كتب راسم عبيدات ـ
العلاقات التاريخية التي ربطت السعودية بأمريكا على مدار ثمانين عاماً كانت قائمة على نظرة أمريكية للسعودية على أنها محمية أمريكية، عليها تقديم الأموال لتمويل الحروب الأمريكية،وضخ النفط لمنع حدوث نقص في الأسواق العالمية،كما هو حاصل الأن،بسبب الحرب الروسية مع امريكا ودول اوروبا الغربية على الساحة الأوكرانية،والتي أرادت أمريكا من خلالها محاصرة روسيا "وتقزيمها"،ولعل الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد عبر عن تلك السياسة بشكل سافر ووقح،عندما قال لحكام السعودية،انتم دولة غنية وعليكم دفع الأموال لنا،ولا يوجد لديكم شيء آخر غير المال،واذا ما رفعنا عنكم الحماية،فلن تصمدوا امام ايران عدة ساعات،ولذلك اثناء زيارته للسعودية في أيار عام 2017، وقع عقود ضخمة من اجل الإستثمارات السعودية في الإقتصاد والبنى التحتية والشركات الأمريكية،بالإضافة الى صفقات ضخمة من السلاح،وفي تلك الزيارة حاولت السعودية،أن تؤكد زعامتها للعالمين العربي والإسلامي،وعقدت القمم عربية واسلامية بمشاركة ترامب ...والنتيجة تمكن ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق من " استحلاب" السعودية مالياً بحوالي نصف تريليون دولار،وبقي هذا النهج هو الثابت لسياسة الرئيس الأمريكي الأسبق " استحلاب" أمريكي مالي للسعودية مقابل ما يسمى بالحماية،وصفقات ضخمة من السلاح الأمريكي للسعودية بمليارات الدولارات.
العلاقات السعودية - الأمريكية تدهورت بعد توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق اوباما للإتفاق النووي مع طهران عام 2015،وتوجه امريكا نحو شرق اسيا لمواجهة الصعود الصيني،ولكن مع فوز ترامب الجمهوري بالإنتخابات الأمريكية وتسلمه مهامه في كانون ثاني/2017،عاد الدفء للعلاقات الأمريكية السعودية،وفق معادلة ،السعودية خزان نفط وكيس مال بالنسبة لأمريكا تدفع المال لتمويل حروبها،وتضخ النفط لمنع ارتفاع اسعاره في الأسواق العالمية،ويجري توظيفه بما يضخم أمريكا واقتصادها ومصالحها.
ولكن مع فوز الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في أواخر عام 2020،عادت العلاقات السعودية - الأمريكية لكي تنتكس من جديد، وشكلت قضية مقتل الصحفي السعودي الخاشقجي في سفارة بلاده في تركيا،على يد فريق اغتيال سعودي،قالت التحقيقات بانه مرتبط مباشرة بولي العهد السعودي محمد بن سليمان، وقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان،والدعم السعودي والإماراتي من قبل وليي العهد السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد ،للرئيس الأسبق ترامب ودعم حملته الانتخابية وتمويلها، كانت قضايا جوهرية في رسم معالم السياسة الخارجية الأمريكية مع السعودية والإمارات،حيث في سابقة غير معهودة في تاريخ العلاقات الخليجية – الأمريكية،تجاهل الرئيس الأمريكي قادة السعودية والإمارات،وبدأ بايدن عهده بوقف الدعم العسكري للتحالف،الذي تقوده السعودية ضد اليمن،ورفع جماعة " انصار الله" عن قائمة الإرهاب الأمريكي،ورفع كذلك السرية عن أجزاء من تقرير للاستخبارات الأميركية يتّهم ضمناً ولي العهد السعودي بالمسؤولية عن قتل الصحافي جمال خاشقجي.
التجاهل الأمريكي لأمراء تلك الدولتين،رغم كل العلاقات التاريخية،التي جمعت هاتين البلدين بامريكا،دفعت بهما للبحث عن بدائل،دون الوصول الى مرحلة المساس بالعلاقات التاريخية مع أمريكا، بحثوا عن بدائل عند الروس والصينيين،والإمارات امتنعت مرتين في مجلس الأمن الدولي عن التصويت على قرار يدين روسيا قدمته أمريكا،على خلفية الحرب الجارية في أوكرانيا،والسعودية رفضت طلبا أمريكياً لزيادة ضخ النفط السعودي بمليون برميل يومياً لتغطية النقص الحاد في أسواق الطاقة العالمية،ومنع ارتفاع أسعاره بشكل كبير جداً.
لم تفلح أمريكا في اقناع السعودية في زيادة انتاجها من النفط،رغم كل الإتصالات واللقاءات التي أجرتها مع قادة السعودية،فهي أرسلت إلى المملكة في منتصف أبريل/نيسان الماضي، مدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، الذي اجتمع بولي العهد السعودي في مدينة جدّة، وكذلك أجرى وفد أميركي كبير برئاسة نائبة بايدن زيارة لأبو ظبي للتعزية بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل، الشيخ خليفة بن زايد.
انا ادرك بأن زيارة بايدن للمنطقة التي تقررت في الشهر القادم من 13 – 16 ،محطتها الأساسية ليست دولة الكيان،بل محطتها الرئيسية السعودية،التي طالما قال بايدن انه سيجعلها دولة منبوذة،وهو لن يلتقي بولي العهد السعودي،بسبب ملف قتل الخاشقجي وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان،ولكن هذه المواقف لم تصمد امام المصالح الأمريكية وحاجتها للنفط هي اولاً قبل اوروبا الغربية،فسعر جالون النفط أصبح 5 دولارات،و"هذا من ناحية الإدارة الأمريكية ضوء احمر وحالة طوارىء".
ولذلك يأمل بايدن أن تقوم السعودية بزيادة انتاج النفط،بما يغطى النقص في الأسواق العالمية،ويخفض من أسعاره،وكذلك يخفض من التضخم المالي في أمريكا،لكي يحسن من فرص الفوز للديمقراطيين في الإنتخابات النصفية في تشرين ثاني القادم.
وفي هذه الزيارة للرئيس الأمريكي للمنطقة ولقاءه بولي العهد السعودي،يهتم العالم بمعرفة ،ماذا سيطلب الرئيس الأمريكي من ولي العهد السعودي وماذا سيعرض عليه،لأن ذلك سيتوقف عليه رسم معادلات اقليمية ودولية..؟؟.
ولنبدأ في العرض،والذي لن يتجاوز نقطة واحدة،هي التغاضي عن ملف مقتل الخاشقجي،من أجل تسهيل تولي ولي العهد السعودي للعرش،وبالمقابل هناك ثلاث طلبات من ولي العهد السعودي،اشهار علني وعلى رؤوس الأشهاد،للعلاقات التطبيعية السعودية- "الإسرائيلية" في كافة المجالات والميادين أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية،وتصبح السعودية العراب لهذا التطبيع،دون ربط لذلك بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،او " الصنمية" العربية،ما يعرف بمبادرة السلام العربية،والتي جوهرها سعودي،وجرى إقرارها في قمة بيروت/ 2002،وجوهرها قائم على " الأرض مقابل السلام"،والتي قال عنها رئيس وزراء الإحتلال في حينه شارون،بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به،وهي كذلك،وبايدن سيدشن هذا التطبيع العلني بالسفر بطائرته الخاصة مباشرة من مطار اللد الى مطار الرياض.
على السعودية ان تبقي علاقاتها ومفاوضاتها مع ايران وسوريا معلقة او في حدودها الدنيا،واعتبار ذلك من شأن أمريكا،فإذا ما جرى التوصل لإتفاق مع طهران حول ملفها النووي، فستكون السعودية جائزة "الترضية" لدولة الكيان،واذا ما فشلت المفاوضات مع طهران،تكون السعودية ساحة المواجهة مع طهران،والمطلب الأمريكي الثالث هو، الطلب من السعودية زيادة ضخ نفطها الى الأسواق العالمية،وبما يخفض سعر برميل النفط الى ما دون المئة دولار،لكي يحد من الأثار الإقتصادية والإجتماعية في اوروبا الغربية،والناتجة عن النقص في الغاز والنفط الروسي،بسبب اشتراط روسيا الدفع بالروبل الروسي،لكل دولة التزمت بالعقوبات الأمريكية عليها. وهذا يعني بأن السعودية ستكون كبش محرقة في الحرب مع روسيا وخزان نفط وكيس اموال في حروب أمريكا.
0 comments:
إرسال تعليق