الهند: هل يجدي تغيير الزعيم للفوز في الانتخابات؟


 

بقلم: د. عبدالله المدني*

في أكتوبر الماضي جرت انتخابات داخلية في حزب المؤتمر الهندي(INC)، أقدم أحزاب الهند السياسية (تأسس سنة 1885 )، وقائدها نحو الإستقلال عن التاج البريطاني، لاختيار زعيم جديد، خلفا لزعيمه السابق "راهول غاندي" الذي استقال عام 2019 على خلفية الهزيمة النكراء التي لحقت بحزبه أمام خصمه حزب بهاراتيا جاناتا القومي المتشدد، وأعاد دفة القيادة لوالدته سونيا (الإيطالية المولد) والتي كانت قد تولت المنصب عام 1998، فاعتبر المنصب شاغرا واعتبرت الأخيرة مجرد زعيمة مؤقتة لحين انتخاب شخصية أخرى.

ما ميز هذه الانتخابات عن سابقاتها هو تخلي عائلة غاندي/نهرو السياسية العتيدة المهيمنة على الحزب منذ عام 1947 عن الدخول في المعركة لأول مرة منذ التسعينات، وهو ما جعل التنافس حاميا بين المترشحين، خصوصا في ظل قرار من العائلة بنأي نفسها عن تأييد مترشح معين. وهكذا تنافس المتنافسون وفي مقدمتهم السياسي الثمانيني العجوز "ماليكارجون خارجي"، النائب في البرلمان الاتحادي عن ولاية كارنتاكا الجنوبية، والدبلوماسي المعروف "شاشي تارور" المنحدر من ولاية كيرالا والذي أمضى نحو 30 عاما موظفا في الأمم المتحدة، قبل أن ينضم إلى حزب المؤتمر عام 2009، ليفوز الأول بالمنصب ويدعو في أول مؤتمر صحافي له كزعيم جديد لـ INC إلى رص الصفوف والاتحاد لحماية الدستور في مواجهة "القوى التي تحاول القضاء على ديمقراطيتنا وتتبنى أجندة مثيرة للإنقسام" في إشارة إلى حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)   بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الممسك بقوة بالسلطة منذ 2014.

ما سبق كان مقدمة للحديث عن سؤال مطروح في الساحة الهندية هو "هل يستطيع حزب المؤتمر أن يعود إلى أمجاده الغابرة، فيسحق BJP ويفوز في انتخابات 2024 النيابية، ويعود إلى السلطة مظفرا بمجرد تغيير زعيمه أو احضار وجه قيادي من خارج دائرة السلالة النهروغاندية؟

المؤكد بحسب استطلاعات الرأي أن INC لم يعد يتمتع بجماهيرية وشعبية كاسحة كما كان حاله في الماضي، حينما كان صوتا لا يُعلى عليه وقوة تكتسح غيرها بسهولة في أي انتخابات. لقد تغير الزمن وتغيرت معه أوضاع الهنود المعيشية والاقتصادية وطموحاتهم وتوجهاتهم، وظهرت على الساحة قوى سياسية جديدة حققت لهم ما عجز حزب المؤتمر عن تحقيقه. ومن ناحية أخرى شاخ INC وغابت قيادته التاريخية ونخر الفساد والمحسوبية دوائره فبات لا يستقطب سوى الناخبين المخضرمين والنوستالوجيين، تماما مثل بعض العرب من ذوي التوجهات القومية واليسارية الذين يختصرون الهند في حزب المؤتمر ودوره في تأسيس حركة عدم الانحياز ودعمه للقضية الفلسطينية وعلاقة زعيمه التاريخي (نهرو) بعبدالناصر.

كثرت الانتقادات الموجهة لحزب المؤتمر من قواعد ومناصريه خلال السنوات الماضية، لاسيما بعد أن حصل على نسبة 19% فقط من الأصوات في انتخابات 2014 و2019، وكان من بين أكثر المآخذ عليه انصياعه التام لرؤى السلالة النهروغاندية، وتحكم بعض عواجيز الماضي في شؤونه وعدم افساح المجال أمام الطاقات الشابة الخلاقة من خاج السلالة لإدارة دفته برؤى جديدة. وهو لئن اختار اليوم قيادة جديدة من خارج السلالة، إلا أن خياره وقع على سياسي عجوز من الماضي محسوب على السلالة ولا يملك أدنى كاريزما جماهيرية ولا يمثل جاذبية للناخبين الشباب، ناهيك عن مؤشرات تفيد بأن قادة الحزب الكبار تدخلوا في العملية الانتخابية لتفويز العجوز "خارجي" على حساب "تارور" الذي اشتكى من ذلك علنا، والذي ربما كان حلا أفضل بسبب شخصيته الكاريزمية وعلاقاته الدولية ومهاراته الخطابية الجيدة للتواصل مع الشباب وجماهير الطبقة الوسطى.

ومن هنا قيل، أنه على الرغم من بعض الجاذبية التي يمثلها INC للناخبين الهنود المتضررين من سياسات BJP القومية، ولاسيما فيما يتعلق بدفاعه عن الأركان الثلاثة التي قامت عليها هند ما بعد التقسيم وهي الديمقراطية والعلمانية والفيدرالية، إلا أن فوزه في المستقبل بالسلطة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى قدرته على صياغة رؤية إيجابية وطموحة لمستقبل البلاد تتناغم مع تحديات الحاضر والمستقبل السياسية والاقتصادية، من جهة وعلى اصلاح أوجه القصور والخلل والترهل التي تعتري هياكله الداخلية وحملاته الانتخابية من جهة أخرى. وهذه لعمري مهمة شاقة ليس بمقدور زعيمه الجديد التصدي لها بفعالية، خصوصا مع استغلال قادة BJP لعملية انتخاب "خارجي" للقول بأن هذا الأخير مجرد زعيم تحركة السلالة النهروغاندية من بعد، ناهيك عن عقدهم مقارنة بين حزبهم الذي يحيل قادته إلى التقاعد بمجرد بلوغهم سن الخامسة والسبعين وحزب المؤتمر الذي اختار قائدا جديدا في الثمانين.



د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يناير 2023م



CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق