موناليزا فريحة المصدر: "النهار"
للمرة الاولى منذ 2009، خرجت لليوم الثالث على التوالي تظاهرات شعبية حاشدة في مدن ايرانية عدة، وصلت الى طهران، رافعة شعارات ضد الحكومة والنظام وعاكسة استياء شعبياً من ادارة شؤون البلاد ، كما من المغامرات الخارجية التي يقوم بها الحرس الثوري في المنطقة.
وخلافاً لاحتجاجات الثورة الخضراء التي انطلقت في طهران عام 2009، بدأت الاحتجاجات الخميس في مشهد، ثانية كبرى المدن الايرانية بشعارات ترفض ارتفاع الأسعار والفساد والبطالة، ثم تطورت لتصبح ضد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني .
وتنوعت هتافات المحتجين بين بـ"لا للديكتاتور" و"لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء لايران" و" اخجل يا سيد علي (خامنئي ) وارحل عن ايران" و"لا نريد الجمهورية الاسلامية"و "لا تستغلوا الدين" و"الشباب عاطلون والملالي يجلسون خلف مكاتبهم" وصولاً الى "ايران بدون الشاه لا قيمة لها".
وتشجع المحتجون من الاجراءات المخففة نوعاً ما في مشهد ليخرجوا الجمعة في مدن عدة أخرى للتعبير عن غضبهم في رشن وكرمنشاه وأضفهان وغيرها.وخلافاً لـ2009 ايضاً، لم يظهر أي زعيم للمتظاهرين الذين انتموا الى فئات عدة.
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في الايام الثلاثة الاخيرة صوراً وفيديوات لتظاهرات من مدن عدة، وجامعة طهران. كذلك، ظهرت لقطات لمواجهات محدودة بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب.
وكانت لافتة الشعارات المناهضة لمغامرات النظام في الخارج. فالى هتاف: "لا غزة ولا لبنان، أرواحنا فداء لايران"، هتف محتجون في كرمنشاه، المدينة ذات الغالبية الكردية، والتي ضربها زلزال الشهر الماضي قتل فيه 500 شخص: "انسوا سوريا...فكروا بنا".
وفي جامعة طهران وميدان الثورة، أطلقت هتافات: "الموت لورسيا" و "الطالب يموت ولا يقبل الذل"، و"لا للمحافظين ولا للاصلاحيين انتهت الحكاية" و"اخجل يا سيد علي واطلاق سراح ايران" و"الحرية للمعتقلين".
وعن خلفيات الاحتجاجات الاخيرة، قال الصحافي سياوش فلاح بور، الصحافي الايراني، من طهران، إن هناك ضغوطاً اقتصادية على الشعب الايراني بسبب العقوبات والفساد. فعلى رغم تحسن الوضع الاقتصادي بعد ولاية الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، لا يزال الوضع صعباً.
بدوره، يقول الرئيس الاقليمي للمركز البريطاني لدراسات الشرق الاوسط أمجد طه أن الاحتجاجات في ايران ليست وليدة اليوم، بل هي تراكم ضغوطات اقتصادية واضطهاد حقوقي يدفع ثمنه الأبرياء والفقراء من المدنيين. وأضاف أن الاحتجاجات تؤكد اتساع الفقر في بلد غني، وذلك بسبب الفساد الحكومي إلى جانب الإنفاق العسكري الهائل، مشيراً الى أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية أحصت أكثر من 12 مليون مواطن تحت خط الفقر، ويعانون من الفقر الغذائي أي المجاعة ، فيما يستحوذ 5% فقط من سكان البلاد على منابع الثروة/ وهم من الفئة الحاكمة، وقدر ثروة المرشد بحوالي 95 مليار دولار أميركي، وفق مركز "بورغن".
