويتحدد سعره بناءً على العرض والطلب، وليس على ما يعادله من الذهب.

وفي العام 1971، قرَّرت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار إلى ذهب.

وعامت العملات على إثر القرار الأميركي، أي أن قيمة العملات المختلفة يمكن أن تزيد أو أن تنقص وتتغير كل يوم، بدلاً من سعر ثابت أمام الدولار الذي أضحى مجرد ورقةٍ نقديةٍ بلا قيمة تعادله من الذهب.

أتينا على ذكر هذا لنوضح كيف أصبح الدولار الاميركي العملة العابرة للدول والقارات والمتداولة عالميا في سائر أنواع العمليات التجارية بين الدول.

ان خروج الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية باقتصاد قوي نسبة الى اقتصادات سائر دول العالم هو الذي صنع قوة الدولار الذي صنع، بدوره، قوة الولايات المتحدة عالميا لتصبح الامبراطورية الأكبر في التاريخ على الاطلاق.

لقد كانت قوة الولايات المتحدة الاميركية، ابان الحرب الباردة ووجود قوة عالمية اسمها الاتحاد السوفياتي، تتميز بتفوقها العسكري مما دفع الدول الاوروبية لطلب مساعدتها للوقوف في وجه القوة السوفياتية الهائلة وجرى تأسيس ما يسمى بـ «حلف الناتو».

ويرجع تاريخ حلف الناتو إلى الحرب الباردة التي وقعت واشتدت بين المعسكرين الغربي والشرقي، حيث قام بينهما ما يُسمّى بالستار الحديدي الذي منع من تقاربهما، ومع التوسع السوفياتي اجتمعت فرنسا وهولندا وبلجيكا وإنكلترا واللكسمبورغ في مدينة بروكسل في بلجيكا في شهر آذار من عام 1948م، وأصدرت ميثاقاً يقضي بتحالفهم وتجميع قواتهم العسكرية لتحقيق مصالحهم المشتركة، إلّا أنّ هذه الدول لم تكن قادرة على مواجهة الاتحاد السوفياتي وحدها دون مساعدة من الولايات المتحدة الأميركية، وحينها ظهر السيناتور الأميركي فاندنبرغ بفكرة انضمام الولايات المتحدة إلى حلف الناتو بشرط حصول المنفعة المتبادلة بينها وبين بقية الأطراف، وبعد تقديمه لتوصية إلى مجلس الشيوخ الأميركي في شهر حزيران من عام 1948م، حدثت مفاوضات ومناقشات عديدة انتهت بإعلان معاهدة حلف شمال الأطلسي رسمياً في أميركا لتصبح معمولاً بها بدءاً من الرابع والعشرين من شهر آب عام 1949م.

واذا كانت حاجة الدول الاوروبية الى مساعدة وحماية الولايات المتحدة من التوسع السوفياتي، خلال الحرب الباردة ووجود محورين غربي وشرقي، كبيرة جدا، غير انه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، الذي كان يضم 15 دولة بقيادة روسيا، عام 1991، انتفت الحاجة الى وجود الجيوش الاميركية في اوروبا، فأصبحت واشنطن تفتش عن مناطق ودول اخرى لخلق نزاعات وفتن فيها وننقل جنودها اليها.


الولايات المتحدة تلجأ الى سلاح الدولار

 كانت الحرب، التي شنتها الولايات المتحدة على فييتام والتي بدأت عام 1964 واستمرت نحو 30 عاما، بمثابة كارثة بشرية وعسكرية واقتصادية عليها حيث خسرت فيها ما يزيد على 56 ألف جندي واكثر من 4900 طائرة هيليكوبتر و3700 طائرة اضافة الى اكثر من 900 مليار دولار في ذلك الوقت، (اي يعادل عدة تريليونات دولار اليوم)، مما اوقع الاقتصاد الاميركي تحت عجز هائل.. وكانت هذه  الحرب شبه الوحيدة التي لقيت فيها الولايات المتحدة هزيمة نكراء دون ان تحقق شيئا من اهدافها التي في مقدمتها الحؤول دون تحول فيتنام الى دولة شيوعية.

لم تتعلم الولايات المتحدة من حرب فييتنام فدخلت في حرب أفغانستان لحمايتها من طالبان، (تتألف هذه الحركة من المجاهدين الاجانب الذين دعمتهم واشنطن في الأساس للقيام بعمليات ضد السوفيات) فكلفها هذا التدخل منذ العام 2001 حتى اليوم نحو 2500 جندي واكثر من ألف مليار (تريليون) دولار، وها هي اليوم تجر اذيال الخيبة والهزيمة وتعمل على حفظ ماء الوجه من خلال توقيع اتفاق مع حركة طالبان في الدوحة يعطيها حجة لسحب جنودها من هناك.

وفي هذا المجال، اعلن وزير الدفاع الأميركي بالوكالة، كريستوفر ميلر، في 17 تشرين الثاني 2020، إن نحو ألفين من أصل 4500 جندي سيغادرون أفغانستان بحلول كانون الثاني 2021، وهو العدد الأدنى منذ بدء خوض الولايات المتحدة عمليات قتالية في هذا البلد قبل عقدين من الزمن.

وأشار ميلر إلى أنه من المرتقب أن يغادر 500 جندي آخرون العراق، بحيث لا يبقى في البلدين سوى 2500 جندي أميركي، موضحاً أن هذا القرار يعكس رغبة الرئيس دونالد ترامب «في إنهاء حربي أفغانستان والعراق بنجاح ومـسؤولية وإعـادة جــنودنا الــشجعان الى الوطن».

وقال مستشار ترامب للأمن القومي، روبرت أوبراين، إن ترامب يأمل في أن يعود كل أفراد القوات الأميركية من العراق وأفغانستان بأمان في شهر أيار 2021. وهو قرار لا يملك ترامب تنفيذه بما أنه سيغادر البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل.

ويبدو ان الولايات المتحدة لم تتعظ من حرب فيتنام ودخولها افغانستان لـمساعدة الدولة للوقوف في وجه طالبان، فشنت حربا على العراق للقضاء على حكم الرئيس صدام حسين بذريعة امتلاكه اسلحة الدمار الشامل وقد تبين بعد التخلص من صدام حسين عدم وجود لمثل هذه الاسلحة وهذا ما اعترف به مسؤولون اميركيون.

استمرت الحرب الاميركية على العراق من آذار 2003 حتى 31 آب 2010، فقدت خلالها الولايات المتحدة حوالى 4490 جنديا اضافة الى 32 ألف مصاب.

أما لناحية الكلفة المالية للحرب فقد قدَّرت وحدة البحوث في الكونغرس الأميركي، وهي هيئة بحثية مرموقة وتتجاوز الأحزاب، أن تكون الولايات المتحدة قد أنفقت مع نهاية العام المالي 2011 مبلغا قدره 802 مليار دولار على تمويل الحرب..

 إلاَّ أن كلاًّ من الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغليتز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2001، وليندا جي بيلميز، كبيرة المحاضرين في شؤون السياسة العامة والتمويل والموازنات في جامعة هارفارد الأميركية، يعتقدان أن تكون الكلفة الحقيقية لحرب العراق قد بلغت ثلاثة تريليونات دولار، إذا ما أخذنا بالاعتبار الآثار الإضافية لتلك الحرب على الميزانية والاقتصاد الأميركيين.

اضافة الى تدخلات عسكرية في كل من كوبا وكوريا وصربيا وفنزويلا وسوريا ولبنان حيث سقط لها 241 من جنود البحرية «المارينز» في انفجار سيارة ملغومة في بيروت عام 1983، عدا عن تدخلات عسكرية في العديد العديد من الدول.


