في لبنان المرأة في صدارة الثورة

في ظلّ نظام سياسي لطالما اعتبر التمثيل النسائي فيه دون المستوى، ترفع النساء أصواتهن في الشارع
النساء وقفن في الخطوط الامامية بين المتظاهرين وقوى الامن للحؤول دون اي اشتباك (أ.ف.ب)

اختيار عادل محمد
13 نوفمبر 2019

تميّزت التظاهرات المناوئة للحكومة التي عصفت بلبنان خلال الأسابيع الأخيرة بغياب القيادات مع أنّها لم تخلُ من القيادة.

فعلى الخطوط الأمامية للمسيرات وحلقات النقاش والاحتجاجات وقطع الطرقات، تشكّل النساء القوة الدافعة للتحرك. وفي ظلّ نظام سياسي لطالما اعتُبر التمثيل النسائي فيه دون المستوى، ترفع النساء أصواتهن في الشارع.

وتقول مستشارة العلاقات الإعلامية، ماريانا وهبي التي تشارك يومياً في التظاهرات "شكّلت النساء جزءاً جوهرياً من هذه الثورة. فنحن في الصفوف الأمامية ونمدّ بعضنا بالدعم والقوة ونحفظ السلام".

ونظّمت وهبي مساء الأربعاء مسيرة نسائية لإضاءة الشموع في ساحة المدينة الرئيسية شارك فيها الآلاف. كانت لحظة بارزة لكن دور النساء في هذه الثورة لم يقتصر على الرمزية بل شكّل نقطة تحول جذرية لشخصياتهن وتوجّهاتهن.

التقطت إحدى الصور الراسخة والمعبّرة عن التظاهرات في ليلتها الأولى أثناء مشاجرة بين حرّاس أحد الوزراء والمتظاهرين. وبعد أن شهر أحد الحراس سلاحه، ركلته امرأة اسمها ملك علويّة أسفل بطنه. 

وأصبحت صورة المرأة التي تهاجم هذا الممثل عن الطبقة السياسية الفاسدة والذكورية في البلاد فوراً أيقونة تحولت إلى رسم متداول وإلى محرّك دفع بالمزيد من الناس نحو النزول إلى الشارع.

لكن الوقع الأكبر للنساء على التظاهرات هو دورهن في جعلها أكثر سلمية. 

إذ إندلعت خلال اليومين الأولين من التظاهرات مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة استمرّت حتى وقت متأخر من الليل. فقررت مجموعة من النساء في اليوم الثالث أن تشكل درعاً بشرياً يفصل بين الطرفين.

وتقول داينا آش، وهي إحدى الناشطات اللواتي وقفن في هذا الحاجز البشري "كان الهدف أن تتحكم النساء بمسار التظاهرات".

وتضيف "أردنَ تظاهرات سلميّة لذلك وقفن في الصفوف الأمامية بهدف وضع حدٍ للعنف".

أسمينها الجبهة النسائية. وتوقفت المواجهات فوراً ثم تواصلت التظاهرات وزاد حجمها خلال الأيام التالية.

وبسبب تراجع أعمال العنف بعد هذا التدخل المباشر، شعر عدد أكبر من الناس بالإرتياح إزاء الإنضمام للتظاهرات التي تعدّ الأكبر منذ أكثر من عقد من الزمن. 

وتشير وهبي "اقتربت مني نساء لم يعتقدن قبلاً أنهن سيقدرن على إبداء رأيهنّ. أسسنا هذه الرابطة الحامية كي يستطعن مشاركة أفكارهن ويتكلّمن".

بعد أسبوع على ذلك، حين بدأت القوى الأمنية بإزالة الحواجز التي وضعها المتظاهرون حول بيروت بالقوة، تكرّر الأمر ذاته. وضعت مجموعات من النساء أنفسهن في الخطوط الأمامية وتراجعت الشرطة.

تختلف هذه التظاهرات عن أي شيء حدث سابقاً في لبنان على أكثر من صعيد. فعوض استهداف الحكومة أو أي زعيم سياسي معيّن، هاجم المحتجّون الطبقة السياسية الفاسدة في البلاد برمّتها.

ومع أنّ التظاهرات اندلعت على أثر الإعلان عن جملة من الضرائب الجديدة، غير أنّ جذور التحرك أعمق بكثير. فاجتماع الأزمة الإقتصادية الحادة بعقود من الفساد المستشري أوصل البلاد إلى القاع.   

وكرّر المتظاهرون وصف مطالبهم بأنها حقوقهم الأساسية كمواطنين ليس إلا. إنما بالنسبة للنساء في لبنان، هذه الحقوق أقل بَعد من حقوق الرجال.

فعلى الرغم من بعض الإصلاحات الجديدة، ما زال النظام القضائي في البلاد مليئاً بقوانين تميّز ضد النساء. وما زال غير مسموح للأمّ اللبنانية أن تمنح جنسيتها لأطفالها. ويُحتكم إلى القانون الطائفي لحلّ قضايا الطلاق وحقوق الملكية والإرث وحضانة الأطفال، وهو قانون متحيّز بشكل كبير ضد المرأة. كما أنّ القانون اللبناني لا ينصّ بالتحديد على تجريم الإغتصاب الزوجي ولبنان من البلدان التي تعطي أدنى بدل مادي خلال عطلة الأمومة في العالم.

ولا يضمّ البرلمان اللبناني بمقاعده الـ128 سوى 6 مشرّعات فيما يقلّ تمثيل المرأة عن المستوى المطلوب في قطاعات أساسية من سوق العمل مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة.

ربّما من غير المفاجئ أنّ البلد يحتل المرتبة الـ140 من أصل 149 دولة في التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في العام 2018، وهو تقرير يقيس التكافؤ بين الجنسين في مجالات الإقتصاد والتعليم والصحة والسياسة.

وعوملت قضية حقوق المرأة في البلاد كما تعالج أية قضية ملحّة: فرض إصلاحات تدريجية متفرقّة تستر المشاكل مؤقتاً من دون أن تحدث أي تغيير فعلّي.

وبعد سنوات طويلة من هذه المظالم العالقة، أصبح لدى النساء أسباب أكثر بعد كي ينزلن إلى الشارع.

وبرأي آش "أعتقد أنّ النساء من كافة الأعمار والخلفيات والطبقات أدركن حصّتهن الكبيرة في كل ما يحدث. فهنّ نصف المجتمع الذي يتعرضّ لقمع مضاعف".وتشير وهبي إلى أنّ ابنتها البالغة من العمر 15 عاماً تتظاهر مع زملائها في المدرسة أيضاً.

وتضيف "لن تكبر ابنتي في لبنان الذي كبرت فيها أنا. فقد تربّينا على الخوف. وقد اختفى اليوم. إذا واجهتنا مشكلة سنرفع صوتنا عالياً ونتكلم عنها. فقد أصبح لنا صوتٌ الآن".

"لطالما وُجدت هذه الطاقة لكننا عثرنا اليوم على طريقة لإطلاقها وإظهار وجهنا الحقيقي".

 ​المصادر: المواقع العربية المعتبرة

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق