إنتخابات المغتربين: ملاحظات وخلاصات


1 : إلغاء مقاعد المغتربين 

سنة 2017 أقر المجلس النيابي قانونا انتخابيا جديدا خصّص فيه 6 مقاعد للمغتربين على أن تُطبق الفقرة الخاصة بتلك المقاعد ابتداء من انتخابات 2022. 

"نام " المغتربون على حرير تلك المقاعد – رغم قلة عددها ورغم توزعها على أساس طائفي لا ينسجم مع البيئات والأنظمة التي تعيش فيها وفي ظلّها أكثرية المغتربين – ليستفيقوا ذات يوم – وفي خضم انشغالهم في تسجيل أنفسهم كناخبين في الإغتراب - على نفس المجلس يسلبهم تلك المقاعد عبر تعديل ذلك القانون في 3.11.2021، وليفرض عليهم من جديد أن ينتخبوا مرشحين/ات في دوائر المقيمين كل في منطقته، كما حصل في انتخابات ال 2018  بدل أن ينتخبوا، كما نص القانون قبل التعديل، مرشحين/ات في دوائر اغترابية مخصصة 100% لهم .

2 : حجج إلغاء مقاعد المغتربين

الحجج التي ساقوها من أجل تعديل القانون وإلغاء مقاعد المغتربين إنقسمت الى فئتين: حجج المنظومة وحجج قوى التغيير.

حجج المنظومة اتسمت بالمواربة والخبث كعادتها في تغليف مصالحها الفئوية بغلاف وطني فادّعت الدفاع عن المساواة بين المغترب والمقيم وبحق المغترب في أن ينتخب في دائرته كالمقيم تماما وادّعت أنّه خلاف ذلك فيه تهديد لعلاقة المغترب بوطنه ...

حجج قوى التغيير في عدم تأييد مقاعد المغتربين كانت واضحة ومباشرة وتتمحور حول الآتي: اننا  نريد للمغتربين أن ينتخبوا في مقاعد المقيمين لأننا نريدهم أن ينتخبوا لوائح قوى التغيير في معركتنا ضد المنظومة ... مع انّ قوى التغيير لم يكن لهم دور في إلغاء تلك المقاعد لأنهم لم يكونوا ممثلين في البرلمان السابق.

3 : نتائج الإنتخابات كشفت هزال حجج المنظومة وقوى التغيير

كشفت نتائج الانتخابات النوايا الحقيقية للمنظومة في إلغاء مقاعد المغتربين إذ كشفت أن الجهة التي كانت رأس حربة المنظومة في إلغاء مقاعد المغتربين هي التي نالت العدد الأكبر من أصوات المقترعين المغتربين وبالتالي بانت المصلحة الفئوية لتلك الجهة وللمنظومة ككل.

أما الكلام على المساواة بين المتغرب والمقيم وبالتالي حق المغترب في أن ينتخب في دائرته كالمقيم تماما... والحفاظ على علاقة المغترب بوطنه ... فلا تعدو كونها ذرّاً للرماد في العيون: فتخصيص مقاعد للمغتربين وانتخاب المغترب في دوائر المغتربين لن يمنعه من الاستمرار في زيارة وطنه هو وعائلته، ولن يمنعه من الاستمرار في مساعدة أهله ومحبيه، ولن يمنعه من الاستمرار في الإستثمار في وطنه، ولن يمنعه من تسويق منتوجات بلده في جميع انحاء العالم...الخ، لا بل من شأن تخصيص مقاعد للمغتربين ان ينعكس إيجابا على كل الأنشطة التي أشرنا إليها أعلاه. 

أما الكلام على المساواة، ولا بد هنا من كشف الخداع، فكلام صحيح وجميل ولكن كيف تتحقق المساواة؟!! تتحقق المساواة على الشكل التالي: كما يحق للبنانيين المقيمين داخل الوطن أن يكون لهم نوابهم في البرلمان كل حسب منطقته الجغرافية في لبنان، كذلك يحق للبنانيين المنتشرين خارج لبنان أن يكون لهم نوابهم، كل حسب منطقة انتشاره الجغرافية خارج لبنان. هذه هي المساواة الحقيقية الفاعلة المنتجة وهذا ما نطالب به.


أما لجهة حجج قوى التغيير فلقد كشفت نتائج الإنتخابات أن أصوات المقترعين المغتربين لم تغيّر شيئا في نتائج الانتخابات. فلقد أجرت " الدولية للمعلومات" دراسة عن تأثير الصوت الإغترابي في دائرة الشمال الثالثة حيث كانت مشاركة الصوت الإغترابي في تلك الدائرة هي الأعلى بين كل الدوائر، وتبيّن لها أن نتائج الانتخابات ما كان لها أن تتغيّر فيما لو ألغِيَ الصوت الإغترابي وبالتالي لم يكن لذلك الصوت أي تأثير. أمّا ما يؤسف له أن سلوك قوى التغيير وتشرزم لولائحها كشف أنّ غالبية تلك القوى لم تكن حريصة – كما ادعّت – على أن تنال أكبر عدد من المقاعد بل أنّ تناتش المقاعد أفقدها الكثير منها. نأمل أن تعيد قوى التغيير النظر في موقفها وسلوكها وندعوها منذ الآن للدفاع عن مقاعد المغتربين كي لا يحصل لها في انتخابات ال 2026  ما حصل لها من إلغاء في انتخابات ال2022.  


4. توزيع الناخبين على مراكز الإقتراع

تسهيلا على الناخبين وتوفيرا لهم في الوقت وفي المسافات من أجل القيام بالواجب الإنتخابي اعتمدت وزارة الخارجية طريقة جديدة لتوزيع الناخبين على أقلام الإقتراع – شابتها بعض الشوائب، صحيح – تعتمد على مكان سكنهم في الخارج لا على المنطقة التي يتحدرون منها في لبنان. فلو أخذنا مثلا قضاء معيّناً. في انتخابات الـ 2018 تم توزيع الناخبين في ذلك القضاء على مركز أو مركزين انتخابيين. كان على جميع الناخبين/ات من ذلك القضاء، بصرف النظر عن المنطقة التي يسكنون فيها في سيدني أن يتوجهوا إلى أحد المركزين ليدلوا بأصواتهم. أما في الـ 2022 فكان يمكن للناخبين/ات من ذلك القضاء أن يقترعوا في مراكز في المنطقة التي يسكنون فيها أو الملاصقة لها. مع ذلك فقد ارتفعت أصوات تحتج على ذلك ودائما دون أن يكون لاحتجاجها أية أسس، من مثل: قسموا أبناء المنطقة الواحدة، دون أن نفهم ما هو المشكل في ذلك. أما الهدف الحقيقي الذي أراد إخفاءه المحتجون هو أن التوزيع حسب السكن في سيدني يضعف تأثير الماكينات الإنتخابية للقوى السياسية  على الناخبين، فمثلا لو خُصّص مركز اقتراع واحد لناخبي قضاء معين، لخصّصت القوى السياسية العاملة في ذلك القضاء القسم الأكبر من ماكيناتهم الإنتخابية للتواجد في ذلك المركز، أما الطريقة التي وُزّع فيها الناخبون في انتخابات الـ 2022 على المراكز الإنتخابية فقد فرضت على تلك القوى توزيع ماكيناتهم الإنتخابية على كل المراكز، لأن الناخبين من كل قضاء قد توزعوا على كل المراكز. مما يعطي للمقترع هامشا أكبر من الحريّة في الاختيار. إذاً حسنا فعلت وزارة الخارجية.

5.  اليوم الإنتخابي الطويل جدا

فتحت صناديق الإقتراع في لبنان يوم الإنتخاب من الساعة السابعة صباحا وحتى التاسعة مساء. في الإنتخابات الأسترالية تفتح صناديق الإقتراع من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء، لذلك لم نفهم الحكمة الكامنة وراء فتح صناديق الإقتراع لانتخابات المغتربين من الساعة السابعة صباحا وحتى العاشرة ليلا.

إن حركة إقبال الناخبين الخجولة جدا جدا بعد غياب الشمس، ما كانت تستدعي على الإطلاق إبقاء الأقلام الإنتخابية مفتوحة بعد الساعة السادسة مساء على الأكثر، ولا تأخير فتح الصناديق إلى العاشرة ليلا.

بالإضافة إلى ذلك فإن اليوم الإنتخابي الطويل جدا قد تسبب بما يلي:

إنهاك رؤساء الأقلام ومساعديهم.

تحميل الدولة اللبنانية أعباء مالية إضافية وهي في وضعها المالي المزري المعروف.

إنهاك المندوبين الذين كان عليهم أن يراقبوا فتح الصناديق وعد المغلفات ومتابعة باقي اللوجستيات، مما لم يكن من الممكن عمله قبل إقفال الأقلام أي قبل العاشرة مساء ولم ينتهوا منه إلاّ عند ساعات الصباح الأولى من اليوم التالي والذي هو يوم عمل عادي.

عجز الماكينات الإنتخابية الصغيرة الحجم عن مواكبة النهار الطويل في جميع الأقلام  مما عرض نزاهة الإنتخابات للتشكيك نتيجة عدم القدرة الكاملة على المراقبة والمتابعة للكثير من الماكينات الانتخابية.

لذلك نقترح ألا يتجاوز النهار الإنتخابي في المرات القادمة الساعات العشر أو الاثنتي عشرة ساعة كحد أقصى.

6. الحملات الإنتخابية، سقف الإنفاق الإنتخابي وحجم الماكينات الإنتخابية

لقد كنت من المتابعين للحملات الإنتخابية للمغتربين في أستراليا، ويوم الإنتخاب كنت مندوبا جوالا، وقد قمت بزيارة أغلب مراكز الإقتراع، ولاحظت بوضوح التفاوت الكبير في حجم الماكينات الإنتخابية وهنا لا بد من سؤال واقتراح.

السؤال: على افتراض أن هناك من يراقب الإنفاق الإنتخابي داخل لبنان، فمن يراقب هذا الإنفاق في المغتربات؟!

الإقتراح: إذا كان هناك - وإن نظريا – سقف للإنفاق الإغترابي ، ومعروف أن الفلسفة الكامنة وراء ذلك السقف هي عدم السماح لطرف سياسي أو أكثر بالهيمنة بالمال على الأطراف الأخرى خلال الحملات الإنتخابية،  فإننا نقترح أن يكون هناك سقف يحدد عدد العناصر البشرية لأية ماكينة انتخابية في مركز انتخابي معين بناء على عدد الناخبين في ذلك المركز، خاصة وأنه من الأسهل بكثير مراقبة أعداد العناصر البشرية من مراقبة الأموال الإنتخابية المصروفة خاصة في المغتربات.


7. الإنتخاب كجسر سياسي لأجيالنا نحو الوطن لم نحسن استعماله

من الأمور، الطريفة في الظاهر والمؤسفة في العمق، التي لاحظتها خلال تجوالي على مراكز الإقتراع الأمر التالي: أهالي يصطحبون أولادهم الراشدين للإنتخاب. تبدأ المعاناة لدى الدخول إلى قلم الإقتراع. على الأولاد أن يدخلوا لوحدهم إلى خلف العازل، من غير أن يُسمح لهم بحمل أي لائحة انتخابية معهم. اللوائح بالعربية وهم لا يقرؤون العربية. لم يحفظوا طبعا إسم اللائحة وإن حفظوه لا يستطيعون قراءته. نسوا لون اللائحة التي أشار عليهم أهلهم بانتخابها. تصل المعاناة إلى ذروتها لدى الإدلاء بالصوت التفضيلي. هم طبعا لا يقرؤون الأسماء كما قلنا ولا هم قادرون على التعرف على الوجوه. كيف يكون لهم ذلك وهي وجوه ما شاهدوها أبدا في حياتهم. أصحاب الوجوه في لبنان وهم هنا. لا أصحاب الوجوه مهتمون بهم ولا هم مهتمون بتلك الوجوه وفي الغالب لا يعرفون عن أصحابها شيئا... من هنا أصل إلى القول أنه لو كان للمغتربين مقاعدهم ومرشحيهم لكان هناك فرصة لأجيالنا للتعرف على أولئك المرشحين ومحاورتهم بلغتهم ولتمكنوا من أن ينقلوا لهم اقتراحاتهم ورؤاهم من أجل بناء لبنان أفضل لهم كمغتربين ولأهلهم المقيمين، ولتمكنوا من نقل مؤهلاتهم وخبراتهم عبر ممثليهم إلى البرلمان اللبناني. 

هذا هو الإختيار الواعي الحر الهادف المفيد والمسؤول، هذا هو الجسر الذي الذي لم نحسن استعماله وجعلنا من عبوره أمرا مستحيلا على أجيالنا وخبرة غير سعيدة كل ذلك لأننا خسرنا مقاعد المغتربين.

8 - أحد واحد للإنتخاب والفرز

في ظل التقدم التكنولوجي الحاصل، وفي ظل وجود كاميرات للمراقبة في كل قلم اقتراع، موصولة بوزارة الخارجية، فإننا نتساءل:

1. ما المانع من أن يحصل الإنتخاب في أحد واحد في الداخل، والخارج الذي يكون فيه يوم الأحد يوم عطلة؟

2. ما المانع من أن يحصل الفرز في المغتربات تماما كما يحصل في لبنان، أي في أقلام الإقتراع، وتحت رقابة وزارة الخارجية، ويمكن توقيت البدء في الفرز في الخارج كي يتطابق مع بدئه في لبنان؟

هذا ما نقترحه للمرّات القادمة.

9. إختيار المراكز الإنتخابية.

من المعروف أنه قد تم توزيع المراكز الإنتخابية في دورتي الـ 2018 والـ 2022 على الأماكن الملحقة بالأماكن الدينية. طبعا ليس لدينا اعتراض على التوزيع المذكور أعلاه، لا بل علينا أن نشكر القيّميمن على تلك الأماكن لاستضافتهم المراكز الإنتخابية فيها خاصة التي منها كانت من دون مقابل في ظل الوضع المالي المزري المعروف للدولة اللبنانية.

ما نود الإشارة إليه هو أننا لا نريد أن يترسّخ في ذهن الناخب اللبناني وكأنه من الضروري ان تكون المراكز الإنتخابية في الأماكن الدينية أو الملحقة بها، خاصة وأن نظامنا الإنتخابي يوزع المقاعد النيابة على أساس ديني وطائفي. كما أنّ رغبتنا في الحفاظ على شفافية الإنتخابات – ولسنا نقول هنا أنها لم تكن شفافة -، ورغبتنا في الحفاظ على حياد المراجع الدينية في الإنتخابات – ولسنا نقول أنها لم تكن محايدة -، تجعلنا نقترح على المراجع الرسمية اللبنانية المعنية أن تحاول التنسيق، في الانتخابات المقبلة، مع  مفوضية الإنتخابات الأسترالية من أجل استخدام المدارس الحكومية مجانا كمراكز إنتخابية، على غرار ما يجري في الانتخابات الاسترالية، وفي معلوماتنا أنّ الأمر ليس بعيدا عن المتناول.(هذا ما حصل في انتخابات المغتربين العراقيين سنة 2018 من ضمن برنامج لتعزيز الديمقراطية في العراق)

10.   100 في لبنان، 200 في المغتربات!! ضرورة إعتماد التصويت الإلكتروني.

نصّت المادة 84 من الفصل السابع من قانون الإنتخاب الساري المفعول على ما يلي: "...يكون لكل قرية يبلغ عدد الناخبين فيها مائة على الأقل وأربعمئة على الأكثر قلم اقتراع واحد..."، فيما نصّت المادة 114 من القانون نفسه،على ما يلي: "... وتنظم (المديرية العامة للأحوال الشخصية) ... قوائم انتخابية مستقلة لكل سفارة أو قنصلية بأسماء الذين ستتوافر فيهم الشروط القانونية على أن لا يقل عدد المسجلين في المركز الإنتخابي الواحد عن 200 ناخبا" ... غريب هذا التناقض وغير مفهوم. ففي لبنان حيث يتركز اللبنانيون  بالطبع يكفي أن يكون في القرية مائة ناخب كي يكون لها قلم اقتراع، وفي المغتربات حيث ينتشر المغتربون اللبنانيون على كامل الكرة الأرضية مما يجعل تركزهم أقل، يلزمهم 200 ناخبا كي يكون لهم مركز اقتراع في منطقة ما، وإلا يلحقون بمركز انتخابي بعيد عن منطقتهم. هذا الإجحاف حرم الكثيرين من المغتربين من ممارسة حقهم الإنتخابي. والحال أنّه إذا كان لا بد من مفاضلة في هذا المجال فيجب أن تكون في الإتجاه المعاكس:أي إذا كان المطلوب توفر 100 ناخب في قرية ما في لبنان – حيث تركُز اللبنانيين عال – كي تحصل على قلم اقتراع فمن المنطقي أن يكون مثلا نصف ذلك العدد مطلوبا في المغتربات – حيث تركُز اللبنانيين أقل ، أي 50 ناخبا، لا ضعف ذلك العدد، أي 200 ناخبا، إلا إذا كانت دولتنا العلية لا تعرف أن تركُز اللبنانيين في لبنان هو أعلى من تركُز اللبنانيين في الخارج. من هنا ضرورة إعتماد التصويت الإلكتروني في الانتخابات القادمة على الأقل للمغتربين إذا لم يكن الأمر ممكنا على صعيد العملية الإنتخابية ككل.

10. العملية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب، وكيفما كان.

في كل الديمقراطيات التمثيلية، وليس فقط في لبنان، بالرغم من أن النائب هو نائب عن الأمة ككل، إذ حين يشارك في التشريع، يشرّع للأمة ككل وليس لمنطقة معينة، فهو في الوقت نفسه يمثل سكان منطقة معينة، إذ هم وحدهم - دون سواهم - يشتركون في انتخابه، وبالتالي يكون النائب صوتَهم في البرلمان خاصة في الجانب الإنمائي أي في توزيع موارد الدولة لإنماء المناطق. لذا من واجبات كل نائب أن يحرص على أن تكون حصة منطقته من التنمية عادلة مقارنة مع حصص باقي المناطق.

من هنا تنشأ الحاجة بين سكان كل منطقة إلى حوار إجتماعي/ سياسي/ اقتصادي /ثقافي/ انتخابي ... من أجل تحديد حاجياتها وكيفية معالجتها، فتظهر جراء ذلك البرامج الإنتخابية ويطل المرشحون والمرشحات وتُقام التحالفات وتُركّب اللوائح وتُخاض الحملات وتُرفع الشعارات... وصولا، بعد أشهر، إلى الإقتراع في يوم الإنتخاب. هذا ما حصل في الوطن، لكن لنرى ماذا حصل في المغتربات.

قلنا سابقا أن المغتربين/ات كانوا قد ناموا على "حرير مقاعد المغتربين" مذ أن صدر قانون الإنتخاب في الـ 2017، وعندما فُتح باب التسجيل للإنتخابات في 4.10.21 بدأ المغتربون/ات بتسجيل أنفسهم على أمل أن يتمكنوا من أن ينتخبوا مرشحّيهم في دوائر خاصة بهم، لكن الحملات المُطالبة بإلغاء مقاعد المغتربين من قِبَل بعض "المنصّات" والجهات السياسية كانت قد سبقت فتح باب التسجيل وتكثفت وازدادت حدة بعده، مستخدمة الشعارالسطحي التبسيطي المضلّل "6 أو 128". ومن المؤسف أنه كان لتلك الحملات ما أرادت، إذ اجتمع المجلس النيابي في 3.11.2021  وأجلّ العمل بمقاعد المغتربين للدورة ما بعد القادمة حينذاك، أي دورة الـ2026. وعندما حصل ذلك التأجيل اندفعت الماكينات الإنتخابية بكل قواها من أجل رفع وتيرة التسجيل للإنتخابات، طمعاً في استخدام أصوات المغتربين/ات في معاركهم الإنتخابية في لبنان. ارتفعت نتيجة ذلك نسبةُ الإقبال على التسجيل مما حدا بالبعض إلى الإستنتاج، تعسفا، أن الغالبية العظمى من الذين تسجلوا/ اللواتي تسجلّن " لم تتسجل إلا عندما تيقنت أن صوتَها سيذهب مباشرة إلى المرشحين في لبنان" موحياً أن لا حماس لدى المغتربين لمقاعد المغتربين. على كل حال وبعد كل ما جرى دعونا نرى بالملموس وعبر تجربة الانتخابات الأخيرة ماذا كان حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات؟ وماذا تحقّق للبنان وللمغتربين من الإيجابيات وماذا وقع عليهم من السلبيات من جراء ذلك التأجيل ودفع المغتربين للإقتراع في مقاعد المقيمين؟

11. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. 

لنرى الآن إلى أي مدى أتاحت طريقة الإنتخاب – إنتخاب المغتربين في دوائر المقيمين – للمغتربين الإشتراك الكامل والفاعل في العملية الإنتخابية الديمقراطية الموصوفة في الجزء الثالث أعلاه .

(لن ندخل هنا في التمييز بين الإغتراب المستقّر وهو في غالبيته الإغتراب الطويل وأو البعيد، كأستراليا والأميريكيتين مثلا، وبين الإغتراب المؤقت وهو في غالبيته الإغتراب القريب، الخليج مثلا، إذ أننا ندوّن ملاحظاتنا عن انتخابات المغتربين في استراليا).

أشرنا أعلاه الى أنّ العملية الإنتخابية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب بل تبدأ بالحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات مروراً بالبرامج الإنتخابية فإختيارالمرشّحين/ات فالحوار بين المرشّحين/ات أنفسهم من أجل إقامة التحالفات وتركيب اللوائح وصوغ الشعارات وخوض الحملات الإنتخابية... وصولاً الى يوم الإنتخاب. لنرى الآن ماذا قدّم للمغتربين/ات من كل ذلك أُولئك الذين كانوا وراء إلغاء مقاعد المغتربين.

قد يتذكر الكثيرون منّا الحملات الشعواء التي شُنّت باتجاه المغترين/ات من أجل دفعهم للتسجيل للإنتخابات، وكيف ازادت تلك الحملات حدة بعد إلغاء مقاعد المغتربين حتى بلغت أوجّها عند انتهاء مدة التسجيل في 20.11.2021، ثمّ ساد صمتٌ مطبق شبيه بصمت القبور في أوساط المغتربين منذ ذلك التاريخ وحتى ما قبل يوم الإنتخاب بقليل في وقت كانت تلك الفترة هي الأكثر حيويةً وحماساً بالنسبة للمقيمين، إذ خلالها تسارعت وتكثّفت الحوارات وتبلورت البرامج الإنتخابية وأطّل المرشحون وتشكّلت اللوائح ... الخ فيما لم يكن حصول أي شيء من ذلك متاحاً، موضوعياً، للمغتربين وكل ذلك بسبب إلغاء مقاعد المغتربين وإجبار المغتربين أن يقترعوا في دوائر المقيمين. فلنوضح.

أ‌. في الحوارات : 

صحيح أن طريقة الإنتخاب المشار إليها أعلاه – إنتخاب المغتربين في دوائر المقيمين – أتاحت الفرصة للمغترب كي يتداول مع أهله ومعارفه في الوطن، في بعض الأمور الإنتخابية لا سيما اللائحة المفضّلة أو المرشح المفضّل، لكنّها لم تسمح له بالإشتراك بشكل جديّ وفاعل وعميق في الحوارات الضرورية لكل عملية إنتخابية ديمقراطية، دع جانباً بلورة البرامج الانتخابية والترشح أو إختيار المرشحين أو إقامة التحالفات أو تركيب اللوائح ...الخ، لأسباب متعددة من أجل تبيانها سنقسّم الكلام على الحوارات الى عدة محاور:

 المحور الأول:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى ، متناولا الشأن         المحلي اللبناني للدائرة المعنية،

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية،

المحور الثاني:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام، 

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 


المحور الأول:

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى ، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية:

إنّ بُعد المغترب الإسترالي عن الدائرة الإنتخابية وغيابه الطويل والتغّير السريع للظروف والأحوال العامة وغياب القضايا المحلية في لبنان عن الإعلام المتوفر للمغترب الأسترالي ...الخ، تجعله غير مؤهل للخوض في ذلك الحوار خاصة في الشق المحلّي من البرنامج الإنتخابي الخاص بالتنمية المحليّة لدائرة انتخابية معيّنة، وبالتالي عاجز عن ممارسة هذا الجانب الحواري من العملية الإنتخابية فيقتصر الحوار في الغالب على تلقي نصيحة أو توجيهاً حول تللك اللائحة أو ذلك المرشح أو تلك المرشحة أكثر مما هو كي يبدي رأياً أو يقوم بإختيار حر. هذه اولى خسائر المغترِب نتيجة إعتماد تلك الطريقة في انتخابات المغتربين.

نتيجة استقرار المغترب في بلد آخر – في حالتنا، أستراليا – يصبح اشتراك المغترب في ذلك الحوار اشتراك غير-المعني بقضايا ذلك الحوار، لأن تلك القضايا، كالبطالة والتعليم والنقل والأمن والطبابة والإستفشاء... لا تمسّه مباشرة، وبالتالي حين يصوّت المغترب في تلك الدائرة يكون كمن يصوّت لأمر لا يعرف عنه ولا يتأثر به وهذا ما هو ضد الديمقراطية الخقّة. فإذا كانت الديمقراطية التمثيلية لا تسمح مثلا لسكان دائرة الشمال الأولى أوالثانية  بالإقتراع في دائرة الشمال الثالثة على سبيل المثال، على قاعدة أنّ "أهل مكة أدرى بشعابها" ، فكيف تسمح تلك الديمقراطية لشخص يعيش على بُعد آلاف الكيلوميترات من تلك الدائرة - وقد يكون لم يولد فيها ولم يزرها في حياته -  أن يقترع فيها؟ إن حصول ذلك وخاصة إذا نتج عنه تغيير في نتائج الإنتخابات لا يعدو كونه  استقواءً صريح بأصوات المغتربين – في أمور لا يعرفون عنها الكثير ولا تؤثر على حياتهم – على المقيمين - في أمور تعنيهم في الصميم -، وفي ذلك قمة انتهاك الديمقراطية. هذه ثاني تلك الخسائر. 

2 . الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي اللبناني للدائرة المعنية هو "حوار طرشان" وله مفعول تقسيمي.

قبل الدخول في تناول هذا الجانب من العملية الإنتخابية الديمقراطية، يجدر بنا أن نسأل السؤال التالي: هل الشأن المحلي بالنسبة للمغترب – كمغترب وليس كمواطن في دولة أخرى -  هوالشأن المتصل بالدائرة التي تحدر منها المغترب في لبنان أم هو الشأن المتصل بقضايا ذات جذر لبناني يعيشها المغترب في البلد الذي يعيش فيه؟! 

الطريقة التي فُرض على المغترب أن ينتخب بواسطتها – أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين – تفترض أن الشأن المحلي بالنسبة للمغترب هو نفسه الشأن المحلي بالنسبة للمقيم، أي قضايا المقيم حيث يقيم. وفي هذه الحال يصبح الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي للمقيمين في دائرتهم في لبنان، كحوار الطرشان، أي حوار بين ناخبين غير مدركين وغير متأثرين بقضايا ذلك الحوار أعني القضايا المحلية اللبنانية كما شرحنا أعلاه. في هذه الحال لا يعدو هذا الحوار كونه لغوا كلاميا لا هدف له ولا تأثير مباشر له على مصالح المتحاورين فيصبح كلزوم ما لا يلزم. هذا ما حصل في انتخابات المغتربين الأخيرة أي تحوّل الحوار في الشؤون المحلية ( المناطقية) اللبنانية بين المغتربين لغواً كلاميا أو أنه لم يحصل أبدا نظراً لإنتفاء ضرورته ولإنتفاء منفعته. بالإضافة الى كل ذلك هو حوار ذو مفعول تقسيمي على المغتربين لأنه يقتصرعلى مغتربي/ات كل دائرة بدائرتها ولا يشمل جميع المغتربين/ات في البلد المعني.

الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي الإغترابي/اللبناني في بلد الإغتراب هو حوار ضروري فاعل منتج وذو مفعول توحيدي.

 لو سُمح للمغترب أن تكون له دائرته أو دوائره الإنتخابية الإغترابية، لاختلف النظر إلى الشأن المحلي ولأصبح هذا الشأن هو الشأن الذي يتناول القضايا الإغترابية ذات الجذر اللبناني والتي يعيشها المغترب في البلد الذي يعيش فيه؟! 

ما نقصده بالقضايا الإغترابية ذات الجذر اللبناني هي القضايا الناشئة عن فعل الإغتراب واستمراره: علاقة المغترب وعلاقة أولاده وعائلته بلبنان، تنمية قدرته على الحفاظ على لغته العربية وتعليمها لأولاده، المحافظة على ما زال صالحا من عاداته وتقاليده وتراثه ونقلها للأجيال المولودة في الإغتراب ، العلاقات بين الدولة التي يقيم فيها المغترب ولبنان، العلاقات بكل أنواعها الإقتصادية والسياسية والتجارية والثقافية والأكاديمية والإجتماعية والضريبية والتقاعدية... قضايا استثمار المغتربين في لبنان ، التعامل الإداري اللبناني مع المغتربين، ... كل هذه القضايا تعني وتمس كل مغترب في كل بلد اغترابي فيكون هذا الحوار شاملا كل المغتربين في البلد المعني وليس فقط من يتحدرون من دائرة انتخابية معينة في لبنان فيكون له دور توحيدي على صعيد المغتربين ككل بعكس الحوار السابق الذي بالإضافة إلى أنه كما قلنا  حوار طرشان هو حوار ذو مفعول تقسيمي على المغتربين إذ يقتصرعلى مغتربي/ات كل دائرة بدائرتها ولا يشمل جميع المغتربين/ات في البلد المعني. 

بالإضافة الى ما ذكرناه أعلاه الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن المحلي الإغترابي/اللبناني في بلد الإغتراب هو حوار بين معنيين ومدركين وأصحاب مصلحة فيه إذ أنّ المغتربين هم على معرفة بالقضايا المذكورة أعلاه إذ أنهم يعيشونها وتعنيهم في الصميم ولهم مصلحة مباشرة في معالجتها بخلاف القضايا المحلية (المناطقية) اللبنانية التي ليسوا على معرفة بها ولا تمسهم مباشرة كما تمس المقيمين.  وهذا ما يفضي إلى تشكيل الشق المحلي من البرنامج الإنتخابي الإغترابي لكل دائرة أو مقعد إغترابي وهكذا يكون قد أتيح للمغترب أن يمارس بجدية وفاعلية هذا الجانب من العملية الإنتخابية الديمقراطية وهذا بالضبط ما لم تسمح به التجربة الإنتخابية الأخيرة ولذلك لم نسمع بأي شق محلي إغترابي لأي برنامج انتخابي. 

في الخلاصة تكون هذه الطريقة في إنتخاب المغتربين - أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين – قد دفعت بإتجاه حوار غير ممكن الحدوث – حوار المغتربين في قضايا المقيمين المحلية (المناطقية) في لبنان - لعدم توفر الإدراك الكافي لها ولإنتفاء المصلحة المباشرة فيها- وفي الوقت نفسه عطّلت حوارا ضروريا ومفيدا – حوار المغتربين حول قضايا المغتربين ذات الجذر اللبناني – لأنّها قسّمت المغتربين حسب دوائرهم في لبنان فمنعت توحدهم حيث يتواجدون فتعطّل حوارهم.


14. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. (3) 

1. الحوار بين المغتربين من جهة والمقيمين من جهة أخرى، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 

بعكس الشأن المحلي (المناطقي) الخاص بدائرة محليّة معينة في لبنان، حيث قلنا أنّ المغترب غير عارف كفاية به وليس له مصلحة مباشرة فيه، فإن المغترب في الشأن الوطني اللبناني العام هو عارف ومعني ومتأثر، به. هو أولاً عارفٌ به نتيجة التقدم الهائل في وسائط التواصل والإتصال، من الشبكات والمواقع الآلكترونية إلى الفضائيات إلى التطبيقات الهاتفية...الخ، حيث الشأن الوطني العام معروض لحظة بلحظة في متناول المغتربين. والمغترب ثانياً معني به لأن الوضع العام في البلد الأم يهم كل مغترب/ة بسبب وجود الأهل والأقرباء والمحبين هناك. والمغترب ثالثاً متأثر به – بالشأن الوطني العام- وله مصلحة فيه، لدى قيامه بأي فعل على علاقة بلبنان كالزيارة والإستثمار والتعلم والتجارة والتقاعد...الخ، ومتأثربه أيضا حيث يقيم خاصة معنويا من جراء تدهور سمعة لبنان عالميا. إذن الحوار بين المقيم والمغترب حول الشأن الوطني اللبناني العام هو حوار حاصل بين طرفين عارفَيْن ومعنيَن أقصد المقيمين والمغتربين – بعكس الحوار حول الشأن المحلي-، لكّن هكذا حوار دونه عقبات تجعل منه حواراً مبتورا قاصرا عن بلوغ هدفه ألا وهو التبلور في برنامج إنتخابي قابل للتطبيق وذلك لأسباب منها:

إنّه حوار ينطلق من خلفيتين مختلفتين جراء تجربتين مختلفتين. الأولى عاشها المقيم في الوطن، والثانية عاشها المغترب في الإغتراب. 

طريقة الإنتخاب التي فُرِضت على المغتربين/ات – أي أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين، ولنسمها الطريقة الأولى – والتي جزّأت المغتربين/ات الى 15 جزأً وهو عدد الدوائر الإنتخابية في لبنان، منعت تشكل رؤية أو رؤى إغترابية عامة في بلد إغترابي محدد أي رؤى تشمل كافة المغتربين/ات في البلد الإغترابي المعني، وبالتالي منعت تشكيل رؤية أو رؤى إغترابية شاملة الإغتراب في العالم . ولكي نتمكن من معرفة حجم التجزئة لا بل التفتيت الذي جرّته هذه الطريقة في الإنتخاب على المغتربين، يكفي أن نتصور مثلاً عددا من المغتربين يسكنون في نفس الشارع في بلدهم الإغترابي لكن لن يستطيعوا بلورة رؤيا أو رؤىً إغترابية للبنان المستقبل في برنامج إنتخابي إغترابي لا لشيء إلا لأن طريقة الانتخاب التي طُبِّقت في الانتخابات الأخيرة فرضت عليهم أن ينتخبوا في دوائر مختلفة في لبنان رغم أنهم يسكنون كما قلنا في شارع واحد. 

على إفتراض أن بلورة هكذا رؤية أو رؤى كانت ممكنة – وهي كما قلنا غير ممكنة بسبب طريقة الإنتخاب المشار إليها أعلاه- فإنّ ضآلة نسبة عدد المقترعين المغتربين الى عدد المقترعين المقيمين في كل دائرة إنتخابية، لا تسمح بإعطاء الأولوية لتلك الرؤية أو إيلائها ما تستحق من الإهتمام.

هذا إذا تجاوزنا عقبات التواصل واللغة ( مع إختلاف الأجيال) وفارق التوقيت وانعدام التخالط....الخ، وكلها أمور تعيق مسار حوار كهذا.

في المقطع التالي سنرى كيف أنّ الطريقة الأخرى في الإنتخاب - أي أن ينتخب المغتربون في دائرة أو دوائر إغتربية خاصة بهم، ولنسمها الطريقة الثانية - ستسمح بتشكل تلك الرؤية أو الرؤى وتظهيرها في برامج إنتخابية إغترابية متجاوزة كل العقبات المشار إليها أعلاه.

2. الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام. 

واضح دون عناء أن "الحوار بين المغتربين أنفسهم، متناولا الشأن الوطني اللبناني العام " هو حوار بين مدركين ومعنيين وأصحاب مصلحة، إذ أن جميع المغتربين في مركب واحد فيما خص الشأن الوطني اللبناني العام إن من حيث الإدراك أو المصلحة.

لو أقمنا مقارنة بين مفاعيل الطريقة الأولى والطريقة الثانية للإنتخاب، على المغتربين فيما خص الموضوع المطروح أعلاه لأمكننا ملاحظة ما يلي: 

الحوار ضمن البلد الإغترابي الواحد أو حتى ضمن القارة الواحدة ينطلق من خلفية اغترابية واحدة لا من خلفيتين مختلفتين – واحدة للمقيم وأخرى للمغترب – مما يسهل بلورة رؤى معينة حول أي لبنان يريد المغترب وأي نظام يريد له ويمكن لكل من هذه الرؤى أن تتلاقح مع رؤى أخرى مُنتَجة في بلدان اغترابية أخرى أو قارات أخرى فتنتج عن ذلك التلاقح رؤية أو رؤى إغترابية عامة تشمل جميع المغتربين.

أن تتبلور تلك الرؤى في برامج انتخابية إغترابية هو من باب تحصيل الحاصل ولا علاقة لنسبة عدد المقترعين المغتربين إلى عدد المقترعين المقيمين بذلك – كما هي الحال في الطريقة الأولى – إذ أن المغتربين هم وحدهم – حصرا – من يصوت في دوائر المغتربين. 

الطريقة الثانية - أن ينتخب المغتربون في دائرة أو دوائر إغتربية خاصة بهم-          تعمل على توحيد المغتربين في كل قارة،  فتصب في البرلمان اللبناني برامج إنتخابية  بنكهة إغترابية، بينما الطريقة الأولى - أن ينتخب المغتربون في دوائر المقيمين - تقّسم المغتربين في كل قارة   فتمنع تبلور البرامج الإنتخابية الإغترابية ويبقى المغتربون خارج أبواب البرلمان. (أن يتمكّن أفراد مغتربون،  بالطريقة الأولى، من دخول البرلمان مسألة أخرى سنتطرّق إليها لاحقا)

الحوار في الطريقة الثانية هو حوار جامع لا يستثني أحدا إذ أن كل المغتربين المقيمين في بلد معين أو في قارة معينة هم ناخبون في نفس الدائرة الإغترابية وبالتالي تتطلب اللعبة الإنتخابية من جميع الأفرقاء التواصل مع جميع المغتربين بصرف النظر عن القضاء الذي يتحدرون منه في لبنان. وهذا ما عنينا به بالحوار الجامع بخلاف الحوار التقسيمي المفروض بطريقة الإنتخاب الأولى حيث اللعبة الإنتخابية تفرض تشتيت المغتربين إلى خمسة عشر جزءا كما بينا أعلاه.

كل العقبات الأخرى التي أشرنا إليها أعلاه في الطريقة الأولى للإنتخاب، من عقبات التواصل واختلاف اللغة وفارق التوقيت وانعدام التخالط... ألخ سيكون تأثيرها في الطريقة الثانية للإنتخاب في إعاقة الحوار ضعيف بما لا يقاس بتأثيرها في الطريقة الأولى، لأن كل المغتربين في كل قارة – على الأقل – سيكون لهم نائبهم للبرلمان من نفس القارة. (هذا لا يعني أن نائب لكل قارة هو عدد مقبول عند المغتربين لكن لتحديد عدد نواب الإغتراب بشكل عادل حديث آخر)

تكلمنا في هذه الفقرة، الفقرة أ (عبر ثلاثة أجزاء) على الحوارات كممر إجباري لكل عملية إنتخابية ديمقراطية حقة، في الفقرة التالية وهي الفقرة ب سنتكلم على الأمور الإنتخابية الأخرى كالبرامج الإنتخابية والمرشحين/ات واللوائح ....الخ وهي ما ستكون موضوع الجزء السابع.


15. حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات. (4) 

أشرنا سابقاً (في الجزء الرابع من هذا المقال) الى أنّ العملية الإنتخابية الديمقراطية لا تقتصر على الإقتراع يوم الإنتخاب بل تبدأ بالحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات مروراً بالبرامج الإنتخابية فإختيار المرشّحين/ات فالحوار بين المرشّحين/ات أنفسهم من أجل إقامة التحالفات وتركيب اللوائح وصوغ الشعارات وخوض الحملات الإنتخابية... وصولاً الى يوم الإنتخاب. وقد بيّنا في الفقرة "أ" أعلاه والتي امتدت على مساحة 3 أجزاء (الرابع والخامس والسادس) كيف أنّ طريقة الإنتخاب التي فرضت على المغتربين أن ينتخبوا في دوائر المقيمين  قد عطّلت الحوار الإنتخابي بين الناخبين/ات، أو منعت حصوله، أو لم تفسح له مجالاً، فسدّت الطريق على إمكانية تبلور برامج انتخابية إغترابية، فساد صمتٌ مطبق شبيه بصمت القبور في أوساط المغتربين منذ تاريخ نهاية فترة تسجيل المغتربين في العشرين من تشرين الثاني 2021  وحتى ما قبل يوم الإنتخاب بقليل، في وقت كانت تلك الفترة هي الفترة الأكثر حيويةً وحماساً بالنسبة للمقيمين، إذ خلالها تسارعت – لدى المقيمين - وتكثّفت الحوارات وتبلورت البرامج الإنتخابية وأطّل المرشحون وتشكّلت اللوائح ... الخ . 

في الفقرة "ب" أدناه سنبيّن كيف أنّ طريقة الإنتخاب تلك قد منعت، نظرياً أولاً وبالطبع عملياً ثانيا، بروز أي مرشح/نائب إغترابي (حتى لو ترشح بعض المغتربين/ات في مقاعد المقيمين أو حتى لو نجح بعضهم/نّ في دخول البرلمان) وبالتالي منعت أي تحالفات أو لوائح إغترابية.

 ب. في المرشح/النائب الإغترابي، في التحالفات واللوائح الإغترابية 

من خلال قانون الإنتخاب الساري المفعول يتبين أنه لا إمكانية لبروز مرشح/نائب عن دائرة ما إلا إذا كانت التقسيمات الإنتخابية تعترف بوجود تلك الدائرة.

القانون الساري المفعول – لحظة إجراء انتخابات ال/ 2022 – لم يعترف بوجود دائرة للمغتربين، وبالتالي انعدمت، نظريا، إمكانية بروز مرشح/نائب إغترابي أي مرشح/نائب منتخب حصرا من قبل المغتربين كما هي الحال في دوائر المقيمين. 

أما عمليا فقد ترشح بعض المغتربين في دوائر المقيمين وفاز البعض منهم. من تابع حركة ذلك البعض تبيّن له غياب المغتربين وشؤونهم وتطلعاتهم عن برامج وخطط وخطب ذلك البعض. إن ذلك الغياب لم يكن صدفة ولا تقصيرا أو إهمالا من أولئك المرشحين/النواب، بل أن غياب مقاعد المغتربين هو ما أدى إلى غياب المغتربين وشؤونهم وتطلعاتهم عن برامج وخطط وخطب المرشحين/النواب المقيمين عامة وحتى من كان منهم مغتربا. فلا يتوقعن أحد من مرشح/نائب يشكل الناخبون المغتربون أقل من 5% من عدد ناخبيه أن يعيرهم الإهتمام الذي يعيره لـ 95% الآخرين. أضف إلى ذلك أن الـ 5% مشتتين في كل دول العالم وقضاياهم وشؤونهم قد تختلف بين قارة وأخرى فلا إمكانية والحال هذه، لأي مرشح/نائب أن يلّم بتلك القضايا والشؤون فكيف بتضمينها في برنامجه الإنتخابي؟!

ينطبق الأمر كذلك على التحالفات واللوائح فلا يمكن للمغتربين المرشحين في دوائر المقيمين أن يقيموا تحالفات اغترابية ويشكلوا لوائح اغترابية فيما بينهم، فهذا ما لا يسمح به القانون الإنتخابي أولا، ولا يسمح به الواقع ثانيا. الأمر يكون خلاف ذلك فيما لو توافرت مقاعد للمغتربين، ساعتئذ تتوافر إمكانية بروز المرشحين/النواب الإغترابيين والتحالفات واللوائح الإغترابية.

في الخلاصة، في "حصاد المغتربين على بيدر الإنتخابات" تبيّن لنا أن لا حوارات ممكنة ، لا مرشحين/نواب إغترابين، لا برامج، لا تحالفات، لا لوائح انتخابية اغترابية ، فماذا يبقى من جوهر العملية الإنتخابية الديمقراطية بعد تجريد المغتربين من كل ذلك؟! 

كما درجت العادة – ماضيا وحاضرا – على اختزال المغتربين إلى مجرد دولارات يتم استعمالها بمعزل حتى عن إرادتهم، وفي نهاية الأمر سُرقت منهم، جرى في الإنتخابات الأخيرة وفي الإنتخابات التي سبقتها، جرى إختزال المغتربين/ات إلى مجرد أصوات إنتخابية تستعمل في معارك المرشحين في دوائر المقيمين من التقليديين والتغيريين وبين التقليديين أنفسهم والتغييريين أنفسهم مع كل أسف.

كلمة أخيرة في نهاية هذا المقال الطويل، نأمل منذ اليوم، ومن الجميع، تقليديين وتغييريين، مقيمين ومغتربين، في كافة المواقع وعلى كافة المستويات ، إعادة النظر في تقييم الدور الإغترابي فيتم النظر إلى المغتربين ليس فقط كدولارات وأصوات بل كبشر لهم رؤاهم وتطلعاتهم نحو وطنهم الأم، ومن حقهم، كالمقيمين، أن تكون لهم دوائرهم ومقاعدهم ونوابهم مما يفسح لهم المجال لتحقيق تلك الرؤى والتطلعات. حينذاك، وحينذاك فقط، يضم البرلمان تحت قبته نوابا عن المقيمين ونوابا عن المغتربين وبهذا تتكرس مقولة لبنان في جناحيه المقيم والمغترب بدل أن تبقى رمادا يُذّر في عيون المغتربين/ات.

إستطرادا، وخارجاً عن امورنا اللبنانية، ودون أن نصل إلى مرحلة التدخل في شؤون الأشقاء نسأل: هل طرح الأشقاء المغتربون العرب خاصة المشرقيون على أنفسهم السؤال التالي – وأعداد المهاجرين/المهجّرين من المشرق العربي في ازدياد دائم -: ما هي أفضل الأقنية للفعل السياسي الإغترابي لإنتشال أوطاننا الأم من الحضيض الذي وصلت إليه؟ وهل من إمكانية أو ضرورة لعمل عربي مشرقي إغترابي مشترك؟ هل من جواب؟ (انتهى)

المنتدى الاسترالي اللبتاني المستقل 

Australian Lebanese Independent Forum  

عنهم 

طتّوس فرنسيس 

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق