واضح بأن مأزق نتنياهو يتعمق،فبعدما نجح في إنقاذ حكومته من السقوط على يد نفتالي بينت زعيم " البيت اليهودي" والإتهامات له بالخنوع والضعف امام حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ....جاءت توصيات الشرطة الإسرائيلية بالتوصية بتقديم لائحة اتهام له ولزوجته سارة في قضايا الفساد والرشاوي،وبالتحديد في الملف (400)....وقبل ان يُقدم المدعي العام على توجيه لائحة إتهام بحق نتنياهو وزوجته،والتي قد يترتب عليها إنهاء مستقبل نتنياهو السياسي،وربما حبسه لسنوات،كما هو حال سلفه يهودا اولمرت ...ونتنياهو قد يجد من المناسب في هذه المرحلة بالذات أن يخرج الى حرب مع حزب الله اللبناني من اجل خلط الأوراق،وإعاقة تقديم المدعي العام لللائحة إتهام ضده....ولذلك نشهد تسارعاً غير مسبوق في تصعيد الأوضاع الأمنية على الجبهة الشمالية،حيث شرع الجيش الإسرائيلي بحملة أطلق عليها اسم "درع الشمال"، وذلك بغرض الكشف وإحباط الأنفاق، التي يزعم أن حزب الله يقوم بحفرها من جنوب لبنان إلى داخل أراضي -48- في شمال فلسطين،وهذه الحملة ينفذها الجيش بقيادة المنطقة الشمالية وبمشاركة هيئة الاستخبارات وسلاح الهندسة وإدارة تطوير الوسائل القتالية ،وتشمل اغلاق مناطق قرب السياج الحدودي مع لبنان وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة،وكذلك القيام بعمليات تحصين وحفر خنادق ووضع المزيد من العوائق من الكتل الصخرية الضخمة.
وقد سبق حملة ما يسمى بدرع الشمال لقاء عاجل في بروكسل أمس الإثنين بين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو،حيث وصف هذا اللقاء بانه على درجة عالية من الأهمية،ولكون نتنياهو اصطحب معه مسؤولي جهاز الموساد والأمن القومي بالإضافة لسكرتيره العسكري،رجحت مصادر عسكرية بأن هذا اللقاء يهدف الى تفعيل " الساعة" السياسية من اجل منع حزب الله من إمتلاك أسلحة ايرانية متطورة ودقيقة،والضغط على الحكومة اللبنانية أيضاً لمنع الحزب من اقامة مصانع أسلحة للحزب بتكنولوجيا ايرانية متطورة على الأراضي اللبنانية،والمصادر العسكرية والسياسية ترجح بان اسرائيل ستستخدم قناتي واشنطن - باريس لممارسة مثل هذه الضغوط على لبنان والحكومة اللبنانية،واذا ما فشلت تلك الجهود فإن اسرائيل ستعمل على استخدام القوة العسكرية من اجل إزالتها..وتدعم تلك المصادر تحليلاتها بان الأمور تتعلق فقط بتفعيل " الساعة" السياسية ،وليس إعلان حرب شاملة على لبنان وحزب الله،وأنه لو كان الأمر متعلق بحرب او عملية عسكرية،لكتفى نتنياهو بإرسال واحد من قادته العسكريين الكبار،واستخدم الهاتف في حديثه،ولكن عدم استخدام الهاتف ونوعية المرافقين له باللقاء، تدلل على الأهمية القصوى للإجتماع،والذي قد يتجاوز التفعيل ل" الساعة" السياسية،والتي ربما تكون المرحلة الأولى في المخطط الإسرائيلي- الإمريكي في الحرب التي ستشن على حزب الله،ويبدو ان نتنياهو يتجاوز ما هو مخطط إرتباطاً بظرفه الذاتي المتعلق بمستقبله السياسي وإمكانية محاكمته،ونحن ندرك تماماً التحريض المستمر الذي تمارسه اسرائيل وقادتها على حزب الله وايران وسوريا،فقد سبق لنتنياهو في الدورة الثالثة والسبعين لإجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة الذي عقد في أيلول الماضي،والذي ادعى فيه أنه يكشف عن ثلاثة مواقع في لبنان تستعد فيها إيران وحزب الله لتطوير وبناء مصانع لصواريخ ايرانية دقيقة ومتطورة.
اسرائيل من بعد فشل عدوانها الأخير على قطاع غزة،وتعهد نتنياهو لقوى اليمين الصهيوني بإستعادة قوة الردع الإسرائيلية،وما لمسه من تطور في قدرات المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً،بات على قناعة تامة بأن هناك خطر وجودي يتهدد دولة الإحتلال،فحزب الله بعدما تحقق النصر السوري على الجماعات الإرهابية،اعاد تموضع قواته وإنتشارها،بحيث نقل ثقل قواته الى الجبهة اللبنانية،وبالمقابل يعمل بالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني وقوات المقاومة الشعبية السورية على إعادة فتح جبهة الجولان.
وكذلك دخلت في حالة من الهلع والهوس الأمني في ظل تقارير تتحدث عن أن الطائرات الإيرانية تقوم بإفراغ منظومات الأسلحة الدقيقة مباشرة في بيروت وبما يضعها أمام تحديات امنية وعسكرية خطيرة.
اسرائيل التي كانت تستبيح الأجواء السورية،قبل أن تتمكن سوريا من إستعادة سيطرتها على الجغرافيا السورية التي كانت تحتلها قوى إرهابية وعميلة،وكذلك قبل تطوير وتحسين شبكة دفاعها الجوي وإستسلام شبكة صواريخ (اس 300) الروسية للدفاع الجوي، شنت أكثر من 200 غارة على الأراضي السورية من بداية عام 2017 ،ولكن بعد تسلم صواريخ (اس300) وتحسين شبكة الدفاع الجوي السوري، تقلصت تلك " الحرية"نوقد لمسنا ذلك في الهجوم الإسرائيلي الأخير بالصواريخ على مواقع عسكرية سورية في منطقة الكسوة جنوب العاصمة دمشق،زاعمة بأن الهجوم استهدف مواقع عسكرية لحزب الله والحرس الثوري الإيراني. واسرائيل تشعر بان المشكلة مع حزب الله أعوص وأصعب،فالحزب يعتبر أي هجوم على لبنان بمثابة حرب،يستوجب الرد عليه،وحزب الله نشر فيديو مؤخرا بالغتين العربية والعبرية هدد فيه القيادة الإسرائيلية، بأنها ستندم اذا ما شنت حرباً على لبنان وحزب الله،فصواريخه قادرة ان تغطى بدقة كل مساحة فلسطين التاريخية،وان تصيب بنى وقواعد عسكرية اسرائيلية بشكل دقيق.
اسرائيل تجد نفسها بين خيارين احلاهما مر،اما شن حرب على حزب الله لتدمير مخازن ومصانع الأسلحة والصواريخ المتطورة،ورد حزب الله الذي قد يتسبب،ليس فقط بخسائر كبيرة بشرياً ومادياً واقتصادياً،بل وربما الى إنهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية،والخيار الأخر هو مواصلة الضغوط السياسية على ايران وحزب الله والحكومة اللبنانية،من اجل منع إقامة مصانع للصواريخ الدقيقة الإيرانية على الأراضي اللبنانية،وهذه الصفقة ستكون مكلفة،ربما تلزم اسرائيل بالإنسحاب من الجولان السوري المحتل،ورفع العقوبات الأمريكية عن طهران.
التصعيد الإسرائيلي على الجبهة الشمالية يترافق مع ازمات عميقة لحلف واشنطن – تل ابيب – الرياض،حيث العقوبات الإقتصادية الأمريكية المشددة على ايران،لم تفلح في لي ذراع القيادة الإيرانية وإجبارها على التراجع عن استمرار تطوير صواريخها الباليستية،وإعادة التفاوض معها حول الإتفاق النووي الخاص بها الموقع عليه أممياً (6 +1) ،ونقضته وألغته واشنطن،وقادتها يهددون بانه لن يسمح لأي دولة بتصدير نفطها عبر الخليج العربي،إذا ما منعت طهران من تصدير نفطها،والسعودية تعيش ازمة فشل حربها على اليمن،وما سببته قضية قتل مواطنها الخاشقجي في سفارتها بانقرة من مس بسمعتها،واحتمالات توجيه اتهامات لولي عهدها محمد بن سلمان بالمسؤولية عن هذه الجريمة،وإحتمال تشكيل محكمة دولية لهذه الغاية،ونتنياهو يعيش مأزق الفشل في حربه العدوانية على قطاع غزة،ومأزق احتمالات محاكمته وسجنه على خلفية ملفات الفساد والرشاوي،ولبنان اوضاعه الداخلية غير مستقرة،بسبب التوترات الناشئة بين حزب الله وقوى الرابع عشر من أذار اللبنانية،والتي تدفع نحو تأزيم الوضع مع حزب الله باوامر امريكية وسعودية.
لقاء نتنياهو مع وزير خارجية أمريكا بومبيو في بروكسل والعملية العسكرية الإسرائيلية المسماة ب "درع الشمال" لكشف انفاق حزب الله الهجومية الممتدة من جنوب لبنان نحو داخل الأراضي الفلسطينية الشمالية – 48 -،ومازق نتنياهو الشخصي والذي قد يطيح بمستقبله السياسي وبقائه لعدة سنوات خلف قضبان السجن،بسبب فساده ورشاويه،قد يدفعه ذلك لشن حرب على حزب الله ولبنان،تحظى بتغطية سياسية أمريكية،ودعم عسكري أمريكي مباشر،وبإنتظار ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.
0 comments:
إرسال تعليق