أستراليا: هستيريا حزب العمال وانتهازية الاحرار

 


تقرير عباس علي مراد


لم تكون السينتورة فاطمة بايمن الاولى ولن تكون الأخيرة الي انشقت عن الحزب هنا (العمال) الذي وصلت الى الندوة البرلمانية كمرشحة على لائحتة الانتخابية، فقد سبقتها النائبة  لديا ثورب التي انشقت قبل عام عن حزب الخضر، وقبلهما كانت النائبة جاكي لامبي التي انشقت عن جزب كلايف بالمر (استراليا المتحدة) قبل ان تعود الى البرلمان كمرشحة مستقلة، وقبل ذلك بسنوات بولين هانسون عام 1996 انشقت عن حزب الاحرار هذا على سبيل المثال لا الحصر.

وبما ان موضوع الساعة استقالة النائبة بايمن من حزب العمال ما هي اسبابه وتداعياته، النائبة بايمن التي صوتت الى جانب حزب الخضر من أجل إقامة دولة فلسطينية مخالفة موقف الحزب الذي يمنع بموجب قوانينه الداخلية التصويت بخلاف رغبة الحزب  مع العلم ان حزب العمال حاول تعديل مشروع القرار الذي تقدم به الخضر بإدخال فقرة تقول من خلال مفاوضات سلام تفضي الى إقامة تلك الدولة التي يقر بها حزب العمال ولكن مازال يتلكأ بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. 

وخوفاً من التداعيات والتي يدركها قياديو الحزب والممسكين بقراره واهمها:

- خسارة صوت في مجلس الشيوخ

- الاحباط  الذي اصاب مؤيدي الفلسطينيين من موقف العمال داخل الحزب وعلى المستوى الوطني.

- الحراك الذي يقوم به بعض اعضاء الجالية الاسلامية وتوجيه الصوت الاسلامي لتأييد مرشحين مستقلين مؤيدين للقضية الفلسطينية في الانتخابات القادمة.

- نتائج الانتخابات البريطانية والتي اوصلت العمال باكثرية كبيرة ومريحة  لكنه خسر أمام المرشحين المستقلين المؤيدين للقضية الفلسطينية واهمهم جريمي كوربن زعيم الحزب السابق الذي اطاحه الحزب سابقاً بتهمة معاداة السامية.

- عدم تمكن الحكومة من الترويج لختطها بتخفيض الضرائب والتي كانت الحكومة تمني نفسها به للذهاب الى الانتخابات فخسرت هذه الفرصة بسبب التركيز على ما قامت به النائبة بايمن وردة فعل الحزب عليها.

 لتلك الأسباب وغيرها اصيب حزب العمال بهستيريا بعد استقالة بايمن واقام الدنيا ولم يقعدها للنيل من مصداقية السينتورة بايمن.

 الهجوم بدأ من اعلى الهرم مرورا بقيادي الحزب ونوابه وصولاً الى القواعد الحزبية لمحاولة النيل من مصداقية النائبة بايمن،هذا مع العلم الى ان هناك نواب ومحازبين يؤيدون مواقف بايمن واهمهم مجموعة اصدقاء فلسطين داخل حزب العمال.

النائبة بايمن التي صوتت كما تقدم الى جانب مشروع قرار حزب الخضر قالت انها صوتت بما يمليه عليه ضميرها ولا يخالف توجهات الحزب "لإن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة هي مأساة ذات أبعاد لا يمكن تصورها. إنها أزمة تخترق القلب والروح، وتدعونا إلى التحرك بإحساس والإلحاح والوضوح الأخلاقي، وعلى عكس زملائي، أعرف كيف تشعر عندما تكون على الطرف المتلقي للظلم. لم تهرب عائلتي من بلد مزقته الحرب (افغانستان) لتأتي إلى هنا كلاجئين لكي أبقى صامتة عندما أرى الفظائع التي ترتكب بحق الأبرياء".

 في خطاب الاستقالة من الحزب والالتحاق بصفوف النواب المستقلين قالت بايمن انها لم تأخذ هذا القرار بسهولة وكانت من اصعب اللحظات وقالت إنها "ممزقة بشدة" بسبب قرارها الانسحاب من حزب العمال، لكن ضميرها لم يترك لها "أي خيار" سوى الدفاع عن معتقداتها.

كيف تحركت ماكينة الحزب للنيل من بايمن، رئيس الوزراء أنثوني البانيزي الذي استدعى بايمن الى (اللودج) مقر رئيس الوزراء قال ان بايمن كانت تخطط لتلك الخطوة منذ  مدة ولم يكتف بذلك بل  لمح الى انه ليس من مصلحة احد العمل السياسي من منطلق طائفي او فئوي وقال لدينا في حزب العمال نواب مسيحيين ويهود ومسلمين يحتفظون بقيمهم الدينية ويلتزمون بالقوانين الحزبية.

   نفت بايمن بشدة اقوال رئيس الوزراء ووصفت لقاءها برئيس الوزراء بالتلميذ المذنب الذي يحضر للمدير لتاديبه، ورداً على سؤال احد الصحافيين حول امكانية تشكيل حزب اسلامي قالت بان هذا السؤال مهين فهي تمثل ناخبيها ولا يعني ان كانت ملتزمة اسلامية تعمل لمصلحة الجالية فقط، وقالت انها التقت مجموعات أسلامية تعمل على توجيه الصوت الاسلامي في الانتخابات القادمة، واضافت انها لم تلتزم بما يقومون به،وأكدت أيضًا إجراء "محادثة" مع جلين دروري المختص بتنظيم الحملات الانتخابية، وكانت النائبة بايمن في وقت سابق تحدثت عن طريقة معاملة زملائها لها بطريقة متعالية تصل لحد السخرية تقريباً مثل قولهم  أوه، انظر إلى هذه، إنها تصلي لهذا الكائن القدير""

بدأت التسريبات الحزبية تصل الى الاعلام فعنونت صحيفة "ذي أستراليا" ان بايمن ما زالت تحمل الجنسية الافغانية لانه بموجب المادة 44 من الدستور لا يحق لأي مواطن في البرلمان الفيدرالي ان يحمل جنسية ثانية (القانون لا ينطبق على نواب الولايات والمقاطعات) ليتبين لاحقا ان حزب العمال كان قد اصدر بيان قبل انتخابات عام 2022 يقول فيه ان بايمن قامت بما فيه الكفاية للتنازل عن الجنسية الافغانية ولكن بسبب حكم الطالبان لم يكن ألامر ممكن وعليه فقد حصل الحزب على إستشارة قانونية تؤكد قانونية الترشيح!

صحافية أخرى قالت ان بايمن اشترت شقة في العاصمة الفيدررالية كانبرا وتتلقى علاوة السكن التي تقارب 300 دولار عن الليلة مع انها تسكن في شقتها وهذا امر معروف واغلبية النواب يمارسون هذا الأمر ولا غبار عليه قانونياً. 

الاعلام المسعور لم يكتفي بذلك لا بل ذهب الى تجييش الرأي العام وبث المعلومات الخاطئة والمضللة وكثرت التحليلات وكأن زلزال سياسي ضرب الطبقة السياسية الاسترالية.

وزير المهارات بريندان أوكونورحث على ألا يؤدي أي إجراء إلى تأجيج التوتر بين فئات المجتمع الأسترالي.

وزير الخارجية الأسبق غاريث إيفانز من حزب العمال قال إنه يتفق مع بايمان على أن موقف حزب العمال بشأن الدولة الفلسطينية لا يعتبر من الاولويات، واضاف لكنها من خلال موقفها المتحدي الذي اتخذته جعلت من الصعب سياسيا على الحكومة أن تتخذ خطوة إضافية صغيرة في باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي من شأنها أن تكون في مصلحة الجميع، الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

الكاتب الصحفي شون كايلي كتب في الهيرلد (8/8/2024) ان حزب العمال الذي يدافع عن القوانين الحزبية بأسلوبه هذا لا يعني انه قد برأ نفسه بشكل جيد خلال الأسبوع الماضي. وان الطريقة التي استعملها ضد بايمن كانت قبيحة، فالمهاجمة على جنسيتها المزدوجة كان أمراً غير حكيم. وكذلك الاتهامات بأنها كانت تخطط لتلك الخطوة منذ شهر ولكن من المؤكد ان مسالة التحدث بوضوح عن المسائل ذات الأهمية الأخلاقية والعملية، وإسماع صوتك بأي طريقة متاحة لك. يمكنك القول، بالطبع، أنه إذا كنت تريد القيام بذلك، فمن المحتمل أن الحزب السياسي ليس هو المكان المناسب لك. وهذا بالطبع ما دفع بايمن الى اتخاذ هذا القرار.

أما المعارضة الفيدرالية وبأسلوب انتهازي واضح فلم يكن موقفها أفضل، زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون وبكلمة مختصرة لا تشذ عن اسلوبه الفج في مقاربة الامور أظهر موقف حزبه الذي يختصر ما يضمره من عنصرية بأن حكومة اقلية برئاسة حزب العمال ستضم حزب الخضر والمستقلين الخضر والنواب المسلمين المستقلين فستكون هذه الحكومة كارثة على أستراليا ولن تحل مشكلة غلاء الاسعار.

أما حزب الخضر فموقفه معروف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بتأييد الاعتراف، ولكنه لا يستطيع ان يقرر في هذا الامر لانه لا يعتبر من الاحزاب الكبيرة وان كان يحتفظ بكتلة من 11 نائباً في مجلس الشيوخ من اصل 76 و4 نواب في مجلس النواب الحالي من أصل151. ويتعرض الحزب لحملة قاسية من حزب العمال الذي يهاجم حزب الخضر ويتهمه بأنه باسلوبه يعمل على ضرب التناغم والانسجام الاجتماعي في البلاد وقد دعم حزب الاحرا ر موقف العمال هذا.

شعار التناغم الاجتماعي هذا الذي يرفعه حزب العمال اصبح عرضة للأهتزاز بعدما اقدمت الحكومة على تعيين مبعوث خاص لشؤون معادة السامية ونية الحكومة تعيين مبعوث خاص لشؤون الأسلاموفوبيا لانه يظهر ان الحكومة تتنازل عن صلاحياتها لصالح مكونات اجتماعية دون غيرها مما يشكل شرخاً اجتماعياً وهنا تطرح عدة أسئلة  نفسها:

- هل سنصل الى مرحلة تطلب كل جالية بمبعوث خاص؟!

 - ما هو دور قوانين مكافحة العنصرية والتمييز على أساس العرق والجنس واللون وغيرها سواء كانت قوانين فيدرالية او على مستوى الولايات والمقاطعات ولماذا هي موجودة؟!   

- كيف لحكومة منتخبة من قبل الشعب وفي بلد دستوره علماني تتنازل عن دورها الذي كلفها به الناخب الأسترالي ؟!

هذه الاسئلة وغيرها برسم الحكومة والمعارضة الفيدرالية بشكل أساسي وكيف ستساهم في الحفاظ على التناغم والانسجام الاجتماعي في البلاد؟

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق