انتهت الانتخابات المؤجلة منذ سنوات. ارتاح المتحاربون، وتوقَّفوا ليقيِّموا النتائج، وليستعدّوا للمعارك القادمة. الذين أقرّوا قانون الانتخابات الجديد كانوا أشدّ منتقديه. لم يتركوا لمراقب بعيد أية فرصة لمزيد. تحكَّمَ بهذه الانتخابات المتمولون، رجال الاعمال، الصفقات، المذهبية، العشائرية، الغرائزية، التحالفات الهجينة، المصلحة الشخصية، الدفع والقبض والقفز من حضن الى آخر. أقليّة حافظت على مستوى معقول من المبدئية في تحالفاتها واحترمت بالتالي عقول الناخبين. ومع خفوت ضجيج المعارك لا بدَّ من الملاحظات التالية:
المقاطعون: أكثر من نصف اللبنانيين قاطعوا لأسباب كثيرة منها: القرف من كل السياسيين، القناعة بعدم القدرة على التغيير، أعداد كثيرة مهاجرة لم تتسجّل لتنتخب في بلد المهجر ولم تعد لتنتخب، اقامة الكثيرين خارج دوائرهم الانتخابية وضعف الصلة مع أقضيتهم وقضاياها ومرشحيها، الاموات الذين لا زالوا على لوائح الشطب . أضف الى ذلك أكثر من 15 ألف ورقة بيضاء لا يجد أصحابها أملاً في أيٍ من المرشحين. اضافة الى حوالي اربعين الف ورقة ملغاة، تصبح المشاركة الفعلية أقل من النصف بكثير.
الصوت التفضيلي: انه كارثة الكوارث ولاجم مبدأ النسبية من أن يأخذ مداه ويؤسس لأحزاب عابرة للمذاهب والطوائف والمناطق والعشائر. ويعطي لأشخاص أحجاماً ليست لها ويأخذ ممن له. كما حصل مع آدي دمرجيان في زحلة الذي فاز ب 77 صوتاً، و مصطفى الحسيني في جبيل الذي فاز يـ 256 صوتاً، وفادي كرم في الكورة الذي خسر رغم حلوله أولاً في القضاء، ورغم حصوله على عدد أصوات أكثر من الفائزَين جورج عطاالله وفايز غصن مجتمعَين. وكثيرون غيرهم. كان يمكن أن نقبل الامر لو أن اللائحة منسجمة وكل أفرادها ينطلقون من السياسات والمبادىء نفسها. عندها يمكن لأي شخص من اللائحة أن يمثلها. أما أن نعقد تحالفاً مصلحياً يجمع المتناقضين، وبعد أن تحصل اللائحة على حاصل انتخابي يقطفه أحد "المحظوظين" ويطير به الى الجهة التي يشاء فهذا لا يمت الى التمثيل الصحيح بصلة.
اللوائح: لقد قيل فيها الكثير. الكل ضد الكل والكل مع الكل. أنت حبيبي وصديقي والوطني المخلص والشفّاف والسيادي والاصلاحي ومحارب الفساد في هذه الدائرة، وأنت الخائن العميل والمزوِّر الفاسد وبائع الوطن على أبواب السفارات في الدائرة الاخرى. فكيف يصح هذا وذاك في الوقت نفسه؟ أكثر من ذلك، فبأصوات الخاسر في لائحة ينجح آخر يتناقض مع الخاسر في الاساسيات. فبطرس حرب مثلاً، أحد أقطاب 14 آذار، أعطى لائحة فرنجية أكثر من ستة آلاف صوت مما أهَّلها للحصول على مقعد رابع في دائرة الشمال الثالثة. وتُرجمت خسارة حرب في البترون بنجاح مردي آخر في الكورة مناقض لتوجهات ومبادىء 14 آذار شكلاً ومضموناً. وسليم الخوري البرتقالي في جزين فاز بالنيابة بـِ 708 أصوات بفضل حصول لائحته على حاصل انتخابي ثان بفضل أصوات الجماعة الاسلامية. فهل سيمثِّل سليم الخوري الجماعة الاسلامية ومبادئها في المجلس؟ فأية ديمقراطية هذه؟ مع رسم علامة استفهام كبيرة حول المبادىء والمؤمنين بها. ومن الانسب وضع المصالح مكان المبادىء لتتوضَّح الصورة.
الحراك المدني: خذلناه وخذلنا وكان السبّاق. تشرذم قبل أن ينطلق. ورغم ذلك أثبت وجوده ويجب أن يستفيد من أخطائه ليؤسس
للمعركة القادمة . ويبقى هو الامل في جوهذه الطبقة السياسية الملبَّد بالفساد.
للمعركة القادمة . ويبقى هو الامل في جوهذه الطبقة السياسية الملبَّد بالفساد.
الاغتراب: كان يمكن ان يكون الامل الثاني بعد الحراك المدني. معظم من انتخب أثبت العكس. لم يتعلموا شيئاً من الحياة السياسية في بلدان الاغتراب. عادوا الى مربعاتهم العشائرية او المذهبية او السياسية. ولكن الامل يكبر عندما نعرف أن من انتخب لا يمثِّل أكثر من اثنين بالمئة من مغتربي استراليا مثلاً. ونحب أن نعتقد ان غالبية المغتربين يتطلعون الى لبنان أفضل، والى طبقة سياسية فيها بعض ملامح الحياة السياسية في بلدان اغترابهم.
المال الانتخابي والرشوة: معلمان أساسيان في كل انتخابات لبنانية. اشتكى منهما الكثيرون حتى أن رئيس الجمهورية وجَّه نداء يحثَّ اللبنانيين على رفضهما. فبدل النداء يا فخامة الرئيس لماذا لا نطبِّق القانون بحقّ الراشي والمرتشي؟ والقانون موجود وكثيرون من الراشين معروفون. هناك رشوة من نوع آخر: استخدام السلطة لأغراض انتخابية مما دفع الكثيرين للمطالبة بحكومة انتخابات لا يكون أعضاؤها مرشحين. في استراليا مثلاً جميع أعضاء الحكومة هم من المرشحين عادة. الفرق أن هناك لجنة مستقلة ودائمة، تتمتع بصلاحيات واسعة، لا يمون عليها هذا الوزير أو ذاك، ولا يمون عليها هذا الحزب أو ذاك، تشرف على العملية الانتخابية في كل مراحلها. لا وجود لمندوبي اللوائح والمرشحين في مراكز الاقتراع لأن الجميع مسلِّمون بنزاهتها، ولأن القانون فوق الجميع.
هناك ملاحظات اخرى كثيرة كالفرق الكبير بين الدوائر، الفرق بين الحواصل الانتخابية، الفرق بالتمثيل بين نائب وآخر: واحد أصبح نائب الامة بـِ 77 صوتاً وآخر يـِ أكثر من 43 ألفاً. ولكن كيف نتجاوز السلبيات التي ظهرت؟
أولاً تشكيل لجنة دائمة للانتخابات برئاسة قاض. لا تتوقف أبداً عن تحديث اللوائح وربما الفصل بين لوائح المقيمين والمغتربين لمعرفة الاعداد الصحيحة على لوائح الشطب. وتتولى الإعداد والتنظيم والتسويق وشرح القوانين الجديدة، وتكون المسؤولة عن كل عملية انتخابية.
ثانياً: الزامية الانتخاب وتغريم المتخلفين عن القيام بواجباتهم على اعتبار أن كل مواطن مسؤول.
ثالثاً: اعتماد قانون النسبية الكاملة إما على صعيد لبنان كدائرة واحدة وهذا الافضل، أو دوائر مصغَّرة على قياس المحافظات ، دون أي صوت تفضيلي. مما سيسمح بترسيخ أحزاب عابرة للمناطق والطوائف.
رابعاً: تطبيق مبدأ تمثيل المغتربين بنواب منهم خارج القيد الطائفي وبحصة تتناسب مع عدد المسجلين. مع ضرورة العمل منذ اليوم للاعداد لهذه الخطوة وتسهيل عملية التسجيل وربما اعتماد الانتخاب الالكتروني طالما أن التسجيل الالكتروني معمول به.
خامساً: تخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة كمدخل لاشراك الشباب في عملية التغيير.
سادساً: تخصيص كوتا نسائية أقلها ثلث أعضاء المجلس النيابي
سابعاً: تطبيق القوانين ومحاسبة الراشين والمرتشين وكل من يهدد نزاهة العملية الانتخابية بأي شكل من الاشكال.
فهل يحق لنا أن نحلم بقانون انتخابي حديث يضع لبنان على الطريق الصحيح نحو دولة المواطنة والحرية والعدالة الاجتماعية؟
منتدى الحوار الاسترالي اللبناني
0 comments:
إرسال تعليق