الولايات المتحدة وسلاح الحصار المالي والاقتصادي

لقد لقنت هذه الحروب والتدخلات العسكرية الولايات المتحدة الاميركية دروسا قاسية شكلت لها ضربات موجعة عسكريا وبشريا واقتصاديا وها هي اليوم تقوم على سحب جنودها من افغانستان والعراق والصومال وغيرها من الدول.

الاستراتيجية «الحربية» الجديدة التي تلجأ الى اعتمادها اليوم بعد فشل استراتيجية الحروب والتدخلات العسكرية المباشرة في الخارج لكلفتها الباهظة عسكريا واقتصاديا، هي استراتيجية الحصار الاقتصادي والمالي لتركيع الشعوب والدول التي تعارض مصالحها وسياساتها باعتبارها مارقة ويجب ترويضها.. وهي لا شك نجحت الى حد بعيد في ذلك خصوصا انها تمتلك سلاح الدولار، العملة الوحيدة المتداولة في المعاملت التجارية على مستوى العالم.

فلبنان، مثلا، في نظر السياسة الأميركية دولة مارقة ويجب الاقتصاص منه.. دولة مارقة لأنه لم يرضخ لمطالب وشروط وسياسات الولايات المتحدة..

 - لم يرضخ لسياستها في ترسيم الحدود البحرية بما يتناسب مع شروطها والشروط  الاسرائيلية وبما يسمح باعطاء مساحة واسعة من حدوده في المياء الاقليمية الغنية بالغاز والنفط للدولة العبرية.

- لم يرضخ لسياستها في الضغط على العهد والتيار الوطني الحر للتخلي عن «ورقة التفاهم» مع حزب الله والضغط عليه لتسليم سلاحه لأن هذا السلاح هو الوحيد القادر على الوقوف في وجه اسرائيل وجعلها «تعد للعشرة» قبل التفكير بالاقدام على اي عمل عسكري في الاراضي اللبنانية، وهو الوحيد ايضا الذي يمنعها من وضع يدها على ثروات الغاز والنفط في مياهه الاقليمية من خلال الصواريخ الدقيقة التي يملكها والتي باستطاعتها تدمير المنصات النفطية في عرض البحر، وقد هدد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله اسرائيل، اكثر من مرة، في حال الاعتداء على ثرواتنا الطبيعية وقال ان بإمكان هذه الصواريخ اصابة اهدافها بدقة متناهية وان الحزب على استعداد لاستخدامها متى طلبت منه الدولة ذلك.

لم يرضخ لبنان لسياسة الولايات المتحدة بالنسبة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين والذين يتجاوز عددهم مليوني شخص بكل ما في ذلك في ضرب للديمغرافيا اللبنانية واخلال بالتوزنات الداخلية

لم تنجح بجعل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يقف موقف العداء من حزب الله ولذلك قامت وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات مالية عليه بتهمة «الفساد والعلاقات مع حزب الله»، قائلة انها «جمدت كل الأصول العائدة لباسيل في الولايات المتحدة، وطلبت من المصارف اللبنانية، التي تجري تعاملات بالدولار، تجميد كل أصوله في لبنان».

ومبررا هذه العقوبات، قال وزير الخزانة ستيفن منوتشين، إنها تأتي على خلفية «تورط باسيل في الفساد والعلاقات مع حزب الله.. الفساد المنهجي في النظام السياسي اللبناني المتمثل في باسيل، ساعد على تقويض أسس حكومة فعالة».

وفي أول رد على العقوبات، قال باسيل: «لا العقوبات أخافتني ولا الوعود أغرتني. لا أنقلب على أي لبناني. ولا أنقذ نفسي ليهلك لبنان. اعتدت الظلم وتعلمت من تاريخنا.. تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة لقطع علاقاتي مع حزب الله»، وتحدى الولايات المتحدة، التي على علم بكافة التحويلات المالية العالمية، ان تكشف عن ملف فساد واحد متورط فيه.. فيما طلب الرئيس عون من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، شربل وهبة، إجراء «الاتصالات اللازمة» لمعرفة الأدلة التي دفعت واشنطن إلى فرض عقوبات على صهره، رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل.

اذاً، جبران باسل فاسد لأنه لا يقطع علاقته مع حزب الله،  ويضرب النسيج الاجتماعي والوطني اللبناني ويغرق البلد في الفوضى والفتن، وربما حرب أهلية، وهذا ما تعمل له الادارة الاميركية.. اتهموا باسيل بالفساد فيما السياسيون الفاسدون - وهم معروفون - الذين نهبوا الدولة وافلسوها، منذ عام 1992 يوم كان باسيل «صغيرا»، هم، في نظر واشنطن،  ابطال وطنيون شرفاء.

كما تضغط الولايات المتحدة، اليوم، على الرئيس المكلف سعد الحريري لاستبعاد حزب الله من التشكيلة الحكومية العتيدة، وهي تدرك مسبقا ان ليس بامكانه استبعاد مكوّن اساسي من المكونات اللبنانية عن التشيكلة الحكومة، غير انها تقوم بذلك لابقاء لبنان دون حكومة.

وفي اطار سياسة الحصار المالي والاقتصادي على لبنان باستخدام سلاح الدولار، بسبب «تمرده» على سياستها وعدم رضوخه لشروطها ومطالبه الآنفة الذكر،  استغلت واشنطن حراك 17 تشرين - وهي التي كانت وراءه بالفعل مستفيدة من حالة الفقر المدقع التي تعيشها غالبية اللبنانية -  واوعزت الى عملائها في لبنان من سياسيين ومتمولين ومصرفيين وعلى رأسهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة - الذي نتوق الى يوم نقول فيه له مع السلامة - لتحويل اموالهم الى الخارج، واكثر من ذلك سرقة ودائع الشعب اللبناني وتهريبها الى الخارج ايضا، وفي الوقت نفسه منعت ادخال العملات الصعبة الى لبنان وفي مقدمتها الدولار وذلك لافقار الشعب وافلاس الدولة ودفعها للرضوخ لمطالبها.. فانخفض سعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الذي لامس سعره 10 آلاف ليرة وهناك تخوف من ان يرتفع الى مستويات اعلى بكثير. 

وضمن هذا الاطار يأتي تهديد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال زيارته بيروت في اذار من العام الماضي، اللبنانيين ووضعهم بين خيارين: إما مواجهة حزب الله، أو دفع الثمن، معلنا مساندته الاحتجاجات العراقية واللبنانية ضد ما وصفه بـ «الهيمنة الإيرانية على بلديهما»..  ما قاله بومبيو، كرره السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، في تشرين الثاني من العام الماضي أمام الكونغرس حيث قال إن امام اللبنانيين خيارين: إما الالتزام بسياسات واشنطن، او الانهيار.

اذا، الولايات المتحدة هي وراء كل الويلات التي يعاني منها لبنان وشعبه، ونحن لا نحتاج للبحث عن أدلة لنثبت ذلك فـ «من فمك أدينك».

وفي احدى اطلالاته التلفزيونية قال السيد نصرالله ان «السفيرة الأميركية في لبنان تتدخل في التعيينات الرسمية في المناصب المرتبطة بالبنك المركزي وهذا عمل استعماري»

وسياسية الحصار المالي والاقتصادي تجاه لبنان المتمثلة بتجفيف الدولار الداخلي ومنع الدولار الخارجي من الدخول اليه هي السياسة نفسها التي اتبعتها وتتبعها ضد سورية وايران وفنزويلا والعديد من الدول التي تعمل مصلحتها ومصلحة شعوبها وتعارض السياسات التدميرية الاميركية ضدها.

واذا كنا استفضنا في الحديث عن السياسة الاميركية الظالمة في لبنان، فلأن لبنان نموذج صارخ عن سياسة الامبراطورية الاميركية «الدولارية» القائمة على اذلال البلدان المتمردة على ارادتها  والمقاوِمة لمصالحها من خلال سلاح الدولار وارهاب الشعوب والدول وبهذا تكون اميركا دولة ارهابية بكل معنى الكلمة.

لقد ولى زمن حروب الحديد والنار، التي كلفت الولايات المتحدة خسائر كارثية عسكريا واقتصاديا، لتحل محلها حروب «الدولار».. ولعل ابرز دليل على ما نقوله المحاضرة التي ألقاها البروفسور «ماكس مانوارينغ» خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأميركية، والتي تكشف لغز ما يجري ويُخطط له في لبنان والمنطقة والعالم.


مكان المحاضرة:

*اسرائيل

التاريخ 1/١٢/٢٠١٨

المدعوّون للمحاضرة: كبار الضباط من حلف الناتو، والجيش الصهيوني..!!!

استهل البروفسور ماكس محاضرته بالقول أن اسلوب الحروب التقليدية صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب...!!!

وقال حرفياً ( والنص له ):

«ليس الهدف تحطيم المؤسسة العسكرية لإحدى الأمم، أو تدمير قدرتها العسكرية، بل الهدف هو: ( الإنهاك - التآكل البطيء ) لكن بثبات..!!!! فهدفنا هو ارغام العدو على الرضوخ لارادتنا»..!!!

ويضيف حرفياً: «الهدف زعزعة الاستقرار..!!!

وهذه الزعزعة ينفذها مواطنون من الدولة العدو لخلق الدولة الفاشلة..!!!

وهنا نستطيع التحكم...!!!

وهذه العملية تنفذ بخطوات..ببطء.. بهدوء وباستخدام مواطني دولة العدو، فسوف يستيقظ عدوك ميتاً»..!!!!

وقيل ان هذه المحاضرة أخطر محاضرة في التاريخ الحديث، اذ انها ترسم سياسة الولايات المتحدة «الحربية» الجديدة ضد شعوب ودول العالم التي لا تدور في فلكها والتي تشكل خطرا على مصالحها وهي تنطبق، الى حد كبير، على ما تشهده الساحة اللبنانية والكثير من الساحات الدولية من انهيارات على كافة المستويات الحياتية والمعيشية والاقتصادية والمالية.

كما ان هذه المحاضرة هي خير دليل على ان الحرب الأميركية وعدوانيتها على دول وشعوب العالم، التي لا ترضخ ولا تنفذ سياسيتها، انتقلت من حرب الحديد والنار الى حرب الاقتصاد والدولار.. الأولى يمكن الهروب منها الى الملاجئ أما الثانية فتطال الجميع في قمة عيشهم وحبة دوائهم وكل مفاصل حياتهم.

تفكك الولايات المتحدة.. الأسباب والعوامل

مما لا شك فيه ان هذه الامبراطورية المستكبرة، التي هي اكبر امبراطورية عرفها التاريخ، لن تتمكن من فرض سيطرتها على الدول والشعوب الى ما لا نهاية.. وفي رأينا هناك عوامل عدة، داخليا وخارجيا، ستؤدي الى تفككها وانهيارها.

داخليا:

اننا نرى ان المجتمع الأميركي مدمّج وليس مندمجا حيث ان روح الاستعلاء والاستكبار الأبيض ما زالت متغلغلة ومتعشعشة في سائر انحاء هذا المجتمع والعنصرية ما زالت هي السائدة فيه، وقد ظهر ذلك من خلال عدة احداث وحوادث كان آخرها حادثة مقتل جورج فلويد، الذي هو من أصول أفريقية، بوضع شرطي ابيض ركبته على رقبته حتى فارق الحياة، رغم حشرجات الضحية «لا أستطيع أن أتنفس».

فالولايات المتحدة الأميركية، التي قامت على قتل  ملايين الهنود الحمر وكذلك العبيد واذلالهم، لم تستطع بعد أن تتخلص من روح تفوق العنصر الأبيض، ولعل عملية مقتل جورج فلويد أبرز شاهد على ذلك.

وشهدت مدن مينيابوليس، حيث وقعت الحادثة، ولوس انجليس وفيلادلفيا وأتلانتا وولايات اميركية عدة بينها كنتاكي، اعمال شغب تخللها خلع وتكسير للمحلات، وتمّ إحراق سيّارات ومراكز تابعة للشرطة في نيويورك ودالاس وأتلانتا وغيرها، مما اضطر السلطات لاعلان حظر التجول وهدد الرئيس ترامب بنشر الجيش لوقف اعمال الشغب.

كما شهدت العاصمة الأميركية واشنطن صدامات بين الشرطة ومتظاهرين مع بدء حظر التجول الذي فرضته السلطات الأميركية للسيطرة على المظاهرات التي اندلعت في ولايات عدة وقال مسؤول أميركي إن أكثر من خمسين عنصرا في جهاز الخدمة السرية في الشرطة أصيبوا بجروح في واشنطن كذلك سقط منهم خمسة أشخاص وأصيب آخرون، أربعة منهم في مدينة مينيابوليس، والقتيل الخامس بمدينة إنديانابوليس.

 ووصفت صحيفة وول ستريت جورنال هذه الأحداث بأنها أسوأ اضطرابات مدنية منذ عقود في الولايات المتحدة.

كذلك ذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه تم إحراق عدد من السيارات في مناطق محيطة بالبيت الأبيض، وقالت إنه تم إخماد حريق في الطابق السفلي من كنيسة سانت جون الموجودة بالمنطقة نفسها.

وفرضت السلطات حظرا للتجول في واشنطن بعد خروج مظاهرات جديدة قرب البيت الأبيض وقد اتسع نطاق الاحتجاجات في ولايات أميركية عدة، ونشر الحرس الوطني الأميركي خمسة آلاف عنصر من قواته ومن القوات الجوية في 15 ولاية، إضافة إلى العاصمة واشنطن.

هذه ليست عملية اعتداء البيض على السود الاولى بل سبق ذلك عمليات عدة حيث أثارت مقاطع فيديو لكاميرات شرطة أتلانتا الأميركية تظهر عملية توقيف ريشارد بروكس الرجل الأسود الذي توفي خلال العملية التي قام بها رجال شرطة بيض، جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

 وأظهر الفيديو عملية التوقيف التي تحولت إلى صراع انتهى بمقتل رايشارد بروكس برصاصة مميتة في ظهره، في مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا الأميركية في 16 حزيران الماضي.. ويعتبر بروكس، البالغ من العمر 27 عاما، وهو أب لأربعة أطفال، الحالة رقم 48 لإطلاق رجال الشرطة النار على مشتبهين ببشرة سوداء، راح ضحيتها 15 قتيلا لهذا العام وفقا لجي بي آي وصحيفة أتلانتا.

ليس هذا فحسب، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا في 15 آب 2017، ألقى فيها الرئيس دونالد ترامب اللوم على كلا الجانبين وردت شخصيات بارزة فى الحزب الجمهوري الأميركي بغضب على تصريحاته.

وبلغت ذروة تلك الأحداث بمقتل شخص وإصابة كثيرين عندما دهست سيارة أشخاصا معارضين لمسيرة لليمين المتطرف.

وردد كثيرون تصريحات رئيس مجلس النواب بول ريان التي قال فيها: «إن فكرة تفوق العرق الأبيض أمر مثير للاشمئزاز، ولا يمكن أن يكون هناك أي التباس أخلاقي في ذلك الأمر».

وكان ترامب قد أدان الجماعات البيضاء المتطرفة، لكنه تراجع عن تصريحاته الأولي.

وكان اليمين المتطرف قد نظم مسيرة احتجاجا على اقتراح بإزالة تمثال للجنرال روبرت إي لي، الذي قاد القوات الكونفدرالية المؤيدة للعبودية أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة. واستقطب الحدث مجموعات مؤيدة لتفوق العرق الأبيض.

واندلعت أعمال عنف إثر مواجهة بين هذه المجموعات وجماعات مناهضة للفاشية. ووصف مراسل بي بي سي في مكان الحادث كيف أن أعضاء ما يسمى بـ «اليمين البديل» كانوا يحملون بنادق ويرتدون بزات شبه عسكرية. وألقى اليساريون باتجاههم زجاجات وصخورا ومواد طلاء. كما استخدم كلا الجانبين رذاذ الفلفل.

لا يمكننا إنكار أن الكثير الأميركيين السود حصلوا على العديد من الحقوق التي لم تكن متاحة لهم سابقاً، لكن تبقى الفروق بينهم وبين نظرائهم من ذوي البشرة البيضاء قائمة وبكل وضوح.

ولا تقتصر مشاكل مجتمع الملونين الذي يشكل حوالي 14%من سكان الولايات المتحدة على التهميش والعنصرية فقط، وإنما يعاني من عدة ظواهر مقلقة أيضاً لعلَّ أبرزها الفقر حيث يعيش حوالى 25 في المئة من السود تحت خط الفقر.

ولم تتمكن خطابات المناضل مارتن لوثر كينغ في الناس وخاصة قوله «إن أعمال الشغب هي لغة غير المسموعين، فليس هنالك شيء اسمه نضال لأجل حق صغير، أو ظرفي أو مؤقت، بل هناك النضال الدائم لأجل إنسان، خلقه الله حراً ويجب أن يعيش حراً وكريماً»، من تحرير المجتمع الأميركي من داء العنصرية والتمييز البغيض وهذا ما يؤكده الاعتراف الأخير لوزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، حين قال «إن التمييز العنصري ظاهرة حقيقية في الولايات المتحدة». فبهذه الجملة يلقي الوزير الأبيض الضوء على حقيقة المجتمع الأميركي.

فالبلد الذي يرتفع فيه تمثال الحرية، والذي ينادي بالحرية لغيره، أظهرت عدة وقائع وأحداث انه يفتقدها في مجتمعه، اذ ان غالبية البيض في الولايات المتحدة ما زالت تنظر الى العبيد على انهم (Negro) حيث ان هذه الكلمة او الصفة تحمل الازدراء والكثير من الصفات السيئة لهم.

لو ان ما حدث في الولايات المتحدة بالنسبة لقتل المواطن ذي البشرة السوداء جورج فلويد، حصل في اي دولة أخرى، لقامت قيامة اميركا، سياسيا واعلاميا، مطالبة بالاقتصاص من المجرم وبان تأخذ العدالة مجراها، غير اننا للأسف نرى ان ردة فعل بعض المسؤولين الاميركيين وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، على هذه الحادثة جاءت خجولة.


ولايات ذات نزعة انفصالية

بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ارتفعت أصوات الدعوات الانفصالية في الولايات المتحدة الأمريكية، وانبعث فيها الأمل بتحقيق جمهوريات مستقلة بولاياتها، وأظهر استطلاع رأي سابق أجرته وكالة أنباء رويترز، إنّ ما يقرب من ربع الأميركيين يوافقون على إمكانية الانفصال عن الحكومة المركزية في واشنطن.

ومن الولايات الساعية للانفصال:


1 -  كاليفورنيا

عقب فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، تزايد بشكل لافت زخم دعوات الانفصال في كاليفورنيا، بشكل أثار انتباه الإعلام الدولي، وذلك بعد حملة شعبية سياسية تطالب بالانفصال عن الولايات المتحدة الأميركية، دشنتها حركة «نعم كاليفرونيا».

وتعتبر حركة «نعم كاليفورنيا» أبرز الداعمين لانفصال ولاية كاليفورنيا، وقد تأسست عام 2015، وتعمل سياسيًا على إجراء استفتاء شعبي لتقرير المصير، تمهيدًا للانفصال رسميًا عن الولايات المتحدة.

وتُعدّ كاليفورنيا أكثر الولايات في أميركا سكانًا، وأغناها لما تحتضنه من مراكز اقتصادية وتكنولوجية ضخمة، إذ ستكون في مصاف أكبر 10 اقتصادات في العالم لو تحولت إلى دولة مستقلة.

وتشبه كاليفورنا دولة أوروبية أكثر منها ولاية أميركيةً. لقد استطاع سكان شمال كاليفورنيا تشكيل «جمهورية كاليفورنيا» خلال حقبة قادتها شخصية عسكرية.

وفي علم كاليفورنيا، تحت ذلك الدب الرمادي الذي يعد رمزا لفخر كاليفورنيا، توجد كلمة «جمهورية كاليفورنيا». تشير هذه العبارة إلى تلك الفترة المجيدة عندما كان سكان كاليفورنيا يتمتعون بجمهورية. ونری هذا العلم في معظم المنازل في ولاية كاليفورنيا.

وعندما يتم انتخاب الحاكم عن طريق صناديق الاقتراع، فإنه يتحدث بطريقة محسوبة ودقة متناهية، حتی يدعمه الناخبون ويقفون خلفه مرة أخرى ويصوتون له. هذه هي كاليفورنيا حيث كان فيها الشعور بالاتحاد قويا جدا في البداية. لكن الآن تغيرت هذه المعادلات. ولذلك لا يمكن التقليل من شأن الرغبة في الاستقلال على الإطلاق.

إن الرغبة في الاستقلال عالية جدا، لدرجة أن الحاكم الحالي لولاية كاليفورنيا أعلن ذات مرة أن كاليفورنيا دولة قومية.. الحاكم في الولايات لا يتم تعيينه، بل يتم انتخابه عبر الاقتراع الشعبي.

ولأن كاليفورنيا ذات القوة التمثيلية الهائلة، تمتلك 55 صوتاً من هذا المجمع الإنتخابي أي أكثر من 10% من إجمالي أصوات الولايات الأميركية مجتمعةً، ولأنها من الولايات المحسوبة تاريخياً للديموقراطيين وفازت فيها كلينتون على ترامب، انتفضت على النتائج وقررت الذهاب بعيداً في رفضها، الى حدود المطالبة الإنفصال عن الولايات المتحدة الأميركية، وما حصل عام اواخر عام 2016 بداية عام 2017 في كاليفورنيا من جمعٍ للتواقيع بهدف المطالبة بإستفتاء حول الإنفصال، هو البداية العملية، بعد أن أعلن سكرتير الولاية أليكس باديلا، أنه تسلم اقتراحاً من جماعة (حملة نعم لاستقلال كاليفورنيا)، يقضي بدعوة الناخبين إلى التصويت على إلغاء جزء من دستور الولاية يُلغي تبعية كاليفورنيا للولايات المتحدة، وفعلاً نالت هذه الحملة تصديق «باديلا» للبدء بجمع ستمئة ألف توقيع تقريباً وهي كافية لطرح اقتراح الانفصال للتصويت العام (الإستفتاء).

ونزعة الإنفصال لدى كاليفورنيا، هي نفسها لدى سائر الولايات الكبيرة والغنيَّة إقتصادياً وذات التمثيل الوازن في المجمع الإنتخابي، مثل تكساس (38 صوتاً) – فلوريدا (29 صوتاً) – نيويورك (29 صوتاً) – إيلينوي (20 صوتاً) – بنسلفانيا (20 صوتاً)، إضافة الى كاليفورنيا (55 صوتاً) بمجموع 191 صوتًا أي ما يزيد عن 35% من إجمالي عدد الأصوات في المجمع الانتخابي، لأكبر ست ولايات تُقرِّر تاريخياً مَن هو رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

وما أقدمت عليه ولاية كاليفورنيا، سبق أن طالبت به في العام 2012، خمس عشرة ولاية أميركية للانفصال من الوطن الأم لإقامة حكومات منفصلة وكيان مستقل. وتضم هذه القائمة ولايات: لويزيانا، تكساس، مونتانا، داكوتا الشمالية، إنديانا، ميسيسيبي، كنتاكي، كارولاينا الشمالية، ألاباما، فلوريدا، جورجيا، نيوجرسي، كولورادو، أريغون ونيويورك. لكن هذه الولايات لم تستكمل إجراءات السير بموضوع الإستفتاء لأسباب تعود لخصوصية كلٍّ منها، ولأن مسألة الإنفصال معقَّدة قانونياً ومُكلفة إقتصادياً، لكن المشكلة التي تترسَّخ مع مرور الأيام أن رغبة الإنفصال باتت حُكماً موجودة في أوساط الطبقات الغنية والمتوسطة، بمعزلٍ عن كون الولاية موالية للجمهوريين أو للديموقراطيين، وتعود هذه الرغبة لعدة أسباب إقتصادية وسياسية.


2 -  ألاسكا

في عام 1984، تأسس «حزب استقلال ألاسكا» الطامح إلى تأسيس دولة مستقلة في ولاية ألاسكا الأميركية، ومنذ ذلك الحين وهو يعمل سياسيًا وشعبيًا على تعزيز الحضور القومي وسط ساكني الولاية، حتى كاد يشرع في عمل استفتاء شعبي رسمي عام 2006 لسكان ألاسكا، حول قضية الانفصال عن الولايات المتحدة الأميركية، لولا تدخل المحكمة العليا التي أعلنت حينها أن الانفصال غير قانوني ولم تسمح بإجرائه.

وتمكنت الحركات الانفصالية في ألاسكا عام 2009 من جمع ما يقرب من 200 ألف توقيع يطالب بالانفصال، كان معظمهم من الجمهوريين، وهو رقم يفوق الحد الأدنى القانوني المحدد بـ25 ألف توقيع للنظر إليه بعين الاعتبار من قبل البيت الأبيض.


3 -  تكساس

تكساس هي إحدى الولايات الأميركية التي تحمل جذورًا انفصالية دفينة، إذ كانت في الأصل جمهورية مستقلة في الفترة ما بين 1836 و1845، قبل أن تلتحق اختياريًا بالولايات المتحدة الأميركية لتصبح الولاية 28، ثم في عام 1861 أعلنت انفصالها عن الولايات المتحدة، لتعود مجددًا إلى سيادة الحكومة الاتحادية بعد الحرب الأهلية الأميركية. ومنذ عام 1980 نشأت حركة «جمهورية تكساس» التي تسعى إلى أن تصبح ولاية تكساس دولة مستقلة كما كانت في السابق.

وطرح ريك بري، عمدة تكساس السابق قضية الانفصال في إحد اجتماعات الحزب الجمهوري، قائلًا إنه عندما انضمت تكساس إلى الولايات المتحدة في عام 1845، «كان إحد الشروط التي تم الاتفاق عليها أنه في أي وقت أردنا، نستطيع أن نخرج من هذا الاتحاد».. وتُعد تكساس ثاني أكبر ولاية في الولايات المتحدة من حيث المساحة والسكان.


4 - كارولاينا الجنوبية

كانت ولاية كارولاينا الجنوبية أول المنسحبين من اتحاد الولايات الأميركية، بعد انتخاب أبراهام لينكولن لرئاسة الجمهورية الأميركية، فخشي الجنوبيون من أن يصدر الرئيس الجديد قرارًا بإلغاء الرق، ما قاد الولايات الجنوبية بقيادة كارولاينا إلى إعلان الانسحاب، وإنشاء حكومة كونفدرالية معارضة للحكومة الاتحادية في الشمال، لتندلع حرب أهلية بين الشمال والجنوب عام 1861، انتهت في الأخير بانتصار الشماليين واسترجاع الاتحاد. وتنشط مجموعة انفصالية في كارولاينا الجنوبية، تدعى «جمهورية باملتو الثالثة»، كناية على حاجة الولاية الجنوبية إلى استرجاع الجمهورية لمرة ثالثة، بعد أن أعلنتها في 1776، ومرة أخرة في سنة 1860، إلا أنها فشلت في الحفاظ عليها.


5. فيرمونت

رغم أن فيرمونت أصغر الولايات الأميركية مساحةً، وثاني أصغر ولاية من ناحية عدد السكان، إلا أنها هي الأخرى تعرف نزعة انفصالية، إذ كانت في الأصل جمهورية تحت الوصاية البريطانية عام 1777، قبل أن تنضم إلى الولايات المتحدة عام 1791، ومنذ ذلك الحين تتطلع إلى الانفصال والعودة إلى وضعها القديم. 


خطر نشوب حرب أهلية

ولأن المجتمع الأميركي ما زال مدمّجا ولم يصل الى مرحلة الاندماج بعد، فان خطر تفككه من خلال اندلاع حرب أهلية ما زال كبيرا.

ففي مقال نشرته مجلة «ذا نيويوركر» ونشر يوم 21 آب 2020 جمع شهادات مؤرخين وخبراء وكتاب جميعها تحذر من أن أميركا على شفا الوقوع في أتون «حرب أهلية» جديدة، ولكن بشكل مختلف، مشيرين إلى أن أحداث العنف والوحشية العنصرية التي تشهدها مدن أميركية، تكشف هشاشة الولايات المتحدة.

وفي مقالها بالمجلة المذكورة، تنقل الكاتبة الأميركية روبن رايت، عن العسكري السابق والدبلوماسي الأميركي كيث ماينز، مخاوفه من أن بلاده على شفا حرب أهلية، إن ماينز الذي قضى مسيرته المهنية في إجراء أبحاث عن حروب أهلية في بلدان أخرى، عاد بعد 16 عاما إلى بلاده «ليجد أن الظروف التي كان يراها تؤجج نزاعات في الدول الأخرى ظاهرة الآن في وطنه، وصار هذا هاجسا يطارده».

وأشارت الكاتبة الأميركية إلى أن ماينز كان واحدا من عدة خبراء في الأمن الوطني طلبت منهم مجلة «فورين بوليسي» في آذار الماضي تقييم مخاطر نشوب حرب أهلية ثانية، بالنسب المئوية، ليؤكد أن الولايات المتحدة تواجه خطر نشوب حرب أهلية بنسبة 60 في المائة في غضون فترة تتراوح بين الأعوام العشرة والخمس عشرة المقبلة.

وتراوحت توقعات خبراء آخرين بين 5 في المائة و95 في المائة، فيما بلغت نسبة الإجماع الواقعي 35 في المائة.

ولفتت الكتابة إلى أن هذه التوقعات كانت «قبل 5 أشهر من حادثة تشارلوتسفيل» .

ونوهت الكاتبة إلى أن الحرب الأهلية لم تعد تتخذ الصورة التقليدية القديمة من معارك منظمة بين طرفين، وإنما  أصبح الكثير منها اشتباكات منخفضة الحدة مع أحداث عنف عرضية في المناطق المتأججة باستمرار، وهو ما يتوافق بشكل كبير مع ما تشهده الولايات المتحدة حاليا.

وتبين الكاتبة أن ماينز عرف الحرب الأهلية على أنها عنف واسع النطاق يتضمن رفض السلطة السياسية التقليدية، ويقتضي تعامل الحرس الوطني معه، مشيرة إلى أنه في يوم السبت 12 آب، وضع حاكم فرجينيا الديمقراطي تيري ماكوليف الحرس الوطني في حالة تأهب وأعلن حالة الطوارئ.

ولفتت الكاتبة رايت إلى أن قلق العامة تجاه احتمال نشوب نزاعٍ جديد وجد متنفسا له في الثقافة الجمعية، ففي نيسان اختار موقع «أمازون» للتسوق الإلكتروني رواية «الحرب الأميركية، التي تدور أحداثها حول قيام حرب أهلية ثانية، كأحد أفضل الكتب المعروضة للبيع ذلك الشهر.

وكتب رون تشارلز، في عرض للرواية في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية: عبر صفحات هذه الرواية المليئة بالندوب تندلع اشتباكات يتوقع الكثيرون بيننا حدوثها بقلق، أمة تمزقها أيديولوجيات متضاربة، وتغربها شكوك راسخة.. إنها رواية مؤثرة ومرعبة في الوقت ذاته.

وترى الكاتبة أن ما حدث في تشارلوتسفيل وغيرها من الأحداث القاتلة في مدن فيرغسون، وتشارلستون، ودالاس، وسانت بول، وبالتيمور، وباتون روغ، والإسكندرية الأميركية، يطرح بشدة التساؤل عن المصير الذي تساق إليه الولايات المتحدة.

ولفتت إلى أن أحداث تشارلوتسفيل لم تكن أول مظاهرة قام بها «اليمين البديل» المزعوم، ولن تكون الأخيرة، فقد جرى التخطيط لتجمعات مشابهة.

وحذرت رايت من أن الأخطار الآن باتت أكبر من مجرد مجموعة حوادث عنف، ونقلت عن مركز قانون الحاجة الجنوبي تأكيده في تقرير أصدره في شباط 2020 أن «اليمين المتطرف حقق نجاحات في دخول التيار العام السياسي في السنة الماضية أكثر مما حققه على مدار نصف قرن»، موثقا أكثر من 900 مجموعة كراهية والعدد يتزايد في الولايات المتحدة.

وجاء في ورقة تحليلية نشرها موقع الوقت الاخباري يوم 8 أيلول 2020:

إن الرغبة في الاستقلال جادة في حوالي 70 بالمائة من الولايات الأميركية، ويمكن أن يكون التراجع الذي لا يمكن إنكاره في السلطة الفيدرالية هو العامل المحفز لانهيار الاتحاد في المستقبل القريب.

وقد أدى السماح للمواطنين الأميركيين بامتلاك الأسلحة، إلى تحويل البلاد إلى مستودع للبارود، يمكن أن ينفجر إذا تبددت آمال المواطنين في إصلاح النظام السياسي.

ويواجه المجتمع الأميركي نقاش الاستقلال والانفصال، ولكن إلى أي مدى يمكن للباحثين عن استقلال ولاية ما أن يدفعوا قضيتهم إلی الأمام؟ يعتمد ذلك على الظروف الاقتصادية وسلطة الحكومة المركزية وإرادة الولايات الأخرى.

خارجيا

القوة العسكرية:

كلنا نعرف ان عنصر التفوق التقليدي بين الأفراد والشعوب والدول هو القوة، فالأقوى يفرض سيطرته على الأقل قوة.

فالقوة في عصرنا الحالي ما زالت عنصرا هاما للدول، وخاصة الكبرى منها، فهي من جهة تؤمن لها موقعا مرهوبا على الساحة الدولية ومن جهة ثانية تساعد على تعزيز اقتصادها من خلال بناء مصانع الاسلحة وتشغيل اليد العاملة فيها وكذلك بيع السلاح للخارج.

ولا شك ان الدول الكبرى تخشى بعضها البعض لأنها جميعها تمتلك ترسانات نووية وصواريخ بالستية وسائر انواع الاسلحة المتطورة بحرا وجوّا وبرّا، ولذلك فهي تعمل على ايجاد أسواق خارجية لتصنيعها الحربي والعسكري من خلال خلق نزاعات وحروب بين الدول الأقل قوة، وخاصة دول العالم الثالث.

وتأتي الولايات المتحدة في طليعة الدول مبيعا للأسلحة حيث ان هذه المبيعات لكل من السعودية والامارات وحدهما بلغت في عهد الرئيس ترامب عدة مئات المليارات من الدولارات.

وتلي الولايات المتحدة كل من روسيا والمانيا وفرنسا والصين وتركيا وايطاليا واسرائيل وغيرها.

ونحن نرى ان الصين هي اكثر دولة في مرحلة التطور العسكري والحربي السريع والمطّرد، فبعد ان أثبتت ريادتها الاقتصادية، عالميا، في مختلف انواع السلع، تعمل الآن على تطوير اسلحتها العسكرية والحربية، وخاصة الاستراتيجية والبالستية منها، لحجز موقع متقدم لها على الساحة الحربية العالمية.

فخلال معرض الصين الدولي للطيران والفضاء، الذي أقيم في مدينة «زوهاي» الصينية في تشرين الثاني من عام 2018، كان لافتاً تعدد أنواع الأسلحة والمنظومات القتالية الجديدة التي أعلنت عنها الشركات الصينية المشاركة في المعرض، والتي كان أغلبها مستوحى من منظومات روسية وغربية.. كما كان لافتاً تعدد أنواع الأسلحة والمنظومات القتالية الجديدة حيث ان الكمّ الكبير من المنظومات الصينية الجديدة يتجاوز في حجمه معدل المنظومات الجديدة المعلنة من جانب الدول الكبرى في مجال التصنيع العسكري مثل روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والمانيا، ويعدّ مؤشراً واضحاً على تنامي النظرة الصينية الى تصنيعها العسكري، كوسيلة من وسائل دعم النفوذ الصيني في مناطق عدة على رأسها وسط وجنوب أفريقيا، وجنوب شرق أسيا. كما أنّ اهتمام بعض الدول العربية المتزايد بالأنظمة التسليحية الصينية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والزيادة المطردة في صادرات الصين من الأسلحة لدول مثل بورما والسودان وبنغلاديش وباكستان، كل هذا يضيف أبعاداً جديدة  للاستراتيجية الصينية الحالية في مجال التصنيع العسكري على المدى المتوسط والطويل.

فبعد أن كانت الصين خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي من اكبر مستوردي الأسلحة، تحوّلت منذ عام 2005 لتصبح  تاسع دولة مصدرة للأسلحة في العالم، وأصبحت خلال الفترة من عام 2010 وحتى 2014 ثالث أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم، متجاوزة دولا عريقة في الصناعات العسكرية كألمانيا وفرنسا، وأصبحت المورد الرئيسي للأسلحة والمنظومات القتالية الى نحو 18 دولة أفريقية.

وقد أفاد تقرير نشرته وزارة الدفاع الأميركية، في كانون الثاني من عام 2019 أن الصين شارفت على الانتهاء من صناعة بعض أنظمة الأسلحة الأكثر تطوراً في العالم، وهي في بعض المجالات تفوقت بالفعل على منافسيها.

ولا ننسى ايضا ان روسيا تحل في المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات الاميركية لجهة التطور الحربي البالستي والاستراتيجي وكذلك التقليدي وربما تفوقت عليها بالفعل.

ويكفي في هذا المجال ان نلقي الضوء على نظام الدفاع الصاروخي الروسي المتطور  «إس - 400» الذي تسبب في إرباك حسابات أعداء روسيا حول العالم وفي مقدمتهم الجيش الأميركي، الذي يستخدم نظام «باتريوت» الصاروخي، لحماية قواعده وحلفائه في العالم.

فمجموعة صواريخ الدفاع الجوي المتنقلة اس 400 «تريومف» هي مجموعة مخصصة لتدمير جميع وسائل الهجوم الجوي الفضائي الحالية والمستقبلية.

فيما يلي مقارنة بين صواريخ «إس 400» الروسية و «باتريوت» الأميركية:

1- تم تصميم «إس 400» لإسقاط أحدث الطائرات والصواريخ في المدى المتوسط والبعيد، بينما تحمي صواريخ «باتريوت» الأميركية المنشآت العسكرية المهمة والقواعد الجوية من الهجمات الجوية.

2- تعمل «إس 400» في الجيش الروسي، وأبرمت تركيا صفقة لشرائها، بينما تنتظر الصين تسلمها، وهناك احتمالات أن تشتريها السعودية والهند والبحرين، في المقابل تعمل «باتريوت» في 15 دولة بينها مصر والسعودية وإسرائيل، إضافة إلى أميركا.

3- تتكون منظومة «إس 400» من 3 أجزاء، أولها 8 وحدات مضادة للطائرات مجهزة بـ12 منصة إطلاق، والجزء الثاني يضم أنظمة القيادة والتوجيه والرادارات، والجزء الثالث يضم الدعم الفني والصيانة، في المقابل يتكون الجزء الأول من منظومات «باتريوت»، من وحدة الرادار والتحكم النيراني، والثاني يضم مركز القيادة، والثالث يمثل وحدة إطلاق الصواريخ.

4- يدمر «إس 400» أهدافا جوية على مدى 250 كم، والصواريخ الباليستية على مدى 60 كم،  بينما يمكن لباتريوت إصابة الأهداف الجوية في مدى 160 كم، والصواريخ على مدى 45 كم.

5- يمكن لـ «إس 400» إسقاط أهدافها في ارتفاعات تتراوح بين 10 أمتار إلى 27 كم، بينما يتراوح مدى «باتريوت» بين 60 مترا إلى 24 كم.

6- يغطى رادار «إس 400» دائرة قطرها 600 كم، ويمكن إعدادها للإطلاق خلال 5 دقائق، بينما يغطى رادار «باتريوت» مدى 150 كم، ويحتاج إعداده إلى 30 دقيقة.

7- لا يحتاج «إس 400» إلا 10 ثوان لإطلاق صواريخه، بينما يحتاج «باتريوت» الى 15 ثانية لإطلاق أول صاروخ بعد اكتشاف التهديد.

8- يمكن لـ «إس 400» إطلاق صواريخ بزاوية مقدارها 90 درجة، بينما لا تتجاوز زاوية إطلاق صواريخ «باتريوت» 38 درجة.

9 - رغم الرعب الذي أحدثه «إس 400» إلا أن روسيا تعمل على تطوير «إس 500» ليكون النسخة الأكثر فتكا، وفي المقابل يوجد 4 طرازات من صواريخ «باتريوت» الأميركية تحمل مسميات «باك 1، 2 ، 3»، وأحدثها «باك 3 إم إس إي».

ونظرا لخطورة هذا النظام المتطور ودقته وتفوقه فقد حذر البنتاغون تركيا  من «عواقب وخيمة» لاختبار منظومة صواريخ اس 400 الروسية، كما دعا أعضاء في الكونغرس إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى معاقبة تركيا لشرائها النظام الروسي الصنع، الذي يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه قادر على جمع معلومات استخباراتية حول أنظمة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وإعادة هذه المعلومات إلى موسكو.

وقد أتينا على ذكر هاتين القوتين لنقول ان الولايات المتحدة لم تعد وحدها تحتفظ بتفوق القوة عالميا، واذا كانت ما زالت تحتفظ بهذا التفوق حاضرا فمن الصعب ان تبقى تحتفظ به مستقبلا.

ومما لا ريب فيه ان التفوق العسكري والحربي لأي دولة يدر دخلا هائلا عليها ويؤدي الى انعاش اقتصادها، ونحن نرى ان الولايات المتحدة سوف تخسر في المستقبل الكثير من اسواق الاسلحة، مما ينعكس سلبا على قوتها الاقتصادية.

أما لجهة التفوق في تقنية البيانات فقد فاجأت الصين العالم أجمع بإعلانها عن أول قمر صناعي يعمل بتقنيّة الجيل السادس «6G» وذلك في السادس تشرين الثاني الماضي.

 واذا كان إطلاق شبكة الجيل الخامس «5G» يمكّن المستخدم تنزيل فيلم كامل من شبكة نيتفليكس خلال ثوانٍ معدودة، فان بامكانه من خلال شبكة الجيل السادس «6G» تنزيل 142 فيلماً خلال ثانية واحدة.

على الرغم من شح الأخبار عن كيفية عمل هذه التقنيّة، فإن المختصين يدركون أن هذه التقنية ستغير كل شيء من حولنا، والسبق فيها يعني السبق بكل شيء.

وبينما جرى تصميم 5G لتحقيق سرعات قصوى تبلغ 20 غيغابايت في الثانية باستخدام ترددات تصل إلى 100 غيغاهرتز، فمن المتوقع أن تحقق 6G معدلات بيانات تصل إلى 1000 غيغابايت في الثانية وتستخدم ترددات تصل إلى 3 تيراهيرتز.

كذلك من المتوقع أن تسمح موجات تيراهيرتز بانتقال البيانات بسرعة 50 غيغابايت في الثانية، وهذا يوفر سرعات دفق أسرع بنحو 100 مرة من أقصى سرعة ممكنة اليوم.

وبهذا الانجاز تكون الصين قد تفوقت على الولايات المتحدة وسائر دول العالم في مجال تقنية البيانات وربما التجسس وغير ذلك.


مجموعة دول البريكس:

بدأ تفاوضٌ في عام 2006 لتشكيل مجموعة تُسمى «بريك» وتضم كلا من البرازيل، روسيا، الهند، الصين، لتعقد اول قمة لها  عام 2009. وبعد مرور عام واحد مرَّ التحقت بها دولة جنوب إفريقيا، ليصبح اسمها مجموعة دول «بريكس». ولعل أحد أبرز أهداف هذه المجموعة هو كسر الاحتكار الأميركي – الغربي للاقتصاد العالمي، وعليه تم تأسيس «بنك التنمية الجديد» في عام 2014 ليكون مؤسسة مالية تواجه هيمنة مؤسسات مالية عالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. باشر هذا البنك عمله في عام 2015 برأسمال أولي قدره 100 مليار دولار، ورأس مال مساهم قيمته 50 مليار دولار. وفي العام نفسه بدأت نقاشات تدور حول احتمال إصدار عملة جديدة، في المستقبل البعيد، تحمل اسم هذه المجموعة، ويكون من شأنها كسر هيمنة الدولار الأميركي في التعاملات التجارية. 

بقيت فكرة عملة «بريكس» الكاسرة لهيمنة الدولار مؤجلة التنفيذ الى ان وصل إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية الرئيس ترامب الذي استخدم الدولار كأداة ضغط سياسية علناً ودون مواربة. لم تمضِ سنة واحدة على تسلمه الحكم حتى بدأت الدراسات الاقتصادية لكسر هيمنة الدولار، بالنسبة لدول «بريكس»، تأخذ منحى جدياً. في السابق كان خيار «التعامل التجاري بالعملات المحلية» أمراً مستحيلاً في ظل الصعوبات التي تتعلق بمستويات التضخم ومعدلات النمو في كل دولة من الدول الأعضاء على حدة، وتباين هذه المستويات بين الدول. أما في عام 2018 فقد أعلن وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أن روسيا «ستواصل خفض حيازتها للأوراق المالية الأميركية»، كاشفاً عن بدء العمل باستخدام العملات الوطنية في المعاملات الخارجية، فقد «أصبح الدولار، الذي يعتبر العملة الدولية، أداة محفوفة بالمخاطر في مسألة المدفوعات الدولية». وفي الوقت نفسه، أعلنت الصين شروعها بتداول عقود النفط الخام مقومة بالعملة الصينية «اليوان» في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة. وفي عام 2019 طالب الرئيس بوتين دول «بريكس» بتنشيط استخدام العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين الدول الأعضاء، ليتم شهر نيسان من عام 2019 إطلاق تطبيق للهواتف المحمولة (BRICS Pay) للمساعدة في تسديد قيمة المشتريات عبر الإنترنت، في جميع دول المجموعة، بغض النظر عن العملة الموجودة في الحساب.. وهذا يعني: توجد اليوم منظومة دفع تُغني مواطني دول أعضاء البريكس عن اللجوء إلى منظومات الدفع العالمية.

بهذه الإجراءات انتقلت مجموعة «بريكس»، بمنظومات الدفع المُبتكرة فيها، من كونها مجرد تكتل لمجموعة دول إلى اعتبارها ملاذاً آمناً لكل من تطالهُ العقوبات الاقتصادية الأميركية.

أكدت مجموعة دول البريكس الخمس، التي تعتبر الصين اكبرها ثقلا، اثر قمتها، التي انعقدت في 14 تشرين الثاني من عام 2019 في برازيليا، تصميمها على «تجاوز التحديات التي تطرح على (خيار) العلاقات المتعددة الطرف» في اشارة ضمنية للولايات المتحدة.

وقال الكسي ماسلوف الخبير بالشؤون الآسيوية إن انعقاد قمتي بريكس وشنغهاي في وقت واحد وبرعاية روسية، يحمل معاني سياسية واقتصادية كبيرة..  ويرى ماسلوف أن منظمة معاهدة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان تجري تدريبات عسكرية دورية، متوقعا أن تنضم إلى المعاهدة دول أخرى، وموضحا أن تأسيس بنك للتنمية وصندوق الاحتياطيات النقدية، لمجموعة بريكس، التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا،  يمثل خطوة هامة على طريق التكامل الاقتصادي رغم اختلاف المصالح التجارية والاقتصادية بين دول المجموعة.

وربما كان أهم الإشارات إلى أهمية بريكس للاقتصاد العالمي نصيبها من احتياطيات العملة الأجنبية. وهذه الدول الأربع تعتبر من بين أكبر عشر دول تحتفظ باحتياطيات تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم.

وتملك الصين وحدها 2.4 تريليون دولار مما يكفي لشراء ثلثي شركات مؤشر ناسداك مجتمعة، كما تعتبر ثاني أكبر دائن بعد اليابان.

لكن الأكثر أهمية بالنسبة لروسيا -وكما هو الحال بالنسبة للآخرين- أنهم يرون أن المجموعة وسيلة لإخبار الولايات المتحدة أن أكبر الدول النامية لها خياراتها، وأنه ليست كل الطرق تقود إلى واشنطن.

ولهذا السبب هناك أعضاء في الكونغرس الأميركي ينظرون إلى بريكس نظرة ذعر وخوف، ولعل أهم وأكبر هواجسهم يتمثل في العملة الصينية، ولهذا السبب نشب ما يشبه «حربا تجارية باردة» بين الولايات المتحدة والصين وخاصة اثناء حكم ترامب.

 ويعيش بالدول الخمس نصف سكان العالم ويبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة أربعة تريليونات دولار.

ومن التحديات التي تواجه دول بريكس ضرورة تسريع الإصلاحات، وتحقيق مهمة تدويل عملاتها المحلية.

وفي المستقبل سيكون بإمكان الدول الخمس عقد الصفقات وتبادل أسناد القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين الدول الخمس، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية، والتوسيع المستمر لنطاق ومجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة، ويدفع بالتعاون والاستثماري المشترك بينها.

وترى مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطيها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي.

ومتى بدأت هذه الدول تتعامل بعملاتها المحلية في كل عملياتها التجارية كمرحلة أولى، ومن خلال عملة موحدة فيما بينها كمرحلة ثانية، تكون قد وجهت ضربة قاسية للدولار الاميركي الذي سيخسر حوالى 40 في المئة من أسواقه العالمية، مما سيؤدي الى فقدانه من 30 الى 40 في المئة من قيمته والحاق اضرار فادحة بالاقتصاد الأميركي تنعكس بطالة مرتفعة ومظاهرات واحتجاجات وربما أعمال شغب.


هل الولايات المتحدة على طريق التفكك؟!

من الملاحظ ان المجتمع الأميركي مدمّج وليس مندمجا، كما ذكرنا آنفا، ونرى ذلك بوضوح في مقتل جورج فلويد ذي البشرة السوداء من اصول افريقية وما أعقبه من مظاهرات احتجاجية شملت ولايات ومدنا أميركية عدة.

كما انه في حال تحقق السيناريو، الذي تحدثنا عنه بالنسبة لفقدان الدولار نسبة عالية من قيمته، فان بعض الولايات الغنية، مثل كاليفورنيا، سوف تعمل جديا للانفصال عن القرار المركزي، خاصة وانها تتحمَّل العبء الأكبر من الموازنة الإتحادية، وتجِد نفسها وكأنها تبذِر من مقدراتها الإقتصادية لدعم الولايات الفقيرة العاجزة وغير القابلة لتطوير قدراتها الذاتية   معتمدة إعتمادا شبه كلِّي على مساهمات الولايات الكبرى في الإقتصاد الفيدرالي.

فاقتصاد كاليفورنيا هو أكبر اقتصاد في ولايات الولايات المتحدة وبين السابع والعاشر في العالم. اعتبارا من عام 2010، وصل إجمالي الناتج المحلي إلى نحو 1.9 تريليون دولار والذي هو 13.06 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة.

وإذا تم اعتبار ولاية كاليفورنيا الأميركية دولة فستأتي في المرتبة الخامسة في ترتيب أكبر الدول من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، لتتفوق على دول مثل الهند بتعداد سكانها الضخم.

وتتفوق الولاية بذلك على بريطانيا أيضًا، بوصفها إحدى القوى الاقتصادية الرئيسية عالميًا، والتي يتجاوز عدد سكانها 66 مليون شخص بينما لا يتعدى سكان «كاليفورنيا» 39.5 مليون شخص ينتجون 14-16% من الناتج المحلي  الإجمالي الأميركي (2.9 تريليون دولار).

ختاماً، إذا كانت الخطوات نحو الإنفصال عن الولايات المتحدة صعبة ومعقَّدة دستورياً وقانونياً واقتصادياً، فهي ليست مستحيلة وسوف تحصل.

وهنا نسأل: ماذا سيحدث اذا قررت ولاية ما، الاستقلال عن المركزية الاتحادية، خاصة وان الدستور الأميركي لا يعترف بحق الولايات في الانفصال، فهل سيرسل البيت الابيض قوات عسكرية لاخضاعها و «تربيتها» واعادتها الى «الحظيرة» الاتحادية؟

فاستنادا الى ما أسلفنا ذكره نرى:

ان التفوق العسكري والحربي الأميركي في طور التراجع بعض الشيء اثر تنامي الترسانة الحربية الروسية وخاصة مع صوارخ اس 400 التي اظهرت تفوقها على منظومة باتريوت الاميركية وكذلك اس 500 التي قالت عنها روسيا انها في طريقها الى الظهور، اضافة، طبعا، الى تطور الصناعات الحربية، البالستية والتقليدية، الصينية حيث تسعى بيكين لتثبيت قدمها عسكريا على الساحة الدولية.

ان الدولار الأميركي «العالمي»، اي الذي تم اعتماده في العام 1946 عملة عابرة للقارات والدول، والذي صنع مجد الامبراطوية الاميركية اقتصاديا وماليا مما جعلها تفرد جناحيها وتنفش ريشها كالطاووس استكبارا واستعلاء وظلما متحكمة برقاب الشعوب، هذا الدولار سوف لن يحتفل بمئويته الأولى في ظل نشوء منظومات مالية واقتصادية عالمية كمجموعة دول «بريكس» التي لا شك ستتوسع لينضم اليها العديد من الدول التي ذاقت الأمرين من السياسة الأميركية الظالمة.

وأخيرا، نرى انه لن يمر عام 2030 الا وتبدأ مرحلة انفصال الولايات الغنية عن المركزية الاتحادية، للأسباب التي أتينا على ذكرها، اذ يكفي ان تنفصل ولاية واحدة لتكر سبحة  الانفصالات وتلتحق بها ولايات أخرى.


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق