تقرير عباس علي مراد:
باشرت حكومة العمال ومن دون تأخير تنفيذ الوعود الانتخابية التي خاضت الإنتخابات على أساسها، فأقرت مشروع قانون تخفيض نسبة انبعاث الكربون الى 43% حتى العام 2030، واقرت أيضاً مشاريع القوانين المتعلقة بتحسين ظروف العمل والنزلاء في قطاعي رعاية المسنين وحضانة الأطفال، ووضعت على نار حامية قضية الإستفتاء الذي تنوي إجراءه للإعتراف بالسكان الأصليين بالدستور والحصول على صوت تمثيلي لهم في البرلمان.
الأسبوع الماضي خطت الحكومة خطوة متقدمة لتنفيذ وعد أنتخابي آخر وهو إقامة مفوضية فيدرالية لمكافحة الفساد على غرار المفوضيات الموجودة في باقي الولايات والمقاطعات، والجدير ذكره أن حكومة الأحرار كانت في انتخابات عام 2019 قد وعدت بإقامة لجنة نزاهة وطنية، لكن سكوت موريسن نكث بوعده ولم ينشئ المفوضية، لأنه كان ينوي أقامة مفوضية على مقاس معين وبدون صلاحيات فعلية لكبح جماح الفساد، فعارض الفكرة حزب العمال وحزب الخضر والنواب المستقلين وحتى ان نواب من حزب الأحرار عارضو فكرة موريسن التي لم ترى النور، لأن موريسن سحب مشروعه ولم يقدمه للبرلمان على أساس انه سيعود وتقديم مشروعه بعد الانتخابات التي جرت في أيار الماضي، والتي خسرتها الحكومة بعد ان منيت بهزيمة انتخابية غير مسبوقة في تاريخ حزب الأحرار الذي خسر العديد من المقاعد الآمنة والتي كان يشغلها وزراء من الصف الأول.
المدعي العام الفيدرالي الجديد مارك دريفوس الذي كشف عن العناصر الرئيسية في خطته قال: إنه إنتصار أن ندخل إلى البرلمان بعد أربعة أشهر فقط من الانتخابات لتشكيل هيئة مراقبة الفساد الفيدرالية، والتي ستمنح سلطة التحقيق مع أي شخص يحاول حث المسؤولين الحكوميين على الانخراط في سلوك غير نزيه ، وتوسيع نطاقها للقبض على "أطراف ثالثة" في الإصلاح المحوري لتحسين النزاهة في الحكومة.
في لقاء له مع تلفزيون أب بي سي (برنامج إنسايدرز) 2 ت اول اعتبر دريفوس تشكيل المفوضية اكبر انجاز وأهم إصلاح في النظام المعمول منذ مدة طويلة، وقال ايضاً ان الحكومة تريد تشريع وقوننة المفوضية عبر التصويت عليها في مجلسي النواب والشيوخ حتى لا تأتي أي حكومة في المستقبل وتلغي المفوضية في حال اصدرت كمرسوم تشريع حكومي.
وحذر المدعي العام مارك دريفوس الجميع، وقال لا يوجد خيمة فوق رأس أحد، وعلى الجميع أن يكونوا حذرين، وقال أن المفوضية سيكون لديها صلاحيات الحصول على المكالمات المشفرة بموجب مذكرة تفتيش. وعن جلسات المفوضية عما إذا كانت علنية أو سرية قال دريفوس إن الامر يعود لتقدير المفوض المسؤول.
على الرغم من الترحيب بتشكيل المفوضية بشكل عام لاقت فكرة تشكيل لجنة نزاهة وطنية ردود فعل متفاوتة من قبل الأحزاب والنواب المستقلين واتحاد نقابات العمال.
بيتر داتون زعيم المعارضة الفيدرالية (أحرار) وبخطوة لافتة وبعيدا عن سياسية سلفه سكوت موريسن قرر ان يدعم تشكيل المفوضية شرط ان تعمل بحيادية بعيدا عن الاستهداف السياسي.
النائب عن حزب الخضر في مجلس الشيوخ ديفيد شوبريدج قال: "تلعب جلسات الإستماع العلنية والتدقيق العام دورًا أساسيًا في مكافحة الفساد ويجب ألا يقتصر الأمر على الحالات الاستثنائية فقط".
سكرتيرة الحركة النقابية (أي سي تي يو) سالي مكمانوس قالت: ان الحركة النقابية لا تتسامح مع الفساد مطلقاً وذلك بعد ان طالب حزب الأحرار بتوسيع نطاق عمل المفوضية وعدم إستثناء النقابات.
النواب المستقلون أجمعوا على ان تمنح المفوضية صلاحيات مطلقة وهذا ما يؤيده حزب الخضر، وهذا ما يتحفظ عليه الحزبين الكبيرين ( عمال وأحرار) الذين يتداوران على حكم البلاد، ولذلك قررت الحكومة عدم اعطاء المفوضية صلاحية مطلقة خصوصاً في ما يتعلق بجلسات المفوضية العلنية ورحبت المعارضة بهذا القرار.
الحكومة وان كانت ترغب في الحصول على تأييد المعارضة على مشروع القرار لكنها في نفس الوقت تتحاشى تجاهل النواب المستقلين والأحزاب الصغيرة وتحاول التقريب بين مختلف وجهات النظر للجصول على اكبر دعم لتشكيل المفوضية.
لكن، يبقى السؤال الأساسي لماذا أستراليا بحاجة الى مفوضية لمكافحة الفساد؟
قد يعتقد الكثيرين أن أستراليا دولة قانون والقانون فوق الجميع، وهناك مؤسسات تستطيع مكافحة الفساد ولسنا بحاجة الى هكذا لجنة، وان الولايات والمقاطعات لديها مفوضيات لمكافحة الفساد هذا الأمرصحيح الى درجة ما، لكن الفساد لا يقتصر على سياسيو الولايات وان السياسيين الفيدراليين غير منزهين.
المعروف ان الحزبين الكبيرين الاحرار والعمال كانا يتهربان من تشكيل لجنة نزاهة وطنية قبل ان تصبح قضية وطنية ضاغطة وملحة بحجة ان المؤسسات الموجودة تكفي وحجج واهية أخرى وكانا يروجان ان الطبقة السياسية الفيدرالية غير فاسدة!
وهذه بعض الأسباب الموجبة لنشكيل لجنة النزاهة الوطنية:
عندما نشرت منظمة الشفافية الدولية ، في عام 1995 ، أول تصنيف عالمي لها في مجال الفساد ، تم تصنيف أستراليا في المرتبة السابعة بين أنظف دولة في العالم. ترتيبها العام الماضي؟ الثامن عشر وانزلاقها يتسارع وتكلفة سنوات التأخير هي أن العفن يزداد سوءاً.
الديمقراطية الانتخابية الأسترالية بخير، ولكن ما هو ليس بخير العمل الحزبي واختيار المرشحين ليس بخير حيث تقتصر عمليات أختيار المرشحين على أقلية حزبية او مراكز نفوذ مؤثرة تختار الأشخاص حسب قربهم أو بعدهم او خضوعهم.
المال الانتخابي الذي يلعب دور في وصول أشخاص دون غيرهم الى البرلمان بسبب عدم التصريح عن النفقات إلا بعد انتهاء الانتخابات إضافة الى الحملات الانتخابية التضليلية.
التصرف بأموال دافعي الضرائب لخدمة أهداف حزبية أنتخابية من خلال تخصيص أموال لمناطق دون غيرها، كما حصل في فضيحة المنح الرياضية التي خصصتها حكومة موريسن لمناطق يمثلها نواب حزب الأحرار، او الأموال التي خصصت لبناء مواقف سيارات هذا على سبيل المثال لا الحصر.
إذن، وباختصار، إن النفس لأمارة بالسؤ إلا ما رحم ربي لذلك نرى، ان تشكيل مفوضية وطنية لمكافحة الفساد ضرورة وطنية ملحة وان 262 مليون دولار كلفة تشكيل المفوضية مبلغ زهيد إذا تم وضع حد للهدر والفساد، لان بعض السياسيين يعتقد انه/انها فوق القانون خصوصاً بعد تصريحات رئيس الحكومة السابق سكوت موريسن الذي دعى المواطنيين لعدم الثقة بالحكومة.
0 comments:
إرسال تعليق