بقلم: د. عبدالله المدني*
بينما تسابق حكومة البروفيسور محمد يونس المؤقتة في دكا الزمن لترتيب أوضاع البلاد بعد سقوط حكومة الشيخة حسينة واجد، تجري أحاديث ومناقشات واسعة في أوساط جنرالات المؤسسة العسكرية حول التحديات التي يواجهها الجيش البنغلاديشي لجهة التسليح والسياسات الدفاعية في مواجهة الخصوم الإقليميين، ولاسيما الجارة الميانمارية ذات السياسات العدوانية والتي اصطدم جيشها بالجيش البنغلاديشي أكثر من مرة على خلفية أزمة المسلمين الروهينغا سنة 2017.
يتساءل قادة الجيش اليوم عن مصير خطة وضعتها الحكومة السابقة لتنويع مصادر السلاح وتطوير كفاءة الجيش خلال السنوات القادمة حتى عام 2030، وعما إذا كانت الحكومة المؤقتة الحالية أو خليفتها ستلتزم بها.
والمعروف أن الجيش البنغلاديشي، الذي تأسس غداة انفصال البلاد عن باكستان سنة 1971 من بقايا ضباط وجنود الجيش الباكستاني الذين حاربو إلى جانب فكرة قيام بنغلاديش حرة ومستقلة، ومن بقايا الأسلحة الغربية للجيش الباكستاني المهزوم ومن الأسلحة السوفياتية التي زودته بها الهند، لم يجد في العقود الأخيرة مصدرا للتسليح سوى الصين لأسباب متعلقة برخص أسعار السلاح الصيني، من جهة، وعدم ارتباط تصديرها بشروط تعجيزية حول طرق السداد والإستخدام من جهة ثانية، واستعداد بكين لتلبية طلبات السلاح أملا في توسيع نطاق نفوذها في شبه القارة الهندية وخليج البنغال والمحيط الهندي من جهة ثالثة. ولهذه صارت بنغلاديش ثاني أكبر وجهة للأسلحة الصينية على مستوى العالم، وصار ثلثا أسلحة البلاد مصدرها بكين، طبقا لأحدث بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
ولعل ما يثار اليوم من تساؤلات يرتبط ارتباطا مباشرا برداءة الأسلحة الصينية وعدم كفاءتها العملية في تمكين البلاد من الدفاع عن نفسها ضد الاخطار الأمنية الحالية او المستقبلية في عالم يسوده الإضطراب وعدم اليقين وفي منطقة استراتيجية يتنازع عليها الكبار، لاسيما وأن بكين تزود ميانمار بنفس الأسلحة وربما بعتاد أكثر تطورا كون الأخيرة من أقرب حليفاتها الآسيويات. ومن هنا تزايدت الدعوات بضرورة تنويع مصادر سلاح الجيش عبر الإستيراد من خارج مستودعات أسلحة التنين الصيني، أي اللجوء إلى دول كبرى معروفة بصناعة السلاح المتقدم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، أو الاعتماد على دول اقليمية تصنع السلاح المتطور بتكنولوجيات غربية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا والهند، أو على الأقل إعادة النظر في السياسات الدفاعية من خلال الإلتحاق بالتحالفات العسكرية الناشئة في النطاق الآسيوي.
إلى ما سبق، هناك فكرة الإعتماد على الذات في تصنيع مستلزمات دفاعية أوسع نطاقا وأكثر تنوعا. والجدير بالذكر في هذا السياق أن بنغلاديش تفتقر إلى قاعدة صناعية دفاعية فعالة أو كبيرة، وبالتالي فإن انتاجها ظل طيلة العقود الماضية محدودا للغاية ومقتصرا على انتاج الأسلحة الصغيرة والمتفجرات والمركبات متعددة الإستخدامات بترخيص صيني. وبعبارة أخرى لم يلاحظ قيامها بتصنيع أسلحة ثقيلة مثل الدبابات وأنظمة المدفعية والطائرات الإعتراضية والطرادات او الفرقاطات. وإن سجل لها سابقا قيامها بتطوير بعض سفن الدورية المزودة باسلحة خفيفة، من خلال أحواض بناء السفن في ميناء شيتاغونغ.
والحقيقة أن أول الأفرع العسكرية التي على صناع القرار في دكا إيلائه اهتماما خاصا، في حال البدء بتحديث وتطوير الجيش هو السلاح البحري المسنود بالطائرات القاذفة الحديثة والمروحات الهجومية. ذلك أن لبنغلاديش حدود بحرية متنازع عليها مع كل من ميانمار والهند، وهي لئن انتزعت من المحاكم الدولية المختصة في عامي 2012 و2014 أحكاما لصالحها في مواجهة هاتين الجارتين، إلا أنها تخشى حدود تطورات سلبية في المستقبل، خصوصا وأن المناطق المتنازع عليها تسيل لها لعاب قوى دولية وإقليمية أخرى بسبب ثرائها بالغاز الطبيعي والمعادن ومصائد الأسماك، هذا ناهيك عن احتضان تلك المنطقة المعقدة جغرافيا لجزيرة "سانت مارتن" ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة، خصوصا مع تردد أنباء بأن واشنطن ترغب في أن تكون لها قاعدة عسكرية في سانت مارتن لمراقبة التحركات الصينية. والمعروف أن سانت مارتن تعرضت ذلت مرة لقصف من جانب ميانمار أدى إلى فصلها عن بنغلاديش، ولم تستطع الأخيرة استردادها إلا بعد عدة أسابيع حينما وصلت سفن البحرية البنغلاديشية من قواعدها البعيدة معززة بطائرات سلاح الجو العتيقة من الصناعة الروسية.
إن هذه الأمثلة والمبررات وغيرها هي التي تلح على ضرورة تحديث الجيش بسرعة مع خلق قوة بحرية متطورة قادرة على تأمين الدفاع عن أمن وإستقرار وسيادة البلاد، وهي نفسها التي دفعت بالحكومة السابقة إلى القيام بمبادرات لتنويع مصادر السلاح، شملت تسريع بعض المشتريات الدفاعية من الهند، وتوقيع خطاب نوايا مع فرنسا حول التعاون الدفاعي، والحصول من تركيا على طائرات بدون طيار وصواريخ ومدافع صاروخية، واستلام فرقاطة حديثة ومتطورة من كوريا الجنوبية، والاتفاق مع طوكيو على شراء أسلحة متنوعة من المخزون الياباني.
د. عبدالله المدني
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي
تاريخ المادة: سبتمبر 2024م
0 comments:
إرسال تعليق