وكان الايرانيون يتوقعون تحسناً في الوضع الاقتصداي لبلادهم بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية. ولكن خبراء يقولون إنه على رغم أن الاقتصاد الايراني عاد الى النمو الا ان البطالة بين الشباب لامحافظين تزال تتجاوز 40 في المئة، كما أن أكثر النمو مصدره الاستثمار الخارجي في استثمار الطاقة وهو ما لا يعود بالنفع على المواطنين العاديين. وليس خافياً على الشعب كما بدا من الشعارات الانخراط الكبير للحرس الثوري في الاقتصاد واستغلاله الاعمال لتمويل عملياته في الخارج وحياة الرفاهية للنخبة.
من جهة أخرى، يرى فلاح بور أن انطلاق الاحتجاجات من مشهد يكتسب دلالات لان المدينة هي معقل تقليدي للأصوليين، وأن هؤلاء أطلقوا الاحتجاجات بهدف الضغط على روحاني لكن الامور خرجت من السيطرة.
وحتى الان، اتهمت الحكومة المحافظين باستغلال المصاعب الاقتصادية لمحاولة اطاحتها.
أما بالنسبة الى الشعارات التي طاولت النظام فيرى فلاح بور أن ثمة استياءً عاماً نتيجة الوضع الاقتصادي، ولكنه ذكر بأن هذه الاحتجاجات ليست من المعارضة السياسية كما كان الحال عام 2009 . ومع ذلك لم يستبعد أن تنضم المعارضة الى الاحتجاجات.
ويستعيد الباحث في الشأن الايراني بنده يوسف الاجواء السياسية التي سبقت التظاهرات الاخيرة لتحديد من يقف وراءها. ويقول إن
هذه التظاهرات استهدفت في المقام الأول حكومة روحاني، وهو ما يعني وقوف جهة محافظة وراءها، لكنه أكد أن فورة الغضب من النظام برمته وتكرار فشل الحكومات في ظل النظام الإيراني الحاكم، يُظهر أن الهدف من هذه التظاهرات بات متعددًا ولا يقتصر على مجرد تحجيم روحاني أو اطاحته، بل عبرت عن اتجاهات سياسية مختلفة ولو بشكل ضعيف.
وكان لافتاً شعارات تذكر بالشاه، مثل: "فلتسعد روحك يا رضا شاه" في مدينة قمة، وهو ما فسره يوسف بأنه رسالة مباشرة لحكومة روحاني، حيث عانى عهد رضا شاه من أزمة كبيرة في ارتفاع الأسعار وتمت اطاحته.
من جهته، يقول فلاح بور إن الشعارات التي تشير الی الشاه هي اکبر دلیل بان هذه الاحتجاجات لیست من تنظيم معارضة سیاسیة لدیها مشروع سیاس، بل هي مجرد ردة فعل علی الظروف الاقتصادیه التي تمر بها البلد لان المعارضة السیاسیة ترید دیمقراطیة لا الرجوع الی اسلوب عهد الشاه.
ومع ذلك، لم تعد طهران قادرة على الاختباء وراء الحجة المطلبية للمتظاهرين، مع تكشف الشعارات عن دعوات سياسية وصلت الى حد المطالبة بمواجهة النظام. لذا، يقول يوسف إن النظام الايراني اضطر اليوم الى تكرار الضربة الاحتوائية التي وجهتها في 20 كانون الاول 2009 للتظاهرات المعارضة للنظام ولحكومة احمدي نجاد، فواجهتها بتظاهرات مؤيدة للحكومة ونظام ولاية الفقيه، وهو ما حصل اليوم ايضاً.
وعن احتمالات تطور التظاهرات، ييرى فلاح بور إن هذا الامر رهن بطريقة تعامل الحكومة مع الاحتجاجات، "فلو تعاملوا معها بقسوة ستتفاقم الامور".
وحتى الان، لا تزال المواجهات بين المحتجين وقوى الامن محدودة، وبدأت ترتفع أصوات تطالب بقمع المتظاهرين. ومساء، وردت أنباء عن جريحين جنوب غرب طهران.
0 comments:
إرسال تعليق