من دكا الى لندن .. قصص الفساد لا تنتهي
بقلم: د.عبدالله المدني
التحقيقات التي تجريها سلطات مكافحة الفساد في بنغلاديش منذ سقوط زعيمتها السابقة الشيخة حسينة واجد وفرارها إلى الهند في أغسطس 2024، وصل رذاذها إلى العاصمة البريطانية مؤخرا في صورة تقارير ومزاعم أشارت إلى أن الوزيرة البريطانية المسؤولة عن مكافحة الفساد في الحكومة البريطانية العمالية برئاسة "كير ستارمر" السيدة "تيوليب صدّيق" متورطة في علاقات وروابط مشبوهة مع الحكومة البنغلاديشية المخلوعة بقيادة خالتها الشيخة حسينة واجد، بدليل العثور على مواد تدينها بالفساد وُجدتْ في المقر الرسمي لحسينة في دكا بعد الاطاحة بها. وقد شملت تلك الأدلة التورط في صفقات عقارية مشبوهة في بريطانيا، ولعب دور في اختلاس وغسيل أموال عبر صفقة نووية مع الروس والهنود بقيمة 12.65 مليار دولار (طبقا لبنغلاديش نيوز 24). وبسبب ما جمعته من أدلة ضدها رفعت حكومة بنغلاديش المؤقتة بزعامة البروفسور محمد يونس دعوى جنائية ضد صدّيق بتهمة تورطها في الفساد والاختلاس وهذا أدى بدوره إلى فضيحة سياسية في لندن، وتحرك السلطات لإجلاء الحقيقة.
طبقا لكبريات الصحف البريطانية، تبين أن صدّيق تملكت في عام 2004 شقة مكونة من غرفتي نوم بالقرب من منطقة "كينغ كروس" في لندن دون أن تدفع ثمنها، وأن هذه الشقة قدمتْ لها بعد أن تمّ شراؤها في عام 2001 بمبلغ 195 ألف جنيه استرليني من قبل مطور عقاري له صلات وعلاقات بشخصيات نافذة في "حزب رابطة عوامي" البنغلاديشي بقيادة خالتها الشيخة حسينة واجد المتهمة اليوم مع حزبها، من قبل النظام الجديد في دكا، بجرائم كثيرة تتراوح بين الإختلاس من النظام المصرفي البنغلاديشي والقتل والإختفاء القسري والاحتيال المالي .
وزعمت صحف بريطانية أخرى أن تحرياتها دلت على أن صدّيق سكنتْ في أكثر من شقة في لندن منها واحدة في هامبستيد تمّ نقل ملكيتها إلى شقيقتها من قبل المحامي البارز "معين غني" الذي يمثل حكومة بنغلاديش السابقة بقيادة حزب رابطة عوامي.
وبطبيعة الحال نفت الوزيرة صدّيق ما أثير حولها من لغط ، قائلة: " في الأسابيع الأخيرة، كنتُ موضوع تقارير إعلامية معظمها غير دقيقة حول شؤوني المالية وعلاقات عائلتي بالحكومة البنغلاديشية السابقة".
وفي خطوة من جانبها لتبييض صفحتها ودفع شكوك الفساد بعيدا عنها، لاسيما وأنها وزيرة مسؤولة عن مكافحة الفساد، أحالت نفسها إلى مستشار الحكومة لشؤون المعايير الوزارية السير "لوري ماغنوس". ولقيت هذه الخطوة الترحيب من رئيس الوزراء ستارمر الذي صرح بأن وزيرته اتخذت القرار الصحيح، وأفتخر في الوقت نفسه بالقانون الوزاري الجديد الذي سنته حكومة حزب العمال الحالية حول السماح للوزراء باللجوء إلى مستشار المعايير الوزارية من أجل إثبات أو نفي ما يحوم حولهم.
ويبدو أن صدّيق تعرضت لضغوط، خصوصا بعد أن تبين وجودها في موسكو في عام 2013 في نفس الوقت الذي كانت فيها الشيخة حسينة واجد تجري محادثات حول صفقة نووية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إدعت أن ذلك كان مصادفة بحتة وأنها كانت في موسكو آنذاك كسائحة)، بل أن هذه الضغوط زادت عليها وعلى حزبها من قبل حزب المحافظين المعارض في اعقاب صدور نتائج التحقيقات التي لم تدنها صراحة وانما اكتفت بالقول أن المسائل الخاصة بعقاراتها لا يمكن التاكد منها بسبب نقص الوثائق والأدلة. وعليه تقدمت باستقالتها في 16 يناير، من خلال رسالة قالت فيها: "ولائي كان وسيظل دائمًا لحكومة حزب العمال وبرنامج التجديد والتحول الوطني الذي شرعتْ فيه، لكن من الواضح أن بقائي في هذا المنصب سيشكل عائقًا أمام تحقيق الأهداف التي نعمل من أجلها".
شكل هذا الحدث أول هزة لحكومة العمال منذ استلامها السلطة في يوليو 2024، وأحدث ارتباكا في عملها، ما دفع ستارمر إلى المسارعة بتعيين بديل لصدّيق، حيث منح حقيبها لـ "إيما رينولدز" وزيرة الدولة في وزارة العمل والمعاشات التقاعدية.
لكن من هي توليب صدّيق؟
في عام 1975 أقدمت مجموعة من الضباط في دكا على انقلاب دموي راح ضحيته مؤسس دولة بنغلاديش الشيخ مجيب الرحمن وكافة أفراد أسرته، باستثناء إبنتيه (حسينة وريحانة) اللتين كانتا آنذاك في رحلة إلى ألمانيا الغربية. عاشت الشقيقتان سنوات طويلة في المنفى الأوروبي ثم المنفى الهندي إلى أن عادت حسينة إلى السلطة في دكا على رأس حزب والدها المغدور بُعيد انتخابات عام 1996. أما ريحانة فقد منحت حق اللجوء السياسي في بريطانيا في شبابها والتقت هناك بمواطنها شفيق أحمد صدّيق الذي كان يعد وقتها رسالته لنيل الدكتوراه والذي اصبح لاحقا بروفسورا في جامعة دكا، فتزوجته عام 1980 وانجبت له ابنتهما الأولى تيوليب في عام 1982 التي تزوجت من بريطاني وتخرجت من كينغز كولدج في لندن قبل أن تشق طريقها في عالم السياسة من خلال حزب العمال.
د. عبدالله المدني
* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: يناير 2025م
0 comments:
إرسال تعليق