آسيان والبحرين .. نحو عهد واعد من الشراكة والتعاون


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

نيابة عن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين المعظم حفظه الله ورعاه، شارك حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين/ رئيس مجلس الوزراء الموقر في اجتماعات القمة الثانية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست ودول رابطة امم جنوب شرق آسيا (آسيان) العشر، التي استضافتها العاصمة الماليزية كوالالمبور في اواخر مايو المنصرم، علما بأن القمة الأولى عقدت بمدينة جدة السعودية في 19 يوليو 2023 برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد/ رئيس مجلس الوزراء السعودي.

وقد اولت مملكة البحرين مذاك اهتماما خاصا، كما شقيقاتها الخليجيات، بهذه القمة كونها منصة تنسجم أهدافها وتطلعاتها مع أهداف وتطلعات دول مجلس التعاون الخليجي، ناهيك عن انسجام أهدافها مع سياسات مملكة البحرين الخارجية القائمة على التسامح والانفتاح والسلام، وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، ونبذ الحروب، والتعاون والتنسيق والحوار مع مختلف دول العالم.

ولعل ما يبرهن على توجهات البحرين الصائبة لجهة تمتين علاقاتها مع الدول الآسيوية الصديقة والدخول معها في شراكات استراتيجية واقتصادية منذ سنوات طويلة هو انطلاق فكرة "التوجه شرقا" من البحرين قبل غيرها من الدول الخليجية. والاشارة هنا إلى دعوة أطلقها المرحوم يوسف احمد الشيراوي وزير الصناعة االبحريني الأسبق وأحد رجالات التنمية الخليجيين الكبار، في محاضرة ألقاها في لندن منتصف تسعينات القرن الماضي. ففي تلك المحاضرة قال الشيراوي ما مفاده أن مصلحة دول مجلس التعاون الست تقتضي اقامة شراكة منهجية ومؤسساتية طويلة المدى متعددة الأوجه مع الدول والتكتلات الاسيوية الناهضة بدءا من الهند وانتهاء بالصين ومرورا بدول منظومة آسيان، التي تأسست في عام 1967 من خمس دول (اندونيسيا والفلبين وتايلاند وماليزيا وسنغافورة)، ثم لحقت بها بروناي وفيتنام ولاوس وميانمار وكمبوديا على التوالي. ولم تكن الفكرة مدفوعة في حينه بالتحولات الكبيرة التي شهدتها الساحة الدولية في اوائل عقد التسعينات بانهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومته الإشتراكية، وبتصدع العلاقات العلاقات العربية ــ العربية جراء غزو العراق للكويت فحسب، وإنما أيضا بسبب تحقيق الكتل والكيانات الآسيوية الكبيرة نجاحات وصعودا صاروخيا في الحقول الاقتصادية والعلمية والصناعية والتنموية، ما جعلها صاحبة نماذج يُحتذى بها ودروس يمكن الاستفادة منها، وهو ما حقق لها نفوذا وتأثيرا في الساحة الدولية.

لقد كان من نتائج اهتمام البحرين بالتعاون مع "آسيان" في مختلف الحقول، أن  استضافت المنامة في مايو 2009 أول اجتماع وزاري للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون ودول آسيان. وكما قال صاحب السمو ولي العهد الأمين في كلمته أمام اجتماع كوالمبور في 27 مايو 2025 ، فإن ذلك الاجتماع الوزراي الأول كان بمثابة إعلان عن "بداية فصل جديد وواعد في العلاقات بين المنطقتين". ومما قاله سموه أيضا في السياق نفسه إن: "ما وحدنا حينها، وما جمعنا اليوم، هو الأساس المتين من القيم المشتركة، والمصالح المتوافقة، والفهم المشترك بأن التحديات العالمية الراهنة تتطلب وحدة وتصميما وقوة جامعة. ومن خلال هذه الروح، نحول التحديات إلى فرص ونمهد الطريق نحو الإستقرار والازدها المستدام لجميع مواطنينا".

ومما لاشك فيه، أنه منذ اجتماع المنامة التأسيسي حدثت تطورات كثيرة سواء على الصعيدين الدولي والإقليمي، او على صعيد التعاون بين التكتلين الخليجي والآسيوي. يشهد على ذلك أن ما كان مجرد حوار استراتيجي تمهيدي تحول خلال السنوات الماضية إلى شراكة قوية وراسخة عمادها إلتزام مشترك بالتنمية والازهار لخير الشعوب، وتوافق على تعزيز وتوثيق الروابط في مجالات التجارة والاستثمار والسياحة والتعليم والتقنية والابتكار والذكاء الاصطناعي والأمن الغذائي والطاقة النظيفة. وتمثلت خطوة البحرين الأولى في هذا الاتجاه بقيام وزير الخارجية السابق معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بالتوقيع في بانكوك في الثاني من نوفمبر عام 2019، على وثيقة انضمام البحرين إلى معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (Treaty of Amity & Cooperation in Southeast Asia) وذلك تنفيذًا للمرسوم الملكي رقم (89) لسنة 2019 بهذا الخصوص، وذلك تجسيدا لرؤية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم حفظه الله ورعاه، في ترسيخ أواصر التعاون مع الجميع وتشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، ودعم كل الجهود الساعية لتعزيز الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، والاهتمام بتطوير العلاقات والتعاون المشترك مع القارة الآسيوية بوجه عام، ومع رابطة الآسيان بوجه خاص. وبهذا صارت البحرين ثالث دولة عربية تنضم إلى تلك المعاهدة بعد المملكة العربية السعودية ومصر.

والقاريء المتمعن في كلمة سمو ولي العهد حفظه الله ورعاه لا بد وأن يلاحظ في مضامينها صورة واضحة وواقعية لرؤية المملكة ومواقفها الرشيدة حيال جملة من القضايا والتحديات الراهنة على الصعيدين الدولي والإقليمي، ومنها على سبيل المثال: محاربة التطرف والإرهاب، حماية طرق وممرات الملاحة العالمية من اعتداءات الجماعات المارقة، منع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، تعزيز الطاقة النظيفة بتقليل الانبعاثات الكربونية، تسهيل إيصال المساعدات الانسانية للمنكوبين في كل مكان، الالتزام بمبادي الحق والعدالة والكرامة والتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب والثقافات والأعراق والأديان، رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلدان المستقلة ذات السياسة، والترحيب باتفاقيات التجارة الحرة بين مختلف الدول والتكتلات، لاسيما بين دول مجلس التعاون وأمم جنوب شرق آسيا.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يونيو2025م


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق