تقرير عباس علي مراد ـ
طغت الأسبوع الماضي على الساحة الأسترالية قضية تصريحات لرئيس الوزراء سكوت موريسن يعود تاريخها الى العام 2007 على غيرها من المواضيع، وذلك اثناء محاولته كسب تأييد حزب الاحرار في الانتخابات الحزبية ليمثله عن مقعد كوك الفيدرالي في جنوب سدني، وكان هناك عدة متنافسون على المقعد منهم مايكل طوق الاسترالي من خلفية لبنانية والذي نال 84 صوتاً وجاء اولاً، وسكوت موريسن الذي نال8 أصوات وحل في المرتبة الأخيرة، ولكن وحسب ما قال طوق لبرنامج (ذي بورجكت على القناة العاشرة التلفزيونية) انه ونتيجة لضغوط حزبية وتهديد بتشويه سمعته اضطر للأنسحاب من السباق وفُرض عليه تجيير اصواته لموريسن بعد انسحاب المرشحين الاخرين من السباق كلياً.
من اهم ما قاله موريسن، ان المنطقة قد لا تقبل وليس لائقًا لتمثيل ناخبي كوك ان يمثلها شخص من خلفية لبنانية قد يعتقدون انه مسلم، تصريحات موريسن أكدتها السينتورة كونشيتا فيرافينتي والس من حزب الاحرار حزب رئيس الوزراء.
ووصفت فيرافينتي والس موريسن بأنه بدون بوصلة أخلاقية، متعجرف، متنمر، متسلط، له تاريخ طويل بالطعن بالظهر،عنصري، يدعي الايمان ويستغل ذلك لميزات تسويقية ولا ينبغي أن يكون رئيسًا للوزراء.
وأيدت زعيمة "أمة واحدة" بولين هانسون السينتورة فيرافينتي وتحدثت عن تجربة مرة مع موريسن.وكذلك قالت السينتورة المستقلة جاكي لامبي.
وكان تصريح مشابه للنائبة في برلمان نيو سوث ويلز كاثرين كوساك اتهمت موريسن بالتنمر وتدمير حزب الأحرار، وقالت انها لن تصوت لإعادة انتخاب سكوت موريسن في انتخابات أيار القادم.
وكانت تصريحات مماثلة تناولت شخصية موريسن صدرت عن شخصيات بارزة من حزب الاحرار مثل كلاديس برجكليان رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السابقة وبارنبي جويس زعيم الحزب الوطني ونائب موريسن.
مايكل طوق الذي التزم الصمت طوال هذه المدة أكد التصريحات، وكما تقدم روى قصته وقال انه وقع وثيقة قانونية مع احد الحزبيين السابقين تؤكد ذلك وتحد موريسن ان يوقع مثل ذاك الاقرار في نيو سوث ويلز وليس في كامبرا لاسباب قانونية.
موريسن من جهته نفى القصة نفياُ قاطعاً، وتولى بعض السياسيين المقربين منه الدفاع عنه، بالأضافة الى بعض ابناء الجالية اللبنانية خدمة لمصالح شخصية، وكأن موريسن من السذاجة بمكان ان يقول هذا الكلام لهم.
بغض النظر عن من قال، وماذا قال، ومن نفى، ومن دافع، ومن أكد، ومن تزلف فالموضوع على أهميته ارتأيته ان يكون مدخلاً لهذا المقال عن التعددية الثقافية الأسترالية لما له من دلالة وكيف تتصرف الطبقة السياسية والاعلام.
نبدأ بالسؤال هل تعيش استراليا تعددية ثقافية حقيقة او كما يسميها احد الاصدقاء (عددية ثقافية)؟
الفلكلور وحده لا يبني دولة رغم أهميته في تقوية وتعزيز ثقافة الشعوب، واستراليا ما زالت حتى تاريخه لم تعترف بسكانها الأصليين في الدستور، ومنذ سبعينيات القرن الماضي الغت أستراليا سياسية أستراليا البيضاء، وبدأت باستيعاب مهاجرين من مختلف دول العالم والذين يشكلون الان قرابة 30% من السكان (7.6 مليون) حسب ارقام مكتب الأحصاء الأسترالي لعام 2020 والتي افرج عنها في 20/4/ 2021، وفي العام 2016 كان 21% من السكان من الجيل الثاني من الأستراليين (ولدوا في أستراليا ، لكن أحد الوالدين أو كلاهما ولدا في الخارج)
إذن، يوجد في أستراليا تنوع سكاني ومن خلفيات عرقية مختلفة، وطبعاً يخضع السكان للقانون الاسترالي بغض النظرعن العرق او اللون او العقيدة واللغة الانكليزية هي اللغة الرسمية، علماً انه وحسب إحصاء عام 2016 فان أكثر من خُمس الأستراليين(21 في المائة) يتكلمون لغة أخرى غير الإنجليزية في المنزل، واللغات الأكثر شيوعًا التي يتم التحدث بها في المنزل هي الماندرين والعربية والكانتونية والفيتنامية.
هل تنعكس هذه الأرقام في التمثيل السياسي؟ بكل بساطة الجواب لا. وكما تندر احدهم مرة على ان اكبرضاحية يتمثل فيها السكان من خلفية انكلوسكسونية واوروبية هي البرلمان الفيدرالي.
ولوأخذنا نسبة التمثيل عند التحالف الفيدرالي(احرار- وطني) فهي تشكل أقل من 4 في المائة من النواب من خلفيات غير أوروبية ، مقارنة بـ 21 في المائة من السكان الأستراليين(س م ه 5/4/2022).
وطبعأً النسبة في حزب العمال قد تكون اكثر بقليل لكنها لا تحاكي الواقع الديمغرافي مع العلم ان الحزبين يحرصان على انزال مرشحيهم المفضلين بالمظلات في المقاعد الامنة.
فعلى سبيل المثال حزب العمال فرض ترشيح السينتورة كريستينا كينلي (تسكن سرق سدني) عن مقعد فوالر في غرب سدني على حساب حزبية أخرى هي تو لي من خلفية فيتنامية من سكان المنطقة المتنوعة ثقافياُ، وكذلك الامر بالنسبة لمقعد باراماتا في غرب سدني فقد انزل فيها اندرو شارلتون (يسكن شرق سدني) متجاوزين أعضاء الفروع الحزبية في المنطقة.
ورأينا وسمعنا عن الحرب الأهلية داخل حزب الأحرار حول اختيار المرشحين المقربين من سكوت موريسن، والتي وصلت الى المحكمة العليا الاسترالية، وقد طرد الحزب من صفوفه السيد ماثيو كامونزولي الذي تقدم بالدعوة ضد مقاربة الحزب للترشيحات الحزبية والانزال بالمظلات للمرشحين المفضلين والموالين.
ما أشبه اليوم بالبارحة فقضية طوق تتجد ولا يرف جفن للطبقة السياسية والاعلام الذي يصبح كالنعامة التي تضع رأسها في الرمال.
وبالعودة الى التعددية الثقافية والتي يتغنى بها السياسيين عندما تناسب هواهم وهدفهم السياسي، ويصبون عليها كل انواع الاتهامات اذا أقتضى الامر، وطبعاً لكل مرحلة ضحاياها فبالامس القريب كان مالكوم تيرنبول ووزيره بيتر داتون يصوبان على ابناء جالية جنوب السودان وكأنها تفرض امر واقع في ضواحي ملبورن، مع أن تيرنبول نفسه كان يفاخر بأن استراليا اهم واكثر دولة تعددية ثقافية وعلى ما اعتقد كان اول رئيس وزراء فيدرالي يقيم حفل افطار في البرلمان.
في العام 2005 وصف المذيع آلان جونز المسلمين اللبنانيين بأنهم "حشرات" "يغتصبون وينهبون أمة استوعبتهم"
في العام 2016 قال بيتر داتون أن حكومة فريزر ارتكبت خطأ في السماح للاجئين اللبنانيين بالاستقرار في أستراليا.
في العام 2007 جان هاورد رئيس الوزراء الأسبق كان اول رئيس وزراء يلغي تسمية وزراة الهجرة والتعددية الثقافية ويسميها وزارة الهجرة والمواطنة.
هذا عينة عن كيفية مقاربة المسألة، علماً ان أستراليا اليوم تقوم على ركائز ثقافية ثلاث هي السكان الأصلين وثقافتهم، السكان من خلفية أنكليزية وثقافتهم، وباقي اطياف المجتمع من الخلفيات الثقافية الأخرى.
وهذا التحدي الابرز الذي يواجه البلاد من اجل ان يكون هناك انسجام وتناغم اجتماعي غير خطابي وفلكلوري حتى تستمر أستراليا بالنهوض بركائزها الثلاث لتثبيت أقدامها في عالم متغير، وان لا نكتفي بالفلكلور فقط.
كان ملفتاً ما قاله النائب عن منطقة بلاكسلند في سدني جايسن كلير في أفطار جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية( 8/4/2022) عندما قال ان ما لفت نظره الاعلانات التي تبارك بقدوم رمضان في المحلات التجارية في منطقته مثل ولورثز والذي لم يكن ممكن تصوره ان يحدث قبل 30 عاما حيث اعتبر ان ولورثز لا يمكن ان يفوت فرصة تجارية كهذه لانهم أذكياء كفاية.
اعتقد ان المشوار طويل فهذا سكوت موريسن رئيس حكومة تصريف الاعمال عندما سئل عن التعددية الثقافية ونفية لمقولاته عن العنصرية على تلفزيون أس بي أس اخبار السادسة والنصف 10/4/2022 فأجاب علاقتي مع الجالية اللبنانية جيدة وانا زرت جامع لاكمبا بعد مجزرة كرايس تشرش في نيوزلندا (15/3/2015).
هل يعلم موريسن ان اللبنانيين ليسوا كلهم مسلمين، وان المسلمين ليسوا كلهم لبنانيين، أم لعب على الكلام، ام أنه مازال يعتقد ان ما قاله عام 2007 عن مايكل طوق يفيده اليوم رغم نفيه انه قال هكذا كلام.
هذا ما يظهر ان ثقافتنا الاجتماعية والسياسية الوطنية ما زالت قاصرة، وتغلب التوجه السياسي الانتخابي ونحن في خضم حملة انتخابية حامية (موعد الانتخابات21/5/2022) وقد تكون قذرة وتخويفية وحتى قد تتضمن شعارات عنصرية واضحة او مبطنة بهدف الوصول الى السلطة وقد لا يكون هناك من حسيب ولا رقيب، وقد تغيب عنها كلياً قضية التعددية الثقافية.
فإلى متى سوف تستمر الطبقة السياسية والاعلام بتجاهل الواقع ومتى ستأخذ المبادرة التي اخذتها المؤسسات التجارية وتكون ذكية كفاية وعدم تفويت الفرصة تلوى الأخرى؟
أخيراً، علينا مواجهة التحدي بجدية بعيداً عن الفلكلور ولا نلقي باللوم فقط على اقليات متطرفة بغض النظر عن خلفيتها، ونحتمي وراء مقولة انهم لا يمثلون قيم المجتمع الاسترالي الأوسع لان العنصرية مشكلة وطنية.
طبعاً ما تقدم لا يعفي أياً كان من مسؤوليته/ها، ونتفهم ان يتوزع الاستراليون من خلفية لبنانية وعربية على الاحزاب الاسترالية، لانها جزأ لا يتجزأ من الحياة السياسية، والمشاركة فيها من أجل المساهمة في تطوير البلاد، وتعزيز الحريات والحد من العنصرية والتصدي للتحديات التي تواجه أستراليا، وتواجهنا كجزأ من المجتمع الاوسع وعلى ان يكونوا ممثلي للجالية داخل الاحزاب، وليس ممثلوا الاحزاب لدى الجالية حتى تستقيم الامور ونحصد نتائج أيجابية تعود بالفائدة على الجميع، خصوصا اننا اخترنا هذه البلاد لبناء مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا (بنين وبنات) وتطوير استراليا.
هكذا نرى التعددية الثقافية مصلحة وطنية عليا يتساوى فيها الجميع، كما ترى المؤسسات التجارية والمالية مصالحها وتعمل لها، مثلاً فالمصارف لا تفرق بين الموطنين على أساس عرق او أثنية او عقيدة او لون عندما تقرضهم اموالها مقابل فوائد معينة.
سدني
0 comments:
إرسال تعليق