لن نستسلم للضغوط التي نتعرض لها من أطراف عديدة
منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حركتي فتح وحماس.
في غزة يوجد شعب فلسطيني
فلسطين هي الاسم الحركي للعروبة
كتب حسن العاصي ـ
في سياق متابعتها المتواصلة لتطورات القضية الفلسطينية، التقت إذاعة الجزائر الدولية مع السفير الفلسطيني اللامع في الجزائر الدكتور لؤي عيسى. وقد حددت مقدمة البرنامج الحواري الأسبوعي "نقاش" ثلاث محاور للنقاش:
هل تبني الأمم المتحدة لسبعة قرارات ضد الاحتلال الصهيوني يعتبر أمراً شكلياً؟
ماهي دلالات استقالة وزير الدفاع الصهيوني "أفيغدور ليبرمان" على الوضع الداخلي الإسرائيلي، وعلى الوضع الفلسطيني؟
القضية الفلسطينية إلى أين في ظل المتغيرات السريعة التي يشهدها العالم، وفي ضوء التجاذبات بين القوى الكبرى والصراع على النفوذ؟
القيادة الفلسطينية تمتلك رؤية لصراعها مع العدو الصهيوني
بعد أن نقل تحية فلسطين وقيادتها وشعبها إلى الأشقاء في الجزائر الحبيبة وقيادتها وإلى عموم الشعب الجزائري، استعرض السفير الفلسطيني الأحداث الأخيرة في غزة والتي أدت إلى استقالة وزير الدفاع الصهيوني، وأكد أنه من المهم للغاية أن يجري نقاش وتحليل العناوين الرئيسية بصيغتها الصحيحة، خاصة حين يتعلق الأمر بقضية كبيرة ومهمة شأن القضية الفلسطينية، حتى نتمكن من مقاربة الأحداث برؤية تحافظ على السيرورة التاريخية للقضية الفلسطينية، وحتى لا نسقط في جادة ردة الفعل، بينما عدونا الصهيوني يقوم بالفعل لأنه يمتلك مشروعاً استراتيجياً.
نحن لا نشعر بالمفاجأة تجاه ما تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، إن كان استقالة الوزير الصهيوني، أو خلافه من الأحداث التي يتم التخطيط لها لتصفية القضية الفلسطينية.
فنحن في الثورة الفلسطينية امتلكنا دوماً رؤية واضحة لطبيعة الصراع مع العدو، وتعاملنا مع المتغيرات والتطورات التي أثرت على قضيتنا بكل حكمة، ووضعنا الخطط التي تتناسب وكل مرحلة، وحددنا أهدافنا وأدواتنا بما يتلاءم مع أي متغير.
لكن العنوان الرئيسي للصراع في المنطقة الذي لن يتغير هو فلسطين والقضية الفلسطينية، والصراع الصهيوني الفلسطيني. الصراع في هذه المرحلة هو صراع هوية، أن تكون الهوية الفلسطينية أو لا تكون. ولهذا كان من أهم أهدافنا التي سعينا لتحقيقها، هو إعادة فلسطين إلى الخريطة، وهو ما سعت إليه الجزائر أيضاً، وكافة القوى الحية في الأمة العربية. لأن فلسطين كانت الخط الأمامي في المواجهة مع المشروع الصهيوني الذي يستهدف العرب جميعاً، ولا زالت الجدار الأخير الذي يحمي الأمن القومي العربي، وتدافع عن كرامة ومصالح الأمة العربية.
هذه الرؤية الأساسية المركزية الاستراتيجية، كانت تخضع لمقاربات من قبل القيادة الفلسطينية تمليها المتغيرات الدولية والإقليمية، وموازين القوى في المنطقة، وارتباطاً بالمواقف الحقيقية لجميع الأطراف. نحن لم نعتد يوماً على النظر للمواقف المعلنة في وسائل الإعلام أو الخطابات، بل نتعامل مع القضايا في سياق ما نعلمه من المواقف الحقيقية غير المعلنة، لذلك تبدو للآخرين أنها مفاجأة، لكنها بالنسبة لنا هي معروفة مسبقاً.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أكد في أكثر من مناسبة، بأننا لن نسمح أن تتكرر نكبة فلسطين الكبرى في العام 1948، ولا نكسة حزيران في العام 1967. هذا الموقف وغيره من المواقف يعتبر إشارة واضحة ليس فقط إلى طبيعة العدو، وإنما إلى طبيعتنا نحن ومواقفنا ورؤيتنا للصراع. نحن أمام معركة أساسية في فلسطين، عنوانها الكبير كرامة الأمتين العربية والإسلامية، والشعب الفلسطيني يشكل رأس الرمح في هذا الصراع مع المشروع الصهيوني البغيض. وبالتالي نحن عندما نراكم كفاحنا علينا أن نذكر الحقائق التي ترتبط بالقضية الفلسطينية، وتفرع جبهات الصراع. فالعدو الصهيوني منذ قيام دولته وهو يسعى لقهرنا، ونحن في الثوة الفلسطينية نناضل لقهره وهزيمة مشروعه، لكن قضيتنا الفلسطينية تتأثر كثيراً بالعوامل الجانبية، المتأتية من الانقسام العربي-العربي، ومن نفاق المجتمع الدولي الغربي خاصة، الذي يتبنى المشروع الصهيوني ويدافع عنه ويدعمه. في الوقت الذي كان هذا العدو الصهيوني يشرع في بناء مشروعه وتنفيذ أهدافه، كما نحن -فلسطينيين وعربا- مشتتين ومنصرفين عن القضية الجوهرية، نحو تفاصيل جانبية.
في بداية القرن الماضي أصبنا بفاجعة وعد بلفور والنتائج التي تمخضت عن اتفاقية سايكس بيكو، واليوم بعد مئة عام نتحدث عن وعد بلفور ثان، وعن اتفاقية سايكس بيكو ثانية. لذلك فإننا نعتبر أن الثورة الفلسطينية هي الاسم الحركي للعروبة، ونحن ملزمون بابتداع أشكال جديدة للنضال ضد المشروع الصهيوني، بما يضمن لنا البقاء في هذه الظروف الاستثنائية بالغة الخطورة على قضيتنا، والتي تهدد حقوقنا ووجودنا ومستقبل أطفالنا، في ظل الوضع العربي الراهن والتشتت والفوضى القائمة في أكثر من مكان، وفي ضوء استهتار الولايات المتحدة بقضيتنا ودماء شهدائنا، وعدم احترامها لهيئات الشرعية الدولية وقراراتها المتعلقة بفلسطين. وهذا ما يدفعنا للقول إن المشروع الصهيوني يجري تحقيقه على أرض فلسطين، فيما المشروع العربي يعاني الوهن والتشرذم.
في غزة يوجد جزء من الشعب الفلسطيني
وفيما إن كانت استقالة وزير الدفاع الصهيوني قد تشكل ربما محطة لإعادة اللحمة والوحدة للصف الفلسطيني، قال الدكتور لؤي أن الشعب الفلسطيني وقيادته لا تهاب شيئاً بوجود ليبرمان أو باستقالته. هناك ستة ملايين فلسطيني يعيشون فوق أرضهم في فلسطين، هم موجودون وسوف يظلون بغض النظر عن طبيعة التوازنات العربية، أو الانقسام الفلسطيني، فهذا لن يغير من هذه الحقيقة شيئاً. إن معركتنا مع العدو الصهيوني هي معركة وجود وليس معركة حدود، وبالتالي فإن شعبنا الفلسطيني فوق أرضه هو أكبر من الفصائل الفلسطينية، وهو قادر بوعيه وتضحياته على التمسك بحقوقه والدفاع عنها.
وأرغب هنا في التنويه على أهمية عدم استخدام مصطلحات في وسائل الإعلام مثل "شعب غزة" لأن هذا يساهم في تكريس مفاهيم الانفصال. ويخدم مشروع صفقة القرن القائمة في الأساس على فصل قطاع غزة عن بقية مكونات الشعب الفلسطيني، واعتبار غزة هي الدولة، بامتدادها في صحراء سيناء تكون مكاناً بديلاً للاجئين الفلسطينيين، واعتبار القدس عاصمة إسرائيل. هذا ما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه عبر الضغوط غير المسبوقة التي تفرضها على القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن. في غزة يوجد شعب فلسطيني، وهو جزء من عموم الشعب الفلسطيني المتواجد في أماكن متعددة من العالم، ولا يوجد شيء اسمه شعب غزة.
نحن كفلسطينيين نخوض معركة تحرر وطني لاستعادة أرضنا وحقوقنا، ولا نخوض معارك إقليمية ولا حزبية. معركتنا لأجل استعادة فلسطين إلى الخريطة العربية والإسلامية. وضمن هذا التحليل وهذه الرؤية علينا اختيار مفرداتنا ولغتنا وخطابنا.
تحقيق الوحدة الفلسطينية مهمة في رأس أولويات القيادة الفلسطينية، نحن منذ أكثر من عشرة أعوام لا ندخر جهداً لإنهاء الانقسام الفلسطيني، لأننا نؤمن أنه لا صمود بدون وحدة وطنية، لكن للآن لم تثمر جهودنا للأسف، وهذا لا يعني بحال التسليم بالواقع كما هو. إن المستفيد الوحيد من الانقسام الفلسطيني هو العدو الصهيوني الذي يسعى لإضعاف البيت الفلسطيني.
أين القدس في وسائل الإعلام العربية
تحدث السفير الفلسطيني في الجزائر الدكتور لؤي عيسى بفخر عن غزة وأهلها حيث كانت ولا زالت مصنعاً للأبطال، وأهلنا الثوار في غزة كانوا تاريخياً في مقدمة الجبهات النضالية ضد العدو الصهيوني. لكننا هنا نتساءل لماذا يتجاهل الإعلام العربي قضية مدينة القدس الشريف، ويتجاهل ذكر قضية ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات، ويتغافل عن العديد من القضايا الاستراتيجية المهمة والحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، بينما يجري التجييش الإعلامي لموضوع غزة. إن معركتنا الآن فلسطينياً وعربياً وإسلامياً هي وضع مدينة القدس وليس غزة، بالرغم من إدراكنا جيداً لأهمية ما يجري في قطاع غزة، الذي يعيش في حالة حصار بدائي تشكل وصمة عار على جبين المجتمع الدولي. إن ما يحصل من تضخيم وتهويل إعلامي ليس بعيداً عن المحاولات التي تجري لفصل غزة عن الضفة.
إن معالجة قضية قطاع غزة يتطلب استعادتها إلى مكانها الطبيعي، وإنهاء الانقسام مرة وإلى الأبد، ووضع المؤسسات الوطنية الفلسطينية الرسمية أمام مسؤولياتها تجاه أهلنا في غزة، لا أن يتم معالجة القضية معالجة سياسية عبر اتفاقيات تبرمها حركو خماس مع العدو الصهيوني، تفضي في النهاية إلى تكريس الانفصال. إن الوحدة الوطنية هي التي تكفل تضافر كافة الجهود لتحقيق قضايانا المطلبية والسياسية والوطنية.
نحن نعتبر أن الإنجاز الفلسطيني التي تم تحقيقه في الجزائر قبل عشرين عاماً، حين تم الإعلان عن وثيقة الاستقلال، وبالتالي قيام الدولة الفلسطينية، قد شكل خارطة طريق للقيادة الفلسطينية التي ما زالت تسعى لتحقيق أهداف الوثيقة. أيضاً الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وإفشال محاولات تمزيقها وإنهاء دورها. التصدي لمحاولات إبعاد ملف مدينة القدس عن أية حوار ومباحثات قادمة. إن أردنا إيجاد حلول لمشاكل -تم إحداثها- إنسانية مطلبية في قطاع غزة من أجل توظيفها لتكريس الانقسام وفصل غزة وضرب منظمة التحرير وبالتالي إفشال المشروع الوطني الفلسطيني برمته، فعلى إخوتنا في حركة حماس الاستجابة للمناشدات التي تطلقها القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن.
فيما يرتبط بدور الأمم المتحدة أكد الدكتور لؤي أن الفلسطينيون يعتبرون أن النضال عبر هيئات الأمم المتحدة أمراً مهماً تفرضه العلاقات الدولية، ويرفضون الموقف الأمريكي الذي يعتبر أن محكمة الجنايات الدولية هيئة غير شرعية، بمجرد أن وضعت القيادة الفلسطينية ملف شكاية ضد الكيان الصهيوني. إن انسحاب الولايات المتحدة من بعض المنظمات الدولية يعكس موقفها الحقيقي الذي عبر عنه الرئيس محمود عباس، حين اعتبر أن الولايات المتحدة لم تعد طرفاً نزيهاً راعياً للسلام، بل طرفاً منحازاً بالكامل لدولة الاحتلال.
الفلسطينيون يقاتلون وحدهم فوق أرضهم ضمن انقسام خطير، ولا يتلقون دعماً إلّا من أطراف عربية محدودة، وخاصة الجزائر الشقيقة الكبرى التي احتضنت فلسطين وشعبها وقيادتها منذ النكبة لغاية الساعة.
منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حركتي فتح وحماس
فيما يرتبط باستقالة ليبرمان، ذكر السفير الفلسطيني أن الهدف الرئيسي الصهيوني المرحلي هو فصل قطاع غزة لأجل قيام دولة فلسطينية فيها، من خلال تهدئة طويلة الأمد مع حركة حماس، ومعالجة المشكلات المطلبية واللوجستية لسكان القطاع. فإن استمر العدوان الأخير على أهلنا في غزة فترة أطول مما حصل، لكان من نتائجه إسقاط التهدئة، وإفشال المشروع الصهيوني، لذلك أوقف "نتنياهو" العدوان، بينما أراد "ليبرمان" بوحشيته الاجرامية الاستمرار في عملية الجيش الصهيوني ضد أهلنا في غزة، لذلك استقال من منصبه كوزير للدفاع.
أحد نتائج المعركة الأخيرة في قطاع غزة، وما تبعها من استقالة ليبرمان، ينسجم تماماً في جانب منه مع المشروع الصهيوني الهادف إلى تكريس الانقسام الفلسطيني. ونحن نعتقد أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة سوف تفضي إلى مزيد من التطرف والتشدد الصهيوني.
إن توقيع أي اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل ننظر له على أنه إسقاط لدور منظمة التحرير الفلسطينية التي ما زالت الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حركتي فتح وحماس. نحن نطالب أخوتنا في حركة حماس العودة إلى اتفاقاتنا السابقة التي وقعت في القاهرة. إن آليات النضال يحددها الشعب الفلسطيني وحده وقيادته وقواه السياسية، ولا يتم تحديدها في عواصم إقليمية.
في نهاية حديثه أكد السفير الفلسطيني الدكتور لؤي عيسى، أن القيادة الفلسطينية لن تكل في سعيها لتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام مع قطاع غزة، وأن الفلسطينيين وحدهم من يقررون كيف ومتى في قضية الصراع مع الصهاينة، تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية، وسوف تواجه القيادة الفلسطينية كافة الضغوط الأمريكية والغربية لإفشال صفقة القرن، وأكد أن معركتنا الرئيسية اولاً وأخيراً في هذه المرحلة هي معركة القدس.
0 comments:
إرسال تعليق